أيار 13
 
 
   المسرح قاعة مفتوحة من الجانب على جهة الجمهور، ثمة ناس من الفئات العمرية كافة يتوسطون القاعة جلوساً على كراسٍ مرصوفة، قبالة منضدة خشبية عليها لاقطة صوت، صفت خلفها ثلاثة كراس أخرى فارغة، وعلى جدار القاعة المواجه للجمهور هناك لافتة (فلسكوب) كتب عليها (مع قرب الانتخابات البرلمانية تعلن مدينة طيبة للعالم أجمع أنها ستكون صندوقاً مغلقاً على أصواتها لابنها ومرشحها البار، ويتبرّأ أهلها من كل شخص لا يتضامن مع هذا العهد أو يثقّف ضده).
(يسمع لغط بين المتجمهرين وسط القاعة).
شاب بشعر يتهدّل على كتفيه (بتململ): "ما هذا! عليهم أن يحترموا الموعد، ألم يعلنوا أن النائب سيلتقي الأهالي في الساعة الرابعة عصراً؟".
شاب آخر (ينبري مصحّحاً): "لا... فالإعلان يقول في الساعة الخامسة عصراً".
الشاب ذو الشعر المتهدل على كتفيه: "أخرج لباب القاعة وسترى الإعلان.. الساعة الرابعة عصراً".
رجل كبير: "اجتماعه بأهالي المدينة.. لأي شيء؟".
رجل كبير ثان: "ابن أصول ويريد أن يلتقي بأهله ويسلّم عليهم".
الشاب ذو الشعر المتهدّل: "يا عم..".
(يلتفت المجتمعون في القاعة ناحيته)
الشاب ذو الشعر المتهدّل (يُكمل): "قبل أسبوع كان يمشي بيننا، علينا أن نُفْهِمَه أنه وإن فاز فسيبقى إنساناً عادياً... مثل أي شخص فينا".
رجل بكوفية: "كيف تقول ذلك يا ولدي؟. السيد النائب إنسان دارس ويفهم الأمور أكثر منك ومني...".
الشاب ذو الشعر المتهدّل: "وحد الله يا عم.. (يشير بيده إلى الجمهور وسط القاعة) بين هؤلاء الكثير ممن يحمل علماً وشهادة أكثر من النائب بأضعاف مضاعفة... وحّدوا الله يا جماعة... لم يمض وقت طويل على إزاحة من جعلناه بمثل هذا الأسلوب يخنق علينا حتى أنفاسنا".
الرجل ذو الكوفية: "أنت صغير ولا تعرف شيئاً بعد... الله يستر عليك يا ابني لا تشوّش علينا، مرّ علينا الكثير ولم نذق طعم الراحة".
الشاب ذو الشعر المتهدّل: "والراحة لا تأتينا إلّا بانتخابنا نائباً من مدينتنا!.. ها كم يا أهل مدينته، ها هو لم يحترم موعده معكم".
شاب ثان (يحمل بيده اضبارة فيها أوراق): "على الأقل مساعدوه صرحوا أنه سيستلم أضابيرنا، وسيُعَيِّننا بوظائف في مؤسسات الدولة"..
رجل عجوز (يقاطع): "حتى زوجته منذ أربعة أيام وهي تطرق الأبواب، توزّع قطع القماش على النساء مجاناً ".
رجل ثالث: "كريم وابن كرماء".
رجل من الصفوف الأمامية: "سمعته يقول أنه سيبلط شوارع طيبة كلها".
الرجل الثالث: "كريم وابن كرماء".
الشاب ذو الشعر المتهدّل: "نائب البرلمان موظّف تشريعي... مهمته سن القوانين لعامة الناس".
شاب آخر: "الخدمات من اختصاص الجهات التخطيطية والتنفيذية".
رجل: "بالأمس كنت في بيته.. ما من مكان لك وسط حشود الناس عنده".
رجل ثان: "أي نعم... الرجل واصل، يعرف كل رجال الدولة".
صوت من وسط الناس: "لكن لِمَ تأخر كل هذا الوقت؟".
طفل (يجلس قرب والده): "بابا... بابا".
والد الطفل: "أصمت.. دعنا نستمع".
الطفل: "البلدية تبلط أحد الشوارع... أرأيتهم بابا؟".
والد الطفل: "نعم. الشارع ذاك الذي قرب حينا؟".
الطفل: "نعم بابا".
والد الطفل: "نعم رأيت آليات البلدية ترصف فيه".
الطفل: "كان الأستاذ يمشي أمام الآليات".
