أيار 18
 
    
ضمن المرحلة الأخيرة لتطور البحث الشكلاني، أي مرحلة (إدماج الصوت بالمعنى) أقرّ جاكوبسون بأن مفهوم (المهيمنة) كان مفهوماً مثمراً، وقد عرفها كونه "عنصراً بؤرياً للأثر الأدبي، أنها تحكم، وتحدد، وتغير العناصر الأخرى، كما أنها تضمن تلاحم البنية"(1) وهي "عنصر لساني نوعي يهيمن على الأثر في مجموعه، ويعمل بشكل قسري، لا راد له، ممارساً بصورة مباشرة تأثيره على العناصر الأخرى"(2) إنها العنصر الإجباري في الأثر الأدبي وفي سياق زمني محدد، وفي حدود ذائقة جماعية معينة، كحضور أو غياب عدد المقاطع في الشعر المقطعي، أو القافية أو النبر.
ويوسّع جاكوبسون مفهومه للمهيمنة بتوسيعه لمفهوم الوظيفة الجمالية، إذ لا يمكن للأثر الإنشائي "أن يُحصر في الوظيفة الجمالية، بل هو يتوفر إضافة إلى ذلك على وظائف أخرى، وفعلاً فبنيات أثر إنشائي ترتبط في الغالب ارتباطاً وثيقاً بالفلسفة وبخلق اجتماعي معين"(3). أن ربط جاكوبسون للمهيمنة بمرحلة الصوت والمعنى وتوسيعه لوظائف الأثر الإنشائي خارج الحيثيات الجمالية يشجعنا أن نسحب مفهوم المهيمنة خارج إطاره القسري للنوع أو الجنس الأدبي ليشمل الإحالات الدلالية النوعية المائزة في الأثر الشعري لشاعر ما، وبالتالي ستكون ضمن القاموس الشعري لكل شاعر مهيمنته الدلالية الخاصة به.   
وعلى وفق هذه الإمكانية بوسعنا تشخيص المهيمنة الدلالية التي تشغل الحيز البؤري الأوسع في قصائد الشاعر عبود الجابري، وتلك المهيمنة هي الفردوس المفقود، أو الوطن في صورته الأوسع، مع احتمالات تضييقها حسب متطلبات سيرورته التخييلية ليتحوّل إلى بيت، بل وإلى ما دونه فضاءً وتشكلاً، فلتلك المهيمنة مجالها الدلالي المتسع، وتقلباتها الرمزية التي بموجبها يتلاعب الشاعر بسيمياء المكان، ويشكلها كيفما شاء. فالوطن والبيت والمنفى والضياع والتشرد والغربة مع ظلالها وتنويعاتها هي نماذج علاماتية من المجال السيميائي للشاعر وإن تبادلت دلالاتها بأخرى مقاربة لها في المعنيين البعيد والقريب. ومع هذا الحضور، والحضور المغيّب تتجدد المهيمنة، ويفرض تجددها على النصوص ألا تكرر نفسها من جهة، مع إبقاء خيط دقيق يربطها ببعضها من جهة أخرى.
أما الاستراتيجية التي يتبعها الشاعر في تلبية متطلبات مهيمنته، وإقناع المتلقي بجدوى مظاهرها المتقلبة والمتباينة، فمن المفارقة أن تكون استراتيجية تغييب، فهو لا يقدمها كما يُتوقع منه على وفق المعينات المرجعية الموروثة للدلالات المألوفة وتواتراتها في الأدبيات المتداولة والمستهلكة، بل كما تفترضه خطاطة تستعين بتقنيات المفاجأة والصدمة اللتين تأتيان بالنقيض من المترادف والقرين، وبالغريب من النمطي والمعتاد، وبالبعيد من القريب وبالعكس. وتحت قشرة هذا المزيج ينمو المعنى مفارقاً الأصل الذي نشأ منه ليصدم المتلقي الذي يبدأ بالبحث عن العوامل التي دفعت لتلك المفارقات الصادمة.
