أيار 18
 
- قل! ألن تتحدث بكل هذا الى أصدقائك ذات يوم؟
- لا.. والله!
- ثم ماذا؟ تحدث! لن يضيرني ذلك.
- لا وحياتكٍ
- - -
الصمت.. والصحف الصباحية، والتهاب في بلاعيمي، ومنذ ساعات وأنا أقول لنفسي: إنها قصة تافهة... واحدة من ملايين التفاهات التي ترتكب في كل يوم.. واكثر من هذا، إنها قصة حب...
- لا يا تافه! مزّق أوراقك، واخرج الى الشارع!
- واذا ضللت الطريق؟ واذا اقترفت جريمة جديدة؟.. فكيف تعود بنعشي الى البيت؟ وبايما لسان تبرر لهم موتي؟
الناس يموتون دونما مبرر.. هذا المرض يسلك اليوم طريقاً لا قدرياً...
"تك..." وتموت!!
- هش.. إنها قصة حب!
- يا ابله! ومن الذي يقرأ قصص الحب في هذه الأيام؟
أصنع لهم على خدها شامة.. هكذا: نقطة صغيرة من خمر، انساها فتجف. وأقول لهم: انها كانت واحدة من ملايين الصبايا اللواتي يملأن البيوت!
- قل! ألن تتحدث عني إلى أصدقائك ذات يوم؟
- لا... وحياة عينيك!
- كذاب. ثم ماذا؟ تحدّث!.. لن يضيرني ذلك...
يضيرها، ويضير أجدادها.. وغداً، حين تقرأ هذه البلهاء، حروفي، ستلتفت الى صديقاتها وتقول لهن بكل خبث:
- انظرن الفتاة التي يحبها...
- - -
سألوني عن اسمك يا حبيبة أمها. أصدقائي، الف مرة سألوني عن اسمك، وتطلعوا إلي بخطورة:
- قل اول حرف من اسمها...
- ...
- انها سعاد.. لا ريب!
- لا والله!
وابتسم...
- هه.. سعاد! ليس ثمة سواها!
وأتمنى لو كنتِ سعاد! بالبيت!
لسعاد نهدان يساويان ارث أبيك كله.. نهدان ما رأتهما مرّة، إلا واحسستَ انهما ينزّان من شدهما صمغاً وحليباً، فاروح ابحث عند وقع الحلمتين منهما على الثوب المنمنم – هكذا: عن اثر ... بقايا...
أقول لهم – لاصحابي.. الرجال المراهقين.
- ولماذا تسألون عن اسمها؟ هل يعني الاسم شيئاً؟
- أشياء!!
ان اسم "خيرية" مثلاً، لا يمكن أن يوحي الي الا بمنظر قحبة، او بزوجة تبلغ الأربعين في حي من الاحياء الوسخة التي تقع خارج المدينة...
- اسمعوا. هل يستطيع احدكم أن يصل بعد غروب الشمس الى حيّ خارج المدينة؟ أن يزور المقبرة ويدق فيها وتداً؟
يحكي ابي- ولعلها قصة واقعية – أن بعض الرجال، وضعوا رهاناً لمن يستطيع منهم أن يذهب الى مقبرة المدينة بعد منتصف الليل، ويدق فيها وتداً. وقد رضي أحدهم أن يفعل، فذهب الى المقبرة، ودق الوتد، ولكنه لما أراد الحركة... العودة، وجد أنه لا يستطيع. كان ثمة ما يشده الى ارض المقبرة، فاغمي عليه. وفي الصباح، وجدوه، ووجدوا أنه لفرط ارتباكه قد دق الوتد على جانب من ثيابه، فتعلق بالأرض.
"انظر جيداً قبل أن تدق الوتد... اننا نعرف الكثير من الأرواح في مقبرة المدينة..."
ما علينا..
نثار اسمك الصغير على منضدتي.. كنت قبل أعوام، اخط الحرف الأول منه بالإنكليزية على كتبي ودفاتري، وارسم حوله قلباً، ثم استحي، فأروح اهشّم ما فعلت..
"سمّها لخاطري اسماً جميلاً.. اسماً فيه الكبرياء والأناقة..
- يا ابله! لا تقل أشياء غامضة. ثمة من يراقب فمك كيف يتحرك!
- حسناً يا سيدي. لا تكن سخيفاً. اكتب في تقريرك إنني امصّ اسم حبيبتي...
- لن يصدقك.
- يطبّك مرض...
- - -
كم تبلغين من العمر الآن؟ لعلكِ قاربت الثلاثين؟..
قالت لي مرة:
- ما كان أن تخبرني انك أصغر مني سناً... أوه... ما كان لك أن تفعل!!
- حسناً. ولكن من يراني يحسبني أباك!
- حقاً؟
ثم أردفت بصوت حالم:
- لقد مات ابي منذ زمن بعيد!
كما يموت الناس؟
فضحكتْ بشهوة وقالت لي: استحِ
ومن تحت المنضدة، كانت تدوس قدمي... وكان النادي باسره كل الطالبات يحشرن سيقانهن تحت المناضد، وكن يتصنعن الدراسة، ولم يكن سوى اللهاث.. ودخان السكائر.. وعبق لطيف...
أنا اذكر جيداً.. كان على الجدار صورة "لفان كوخ".. صورة فيها الشمس والارض... وفي الزاوية، مذياع عتيق، كتبوا عليه "لا يسمح بفتح الراديو الا للطالب المسؤول".. ونافذة هكذا: وسخة يطل منها محمود بالشاي حلواً الى حد التقزز، وبالقهوة...
- بكم تبيع النستلة للعشاق هذه الأيام يا محمود؟
- - -
الجو غائم، وليس في النافذة سوى الوان من رماد.. لقد قرأت الصحف خبراً خبراً.. وثمة على احدى المجلات صورة انثى يقشعر العري على منابت الشعر فوق فخذيها.
مرة واحدة فقط رأيت فخذيكِ، ومن بعدها لم نعد نلتق..
- احلف أنها وجدت سواك!
أصبحت تغلق التليفون، وهي تقول بكل بساطة:
- اخي غلطان!
فاود! لو أقول لها:
-ابداً. لقد أريتني فخذيك ذات يوم!
وتيك التليفون على اذني هكذا:
"تك..." وتموت!
- ذاك شيء يحدث كثيراً...
- ما الذي يحدث كثيراً أيها الأبله.
- انقطاع الخيط!
ويضحك... انهم يضحكون بتشفٍ.. ايتها الحمقاء، ضحكة كأنها اجهاشة جرح!
- اخي غلطان..
والشارع من حولي يغمى عليه، ويختلط صخب الكازينو الذي أتكلم منه.. وانسى، حتى أن أضع قطعة العشرة فلوس في يد صاحب الكازينو الكهل..
نسيتُ والله!
- لا بأس..
تلك نهاية القصة الا ترون؟ انني ابدأ بداية سيئة، والديكة في هذا الحي تصيح ظهراً... وقريباً، يصدر أمر بإعدام جميع الديكة.. انه لفأل سيّء أن يصيح الديك قبل أوانه.. أن يتم الشيء قبل أوانه.
ومع ذلك، فكثير من الناس يلذون اكل التفاح وهو بعدُ لما ينضج...
