آذار/مارس 28
 
مقدمة:
     ظهرت الرواية العربية الحديثة في العصر الحديث على إستحياء، ومرّت في الحياة الثقافية العربية بخطى وئيدة، وبطيئة. وكان السبب في ظهورها هو إتصال الثقافة العربية بالثقافة الأوربية فإستوردت بعض عناصرها، ومنها الرواية، وكأنها بضاعة لا تراث عربي لها، وشيء بكوري، ومولود جديد، حيث ترجمت بعض الأعمال الروائية الأوربية إلى العربية، وباتت المطابع، على قلّتها، تنشرها بين الخاصة من الناس أولا، ثم شاعت بين العامة، حتى استقامت في الحياة الثقافية العربية.
وكان السرد وما زال هو "ديوان العرب" على الرغم من غلبة المقولة المأثورة في أن الشعر هو "ديوان العرب"، تلك المقولة التي انطلت علينا جميعا، باحثين، ونقادا، ودارسين، ومهتمين، كذلك. ولو تفحصنا ما تركه العرب الأوائل من كتابات نثرية تتصف بما هو سردي من صفات ومميزات، لوجدناها تساوي أكثر نسبة من الشعر بكثير، وخير مثال على ذلك حكايات ألف ليلة وليلة، والمقامات، السير الشعبية، وحكايات أخرى زخرت بها المكتبة التراثية العربية، كقصة سيف بن ذي يزن، وقصة عنترة بن شداد، وتغريبة بني هلال، وحكاية ذات الهمة، وحكاية المياسة والمقداد، وغير ذلك من الحكايات والقصص التي حفل بها تراثنا السردي العربي القديم(1).
   وقد تنوعت وتعددت فنون السرد العربي الفني، كالرواية، والقصة القصيرة، والقصة القصيرة جدا، فيما يشكل ما هو شعبي من ذلك السرد نسبة كبيرة أيضا، كالقصة الشعبية، والسالفة، والحكاية، والحدوتة، فضلا على الأساطير، والخرافات.
***
   كتبت مرة: "حطّمت قصيدة النثر، كما حطّمت قصيدة التفعيلة، بنية البيت الشعري في القصيدة العمودية، ويأتي هذا التحطيم في أن قصيدة النثر ترفض أي نظام هندسي ينتظمها، ودائما هي تهرع نحو الحرية، وهذا هو عالمها الذي تعيش فيه، وإلّا فهي تموت كما ماتت العشرات من قصائد النثر، ان كان ذلك أثناء كتابتها، أو كان ذلك أثناء طباعتها في وسائل النشر الورقية، أو الافتراضية، إذ أن نزعتها المتجهة نحو الحرية تتطلب مثل هذا إلّاشتغال الفضائي الواسع والمنفلت من كل تحديد يحد بحريتها، على الرغم من محاولات بعض الدارسين، خاصة عند بحثهم لها لنيل شهادة الماجستير أو الدكتوراه، لتحديدها باشتراطات  وآليات عديدة.
   ان مثل هذه الحرية التي تتبعها قصيدة النثر في بناء شكلها خاصة، أي في اشتغالها الفضائي المنفلت عن أي تحديد، سيؤثر حتما في توليد الدلالات، والمعاني، أي انها توظف جيدا اشتغالها الفضائي واستثماره في توليد ما ينضح منها من دلالات ومعاني، وهذا ينتج عند القراءة الذكية لها على المنابر، أو عند مطالعتها من قبل قاريء فطن على الورق الحقيقي أو الافتراضي، اذ يعرف الأوّل محطات قراءة النص، أو التوقف عن القراءة لأسباب لا مجال لذكرها، عن طريق اثراء النص من قاريء متمكن، ويعرف الثاني قراءة البياض والسواد، أو هندسة الحروف والكلمات  والجمل، أو ترقيم المقاطع، وما شاكل كل هذا، في النص المكتوب على الورقة"(2).