والد الطفل: "أي أستاذ منهم؟".
الطفل: "السيد النائب".
والد الطفل (يقرصه من ذراعه): "أسكت".
الطفل (معانداً): "والله بابا رأيته يمشي أمام الآليات... حتى أن مهندس المشروع رجاه أن يتركهم وحالهم، ليكملوا عملهم".
الرجل الشيخ: "كريم وابن كرماء".
الشاب ذو الشعر المتهدّل (بأعلى صوته): "اسمعوا يا ناس قبل أن تعضّوا أصابع الندم"..
(الصمت يعمّ الجمهور في القاعة)
الشاب ذو الشعر المتهدّل (يُكمل): "ما وعدكم نائبكم بالوظائف الحكومية، ولا وزّعت زوجته قطع القماش على نسائكم، ولا سار هو أمام آليات البلدية، وأعاق عملها حباً فيكم وفي تقديم الخدمات لكم...".
(يقاطعه لغط في القاعة)
الشاب ذو الشعر المتهدّل ( بصوت أعلى): "هو يشتري أصابعكم التي ستنتخبه".
(يتقدم رجلان بملابس رسمية من خلف الكواليس، ويقتادان الشاب ذي الشعر المتهدّل، عنوة خارج القاعة).
صوت الشاب ذو الشعر المتهدّل (يسمع وهو خارج القاعة): "احذروا من يشتري أصابعكم،  فغداً سيبيعكم من دون أن تدروا".
(يدخل فتية يوزعون العصائر وقطع الحلوى على الجمهور).
 
المشهد الثاني:
المكان نفس القاعة.
(لا يتغير شيء في ديكور المشهد غير أن الكراسي الثلاثة خلف المنضدة الخشبية يجلس عليها ثلاثة أشخاص بملابس رسمية، ويظهر بين كراسي الجمهور وتحتها أغلفة علب العصائر وأغلفة قطع الحلوى مبعثرة بفوضى تحت الأقدام).
رجل من بين الجمهور (ينهض واقفاً ويخاطب الذي يجلس في وسط الأشخاص الثلاثة الجدد): "أستاذ... نحن ما أتينا لنتعبكم... ولا نريد منكم شيئاً غير أن يعزّكم الله، وتكون أنت بالذات حامياً لنا ومدافعاً عن وجودنا".
الرجل المعني (يكشر عن أسنانه مبتسماً باستحسان): "رحم الله والديك، والله إنك قد اختصرت عليّ كثيراً من الجهد والكلام".
(الرجل الذي يتوسط الجمهور يلتفت إلى جانبيه فرحاً بعد أن نال استحسان الرجل المعني)
الرجل المعني: "يشهد الله أنا لو أعلم أن انتخاب أي إنسان غيري سيكون فيه مصلحة لمدينة  طيبة وأهلها، ما أتعبتكم في مناصرتي، ولا رشّحت إسمي لذلك.. (يصمت قليلاً) لكن ها كم أنظروا، إن لم تعطوني أصواتكم، فلمن ستعطونها؟... ثم هبوا أنكم انتخبتم غيري، وطبعاً هذا من المستحيل أن تفعلوه، وحاشاكم أن تفعلوه، لكننا نفترض ذلك... ترى ماذا سيحدث، أتستطيعون مثلاً أن تجلسوا معه مثلما أجلس معكم؟... أسيبلّط لكم شوارع طيبة مثلما أفعل!... ربما سيُصدر قانوناً يحتجزكم فيه ضمن حدود مدينة طيبة... إي نعم يفعلها، وما يعد في استطاعة أهل طيبة أن يزوروا أهاليهم في المدن الأخرى... انتبهوا.. الأمر يتعدى الصوت الانتخابي ويمس وجودكم، وعلى أهل طيبة أن يدركوا لمن يعطوا أصواتهم".
(يلتفت للشخص الجالس على يمينه): "جمعتم أضابير الشباب كما أوصيتكم؟".
الشخص الجالس على اليمين: "سنباشر بجمعها بعد انتهاء كلمتك".
النائب (يبدو متضايقاً ): "يا أخي أنا ما جئت لألتقي الناس وأخطب فيهم، ثم متى ستفهم أنني تطوّعت خدمة لمصالحهم... (يشير بيده ناحية القاعة) قم واجمع أضابير الشباب".
(ينهض الشخص الجالس على اليمين ويباشر في جمع أضابير ملفات التعيين، وسط تزاحم أيدي الناس وتدافعها لنيل الأسبقية في تسليم ما بأيديها).