وثمنة..  من الاجنّة ما يولد في الشهر السابع..
- ويعيش؟
- اجل يعيش...
ألم يكن من سوء حظي، انني لم اترك لنفسي جنيناً، حتى اليوم، في رحم أنثى؟ في رحمك أنت بالذات؟
ألف مرة توسلت بي:
- دعني احمل منك!
- ولكن.. ألا تخافين؟
الخوف.. الخوف شيء أفظع من الموت...
انه إنسان لا ينفك يخرى في ملابسه الداخلية.. إنسان وسخ.. مشلول
وحين كنا صغاراً، كانوا يلقنوننا الخوف، كما يعلم الطائر صغاره على الطيران.. يتوارثون اساطير من الحكايات، لا يفتأون يثرثرون بها، فمن تحدّى أساطيرهم، قالوا عنه:
- ادب سز. اما تخاف؟
وكان في بيتنا الكثير مما يجب أن نخافه..
الله قبل كل شيء..
انهم لم يتركوا لي أن اعرف الله، بالطريقة البريئة التي اريد ، حتى لقد خيل الي أن الله يلاحقني ابداً باصرار، مفتح العينين، يترقبني أن ازلّ.. أعثر.
- ولك.. هي. الا تنام، الا تتعب؟
النوم والموت سيان، هه! لقد قالوا هذا منذ آلاف السنين. أمس، قرأت شيئاً شبيهاً به في ملحمة "كلكامش".
- تعرّف الملحمة بانها...
وصوت مدرس النقد في الكلية أخنّ الى حدّ ما. وهي تجلس ابداً في الدروس الى جانبي، وتمسّ يدها يدي احياناً، فيحمرّ وجه الأستاذ، ولا يعود يجيد الحديث في النقد..
- لشد ما يطيل النظر إلي..
- انه يحبك..
- اوه.. لا تكن سخيفاً يا حبيبي..
بنت الكلب. ألم تقل لي مرة أن معاون العميد قد خطبها الى أبيها؟
- ولكن أباها مات منذ زمن بعيد...
- ومع هذا.. لا بد أن يخطبها الى أحد ما... وكنت أقول لنفسي إنها تكذب..
- وبعد؟
- لم يوافق اهلي.
- لماذا؟
- اوه نحن من عائلة...
تفو عليك وعلى العائلة...
وتردفين بحياء خبيث..
- لن اتزوج احداً... لن اتزوج!
- حتى أنا؟
- يا حبيبي. ان الأمر يختلف معك. أنت تعرف جيداً أننا لا يمكن أن نتزوج.. لماذا لم تولد على دين اهلي؟
وافكر في نفسي: لعلها الفتاة الوحيدة التي تحب، دون أن تفكر في الزواج.. دون أن تقول لك بعد كل قبلة "حسناً.. متى تخطبني؟"
وكان يطيب لي بعد هذا أن أتخابث..
- تعالي نهرب، ونتزوج!
- محال.. لن ينفك اهلي حتى يقتلوك..
لا يا بنت الكلب.. اتحسبني جرادة فيقتلني أهلها
أهلها...
- يا حبيبي نحن عشائر!
وأروح اتخيلها، في ملابس شمالية.. عند سفح مليء بالتبغ والجوز والبلوط.. يقوم على يمينها أبوها، وبندقية سوداء على كتفه..
"تك.." وتموت..
- اسمعي يا حبيبتي، يلوح لي أحياناً أن الناس يموتون في هذه الأيام دون مبرر.. فمن الخير لي، ان كان لا بد من الموت. أن أموت من الحب.. ان ذلك كفيل بأن يجعلها قصة تستحق النشر...
- أخي غلطان..
يطبّك مرض!
سأحكي كل شيء... حتى عن لون عرقٍ كان ينبض على شفتيك.. عن الشعر المحلوق تحت ابطيك، عن كل الهذيان الذي كنت تبصقينه حتى يشتد عليك الجنون...
يومها لم تكوني تصبغين شفتيك!
كنت فتاة "عاقلة".
وكان لك عينان جميلتان. وكنت أقول لك تعالي، فتجيئين كجارية في حرم عبدالحميد، حتى لقد اوشكتِ يوماً أن تقبلي قدمي..
- أنا؟
- اجل أنت!
يومها لم يكن عملك ليبدو نابياً، كان الفندق عظيماً، وكنت قبل هنيهة قد تلذذت بدفع لسانك باسره في فمي، حتى لقد اوشكت أن اقيء..
لو فهمتُ حسب سرّ ولعك بأن تبصقي لسانك في فمي ونحن نعتنق، وسرّ شربك للعابي. آه. لا بد أن احداً عوّدك هذه الدعارات..
تريدين الحق؟
لم تكن شفتاك صالحتين للقبل...
عندي، انهما كانتا شحيحتين لا تكادان تملآن قبلة..
فلتملأ شفتيها
تعجبني الشفتان في حجم قبلة كبيرة!
اما شفتاك، فكانتا كمنقار عصفور!
لو كان للعصفور أن يعيش سنوات طويلة، لما اخترت أن أكون سوى عصفور في حديقة منزلنا، أعيش على شجرة التوت الكبيرة وابني لي عشّاً، واتزوج عصفورة بنت عصافير...
اليوم.. وأمس.. وقبل أمس هجرت المنزل الذي ولدت فيه، ودلفت مع القافلة المهاجرة في صمت الصباح، وتركت في زاوية من غرفتك، صورك ورسائلك وكتبي واوراقي ورسائل الاصدقاء لكي أكون عصفوراً، يجب ان لا تهاجر العصافير.. وأن أبقى ابداً على شجرة في حديقة منزلنا، مشدوداً الى العش..
ولكنني لست عصفوراً، ولا هراً، ولا كلباً. المشكلة: انني جعلت انساناً، يجب ان لا يهاجر لكي لا يموت..
لكي لا يجعلوا من عشه الصغير سجناً وقضباناً..
لن يكون السجن شيئاً كريهاً، اذا كان ثمة حبيبة تزورك فيه كل ضحى، وتضع على راحتك عينيها، وطعاماً معلباً، وقصاصات من صحف اليوم، ثم تجتهد ان لا تبكي وهي تنظر الى قيودك.. اما هي فلم تكن تزوره في سجنه.. لم تكن تدري حتى انه سجين..
لم يزرني احد سوى امي، ولم يكن لها ما تحمله سوى شعرها المشتعل، وعينيها الخزفيتين.. ودموعها.. وحسرة كل من يراها في الطريق.. كثيراً ما خيل اليه انها هي واقفة عند الباب تتوسل بالسجان ثم تدخل اليه، تحمل سلة ملونة وتهمس له بنعومة يا حبيبي اف..
لقد تعبت من خيالي، ومن خلال ذلك بصقت عليك حتى جفّ ريقي.. وندمت لأنني قلت ذات يوم: احبك.
خذها نصيحة..
لا تقل لفتاة احبك. قل لها كل شيء الا هذه الكلمة، والا ستكون تافهاً كحذاء!!
كانت تعيب عليّ انني لا اصبغ حذائي، وانني بشكل ما اعتني بملابسي، وكانت ونحن في النادي لا تتردد ان تصيح بالصباغ:
- سليم اصبغ له حذاءه.