   وتأسيسا على هذا الفهم الخاص لشكل قصيدة النثر وهي جنس أدبي معروف، نتساءل عن شكل جنس أدبي آخر، أسبق منه(3)، وهو الرواية، فهل كان شكل بنية الرواية الفنية الناضجة يمتثل لاشتراطات معينة تحدده ضمن حدود لا يمكن تجاوزها، مع العلم ان الســـرد في روايات مابعـــد الحداثـــة قد تميّـــز بمميزات منها كســــر التماســــك الحاصل بين الأحداث، وتشــــتيتها، وتفكيــــكها، مثلا.
   صحيح ان الرواية هي لغة، وأشكال تضم هذا اللغة، وهي لا قواعد، ولا اشتراطات منظورة  تحكمها عند الكتابة، بدقة مسطرة المهندس المحترف، إذ انها لا شكل معين لها، مثل: الحجم، وثلاثية أرسطو في البداية والنهاية والوسط، والحدث، والشخوص، والوصف، والزمان، والمكان، وان ما يحكمها هو ما ستهتدي اليه عند الكتابة، دون الخروج عن تلك القواعد والاشتراطات غير المنظورة بصورة عامة، أي أن الرواية هي التي تضع قواعد واشتراطات بُنيتها، كذلك جميع مواصفات عناصرها الأخرى، عند الكتابة دون الخروج عن عامة القواعد والاشتراطات، حيث لكل رواية بنية خاصة، ويأتي التشابه بين بنى وأشكال بعض الروايات من باب التناص العام، مثل ما نجده في الروايات التي كتبت على غرار ألف ليلة وليلة، وبعض السير الشعبية، والمقامات، مثلا.
   فلو ان الذين نظروا لبنية الرواية من المنظّرين والدارسين الأجانب (باختين، تودوروف، ياكوبسن، وبارت، وغيرهم) قد اكتووا بنار كتابتها، مثلما اكتوى كاتب الرواية ومبدعها، لمزقوا كل ما كتبوا من تنظيرات، ذلك أن الرواية عصية على القواعد، إذ انها حالة هلامية تتشكّل لحظة كتابتها، وانجازها، وهي بالتالي تضع قواعدها واشتراطاتها من دون الخروج عن العام من تلك القواعد والاشتراطات.
   وبناء الرواية منذ التأسيس قد اعتوره تغيّر وتبدل، إذ تغيّر الشكل التقليدي لبنية الرواية إلى شكل آخر، إذ أصابته سنّة الحياة في التطور، فتركت، مثلا، الاعتماد على قول السارد (المؤلف، أوالراوي)، أو قول الليالي (بلغني)، أو قول المقامة (حدثني)، أو قول السيرة الشعبية (قال الراوي)، أو(زعموا)، أو(كان يا ما كان) كما في أغلب الحكايات القديمة، وسوالف الجدات، وغير ذلك من العناصر السردية الأخرى للرواية.
***
الريادة:
   عاش المجتمع العراقي بعقله الجمعي وهو مملوء بالقصص، والحكايات، والسوالف، والأساطير، والخرافات، كأي مجمع عربي أو أجنبي آخر، وقد تراكمت في ذلك العقل هذه المكونات التي توارثها عن الأجداد حتى وصل إلى أن يكون هو، أو فرد منه، كاتبا ومؤلفا لها.
   عندما نقول ان الرواية في العراق قد بدأت بإصدار محمود أحمد السيد روايته "في سبيل الزواج – 1921" فليس معنى ذلك ان تاريخ السرد العراقي "الرواية خاصة" في العراقي قد بدأ من هذا التاريخ، وإنّما الذي يعنيه هذا التاريخ ان الرواية المكتوبة بقالب فني، شبه ناضج، وليست ما انصبت في قالب الحكاية، والسالفة الشعبية المعروفة، قد بدأت بهذا الإصدار.