النائب (مستدركاً): "نسيت أن أخبركم شيئاً... (يصمت قليلاً ويعم القاعة الهدوء) يوم الانتخاب سيوفر لكم الشباب باصات تنقلكم إلى مراكز الاقتراع... طبعاً الباصات مجانية ذهاباً وإياباً. واعتباراً من عصر هذا اليوم ستباشر فرق جوالة، يختارها طاقمي لتوزع هدايا على البيوت (مدفآت نفطية وبطانيات وساعات جدارية) لمساعدتكم ولتخليد عرسكم الديمقراطي هذا".
رجل كبير في السن: "كريم وابن كرماء".
النائب (يرفع يده فوق رأسه امتناناً لقول الرجل الكبير في السن).
 
المشهد الثالث:
المكان: مكتب النائب.
مكتب مفروش بالسجاد، النائب يواجه الجمهور وراء مكتب خشب من الصاج، رُصِفَت عليه بانتظام أدوات مكتبية (أقلام، قرطاسية، حزمة أوراق بيضاء فارغة، ثاقبة أوراق، مجسّم دائري للكرة الأرضية، علبة حلويات، علم بسارية صغيرة) خلف الكرسي يستند على الحائط علمان كبيران من الجهتين.
النائب منكب على تقليب أوراق إضبارة سحبها من كدس أضابير مرمي بإهمال إلى جانبه على أرض المكتب.
(يطرق باب المكتب)
النائب (يرفع رأسه بعد أن يلقي بالإضبارة على الكدس وينفض يديه): "تفضل".
(تدخل امرأة عجوز تحمل إناءً معدنيا في يدها).
المرأة العجوز: "عذرا يا ولدي... عندي نذر، وها قد جاء وقت سداده... أتأذن لي؟".
النائب (يبتسم مشدوهاً): "نذر!".
المرأة العجوز: "نذرت إن فزت سأخضب جدران مكتبك ويديك بالحناء".
النائب: "جدران المكتب عندك خضبيها بحنّائك، أما يدي... فماذا سأقول للناس لو صافحتهم؟".
المرأة العجوز (متوسّلة): "الله يرضى عليك يا ولدي، لا ترد نذري".
(تدور المرأة العجوز داخل المكتب ملطخة جدرانه بمادة الحناء، ويسمع صوت طرقات على باب المكتب).
النائب: "تفضل".
(تتزاحم المرأة العجوز قرب باب المكتب مع رجل وشاب يدخلان)
النائب (متفاجئاً): "أهلاً أستاذ، شرَفت طيبة وأهلها بمجيئك... متى وصلت؟".
الرجل (مبتسماً): محرك سيارتي لازال حارّاً في باب مكتبك...من الشارع العام إلى مكتبك مباشرة.
(النائب يحضن الرجل والشاب بالتعاقب ويدعوهما للجلوس)
النائب: "يا أهلاً وسهلاً بكما... تفضلا... تفضلا".
(يجلس الثلاثة على أريكة وثيرة، والنائب يتوسط جلسة الزائرين)
الرجل الزائر: "حتى لا نُضيّع الوقت، فأنت تعرف أن المجلس البلدي لمدينة طيبة أعلن عبر الانترنيت حاجته لدرجة محاسب، لمسك الدفاتر الحسابية للمجلس (يصمت قليلاً)، وأنت تعرف طبعاً أهمية وظيفة المحاسب في المجلس البلدي لمدينة طيبة... لي ولكَ سوية! (يصمت ثانية ويبتسم)، خاصة وأن حصة المدينة من الميزانية العامة قد وصلت قبل يومين... والمشاريع المُعَطّلَة سيباشر في تنفيذها".
النائب (مبتسماً): "أنا بخدمتك وخدمة المشاريع المُعَطّلَة".
الرجل الزائر: "وهذا ابني خريج كلية الإدارة والاقتصاد فرع المحاسبة، وقبل أن تعترض أنا أعرف أن من شروط التعيين أن يكون المتقدم من سكان مدينة طيبة، وقد احتطت للأمر وأخرجت له بطاقة سكن تثبت الشروط التي يفرضها إعلان المجلس على المتقدم... أما كيف أخرجتها وماذا فعلت لأجل ذلك؟ فهذه دعنا منها".
النائب: "المهم أن تكون بطاقة السكن مقنعة إذا شكّك أحدهم فيها".
الرجل الزائر: "اطمئن يا رجل... أتعرفني سابقاً أعمل شيئاً ولا أحكمه".
