أيار 18
 الفانتازيا: تناول الواقع من زاوية غير مألوفة، تشبه رؤية القمر في قارورة زجاجية، مشعة كالنور، وربط الحدث بالواقع!
هي المساحة التي يضمنها تحدثك بصوت عال من دون ان يكون عليك أية صفة جنائية او اتهام بالتطاول نحو رموز دينية او سياسية او أية اتهامات اخرى غير متوقعة من اصحاب التفسيرات الأيديولوجية!
ألم يلجأ الرحابنة في المسرح الغنائي، الى ابتكار شخصيات ترتدي حقبة ما غير محددة بتاريخ، الوالي وقوانين الضريبة في مسرحية ناطور المفاتيح!
ومسرحية بترا، الزوج الملك المحارب وزوجته التي ضحت بابنتها، سفر برلك كان واقعا تاريخيا في زمن الحكم العثماني حبيبها الذي اخذوه الى السُّخرة كم كان واقعا موجعا لم تتحدث عنه اي من الافلام بعدها ولا حتى الاشارة اليها في اي من المسلسلات التركية والسورية!
كيف للمثقف ان يتحدث ليتنفس المواطن العادي وبضمان ان يُنفّس المثقف عن واقعه بوصفه العين الثاقبة للمواطن البسيط الذي يأمل ان يتحدث عن احتياجاته وحقوقه المدنية وان يظل المثقف، خارج الرقابة!
مسلسل الفايكنغ من انتاج 2013 باجزائه الخمسة تتحدث عن البطل الاسطوري، راغنر لوثربروك، فهل كانت القصة تاريخية حقيقية ام فانتازيا؟ وهل تمثل حقبة تاريخية حقيقية ام ابتكار كاتب واسقاط تاريخي؟ ام انها تأملات اليائس بابتكار شخصية لحاجة المشاهد لبطل لا يقهر وداهية كسر شوكة ملك انجليزي، اتصف بالقوة والبطش؟ ام خيال يصل الى حد ما من الحقيقة باسقاط احداث تاريخية على الشخصية المبتكرة "فانتازيا"، كي تكون أقرب الى التصديق؟!
هل التاريخ تجاوز الحديث عن الفايكنغ عمدا ولم يؤرخ لها لأسباب سياسية بحتة، إذا ما صح السرد بأنهم فعلا وصلوا الي اسبانيا وهدموا اسوار باريس واختلطوا بالدماء الملكية الاوروبية؟!
هل هم حقا ويلزيون استقروا كمزارعين بعد اتفاقية بين فاغنر والملك الانجليزي اكبرت؟! وهل المحاربون الشرسون الدمويون، خضعوا للاستقرار مقابل مزروعات في ارض انجلترا؟! اذن هي الفانتازيا والاسقاط التاريخي والخيال الدرامي الذي يحفزك على المشاهدة والمتابعة، ظانا أنك تشاهد فيلما وليس درسا أنموذجيا تعليميا؟!
لماذا تطرح تساؤلات لا تعتني بالاجابة الكافية لها، لِم لم يذكر البحث التاريخي عن الفايكنغ الروسي؟!
وهنا المفاجأة ان التاريخ لا يعلم كيف تم المزج بين الفايكنغ من اصول اسكندنافية الى الفايكنغ الروسي، وان الايماءة التاريخية الوحيدة مملوءة بالشك، عن ان احد ابناء فاغنر وهو الكسيح قد هاجر الي روسيا وانشأ جماعة روسية للفايكنغ لمجابهة أخيه بيرون الابن الوحيد لراغنر تاريخيا!
ويعود التاريخ ويشكك في انه ربما أرعب الدولة العثمانية في عهد مراد الثالث وهو الابن المتبقي من ابناء سليمان القانوني، الذي عقد معاهدة مع الفايكنغ على إحدى الدول الاوروبية وان الفايكنغ وصلوا الي مدينة اسبانية ساحلية وضعوا باهلها ونكلوا بهم! مما ادى الي انسحاب القوات العثمانية من اسبانيا!
لست موقنة كثيرا من هذا الحدث التاريخي لكني بمشاهدة المسلسل بأجزائه الخمسة، كان الظاهر للعيان هذه الاسقاطات التاريخية، وايضا اسقاط القضايا المعاصرة في وقتنا الحالي على المسلسل، كقضايا المثلية! تحدثوا عن ان المقاتلة التي ذاع صيتها أكثر من راغنر لوثربروك زوجته الاولى لاغرثا كانت مثلية! وأنها طالبت بالمساواة بين المرأة بمقاتلين اشداء من الفايكنغ! كم اضعفت المسلسل واصابته بالملل، لسذاجة الفكرة، حيث ان المرأة الفايكنغ كانت ضخمة البنية ومقاتلة شرسة كما الرجل وكان لها نصيب في الغنائم، كما لها مطلق الحرية في الجنس!