    لقد سبق الكاتب سليمان فيضي السيد بإصدار روايته "الرواية الايقاضية – 1919" بسنوات، إلّا انه اتبع فيها اسلوب القصص الشعبي، وصيغة المسرحية إلى حد ما، مما جعل الدارسين، والمهتمين، يبعدوها عن الريادة في كتابة الرواية العراقية، كما أبعدوا تجارب سابقة لها، كما في مقامة "سجع القمرية في ربيع العمرية" لأبي الثناء الآلوسي(4).
    يقول الدكتور عبدالإله أحمد في كتابه (نشأة القصة وتطوّرها في العراق) (2): "يعتبر سليمان فيضي الموصلي أوّل من حاول الكتابة في القصة الطويلة (الرواية) في الأدب العراقي الحديث. فقد نشر عام 1919، روايته (الرواية الايقاضية)، وطبعها بمطبعة الحكومة في البصرة، ووصفها بقوله: ((هي رواية أدبية انتقادية أخلاقية فكاهية ذات 20 فصلا))". ويشير الكاتب إلى ان الرواية قد "خلت من كثير من مقومات القصة، واختلطت إلى حد كبير بالمسرحية النثرية". وهذا السبب الذي جعلها بعيدة من أن تأخذ درجة الريادة في الرواية.
   وكان الكاتب محمود أحمد السيد قد كتب رواية فنية لا غبار عليها إلّا انها لا تقف في مصافي الرواية العربية، والعراقية، التي تطورت حتى وصلت إلى قمة مجدها في القرن الواحد والعشرين. وقد مرت الأعوام والرواية العراقية ينمو عودها ببطء، ولم يشتد، إلى حد ما، إلّا بعد صدور رواية "النخلة والجيران" عام 1966(6).
   ان التطور الذي أصاب الرواية العراقية قد أسهمت فيه عوامل كثيرة من أهمها: الانفتاح على الآداب الأجنبية. وتطور الرواية العربية. وترجمة الدراسات النقدية الخاصة بفن السرد، والرواية خاصة. وإزدهار النقد السردي العربي. وتقدم الحياة. وازدياد التعليم والثقافة، وغيرها من العوامل الأخرى.
   في هذه السطور سنناقش رواية واحدة قد تطورت كثيرا عن الروايات التي سبقتها من روايات السيد وقد صدرت في السنوات التي تقف تقريبا في منتصف المسافة بين سنة إصدار السيد لروايته الأولى عام 1921 وبين عام 2021 وهي رواية "النخلة والجيران" التي صدرت طبعتها الأولى عام 1966، من حيث الشخصيات التي انتظمت فيها وحملت عبء أحداثها.
   بناء شخصيات هذه الرواية يفترق عما عهدناه في بناء شخصيات الروايات السابقة لها ليس من حيث العدد، والنوع، وإنّما من حيث عمقها، ودلالاتها، ورمزيتها، والوظيفة التي تقوم بها، وهذا لا يعني انها بعيدة عن أن تكون أكثر بناء لو أحسن الروائي معالجتها، وتقديمها في روايته.
***
النخلة والجيران وشخوصها:
   لقد وصلت رواية غائب طعمة فرمان إلى قمة ما وصلت اليه الرواية العراقية في ذلك الوقت بنزعتها الواقعية، من حيث النضوج، ووضوح الرؤيا الأدبية، وتمكّن الكاتب من أدواته السردية في الفكرة، والحدث، والحبكة، وبناء الشخصيات، والحوار، والوصف، والرمز كذلك، بحيث جاء المضمون متحدا بالشكل.