النائب: "وهل تعرف أن من تقدموا لشغل الوظيفة وصل عددهم لخمسة وخمسين متقدماً؟".
الرجل الزائر: "الذي أعرفه أن المتقدمين من أهل طيبة عددهم أربعة وخمسون، وأما الخامس والخمسون فهو ابني هذا (يشير للشاب الجالس بجانبه).
النائب (يضحك): "إذا كنت تعرف كل هذه المعلومات فما الحاجة لي؟".
الرجل الزائر: "لأني أعرف أن الفوز بالدرجة الوظيفة سيتم بالقرعة، ومن سيجري القرعة هو أنت، تكريماً لفوزك كنائب عن مدينة طيبة".
النائب: "أهل طيبة أعطوني أصواتهم لأفوز من خلالها، وأنا أعطي الوظيفة لشاب من مدينة أخرى!... ألّا تراني إن فعلت ذلك يا سيدي المقاول سأخون الأصابع التي منحتني ثقتها؟. أممممـــــ... حيّرتني والله يا صديقي!".
المقاول: "أنت الآن رجل سياسة وأنا رجل أعمال، وخذها حكمة مني... من أراد ممارسة إحدى المهنتين عليه أن يسحق ضميره بكعب حذائه، وأهم من ذلك أن لا يلتفت خلفه ليرى ماذا فعل".
النائب (يضحك): "أتمنى أن أجد من يعوضني خيراً عن ضميري".
المقاول: "فوز ابني بوظيفة محاسب المجلس البلدي لمدينة طيبة هو التعويض بعينه... وسترى ذلك في أول مناقصة مقاولة يرسو عطاؤها لي... لكن قل لي، كيف ستجعل ابني يفوز في القرعة؟".
النائب: "لا أدري... (يصمت قليلاً) لكن تلوح في رأسي فكرة... أتمنى أن تنجح".
المقاول (متسائلا بلهفة): فكرة... يا ألله، تكلم يا رجل".
النائب: "لا... دعني أدرسها جيداً".
المقاول: "على الخير إن شاء الله... أدرسها على راحتك".
(ينهض المقاول وابنه ويصافحهما النائب بالتعاقب).
 
المشهد الرابع:
المكان: قاعة المجلس البلدي لمدينة طيبة.
المسرح قاعة مفتوحة من الجانب على جهة الجمهور، ثمة ناس من الفئات العمرية كافة يتوسطون القاعة جلوساً على كراسي مرصوفة، قبالة منضدة خشبية عليها لاقطة صوت، صفت خلفها ثلاثة كراسٍ أخرى يجلس عليها النائب وشخصين آخرين، وعلى جدار القاعة المواجه للجمهور هناك لوحة ببرواز مذهب خطت عليها عبارة (وأمرهم شورى بينهم).
(أحد الشخصين قرب النائب يقرّب لاقطة الصوت منه)
الشخص: "بسم الله الرحمن الرحيم... يا أهل طيبة الأعزاء، يسر المجلس البلدي ويشرفه أن يرحب نيابة عنكم بالسيد النائب، وهي فرصة طيبة لأن تكون يده ممثلة لأيدينا كلنا، مادامت أصابعنا هي من منحته ثقتنا فيه، وأنا بوصفي رئيساً للمجلس البلدي لمدينة طيبة أدعوه لأن ينوب عنّا كلنا في قرعة اختيار من سيكون أميناً ونزيهاً ومحاسباً على حركة السوق التجارية وسيولة أموال مدينة طيبة ادخاراً واستثماراً وصرفاً، وأود أن أنوه أن عدد الاستمارات الإلكترونية التي تقدم أصحابها لشغل الوظيفة بلغ خمسة وخمسين استمارة، ولأجل أن تكون القرعة شفافة وتراها كل أعينكم، وحتى لا يراود أحدكم شك في نزاهة إجرائها فقد ارتأى أعضاء المجلس البلدي أن يكون لكل صاحب استمارة رقم يمثل رقم الاستمارة الإلكترونية مخطوطاً على كرة بيضاء صغيرة بحجم بيضة الدجاجة، فالرجاء على من يظهر رقم استمارته الإلكترونية مطابقاً لرقم الكرة التي سيأخذها السيد النائب من بين الكرات الخمس والخمسون، أنْ يرفع يده بعد إجراء السحب للقرعة وظهور الرقم".
(صمت)
رئيس المجلس: "على الإخوة المنظمين للقرعة من موظفي المجلس البلدي أن يدخلوا صندوق الكرات".