ليكن مدخلنا للبحث عن مفاتيح تلك المهيمنة قصيدة (همهمة) حيث تتشكّل من مفصلين، المفصل الأول مخصص لاعترافات أنا المتكلم. أما المفصل الثاني فمخصص لتشريعاته، وما بين المفصلين، أو ما بين الاعترافات والتشريعات ثمة رابط خفي تختزله العنونة (همهمة) عبر انتمائها إلى جذرها اللغوي (الهم) وما يتفرّع عنه من معان لعل الأدنى منها إلى مضمون النص أنها، بحسب الفيروزآبادي (4) "تردد الزئير في الصدر من الهم" وليس ببعيد عن ذلك الأدنى، وبحسب الفيروزآبادي أيضاً(5) أنها "الكلام الخفي" . وربما جمع الشاعر المعنيين في توليفة نصيّة شاء لها أن تكون ذات منحيين متضادين، فهي من جهة ساخنة صخّابة كونها تمتح من صدر موّار بالهموم، وهي من جهة أخرى هادئة خفيضة النبرة كونها موصومة بـ (الكلام الخفي) لكن رابط العنونة ليس وحده ما يجمع المستويين، بل أن رابطاً آخرَ أقوى هو لُبّ المفصل الثاني أي (التشريع)، فالاعترافات، أي المفصل الأول تأتي أو يأتي معها مفصلها في أثر التضارب ما بين اعتراف المتكلم/المذنب بعدم مسؤوليته عن التشريعات من جهة أولى (سأعترف بأني لم أشرّع)، وما بين اعترافه الصريح في المفصل الثاني كونه المسؤول عن التشريع ، بل هو مشرّع بارع (أعترف بأني مشرّع بارع للخوف مما لا يُخيف) أو (أنا مشرّع خجول لكراهيتي للأوطان).
وعلى هذين المنحيين المعجميين المتضادين (الصاخب والخفي) تتوالى هموم الشاعر متراصة ضمن المفصلين المذكورين، واللذين يمكن تطويق أبعاد ملامحهما العامة كالتالي:
المفصل الأول:
وهو مفصل الاعترافات، وضمنه يعرض الشاعر بين يدي قارئه ثلاثة اعترافات، بيد أنه قبل الخوض في تفصيلاتها يقرّ ابتداءً بالذنب (كما ينبغي لمذنب). وبالتالي فهو يقطع الطريق على كل احتمال بالبراءة، كما أنه يقرن هذا الاعتراف المسبق بالمتطلبات التي ينبغي عليه أداؤها بوصفه مذنباً، وتلك المتطلبات هي اعترافاته الثلاثة.
لكن قبل الدخول في تفاصيل تلك الاعترافات ينبغي التساؤل: أمام أية محكمة يقف هذا المتهم، ومن هم قضاته، لاسيما أنّ النص موجّه من المتكلم إلى نفسه، دون أن تكون هناك أية إشارة صريحة إلى مخاطب ما. بيد أن المفصل الثاني يُختتم بإشارة مموهة إلى مخاطبين اثنين معنيين بأزمة الشاعر الروحية من دون أن يتوجه إليهما الخطاب مباشرة هما (الله والوطن) وسنأتي إلى ذلك في حينه.
أما الاعترافات الثلاثة التي شكلت البنية الدلالية للمفصل الأول فهي:
  • (سأعترف بأني لم أشرّع قانون الأبواب)
  • (... ولأني لا أملك بيتاً)
  • (سأعترف كذلك بكراهيتي للنوافذ)
كل اعتراف من الثلاثة مدعوم بتفاصيل من مجاله الدلالي، فاعترافه الأول ألزمه بالبراءة من كل لوازم الأبواب (النحاس والحديد والخشب) وفضّ علاقته ب (بالأقفال والمفاتيح). أما الاعتراف الثاني فقد جاء بصيغة ضمنية وخالية من فعل الاعتراف إذ تمّ تمييع دلالته المكثفة في المسوّغ الجُرمي الذي اضطره للاعتراف وهو عدم امتلاكه بيتاً (... ولأني لا أملك بيتاً). أما حرف العطف (الواو) السابقة لهذا التسويغ فهي التي أدرجته ضمن التسلسل الثاني لقائمة الاعترافات الثلاثية. والجريمة التي تمخض عنها هذا التسويغ تمضي بدورها ضمن ثلاثة مسارات:
المسار الأول:
تدفع إليه سذاجة بالتفكير بالبيت المفتقد، أو بمجاله الدلالي، أو بكل ما يحيل إليه البناء بمظهره العام، أو بكل ما يمكن أن يكون ملاذاً أو حمىً:
(ولأني لا أملك بيتاً
فإن من السذاجة أن أتعب نفسي
في التفكير بالأسوار وارتفاعاتها)
المسار الثاني:
يمضي باتجاه التغاضي، أو عدم العناية بالتفاصيل الدقيقة للمجالات الدلالية للبيوت ممثلة بمواد بنائها: (فلا يهمني إن كانت من حجر أو من زجاج).
