آذار/مارس 29
 
بدءاً.. هل يحق لنا أنْ نعد من يعمل في حقول الفكر والثقافة والمعرفة والإبداع.. شغيلة منتجة، وسبيلا من سبل العمل والعيش معا؟
بكل تأكيد.. ذلك انه ليس بوسعنا تجاهل الأساتذة الذين يعملون في حقول التربية والتعليم - سواء في المدرسة أو الجامعة - مثلما لا يمكننا أن نغفل عمن يعمل في مراكز البحوث والدراسات في شتى التخصصات، بوصفهم.. شغيلة بناء وعي المجتمع.
إلا اننا إلى جانب هذه النخب الأكاديمية والتدريسية، نجد ان هناك اوساطا عديدة ومتنوعة من الأدباء والفنانين والكتاب، يعملون في الصحافة والمؤسسات الاعلامية.. وهم منتجو ثقافة ومبتكرو جمال..
انهم جميعاً.. شغيلة تعنى بإنتاج المعرفة..
ولكن.. الى جانب هؤلاء جميعاً، نجد شغيلة من نوع آخر..
فهي تنتج أبحاثاً وترسم مخيلة راقية عن طريق الفنون والآداب، من دون أن تتلقى أجوراً، إلا من مصادر رسمية محدودة وغير ثابتة.
وقسم كبير من هذه الشغيلة متفرغ للكتابة والفنون المسرحية والتشكيلية والموسيقية من دون أجور.. ولا يوجد ضمن تقاليد الدولة العراقية، جهة تهتم بـ (التكليف) أو (التفرغ) إلا في حدود ضيقة واستثنائية نادرة، ولا يعول عليها في بناء حياة اقتصادية ثابتة ومنظمة للعاملين في الميدان الثقافي.
في حين.. توجد في بلدان عربية وأجنبية تقاليد ثابتة تقر بأهمية التفرغ لغرض دراسة معينة، أو بناء نصب، أو إقامة حفل موسيقي أو عرض مسرحي..
وهو أمر نادر الحدوث في العراق، ذلك ان الدولة العراقية برمتها، ليست معنية بالاهتمام والالتفات الى الثقافة والفنون والفكر، وهي على نحو آخر تهمل التربية والتعليم.. بجميع روافده.. كما لو انها تعد الاهتمام بهذه الجوانب.. ترفاً وهي غير ملزمة بالالتفات الى هذا (الترف)...!!
لذلك لا نجد في المدارس والجامعات، مختبرات وقاعات ومكتبات أو يعوزها الكتب والمجلات الأكاديمية الجديدة العربية والعالمية.. كي تكون مصدراً وينبوعاً يمد الحياة المعرفية والإبداعية.. بما ينبغي ان يكون عليه بلد ينشد الوعي والانتباه في كل الميادين كالعراق...
كذلك تشير الاحصاءات الى ان هناك 30% من العراقيين يعانون من الأمية، ومن العزوف عن الالتحاق بالمدارس والجامعات، لإدراكهم ان المدرسة والجامعة لا تؤهل خرّيجيها بالعمل الفاعل والمنتج، وانما هي تضخ باعداد كبيرة اجيالاً من العاطلين عن العمل، والذين لا يتقنون اي صنعة بذاتها، مثلما ينسون ما تعلموه - على محدوديته - ليصبحوا مجتمعاً خارج محور الحياة الحاضرة والمستقبلية.. ذلك انه لا يلوح في الافق راهناً الى ان العملية التعليمية ستشهد افقاً جديداً، مثلما لا يجد شغيلة التربية والتعليم والثقافة والابداع.. ما يسد رمقهم ويحقق حضورهم الانساني!
إنّ هذا الواقع السلبي والمرير الذي تواجهه هذه الشغيلة.. واقع مزرٍ لا يلقى اهتماماً من جميع الحكومات التي توارثت السلطة منذ عام 2003 حتى الآن.. فضلاً عن اهمال الدولة برمتها لشغيلة الفكر والابداع.. فهي غير معنية باصدار القوانين التي تكفل العيش- حتى في مستوياته الأدنى للأدباء والصحفيين والفنانين- وفي أحسن الأحوال قد تمدهم بـ (تكريم) سنوي لا يتجاوز (المليون دينار) تستقطع منه الضريبة ليصبح مبلغاً لا يتجاوز الـ (750) دينار سنوياً!!
وهي منّة لا تليق بمن أفنى عمره يبحث ويقرأ ويفكر يظل زاهداً في أمور دنياه..
ليجد نفسه وعائلته في شظف من العيش وفي ضائقة مالية وصحية واقتصادية تسهم مجتمعة في تخليه عن كل اهتماماته ومنطلقاته في إيلاء الثقافة والإبداع لينصرف الى تدبير قوته وقوت عياله مما يتقاضاه من راتب تقاعدي متواضع...!
ان شغيلة الفكر والإبداع في العراق، هم الأكثر مظلومية في الحياة الراهنة، وهم الاكثر حاجة الى الانتباه والرعاية.. بوصفهم النخب المضيئة في المجتمع الذي نطمح اليه.. مجتمع تسوده الحياة الرغيدة والمستقبل السعيد والآمال الكبار..