 هل النظرة المغايرة فقط للصنعة الدرامية والإثارة بتغيير مجريات الاحداث؟
ماذا لو كان الراوي التاريخي، الذي كتب التاريخ مواليا لجهة دون اخرى ولم يدون بأمانة، وكل ما وصل الينا كذب او احادي النظرة؟! او ربما ان الناقل للسيرة والاحداث كان يخشى سلطة، او مكانة، والخوف كان له اليد في قلب الحقائق، وفي تغيير مجريات الاحداث والدوافع؟!
قد نلجأ للفانتازيا في مجتمعنا الشرقي لهشاشة المنطقة سياسيا، حين تشاهد الافلام الوثائقية التي تصدر من منطقتنا العربية تكون شبه مبهمة او ناقصة المحتوى لا تشبع نهم الفضول الذي ينتظره العالم الخارجي من منطقتنا المغلقة إعلاميا، وتوقع من العالم المتمدن، ان ذلك بلا شك أدى الى كوارث إنسانية تحدث داخل المجتمع الغارق في الفقر والجهل والتشدد الطائفي والمذهبي، وتحولت الى المسكوت عنه!
هل اللجوء الي الأفلام المحرفة للتاريخ، مثل (باب الحارة)، والكثير من المسلسلات التي حين تشاهدها تغمز الحاضر بشكل او بآخر حين ترى المقاربة في مجريات الاحداث!
 كأنها الكلام الممتنع، ام التشبث بالماضي، والاضفاء عليه صفة المثالية في المعاملات والتشبث بالاصالة والعادات، ام لان الحاضر لا يمكن الحديث عنه بسبب الانقسام، ليصبح فانتازيا مخفية!
لدينا من التاريخ الكثير المخبأ في دفاتر شبه بالية ذاهبة الي الماضي والاهمال، شمشون الجبار ودليلة الخائنة!
افلام الرومان والاغريق تظل على قائمة الاعلى مشاهدة، الميثولوجيا الاغريقية أخيل، طروادة، واثينا وزيوس، وهرقل واسقاطات التاريخ عليها وجعلها أكثر دموية وشراسة او يطبق عليها قوانين ديموقراطية لم تكن قد عرفت وقتها بعد، لم لا نحتفي بأساطيرنا العربية ونحولها الى فانتازيا!
الغول والعنقاء والخل الوفي، ابو كلبان والدجِّيرة في الاساطير الحجازية، لدينا من التاريخ ما نحتاج الى تعريته ونقضه واثباته واعادة النظر والسرد من وجهات نظر حديثة لا تنتقص من شانه أكثر مما نحتاج الى اعادة صياغته برؤية جدلية!
استفزاز الثابت بغرض التشكيك وطرح افكار خيالية لها علاقة بالتاريخ فالعراق ومصر وسوريا واليمن الحضارات القديمة مادة خصبة للأفلام!
لم لا نخرج السرديات المتواترة من إطار التقديس الي دائرة الفانتازيا كي نعرضها بشكل مختلف ونطرحها لمخيلة الكتّاب الكبار!
لنخلق صورة سمعية وبصرية للمنحوتات والمجسمات، تحفيز للخيال بعيدا عن التشويه، نطرح جانبا قال فلان عن فلان عن جده عن ابيه سمع من ابن فلان حتى يصل الى مئات من السنين المتوارثة بين قال وقيل، الى فضاء اوسع، بوعي الكاتب ومرافقة الرقي الثقافي كي نترك اثرا ثقافيا، حركة فكرية وحرية فكرية، تتحرر من قيود لا مساس لها بحياتنا.
ان اهمية الفانتازيا تكمن في طرح القضايا، لإثارة حفيظة الخاضعين للقداسة واعتقاد "جاءت كما هي" ولكي يستجيبوا ولاءً اعمى: سياسيا او قوميا او مذهبيا او عرقيا!
الخروج من البحيرة الساكنة في غابات الروح، الى البحر الكبير والعوم في المحرمات والسكوت عنه، فالمجتمع يزخر بالمصائب والجراح الغائرة، مشغولين بالموت البطيء.
 فانتازيا الواقع الحقيقي للشريحة المجتمعية الاكبر "الفقر والتردي الاخلاقي والانساني" البحيرة الاسنة التي ينظر اليها الكتاب والمثقفون بنظرة التغافل!
فلنقف وقفة سينمائية لمحاكاة الواقع بالفانتازيا!!
 ــــــــــــــــــــ
منار غالب حسين: كاتبة سعودية، تكتب إلينا لأول مرة