أيار 15
 
ما نحن عليه الآن.. هو نتيجة طبيعية لما كنا عليه.
وما كناه، لا يستحق الرثاء ولا أن نعلن الثأر ونرفع السلاح بوجهه.
السلاح وراء كل المصائب والمصائد معاً.
الحروب.. آفة ودمار وخراب اي مجتمع، ونكوص اي بلد.. فكيف الحال، والكوارث متلاحقة، والحروب متلازمة.. والأمان غائب والجوع قاتل والجهل في إعمام، والمرض في هواء لم يعد نقياً؟
منذ انقلاب 8 شباط 1963 المشؤوم، والعراقيون ينقلبون من أزمة لعقد أزمة لاحقة، ومن ترف الدم والدموع، صار الزي في سواد دائم، وقد نسي البياض، مثلما نسي النوم على همسات.
كل الشعوب اليقظة، خرجت من الحروب، بتجربة البناء، وطلاق الحروب الى الأبد.. إلا العراق، فقد أبى إلا ان يعد الحروب.. شجاعة وانتصاراً وتباهياً.. وسلاحاً نحتاج إليه في السراء والضراء، في أحزاننا الثقيلة وأفراحنا المنكسرة..
وحدنا، كما لو اننا في ضيعة طينية نادرة.. نعشق الموت المفروض علينا وقد استسلمنا له، وأرفقنا معه فساد المال والأخلاق والإدارة، حتى أصبح ثقل ما كان.. كما لو انه ينبغي أن يكون وأن يظل كائناً.
ولم يعد الطغيان فرداً، ولا الخراب مكاناً، ولا الفساد ثمرة فاسدة.
الطغيان والخراب والفساد اجتمعوا علينا، وشكلوا وحدة لادامة هذا المخلوق العجيب!
و.. نقول: الحل في الثقافة.
فالجهل مرض، والمرض فناء.. ولكي لا نفنى، لا بد من للبصيرة ان تبوح بحكمتها.
الحكمة.. أن نكتفي بنزيف الدم، ونلغي من حياتنا قاموس الثأر والانتقام.
الحكمة.. أن نقضي بقضاء عادل.. ومعلم حكيم يعرف كيف يقود البلاد الى بر الامان والسلام.
الحكمة.. ان لا نقدم المزيد من التضحيات، فالضحايا امتلأت من حياتهم النبيلة كل المقابر، وآن للتراب أن يتنفس الحياة، بغد المعرفة، وغد العافية، وغد السنابل التي يلوح بها كل عراقي، فهي الخبز/ والاقتصاد، وهي السلم/ والبناء، وهي الورقة النقية البياض.. حتى نخط قوانين الحياة التي ننشدها.