(تدخل بنت وولد يحملان صندوقاً زجاجياً فيه كرات بيضاء عليها أرقام).
رئيس المجلس البلدي: "باسم أهل طيبة أدعو السيد النائب أن يشرفنا بسحب رقم صاحب الحظ السعيد... فليتفضل مشكوراً".
(الجمهور يصفق، والنائب ينهض من وراء كرسيه ويتجه لوسط القاعة قرب صندوق الكرات)
(النائب يخلط الكرات متحسّساً بعضها، كأنه يبحث عن شيء)
النائب (يبتسم فيما يده لازالت تتحسّس الكرات): "والله يا جماعة لا يطاوعني قلبي أن أرضي واحداً من شباب طيبة وأفرحه، فيما أترك أربع وخمسين آخرين تصيبهم الخيبة والإحباط".
(ينهض الشاب ذو الشعر المتهدّل من وسط القاعة)
الشاب ذو الشعر المتهدّل: "مالك تتحسّس الكرات... اختر واحدة وأرحنا".
النائب (يبتسم مكرهاً، مكشّراً عن أسنانه بضيق): "خلاص... أمري إلى الله... اخترتها".
(النائب يدقق في الرقم الموجود على الكرة ويرمق المقاول وابنه بنظرة جانبية ثم يتجه صوب مكان رئيس المجلس البلدي ويعطيه الكرة)
رئيس المجلس البلدي (يرفع الكرة البيضاء بيده ويديرها باتجاه من يجلس في القاعة): "الفائز هو صاحب الرقم خمسة وخمسين".
(ينهض ابن المقاول ويرفع يده ليُعلِم الجميع بحضوره)
الشاب ذو الشعر المتهدّل (معترضاً): دقيقة... الأخ ليس من سكان مدينة طيبة... أنا أعترض، وأشك في نزاهة القرعة".
(ينهض ابن المقاول ويخرج بطاقة السكن من جيبه ويسلّمها لرئيس المجلس البلدي).
الشاب ذو الشعر المتهدّل: "يا شباب أهل طيبة..".
رئيس المجلس البلدي (مقاطعاً): "اجلس يا ابني الله يرضى عليك... (يدقق في بطاقة السكن لابن المقاول)بطاقة السكن تقول أنه الآن من سكنة مدينة طيبة... الأوراق الثبوتية مطابقة لإعلان المجلس وشروطه لمن يتقدّم لشغل الوظيفة".
النائب (موجِّهاً الكلام للجمهور في قاعة المجلس): "هل رآني أحدكم أخرج الكرة من جيبي؟!".
(الجمهور يضحك)
(ينهض الشاب ذو الشعر المتهدّل)
رئيس المجلس البلدي (يصرخ بضيق): "اجلس... اجلس".
(يدخل اثنين من حماية النائب ويقتادان الشاب ذو الشعر المتهدّل خارج القاعة عنوة)
صوت الشاب ذو الشعر المتهدّل (من خارج القاعة): "أنقذوا طيبة قبل أن تضيع منكم".
 
المشهد الخامس:
المكان: مكتب النائب.
(النائب يتكئ على كرسيه مسترخياً، وعلى الكنبة الوثيرة يجلس المقاول وابنه، ويبدو على وجهيهما إمارات العرفان، والاستحسان لما فعله النائب أثناء سحب القرعة).
المقاول: "لكن.. ماذا فعلت؟".
النائب (يضحك): "ببساطة (يصمت) قبل أن أمد يدي لداخل الصندوق نزعت ضميري كما أوصيتني وسحقته بكعب حذائي".
المقاول: "أعرف... لكن كيف؟".
النائب: "أرأيت البنت التي كانت مع الشاب؟... أقصد البنت التي أعانت الشاب في حمل الصندوق للقاعة؟".
المقاول: "نعم رأيتها".
النائب: "هذه البنت أنا من توسّط لها قبل أشهر عند رئيس المجلس".
المقاول: "وجدت لها وظيفة في المجلس؟".
النائب: "أجر يومي".
المقاول: "طيب... وكيف ساعدتك؟".
النائب: "أودعت لي الكرة التي تحمل الرقم خمسة وخمسين في ثلاجة المجلس ليلة كاملة، وأخرجتها قبل أن تُدخل الصندوق للقاعة بدقائق... وأنا تحسّست الكرات وسحبت الباردة منهن.. فقط.. هذا كل شيء".                            
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عامر حميو
روائي ومسرحي من بابل / العراق