وينظر اليّ الصباغ بخبث، ويتطلع اليّ من تحت، عبر ساقيها، ثم يقبل على الحذاء فيصبغه ببراعة واتقان..
اما الآن، مذ فارقتك/ فلم يعد في الدنيا من يفكر في ان يعتني بي.. ان حذائي ليتهرأ في هذه الأيام، دون ان افكر بصبغه.. وان اسبوعاً ليمضي دون ان احلق لحيتي..
سنلتقي مرة في الطريق..
ما أزال احلم بهذا.. التقيه مرة وانا سائر في الطريق، وما ان تتبينني حتى يشحب خداها وتختلج شفتاها:
- انت؟
- اجل انا!
الامل في ان القاك هو عين الخوف من ان القى ذات مرة اعدائي، كلاكما على موعد معي في الطريق..
اوه.. فليكن ذلك في وضح الشمس..
قبل سنوات، كنت اجرجر قدمي الى بيتها في الضواحي، فأصل اليه، وقد مالت الشمس لتغيب، وأمر على الباب، وأقول لنفسي: ها.. ستخرج الآن.. ويثقل خطوي.. و .. اعبر.. ثم لا انفك بعد ذلك، اتلفت، واحدق في النوافذ، ولكن.. حتى النوافذ في داركم لا تستطيع ان تتحرك، ولا بنصف شبح.. بما يوهم انه شبح
وأعود..
- تعود فاشلاً؟
- لا يا ابن الكلب.. ان الفشل شيء كبير!!
يبقى في نفسي ان اراها غداً..
- أين؟
- أين؟ في الباص مثلاً!
تفتش عيناي بين الوجوه، وانا أقول لنفسي لا بد انها تبدلت الآن.. ملامحها.. شعرها. لقد كنت قبلا ترسلين شعرك ببساطة.. عجباً انا لا اذكر عنك اكثر من هذا. ربما اذكر انه كان لك معطف ذو لون فاتح لا اتبينه الآن بالضبط.
واتوهم احياناً.. ان واحدة تشبهك، ربما لأن شعرها كان مثل شعرك مسترسلاً.. فأتبعها كالمجنون..
- كالمجنون؟
- اجل، كالمجنون..
- مسكين..
- اخي غلطان..
*****
الوحدة في الدار اخبث من الشيطان..
قرأت "عاصفة على السكر" وتسمعت الى اخبار الدنيا، وتخيلت لنفسي لحية كلحية كاسترو..
- ترى كيف المناخ في كوبا الآن؟
- بارد..
- حار..
لا عليكِ. سأزور العالم ذات يوم، احمل حقيبة على ظهري كما يفعل الجنود، وأسير حتى ادرك نهاية الدنيا..
- من اين ينتهي العالم يا عم؟
ونظر الي بعينين حزينتين. كان شيخاً مكسيكياً. وكانت قبعته تنفتح على ملامحه كالمظلة، وأشار اليّ بيد معروقة وقال:
- من هناك يا بني...
حقول من السكّر.. وغابات صنوبر سوداء، وشلالات عظيمة.. ومزارع الرز.
انا اخوض في مزارع الرز، عاري القدمين..
- مصاب بالبلهارزيا، ودمي شديد الشحوب من الجوع.. والتعب.. والخوف..
يا حبيبتي من الجوع والتعب والخوف..
اعرف ان ليس للخوف سقف أتقي به.. ليس له بيت.. ولا مدفأة..
أما أنا وأنت، فكنا ذات يوم نرسم على الورقة بيتاً جميلاً.. كانت غرفة واسعة، ونوافذه كبيرة، وكانت الشمس تتجه من الشمال الى الجنوب.. كنا نتعاطى بالاحلام، اربع سنوات مليئات..
- اربع سنوات؟
- اجل يا سيدي. اربع سنوات!
- متى حدث ذلك؟
- حدث؟ اسمع يا عم: في اية سنة نحن الآن؟
- الف وتسعمائة و ..
وبعد أيام تجري الانتخابات
- لو كنت عاقلاً. أغلقت الباب على نفسك، وأخرجت لسانك للجميع.
- واذا تلمسني أصدقائي، واذا بحثوا عن موضع المعركة من جسمي، فلم يجدوه، افتقف لتقول عني دون حياء، كلمة ذات حدود؟
تعلمت ان حبيبتي حين تفقد بين ذراعي الحياء والخوف، تستطيع ان تكون اشد عهراً من العاهرات..
كنت تنسين انك من عائلة: وان أخاك وأباك وامك.. وجميعهم تحدروا من عشيرة عريقة. وكنت، وأنت تلفين ذراعيك حول جذعي وتتضورين كأيما كلبة، ادركتها طبيعة الحيوان.. كنت..
ألف مرة قلت لي "يا حبيبي"
كانت تلفظ نداءها من خلال ثنايا العناق المتلاصق، فتنفذ الحروب اليّ رطبة.. ذات رائحة..
وذات يوم، حين ادركها العياء، قالت لي من بين نعاسها:
- شكراً
أنتِ ترين يا حمقاء انني لا استطيع النسيان، يومها ان المطر يتساقط على زجاج السيارة، وكانت الدور في ضواحي المدينة تتدثر..
 كئيبة هي أيام المطر.. اكاد احسّ كأن الرطوبة تسيل على عظام رخامية، هكذا كثيفة ذات قوام هلامي، فكأن الدنيا بأسرها تعاني مخاضاً يوشك ان يدلق رحمها من بين فخذيها
دع الشمس تشرق من اجلي.. من اجل حبيبتي التي تخاف من المطر..
*****
أواه..
لكنت ولدت لي اجمل الابناء..
ولكنا قصصنا عليهم حكاية الحب التافهة التي عشنا.. ولكنا اطلقنا عليهم، على أولادنا، أسماء ذات جرس جميل – اجمل الأسماء
- أنت تستطيع ان تطلق اجمل الأسماء على اقبح الأشياء.
- لا يا ابن الـ .. تلك ليست صناعتي..
*****
كان اسمها نثارا من حروف أليفة، حتى كنت اتوهمه احياناً اسم ابنة عمي.
كان لصورته وقع على عيني، فاذا ما قرأته، أينما كان، وقفت حدقتاي على ضفة، كأنما تتخوفان الغرق..
- أيكون اسمها سهام؟
- شيء يشبه هذا.. وماذا يعني اسمها لديك؟
- لا شيء؟!
اسمع! هل جربت مرّة ان توطّن نفسك على حب فتاة معينة.. زميلة لك في العمل.. جارة.. او بنت جار؟
- هلو
- العفو اخي.. غلطان!
- ما الغلط؟
غلط.. اخي غلط.. انت ما تفهم؟
كنت اعرف انها حينذاك تمسك فلبها اشفاقاً وانها لكي تستطيع الكذب، الكذب عليّ انا بالذات، كانت تسبل جفنيها لأن عينيها كانتا تشفان بسرعة عن الكذب. فأحس كأنها تود ان تضيف "فدوة لعينك" بلهجة بغدادية ذات جرس انثوي..
- غلط يا حبيبي.. لست انا التي تتكلم..
يومذاك، لم يكن التلفون يتكئ على مسمعي، كان ينام على مسنده بنعومة، وكنت افهم ان ثمة من يصغي او يمكن ان يصغي الينا..