   وقد تنوعت، وتعددت، الشخصيات في الرواية كتعددها، وتنوعها، في الأدب بصورة عامة. وتسمى الشخصية في بعض الأحيان"البطل" كما عند أرسطو، وتوماشفسكي، وغيرهما. وبـ "الدور" كما عند بريمون. و"الفاعل" كما عند بروب، وجينيت. و"العامل" كما عند غريماس. و"الحالة" كما عند تودوروف. وغير ذلك من التسميات المتنوعة، والمختلفة. وتعد الشخصية صورة أخرى للشخصية في الحياة العامة، خاصة بالنسبة للشخصية الأنسية، على الرغم من انها لا تكون مستنسخة (copy paste) كليا عن صورتها كما في الحياة، إلّا انها تحمل الكثير من صفاتها، ومميزاتها، في الحياة العامة، لأنها عندما يقوم الكاتب باستدراجها إلى عمله الابداعي، فانه يقوم باعادة بنائها، وصياغتها، حسب مفهومه لتلك الشخصية في عمله الأدبي، إذ يضيف، وينقص من صفاتها، ومميزاتها، وتكوينها الخِلقي، والخُلقي، والسلوكي.
   والشخصيات في الرواية، وأي عمل سردي، تتنوع، وتختلف، بين أن تتحرك داخل عوالم الرواية التاريخية، أو كانت داخل عوالم الرواية السياسية، أو العاطفية، أو الاجتماعية...الخ، لأن كل نوع من هذه الأنواع الروائية لها عالمها الخاص بها، والذي تتبعه الشخصية، بل هي التي تبنيه عن طريق حركتها الاجتماعية، أوالنفسية، أوالعامة.
   وتحتل الشخصية، في الرواية خاصة، مكانة مهمة وفاعلة في بنيتها الروائية، فهي الأداة، والوسيلة، التي يعبر بها الكاتب عن رؤيته لكل شيء، لأنها من خلقه. وأيضا هي الأداة الفاعلة في الراوية الفنية التي تلم كل عناصرها، اذ تدور حولها كل الأحداث، وهي التي تنظم كل الأفعال داخلها. وأيضا، فانها هي العمود الفقري الذي تتشكل حوله الحكاية التي تبنى حولها الرواية. اذن، وبصورة اجمالية، يمكن القول انها تبنى لتمثل كل شيء، وتصل في الكثير من الأحيان في بعض الروايات الغاية التي تروم الوصول اليها.
ان الشخصية عنصر معنوي من عناصر الحكاية، مستل من عنصر مادي في الواقع والحياة، مع شيء من الثبات والتغيّر، لا تنشأ بعيدا عن الكلام الذي يصوغها، ويصور كيانها، وأفعالها، وسلوكها، وأخلاقها، وماتمتاز به، وما يميزها عن الآخرين، ويصف صراعها المعلن، وغير المعلن، مع النفس والآخرين، أي يصور كل ما يجيش في عقلها ووجدانها، الذي يدفعها إلى التحرك داخل عالم العمل الابداعي، بل هي في خضم هذا الكلام الذي يصورها ويصوغها.
***
    بُنيتْ أحداث رواية (النخلة والجيران) "على خلفية آثار الحرب العالمية الثانية في العراق، إذ صيغ نظام الحياة اليومية لشخصياتها في ضوء تداعيات تلك الحرب في بغداد، فظهرت منزوعة الإرادة، ومجرّدة عن أي فعل إيجابي، وما لبثت أن مضت في حال يكتنفها اليأس إلى نهايات مقفلة أدّت بها إما إلى الموت أو القتل أو الغياب، وبذلك تكون الرواية قد طرحت قضية التاريخ الراكد للأمة حيث يتلاشى الأمل بالتغيير، فكل شيء في تراجع مطّرد، إذ تستسلم معظم الشخصيات ليأس عام يخيّم عليها من كل جانب، وتذوي النخلة الوحيدة، وتباع الدار، ويهدم الإسطبل، وتكاد الحواري الطينية الضيقة تخلو من الحركة، وتبدو المشاركة الاجتماعية مشلولة، بل معطّلة، فقد انسدت الآفاق أمام شخصيات مهمّشة جرى تقييد إرادتها من طرف غامض، وأصبحت طيّ النسيان. فشرعت في الاقتصاص من بعضها بالطمع والقتل والخداع"(7).