- من؟
- امي..
- امك؟ ولكنها لا تفهم العربية..
- اوه.. انها تفهمها جيداً كالشياطين.
- لقد سمعت صوت امك مرة:
- هلو
وخيل اليّ ان في نبراتها صوت بلوطة تتكسر..
- منو تريدين؟
وألقيت وانا اضحك في اذنها شتيمة فاحشة، وأغلقت التلفون..
- يا حبيبي. لماذا فعلت ذلك؟
- بشرفك ألم تكوني واقفة؟
ونضحك بعذوبة
يا الله! انهن يستطعن ان يجعلن لكل شيء عذوبة وجمالاً:
- هش. ثمة من يصغي الينا!
الف اذن فضولية أصبحت تندسّ منذ سنوات على مخدتي، كأنما تتوقع ان أقول شيئاً من خلف نعاسي..
اشترِ لك احداً يهتم بك.. احداً .. احداً، حتى وان كان مخبراً، يلازمك من الصباح الى المساء، وتفكه بأن تدور به في الشوارع في الأيام الممطرة.
عيناه تثقبان ظهري. وسيكارته تنفث الدخان في عيني.
- كم يدفعون لك ايها الأبله؟
- .. ..
- خذا هذا، وراقب دار حبيبتي.. افعل هذا من اجلي، فتغفر لك كل ذنوبك!
بيتها يقوم موحشاً عند ضاحية العاصمة.. نوافذه معتمة ابداً لا تستطيع ان توحي اليك، حتى ولا بخيال يتحرك..
انا اذكر عتمة الدهاليز في الجامعة، وألوان تنانيرهن المزركشة اقوى من الظلال.. والقاعة رقم (22) وجلستها الى جانبي..
- هناك زنزانة رقم ..
- يا ابله. انا اتحدث عن القاعة رقم (22) كانت جالسة الى جانبي وكان الأستاذ اصلع بشكل قطبي، وكان يقول أشياء اعدّها جيداً قبل بدء المحاضرة. وللدروس الأولى في الجامعة نكهة غريبة.
اما انت فكنت تصغين بانتباه، وانا اتحايل على مدى الرؤية في عيني.. لأراك دون ان التفت اليك..
لكم ثرثرنا بعدئذ عن الدرس الأول، تماماً كالمقامرين الذين يستذكرون بعد انتهاء مقامرتهم لـ دقائق اللعب.
- ألم نكن نصنع التاريخ؟
- احمق! أبهذه التفاهة يُصنع التاريخ؟
ولكنني واثق من انه لا بد للتاريخ من تصنيعة: لم يسبق للتاريخ ان صنع نفسه بنفسه يا أصدقائي.. حتى من خلال قصة حب..
اشتدت عتمة الليل.. فكأن قطة سوداء تقف عند نافذتي..
لشد ما يبدو الليل وقوراً دونما نجوم
- أطفئوا المصابيح ليمر الموكب الى المقبرة.. انا اعرف في المقابر عدداً من أصدقائي. استطيع دونما حياء ان أخطّ أسماءهم على ضوء القمر أسماء عادية، ولكنها ذات شدّ عظيم..
اما انت، فلن يدفنونك معهم حين تموتين. ان لك مقبرة مسوّرة، وسيصنعون لك نصباً من الرخام، ويقولون: "لقد ماتت في عز شبابها.." هه! من العار ان يموت الشباب. تلك حكمة ربيعية.. رأيتها مكتوبة على سور المدينة، كتبتها سواعد في الظلال، وفجأة صبغتها أشعة الصبح الذهبية.
انظر هكذا مباشرة في عينيها. أضع على نظرة مؤدبة ولكنها متماسكة، وابتسم..
كنت ذات يوم استطيع ان افعل ذلك.. النظر الى عينيكِ حتى اجفانك ترتعشان بوضوح..
اوه.. أي زمن امتد بين عينيك وبين اليوم الأول الذي التف به ذراعك حول عنقي.
احلف: لقد كان اصغر الأيام!
لم نكن نحس في عظامنا صليل الخوف، لم تكن تتحرك في ضمائرنا ايما دورة من الشعور بالاثم.. كنا نفعل الخطيئة كما يفعلها الأطفال.. كما يعذب صبي وقح عصفوراً وهو يضحك..
كانت الدنيا .. سعيدة .. سعيدة.. سعيدة!
*****
انهم يضيئون المصابيح في شوارع روما، ويكللون قوس النصر بالزهور.. وينثرون الاوراد الصناعية تحت اقدام تمثال الحرية الحديدي، ويصبغون الضباب بلون الشفق الوردي.
وفي جميع البلاد يمسح العمال سخام المعامل من على زجاج النوافذ.. ويصبغون احذيتهم، ويرتدون للمهرجان أجمل الملابس.
اذكر... أن تنوّرتها كانت حاشدة بالورود.. تتناثر هكذا على ساقيها، وتتحرك.. وانها كانت ترتدي قميصاً ابيض، تنقره بدعابة حلمتها.. وكانت الاجراس تدقّ في العالم باسره.. أجراس ذات حناجر ذهبية.
وفي ذلك اليوم فقط.. قالت لي
- حسناً فلنهرب!
وفجأة رأيت المهرجان يتداعى كما يحترق بيت من ورق.
- ولكن الى أين؟
الهرب!... هذا الجري المبهور، الذي يجبرك ابداً أن تتلفت وراءك.. أن تخاف النظر الى "سادوم" وهي تحترق لئلا تصبح أنت فجأة عموداً من رماد.
- تعال نهرب يا حبيبي...
وقلت في نفسي "يا للحمقاء! هل أبقت لنا مكاناً نهرب اليه؟.."
- واهلك؟ اهلك المتحدرون من جبل العشائر؟
- دعنا نهرب يا مليكي...
- واذا تعقّبنا حرس الحدود؟ واطلقوا علينا النار عند الجدار الذي يقسم برلين؟
- دعنا نهرب يا صغيري...
- حسناً. فلينزل الليل على الخيام، ومن ثم امتطي فرسي، واخطفك في غفلة من الليل الى جبل بعيد...
- ولكنهم سيقتلونك... سيفقأون عينيك الجميلتين.. وستتركني ارملة من بعدك:
كل شيء الا الهرب...
فلتكوني اشدّ ترمّلاً من امي. ان لي اماً ترملت ببساطة يوم مات ابي، وهي لن تمزّق حدادهاـ حلفتْ. لن تمزق حدادها الا يوم زفافي...
"سازغرد لك يا ولدي.. وامزق الحداد الذي التحفته عشرين عاماً... وارقص امام الناس".
- أسمعتِ؟ سترقص امي امام الناس!
لا ريب أن الرقص يتعب عجوزاً في الستين.. وتنبهر أنفاسها ويسيل العرق على جبينها الشاحب..
- حلفتُ: سارقص يوم زفافك يا ولدي...
فتلك عادة قديمة... قديمة.. قِدم الارحام والاجنة!
- - -
مرّةً:
تحايلت أن أجس موضع الرحم منها، ورحت أمسّد على الموضع الدافئ منه. فقالت من بين نفسها:
 
- انظر لقد ملأت ثديي حليباً...
يا لبركة الام التي تنتظر جنيناً... وحسرة العاقر التي لا "يعضّ بطنها الزنبور". انهم هكذا يقولون في مدينتنا: لا يعض بطنها الزنبور...
تراب للدار التي لا تنبت اطفالاً.. وللرحم الذي لا يستطيع أن يلد سوى الخطيئة...
---
كانت تحبّ المرح، حبها للفاكهة والعناق... وكان الضحك يحررها من الشعور بانها مقبلة على خطيئة:
- ابتسم يا صديقي، أعطيك أجمل موقع من شفتيّ..
- شفتاك لا تسعان قبلة.. فنمنمتان .. اصغر من شفتي حمامة!
- ومع هذا، ابتسم لي يا حبيبي. فقد تعلمتُ القناعة!
كانت قد حفظت هذه الجملة. لا أشك في انها قد وجدتها في محلّ ما...
- اسمعي! لا بد انكِ قد وجدت هذا في كتاب ما... كتاب يعلم رسائل الحب!
- لا وحياتك يا حبيبي
الا ترون؟
لقد كنت حبيبها ذات يوم! شيئاً يملأ صدرها بالدماء حتى تتصلب في ثدييها الشرايين!
كنت آنذاك مرحاً كالفاكهة قبل القطاف.. اما اليوم، فعلى اعتاب كثيرة مسحت مرحي، لم اعد اطيق التنفس الا من رئتيّ.. حتى لقد بات يخيّل الي انني قد خلقت ورئتاي تحتكراني لجسمي الحياة...
وفي سنة ما ميلادية، قال المسيح "ليس بالخبز وحده يحيا الانسان..."
- حسناً. اعطني شيئاً آخر احيا عليه! فهناك الكثيرون في حيّنا يموتون من الجوع – هكذا – ببساطة دونما أن يعطوا الفرصة لان يموتوا ابطالاً!
ذاك أن الموت من الجوع لم يجعل من أحد بطلاً خلال التاريخ...
وهي تقول لي:
- جرّب أن تموت من اجلي... أليس رائعاً أن يموت الانسان من الحب؟
- لا ليس رائعاً... لن يكون الموت رائعاً باي شكل من الاشكال...
- واصدقاؤك؟
فلندع أصدقائي يهدأون في قبورهم، دونما زهور ولا شموع ولا حنّاء!
- ولكنكِ حين اموت يا صغيرتي.. حين اموت لا تملكين حتى السير في جنازتي؟
تفو... ان الحديث عن الموت شيء اسود! وانتم لا تنفكوّن تتحدثون عن هذه العاهة التي تعانيها البشرية.
- تعالي نصنع خطايانا قبل أن نموت!
- لن نفعل
لقد كان "المعهد البريطاني يقوم جوار الكلية وكان عباس الاسمر يحمل – رغم كونه فرّاشاً - خبث رجل البورصة. ومرة واحدة. مرة واحدة خلال عمر: فتح لنا "الغرفة".
- كم اعطيته؟
- دينارين!
آه، لو كنت مرة في حياتي فراشاً في المعهد البريطاني. أنا لا استحي.
- أنت ادب سز
اذكر: إنني سرقت مرة من المكتبة كتاباً بالإنكليزية اعجبني غلافه. كان ذلك كمن يختطف من عاهرة خطيئة دونما مقابل.
- ما كان أن تفعل ذلك يا سيدي!
ونظرت الى غرفته. واليه.. السكرتير الذي يجيد اللغة الإنكليزية:
- فلتحدثني بالإنكليزية يا سيدي، ربما كان ذلك أدعى الى التفاهم...
ما كان أن تفعل ذلك يا سيدي
خادمكم المطيع
ونستون تشرشل
لندن 1943
ونظرت، كانت ثمة عينان تتلصصان من فوق، عينان زرقاوان لا تفرحان بخطيئتنا فرحا باللواط...
لقد قرأت عن تشرشل وعن قيس ابن الملوح.
- اسمعي: احسب أن قيس هذا كان مجنوناً.
- حسناً، فلتجن من اجلي.
يا للحمقاء! اخبروها انني قد فقدت المرح الذي يمكن الإنسان من الجنون، وما عاد أحد يستطيع أن يقنعني بصبغ حذائي..
- سليم. اصبغ له حذاءه.
- حذار يا سليم والا حطمت رأسك.
"تك..." وتوت!
أمس رأيت كلباً يموت في الشارع، صدمته سيارة على رأسه وعنقه. فدار الحيوان على قائمتيه الخلفيتين وترنح كما يفعل السكارى، وقلت في نفسي.
- ليس الموت عملية سهلة...
-غلطان اخي.. سد التلفون!
- - -
يبست شفتاي من التدخين. انهم يحشرون البردي والحصران في تبغنا العراقي الأصفر.
وهذا التدخين...
- انه كفيل بان يورثك مرضاً في القلب او المفاصل.. اعطني عشرين ديناراً، اقطع لك حنجرتك!!
- يا احمق. ثمة من يشتهي أن يفعل ذلك لوجه الله! هكذا، دونما مقابل!
ليس ثمة شيء في الحياة دون مقابل. تلك قاعدة فيزيائية: "لكل فعلٍ ردّ فعل..."
لم أرَ في حياتي إنساناً اذكى من مدرس الفيزياء كنت آنذاك في السادسة عشرة، وكنت اكثر من التوسل الى الله أن يكتب لي النجاح في الامتحان...
وبعد ثلاثة أيام من الامتحان، مات ابي. وترك قرب سريره، ساعته، ونظارتيه الذهبيتان، وطقم اسنانه عارياً.
قلت لهم:
- انتم تكذبون. هذا ليس ابي!
ومع هذا، مع اقتناعي بأن هذا الذي يحملونه في النعش مثقلاً بالاكاليل والزهور – ليس ابي، مع ذلك، فقد سرت وراء جنازته، وحاولت أن ابكي...
- انظروا.. انه لا يبكي حتى في جنازة ابيه!
- ها؟ ألم اقل لكم؟ لقد فقدت عادة المرح!
- - -
بقي على الانتخاب يومان...
وللقصة؟ أيام وتنتهي...
ولقد كنت أقول لكم انني وطنت نفسي أن أضع نظرتي بين عينيها بعناء، جعل جفونها ترتعش بعذوبة..
كانت نزوة...
وأنا احب النزوات.. ذلك كفيل بأن يجعلني احس نفسي اشد جبروتاً..
- ومن ثم؟
- ظللت ألاحقها بعيني سنة كاملة.. ولكنها.. بنت الكلب.. كانت اشد صبراً من سنة برمتها...
وظلت صلعة الأستاذ القطبية تتدحرج على المنصّة، وتقول أشياء تافهة، وأنا امارس نزوتي دونما هدف...
- كيف؟
- انظر هكذا الى عينيها
- ومن بعد؟
- لا شيء!
- اوه.. أنت مجنون...
- العفو.. شكراً.
رباه! لقد فقدت مرحي...
يا حبيبتي، فقدته منذ ودعتك على أبواب الفندق تنزّ منك اصباغك وعطورك...
يومها عدتِ ذليلة... كسيرة.. تحملين في ملابسك الخيبة.. والحقد.. والخوف...
سألتها وأنا اسويّ ملابسي:
- متى نلتقي؟
فردت من بين شفتين طينيتين: لست ادري!