   هذا ملخص للرواية يرينا الوظيفة الحقيقية للرواية داخل المجتمع الذي تستل منه بواقعيتها الفنية.
***
   لو طالعنا آية رواية غربية، أو عربية، أو عراقية، لرأينا ان الكاتب يسمي شخوصه أسماء لا يكرر اطلاقها على شخوص آخرين فاعلين في الرواية. وفي الوقت نفسه نرى بعض الروايات، وهي قليلة جدا، فيها شخوص تحمل الاسم ذاته. فما هو السبب في ذلك؟
   هل السبب من الكاتب الذي يطلق تسميات على شخوص نصوصه السردية؟ أم انه من العمل الابداعي، حيث يفرض على الكاتب أسماء شخوصه فرضا، تمشيا مع البيئة والمجتمع الذي نهل منه حكاية روايته؟
***
   ولكي تكون دراستنا موثقة بالأمثلة التي تجعلها دراسة ذات شأن في سلسلة الدراسات عن الرواية والسرد بصورة عامة، وهو في حالة التطور والصيرورة، سنقوم بتفكيك العمل الروائي وصولاً إلى عنصر من عناصره، وهي الشخصية، لندرسها من ناحية الأسماء التي أطلقت عليها. لهذا فان الدراسة هذه غير معنية بتحليل الشخصية من كل جوانبها النفسية، والأخلاقية، والاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية...الخ، بل هي معنية بأسماء الشخوص فقط.
***
   تنوعت، وتعددت، أسماء شخوص الرواية العراقية، كمثيلتها الأجنبية، والعربية، وفي هذه الدراسة سنضع رواية غائب طعمه فرمان "النخلة والجيران" تحت مبضع الدراسة والفحص، لاستجلاء الأسماء التي ضمتها هذه الرواية. والاجابة عن السؤالين اللذين طرحَتْهما الدراسة في المقدمة.
   نجد ان " النخلة والجيران" تضم أكثر من "35" شخصية، توزعت على نوعين، هما:
النوع الأوّل: الشخصيات الرئيسية التي تؤثر في أحداث الرواية:
    هنالك شخصيات كثيرة تؤثر مباشرة في أحداث الرواية وهي:
- سليمة (خاتون) الخبازة. ابن زوجها حسين. مصطفى أحمد الدلّال (أبو ابراهيم). أسومة العرجة، وزوجها مرهون السايس (ابن الحجية عمشه)، وأبو قنبورة. حمادي العربنجي (أبو شيبة كما يسميه حسين)، وزوجته رديفة، أم خشم الأقجم. خيرية (الحكومة الله يسلمها)، وزوجها رزوقي الفراش. تماضر. صاحب أبو البايسكلات (أبو مهدي). محمود ابن الحولة. الخالة نشمية. الأرمني(خاجيك، خاصيك).
   هذه الشخصيات تلعب دورا كبيرا في رسم أحداث الرواية. فهي من الأبطال/ الفاعلين/ العاملين الاجتماعيين، ويمكن أن نطلق عليهم أي مصطلح من المصطلحات التي تقدم ذاكرتها، ولهما الدور الكبير في الأحداث. كما ان كل واحد منهم يشكل "حالة" ما في العمل الابداعي هذا.
النوع الثاني: الشخصيات التي لا أثر لها في الرواية:
   هذه الشخصيات أمّا انها تدخل عرضا في أحداثها، أو ترد في استذكارات بعض الشخصيات الرئيسية، مثل:
- عليوي أبو حسين المتوفي. فتحية بائعة الباقلاء. الفتاة بدرية. السكران في الحانة. أبو فتوحي. أبو رمزي. سيد مختار. أبو صماخ. أبو العليجة. الأصلع الذي يريد يشتري العربة. والأسود المرسل من قبل حاج أحمد آغا. الشاب الأحول الذي يتكلم مع حسين قرب دائرة المفوضية البريطانية. ابن مروكي صاحب الحانة. علوان أبو الجص. أحمد الجايجي. طه، جاسم، اللذَين يقدم لهما مصطفى المال كدَين. عمران المضمنجي. جانيت البائعة. المسلول في الفندق. الساقي في البار. ماري فتاة البار. حاج أحمد آغا. جاسم المزين. رديف حبيب الخالة نشمية. الملا حمادي صاحب مقهى. تسواهن. وغيرهم.