ولو عرفتُ آنذاك اننا لن نلتقي ابداً بعد، اذن لتبعتها وركعت بين ساقيها وتوسلت اليها:
- لا... لا تهجريني!
خلّفتْ لي على السرير خطيئة ناقصة، وبقايا من عطور، وأغلقت الباب دوني، وسمعت وقع اقدامها في الدهليز..
"طق... طق... طق..."
-خبرني متى نلتقي؟
- غلطان اخي..
- ولكن...
- الا تستحي.. سد التليفون!
"تك..." وتموت!
الموت في الشارع بالسكتة القلبية شيء شائع، لا بد أن اسأل طبيباً حاذقاً عن اعراض هذا الضرب من الموت... لن أموت قبل أن اسير في جنازتك يا حبيبتي... ومن ثم فلتأتِ الحرب العالمية الثالثة...
- اسمعي ناظم حكمت (1). طردوني من تركيا، ومنذ ذاك اليوم والعالم يعيش في سكني...
- قل لحبيبتي يا سيدي أن تعود إلي... وسأصبغ لك طول عمري حذاءك.
- أستغفر الله.
 
احلى القصائد ايتها الحمقاء... لكنتُ كتبت لك أجمل الاشعار، وجمعتها في كتاب...
- اسمي "توم بين"(2) توفي في الثامن من حزيران سنة 1809.
- ما وطنك أيها العم؟
- حيث لا حرية فهناك وطني...
- حسناً تعال الى بيتنا يا سيدي، واصنع لنا ما تريد... اصنع لنا حتى المشدّات...(3)
كان ذلك بعد سنتين:
تلصصته سبابتي ورفعت المشد عن نهدها الايسر..
وبعد ذلك، تمزق كل شيء... كما يتمزق الخريف على الاغصان...
وسألتك، وفي ثيابك وحام من لحم نيء.
- متى نلتقي؟
- أخي سد التليفون!
- غلطان... غلطان... غلطان!!
- - -
وتمضي سنة ..
كانت الشمس شمساً حقيقية.. وكنت جالسة مع صديقاتك، هكذا: تنانير مزركشة تشرئب منها ارانبكن..
ومررتُ
- صباح الخير..
ورفعت اليّ دفتراً كنت استعرته مني أمس، وهمهمت في اذني شيئاً، احمد له وجه أستاذ النقد، احمد، حتى غدا شبيهاً بالشوندر وبدا لي، انني لا أسع رجولتي.. كان ثمة سرّ حلو.. اطوي عليه كمراهقة صغيرة.. خيّل اليّ كأنني اقبل الانضمام الى حزب سري.
- هش.. لا تنس ان تختار لك اسماً مستعاراً..
وقرأت خطك العجيب ذا الزوايا الحادة..
- انظر، لقد كتبت لي
وفتح صديقي عينيه كأنني قلت له لقد سقط القمر..
*****
اسمع:
اذا وقعت فتاة ما في حبك، فأنظر الى وجهك في المرآة..
- ان لك ملامح حصان!
- حصان.. فرس.. ثور..
- لاحقاً. ان لك ملامح حصان، بعد نهار طويل في جر عربة ملكية.
لقد فرّ لويس السادس عشر في عربة ملكية، ويقال ان المقصلة اكلت رجلها.. الثورة.. الفرنسية اكلت بنيها.
حكيت لها مرّة: ان ماري انطوانيت ولدت ولي العهد على مرأى من جميع رجال البلاط.. ففتحت عينيها على سعتهما، وهتفت:
- جميعهم رأوها وهي تلد؟
- اجل يا حبيبتي، وهي تلد..
- هكذا؟ - وأشارت بيديها – وهي تلد؟
- هكذا بالضبط..
فضحكت بحياء رائع، وقالت:
- اوه. أليس ذلك فظيعاً..
- ثم قطعوا رأسها الجميل بالمقصلة. ها؟ الا ترين في ذلك شيئاً فظيعاً؟
- اجل. ولكن هل قطعوا رأسها بعد ان ولدت؟
- طبعاً. بعد ان ولدت، هل تحسبين انهم فعلوا ذلك قبل ان تلد؟
- اوه.. لا .. احكِ جاداً
سأجعلك حين تصبحين ملكتي تلدين امام جميع الناس. وسأقول لهم: انظروا هي ذي ماري انطوانيت تلد للمرة الألف ولي عهد بلا خصيتين!
- أتدري؟ لقد أصبحت ألفاظك بذيئة..
بنت الكلب!
كانت تحمل لي نكتاً أشد بذاءة.. وتبصق لسانها في فمي.. وتتصفح من المجون أفانين. وتسألني:
- قل. ألن تتحدث بهذا الى أصدقائك ذات يوم؟
ها انتِ ذي ترين! انا اتحدث بكل شيء كأنني انفض الغبار عن قدمي.
- سليم اصبغ له حذاءه!
- حذار يا سليم.. سأشكوك الى الشرطة.
استعدي عليك القوانين. ليس ثمة قانون يبيح لك ان تصبغ حذائي دونما رغبتي..
هه!
الحب.. والسياسة. والأنظمة والقوانين، مظاهر لحاجاتنا.. مظاهر نراها في الصحف، قصصاً وأخباراً وحكايات وفضائح..
لقد قرأت اسمك مرة في صحيفة صباحية مرة واحدة فقط. كان ذلك سنة تخرجنا من الجامعة.. لشد ما بدا لي اسمك آنذاك صغيراً عارياً..
وقرأ الناس الصحيفة مثلي، ولكن احداً سواي، لم يقف عند اسمك، لم يعبر الضفاف التي تفصل بين ثناياه وحروقه..
مضى على ذلك.. كم مضى؟!
- غداً.. اجل غداً تجري الانتخابات. وتستطيع بكل بساطة ان لا تدلي بصوتك!
- كلا.. لا استطيع. ولكن يا للعجب ما شأنك بي انت؟
- اخي انت غلطان..
- هلو .. هلو ..
- سد التلفون..
"تك ..." وتموت!!
ليس للموتى وجوه جميلة.. ليس لهم حتى ولا وجوه قبيحة. المشكلة انه ليس لهم وجوه. وفي الليل تنطلق ارواحهم متقمصة معطف "گوگول".
معطف عارٍ يرتدي جثة..
ماذا فعلتِ بمعطفك الوردي؟
لقد ظللت ترتدينه قرابة ثلاث سنوات..
- اسمعي. يجب ان لا تفرّطي بذلك المعطف.
انني اذكر:
كان له ياقة عريضة. رباه لكم كنت تبدين بشعة فيه..
- ألا تراه جميلاً؟
- جميل فقط.. اجمل المعاطف!
لا بأس بكذبة صغيرة، تجعل قلب الانسان يعمر بالسعادة. مثلاً: تبرّع لفتاة قبيحة بكلمة "احبك" واترك لها ان تنام ليلة واحدة سعيدة.. سعيدة بلا نهاية..
- أنت غلطان!
- اسمعي..
- لن اسمع شيئاً. سد التلفون!
ويملأني الحقد: وأود لو اغرق الشارع بطوفان من الخيبة والمرارة.
قالت مرة.
- اذا تزوجت.. و .. فسأخون زوجي معك!