   هذه الشخوص تدخل الرواية دون آية فاعلية، انها كالشخوص التي ترد في الأحلام، فهي لا تأثير لها، انها عبارة عن صورة لا واقع لها، لهذا فهي ليس لها تأثير في النص السردي.
***
   ان شخصيات الرواية الخمس والثلاثين، توزعت على نوعين، هما:
* النوع الأوّل: ويضم الشخصيات التي لها أثر في الرواية.
* النوع الثاني: ويضم الشخصيات التي لا أثر لها في الرواية.
   وبين هذين النوعين، شخصيات تتشابه بالأسماء، إلّا انها تختلف في:
- المهنة.
- الجنس.
   وهذا يعني ان الكاتب قد أعطى احدى الشخصيات دورا رئيسيا في عمله الابداعي، ورسم ملامحها، وكل شيء فيها، وأخبرنا عن أفعالها، وأهمل الأخرى، إلّا انه ذكرها، أمّا في حوار عابر بين الشخوص الرئيسية، وأمّا انها مرت كذكرى من ذكريات أحد الشخوص الرئيسة.
   فشخصية"رديفة"، "أم خشم الأقجم" كما يسميها زوجها "حمادي العربنجي"، هي واحدة من الشخصيات الرئيسية، وهي مؤنث "رديف" الشخصية الذكورية التي تتذكرها الخالة نشمية على انه كان يبادلها الحب في صباها قبل أن تتزوج، في حوارها مع "تماضر". وكذلك بين"حمادي العربنجي"، احدى الشخصيات الرئيسية و"الملا حمادي" صاحب المقهى. إذن هناك شخصية رئيسية فاعلة، وشخصية ثانوية غير فاعلة إلّا انها تحمل الاسم نفسه، والفرق بينهما هو التأنيث والتذكير، أو المهنة.
   هذا التشابه وقع بين اسم شخصية انثوية، وبين اسم شخصية ذكورية. لهذا فلا يحسب تشابها لاختلاف الجنس، والفاعلية. وهذا ما تتطلبه الرواية في كثير من الأحيان، لمعرفة قدرة الكاتب على بناء شخوص روايته رغم اختلافهم بالجنس، وتشابههم بالاسم. إذ أن لكل شخصية ملامحها الداخلية والخارجية.
   أمّا التشابه الحاصل بين"حمادي العربنجي"، احدى الشخصيات الرئيسية في الرواية، وبين"الملا حمادي" صاحب المقهى، الذي يذكره حسين مرة واحدة عندما يمر على مقهاه، فهو تشابه قائم في الأسماء على الرغم من اختلاف المهنة، حيث ان المهنة تسمية أخرى تطلق على أي شخص لا يحمل اسم يعرف به، وهو هنا كذلك، لا يعد تشابها، ما دام لا يؤثر في مجريات أحداث الرواية.
   ان هذه الشخصيات من النوع الثاني ترد في كلام الشخوص الآخرين من النوع الأوّل، ولم يكن لها تأثير يذكر في الرواية. انها عبارة عن شخوص مادية، محسوسة، إلّا انها تأتي بشكل عابر.
***
   ترى هذه الدراسة ان ذكر هذه الشخصيات في حالة تشابه الأسماء في العمل الابداعي السردي، مع اختلاف في التصنيف لسبب أو آخر، جاء لأسباب منها:
   - ان الكاتب قد استوحاها من الواقع الذي ينهل منه، خاصة ان رواية "النخلة والجيران" هي من روايات الواقعية، وهي تروي عن شخوص سحبها الروائي من قاع المجتمع الواسع في الفترة الزمنية التي يتحدث عنها، وبنى عليها أحداث روايته.