- ...
- ها؟ .. أنت تحتقرني!
- كلا ..
في أيما بلد لا تختفي الخيانة يا حمقاء. انهم يحتقرون الخونة حتى في جهنم.. الشياطين انفسهم يكرهون من يخونهم..
- ولكنك لا تؤمن بالشياطين..
- عجباً. من قال لك هذا؟
ويضيع صوتي في صخب الجماهير التي تكره الخيانة، التي تجعل بيوتها على قارعة الطريق، وتبعث غاندي من قبره، يرتدي معطفاً، ويسافر بالدرجة الثالثة:
- ألا تحبين غاندي يا عزيزتي؟
- كلا.. لا احب احداً سواك!
- ولكن.. اسمعي. عليك ان تحبي أحدا ما!
- لا.. لا احب احداً سواك.
ذاك والله حب يقتل الثيران.. حب يمتصك حتى العظام. فكان سجناً يضيق بك حد الاختناق. سجنت مرة مع عشرين جزائرياً، كانوا يحملون جروحاً فريدة، وكان لهم فتيات جميلات قرويات من وهران.. يزرنهم في الظهيرة، ويلقين اليهم بالنذور، من شمع وورد وحناء..
اما انتِ، فلم تشعري حتى بسجني..
لم تتعلمي مساومة السجانين، ولم تجسي بيدك وقع القيد الحديدي، ولم تجربي ان تشعري بالفخر لكون رجلك سجيناً..
كنت سجيناً مع عشرين من الجزائريين، عشرين انتحاريين كيف استطاعوا ان يتحملوا في رجولتهم كل هذا القدر من البطولة.. وانت: لو لم تكوني متحدرة من حبل عاصٍ تسكنه العشائر.. لو لم تكوني فرنسية كالفرنسيين لقلتِ: احمل لحبيبي كعكة، وازوره في سجنه!
لكنتِ رأيت رفاقي.. ولكان لومومبا اول من يعمّد وليدنا الصغير:
- ماذا لو اسميناه لومومبا؟
عيناه كبيرتان، ووجه اسود.. شديد السواد كبئر من قار.. وشعر متشابك كغابة استوائية وثمة حفنة من النجوم على موضع من صدره..
*****
يومها كنا وحيدين: لم يكن يربط بيننا سوى رسالتين تافهتين. وأغلقت صديقتك الباب.. انا اذكر جيداً
كان على السبورة ابيات شعرية، وعلى المساند كتب مبعثرة، وكنت تخطّين في كتابك حروفاً لا طعم لها. ثم تطلعت اليّ.. ونظرت اليك: تماماً كما يفعل قط وقطة، وبدونما تصميم، دونما إرادة، وضعت شفاهنا على بعضها في مسّة مؤدبة..
ثم..
فتحت صديقتك الباب ثانية.. ومدت من خلال انفها بطريقة فضولية، كما يفعل القوادون في دور البغاء.. ولقد قالت لك بعد ذلك، انت أخبرتني بهذا ..
- يا الله. لشد ما كان وجهاكما محتقنين!
بنت الجرو . أتحسب العناق لعباً!
ما علينا! كانت تلك اول قبلة فعلناها، تماماً كما يجترئ الطفل على الخطيئة الأولى.. كما اكل آدم التفاحة في الجنة..
حتى في الجنة قوانين!!
- أخي أنت غلطان. سد التلفون!
أصوات في الشارع:
"انتخبوا.. لا تنتخبوا.."
وأطلّت حبيبتي من النافذة، وصاحت بهم:
- اذهبوا. لن ينتخب..
فصحت من سريري:
- لا تصدقوها. سأنتخب..
وضاع صوت الباب في صياح المارّة الملصق على الجدران: "انتخبوا .. لا تنتخبوا.." وامام كل لافتة.. امام كل قطعة مكتوبة على الجدران كانت امي وعمتي وحفنة من صبيات محلتنا يقفن كمن يؤدي صلاة، ونتلو بصوت واحد:
- لن ينتخب!
- ولكنني سافعل أيها الحمقى:
- واذا ما ادركك الفشل يا صديقي.. الفشل المر كالملح الإنكليزي..
- غلطان اخي..
- هل أسد التلفون؟
فضحكت وقالت لي:
- تعال اشتري لك "نستلة" من النادي. كان ذلك كمن يرضي طفلاً صغيراً يبكي لغياب امه:
- هل قرأت مرّة قصة اوديب
- لا... لم أقرأ شيئاً "انعل أبو اوديب!"
- سترسبين في الامتحان، وستضربك امك على قفاك بالعصا.
وضحكت لي ضحكة ممغوصة.. كنا نسير في الطريق، وكانت الشوارع المشجرة خالية في ظهيرة من صيف العاصمة الحامي، وتلفتنا حولنا بحذر، قبل ان نعمل قبلة: والى الأعلى: في سطح الدار الذي القى ظله علينا، كان ثمة فتاة في السابعة عشرة تنظر الينا بشراهة..
وتطلعنا اليها.. وضحكنا. ضحكنا ثلاثتنا، وابتلعنا الطريق
- اسمعي.. دعينا نقِل من لقاءاتنا. ان الجميع يتحدثون عنا
- كما تشاء..
وشممت لأنفاسها رائحة حافرة
- هل غضبتِ؟
- لا ...
واخذت تسرع في سيرها، كعبها العالي على الطريق:
طق.. طق.. طق.. طق
- اسمعي. دعيني اشرح لك.
- وماذا تشرح لي؟ لقد فهمت جيداً: ان الجميع يتحدثون عنا. وعلينا ان نقل من اجتماعاتنا..
- في الجامعة على الأقل.. من اجلك يا حبيبتي.. انني احرص على سمعتك
- لقد جاء حرصك متأخراً. لم تبق لي سمعة. ثم التفت اليّ. هل تذكرين؟ مثل كلبة مسعورة في امعائها:
- لم تعد تهمني سمعتي قيد شعرة. لقد بقي لنا من حبنا بضعة اشهر. لا تفسد علينا صفاءها!
واخذت كفّها بيدي. وسرنا صامتين. خفت أن أقول لها: ان يدك رطبة.. واصابعك طريّة كالعجين.
- ماذا قالوا عني؟
- لا شيء..
- لا تكن بليداً. هيا خبّرني. ماذا قالوا عني...
واردت أن أقول لها: لقد قالوا عنك انك قحبة لا تستحين...
ولكنني لم افعل
صوت حذائها ذي الكعب العالي:
طق.. طق... طق...
وصوت آخر كان يقول لي قبل ساعات:
- ذاك لا يليق بانسان ملتزم...
وسكت، رغم اني آنذاك لم اكن ملتزماً. فلقد اشعرني ذلك بالخطورة..
- يجب أن تعطي مثلاً جيداً
- ولكن..
ولم يعطني صاحبي ذو الوجه الخطير أن أتكلم لقد أخذ يتحدث بمهارة عن المناخ... والكتب الجديدة، وانتهى مني...
- اخي غلطان
ولم يعد في الكازينو أحد سواي. يدي على سماعة التليفون، والناس اشباح قميئة.. والفشل... والحقد... والكراهية..
ذاك اننا لم نعد نتعاطى الحب... ثمة داء يجوب الشوارع، يرتدي الكراهية.. داء سقط له الكثير من أصدقائي.. وباءٌ، له وقع اقدام على سطوح الدور بعد منتصف الليل
اعرف بطلاً تسقط على جروحه النجوم... كالملح تتساقط النجوم على جروحه
- ما اسمك يا عم؟
- باتريس لومومبا.. توفي عام 1961
- هكذا كما يموت الناس؟
- بل كما يموت الابطال..
من اجلي.. "لخاطري"، كان عليك أن تكني شيئاً من الاحترام لباتريس لومومبا!
- سد التليفون. ادب سز!!
مزّقت اسمك المرسوم على ورقة في جيبي، واضعت عنوان الدار.. ولم يبق منك في محفظتي الا بقايا عطر، سينتهي بعد أيام.
الا ترين؟
كل شيء سينتهي. كما تفعل الأيام الغائمة، كما ينقطع المطر عن السقوط.. كالايام السود.. كالجوع.. كالقحط.. كالوباء...
لكل شيء نهاية، الا الطريق.. هذه الطريق، فلم يرَ أحد نهايتها حتى هذه الساعة...
... صوت اقدامهم على سطح الدار... دبدبة احذيتهم، وصوت ابي يهمس الى امي
- هل احكمت، وضع المزلاج؟
- لست ادري. لست متأكدة...
اما نحن الصغار فنتجمع على بعضنا في فراشنا الصغير، ونشعر لخوفنا بحاجة شديدة الى التبول
- اريد أن ابول
- اسكت. ابن الكلاب. الم يصدف بولك الا في هذه اللحظة؟
آه. لو علموني احتقار الحرامية!
عبثاً...
- انصتي جيداً... انني اسمع وقع اقدام...
وانظر الى شفتيها الشاحبتين..
- هش...
وتلفّ عنقها على ذراعي عن خوف.. لا عن شهوة... وارى الى وقع اقدامهم تتجاوز الغرفة رقم 19 في قسم اللغات الأجنبية..
وفجأة تطل من خلال الباب عينان اجنبيتان
- باردون!
واحس أنها تكاد تتغوط في ملابسها..
اوه. باردون عليك، وعلى اجدادك
- هيا...
- لا. لقد فقدتُ شهيتي
- جبانة!
- أنا؟ انظر الى وجهك، لقد غدا شاحباً كشمس الميتين...
كل شيء الا هذا... أن تظن فتاتي انني جبان..
- ولك هي مستر... ابتعد وإلا فقأت عينيك!
وتضحك... ويعود اللون الى عينيها من جديد...
- تعالي!
- - -
شربنا قهوة في النادي، ونحن نعاني عياءً.
المجد للرجل الذي لا يبلغه في معركته العياء...
للرجل الذي لا يتخلف في الطريق...
للذي لا يتوكأ على عجزه كالحيوان...!
- - -
منذ سنوات تهدّم النادي حَجَرة حجرة، ولست ادري ما الذي جرى للشمس في صورة "فان كوخ".. واستعاضوا عن الكراسي القديمة التي كنا ننحشر عليها يا صديقي باخرى جديدة... ومسحوا المرح الذي احببناه من على جميع الجدران... قطفوا أوراقه عن الأشجار...
ذلك أن المرح قد فقد قابليته على الاضحاك..
- اضحك!
هئ هئ هئ...
- شر المصائب ما يضحك
- - -
لو...
لو استعدت رسائلك من مدينة المهاجرين... لو حملتها معي في علبة مزركشة وبادلت بها لدى الهنود الحمر بالدرّ والياقوت..
ثم صاح احدهم بالرحيل. فمدّت القافلة عنقها كالناقة، وتجاوزت الدار الذي ولدت فيه.. وسرت بلا اوراقي..
وغداً... غداً يفتشون منزلنا، فتنال منك على مكتبي عيون الغجر...
أو...
لعلك غجرية أنت ايضاً... غجرية حتى عروق أناملك!
مرّة: رقصت لي. فعلت ذلك كما يحرك طير جناحيه... بكبرياء.. ورشاقة
رباه: ان كل الغجر يجيدون الرقص...
كلهم يجيدون السرقة...
كلهم يتقنون الخيانة...
- حلفت أن اخون زوجي معك!
لو كانت الخيانة جسم انثى... لما ابقيت شيئاً منها على السرير... لتركها جورباً ينزّ صمغاً وبصاقاً!
- - -
انتَنَ المساء... خمّ!
- انزع جوربيك... واغسل قدميك جيداً.. هذه الجيفة تقتل الحمير!
- ولكنك لست حماراً!
- تفو... انت قذر بن قذر..
- العفو أنت تجاملني كثيراً...
- هئ هئ هئ...
شر المصائب ما يضحك!!
- - -
اعمى هذا الليل... شيء اسود اعمى، يشبه الى حد ما وجهاً للجريمة...
قبل حفنة من الشهور كانت منتصف الليل يعبر معي في ضاحية العاصمة... وكان المطر. نفس هذا المطر الرطب ينث بعناء على هامتي. وعلى الشارع، وقع اقدامي:
لقد قالوا لي مرة.. نصحوني:
- لا تسِرْ وحدك ليلاُ...
طب ... طب... طب
وكان الليل شديد العمى، يتوكأ في سيره على منكبي...
- اسمعوا. أنا لا أؤمن بالعفاريت!
وكانت تنام في احد البيوت عجوز في الستين، قميص نومها.. شعرها.. ملامحها، شاحبة شحوب القمر. والليل يسير معي، يلفّني من جميع الجهات، والسماء زنجية الى حد كريه...
- لا تسِرْ ليلا.. أيها الاحمق!
- أنا لا أخاف
طب ... طب... طب
وقفت سيارة على مبعدة مني.
- اركض. لقد جاءوا!
- ولكن العفاريت لا تركب السيارات
فتحت أبواب السيارة على عجل
- التفت وانظر أيها الغبي. اركض قبل فوات الأوان!
- هش!
كان الليل اعمى لا يرى... وكنت أغذ السير..
طب ... طب... طب
- يا ولد!
- اركض انهم ينادون عليك!
- يا ابن الكلاب! أنا لست ولداً.. لقد بلغت الثلاثين!
طب ... طب... طب
- يا ولد
- اركض يا احمق... اركض اركض.. اوه!
يد خشنة على كتفي
- حسناً. والان ماذا تريدون؟
- اركبوه في السيارة!
- ولكن. ماذا تريدون؟
- ابن القحبة! اين كنت؟
والليل اعمى. سألني هامساً:
- هل لطمك أحد على وجهك!
وسمعت امي في قبرها صوت طلق ناري
- هلو... هلو
- اخي غلطان!
- ولكن وجهه واضح!
- اجل وجهه لا يعجبني...
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ناظم حكمت: شاعر تركي تقدمي.
(2) توم بين. كتاب لهوارد فاست.
(3) كان توم بين في اول حياته صانع مشدّات.
 
 
لأول مرة .. قصة لم تنشر من قبل للشاعر الراحل يوسف الصائغ.  خصنا بها مشكوراً الروائي الأستاذ سلام أمان، وهي مكتوبة بخط الشاعر يوسف الصائغ خالية من العنوان وقد اخترناه من قبلنا.

محرر أدب وفن