   - أو ان الكاتب في وعيه، أو لا وعيه، قد أطلق هذه التسميات، كي تفرز الشخصية الواحدة عن الأخرى.
   وهناك أشخاص لا أسماء لهم سوى انهم يصنفون حسب مهنهم، أو جنسهم، أو احدى صفاتهم الخلقية، أوالخُلقية. وهذه التسمية تتكرر مرة، وثانية، ولا يعد هذا تكرارا، لأنه لا تأثير له في مجريات الرواية.
  ان مثل هذه الشخصيات تبقى بدون محددات، وانما تعرف بمهنهم، أو جنسهم، أو أي صفة أخرى، لأنها شخصيات غير منجزة، وغير فاعلة ميدانيا.
   واذا سحبنا هذا القول على كل الأعمال الابداعية/السردية، العراقية، والعربية، والأجنبية، فانه يشملها كلها، وبلا استثناء، لأن العمل الابداعي/السردي هو عمل ابداعي عن الواقع المعاش، مهما صيغ، ومهما كان للمخيال من دور في هذه الصياغة الابداعية له.
***
   ان "النخلة والجيران" عمل روائي كبير في الفترة التي نشر فيها وما زال محافظا على قيمته الابداعية التي تكون كالبرزخ الذي يفصل بين الرواية العراقية التي كتبت قبل صدورها، وهي روايات غير ناضجة فنيا، ولم تمتثل للاشتراطات العامة للرواية الفنية الناضجة، كروايات ذو النون أيوب، وعبد الحق فاضل، وبين الرواية العراقية التي كتبت بعدها، الرواية التي يمكن أن نقول عنها انها وصلت لحد النضوج الفني، والكمال الابداعي، وامتثلت للاشتراطات العامة للرواية الفنية الناضجة، كروايات عبد الرحمن مجيد الربيعي، وروايات فؤاد التكرلي، وروايات عبد الخالق الركابي، وروايات مهدي عيسى الصكر، وروايات أحمد خلف، وروايات لطفية الدليمي، وغيرهم العشرات من كتاب الرواية العراقية الذين انتجوا روايات فنية ناضجة.
   ان مئة عام مرت على كتابة أوّل رواية عراقية هي فترة غير طويلة في تاريخ الأدب السردي إذ ان الرواية تحتاج إلى تأن، واختمار، في كتابتها، وهذا ليس بعيدا عن كتابتها في مصر مثلا التي سبقت العراق بأعوام كثيرة في الكتابة السردية منذ أن كتب محمد إبراهيم عبد الخالق المويلحي (1858 - 1930) روايته "من حديث عيسى ابن هشام" حتى آخر رواية مصرية.
 
الهوامش:
  1. يمكن مراجعة كتاب الدكتور عبد الله ابراهيم "موسوعة السرد العربي"- المؤسسة العربية للدراسات والنشر- بيروت - 2008. لأخذ فكرة عن السرد العربي القديم.
  2. داود سلمان الشويلي- الاشتغال الفضائي في المجموعة الشعرية "خطأ في رأسي" للشاعر زين العزيز- جريدة الحقيقة- السنة الثالثة- العدد 787 آيار 2016-  ص9.
  3. برأينا المتواضع فاننا نعد الحكاية، والاسطورة، والخرافة، هي الأساس المتين لفنون السرد المعاصرة كالرواية، والقصة القصيرة، والقصيرة جدا.
  4. نشأة القصة وتطوّرها في العراق -1908- 1939- عبد الاله أحمد - مطبعة شفيق- بغداد -1969- ص6.
  5. المصدر السابق – ص56.
  6. النخلة والجيران – غائب طعمة فرمان – بيروت – 1966.
  7. الروائي – مجلة الكترونية تعني بشؤون الرواية- د.عبدالله إبراهيم - عن النخلة والجيران – 15 / 8 /2010.