المسار الثالث:
فتعبر عنه حالة عدم الاهتمام بساكني البيوت، وضمن هذا المسار جاء الذكر على ساكنين اثنين محتملين هما (الطيور وعابري السبيل) وعلى طريقتي التعاطي (المأوى والمتكأ) اللتين تتوافقان مع طبيعة كل منهما:
(لا يهمني إن كانت مأوى للطيور
أو متكأً لعابري السبيل)
في الاعتراف الأخير/الثالث (سأعترف كذلك بكراهيتي للنوافذ) يضع المجال الدلالي للنوافذ جانباً بعد أن استنفذ طاقة هذه الآلية في الاعترافين السابقين، واكتفى بتبيين سبب كرهه للنوافذ بوصفها عيناً مخصوصة للتلصص. ويبدو أن سبب الكره هنا لا ينصب بالدرجة الأولى على النوافذ على الرغم من أنها لا تسلم منه، بل ينصب الكره أساساً على فعل التلصص إلى حدّ أنه يكره التلصص حتى على من يطرق بابه، ومن دون شكّ أن فعل الطرق هنا يأتي كنية لفعل التلصص، بينما الباب هو كنية عن الذات، فكأنه أراد القول إنه يكره أن يتلصص حتى على من يتلصصون عليه.
المفصل الثاني:
مع الاعتراف الأخير يُختتم المفصل الأول ويبدأ المفصل الثاني، ولكن هذا الاختتام، وتلك البداية غير منفصلين عن بعضهما كما سبق التبيين، لأن اعترافات المفصل الأول استُفتحت بإقرار الشاعر عدم مسؤوليته عن تشريع قانون الأبواب، وما تمخّض عنه من الاعترافات الثلاثة السابقات هي تفرعات متباينة عنه، بينما المفصل الثاني هو تجلية لطبيعة تلك التشريعات والتي يمكن ردّ دوافعها بالإجمال إلى الاعتراف الثاني من المفصل الأول، أي (... ولأني لا أملك بيتاً)، فنمطا التشريعات الاثنان اللذان تمخض عنهما المفصل الثاني يدوران في فلك الحرمان من البيت، وقد تتسع دلالة البيت استعارياً لتشمل الوطن. وهذا هو محور المهيمنة الدلالية التي ستنيخ ظلالها على أغلب قصائد الشاعر.
أما طبيعة تشريعات هذا المفصل فمقرونة بضمير المتكلم عن عمد إصراراً منه على الاعتراف بمسؤوليته الشخصية عن:
1 – (الخوف مما لا يُخيف) ولا يكتفي الشاعر بإصراره على تشريع هذا النمط من الخوف، بل يقرنه ببراعته في تشريعه (أنا مشرّع بارع للخوف مما لا يُخيف) مع تفريعه لأنماط الخوف الذي لا يُخيف التي تضم (التشرّد والرياح الباردة والحنين لمعطف دافئ والجلوس على الرصيف أو على مقعد مهجور):
(أنا مشرّع بارع للخوف مما لا يُخيف
التشرّد مثلاً
ومصاحبة رياح باردة
الحنين مثلاً آخر
لمعطف يقيك ثرثرة البرد في ضلوعك
والجلوس حيثما تكلّ قدماك
على رصيف أو على مقعد مهجور
وذلك أقصى ما يُمكنكَ
أن تهديه لنفسك من الترف)
ومن الواضح أن تلك التفرعات التي وصمها الشاعر ساخراً بأنها (لا تُخيف) هي الدافع الأساس للخوف، لأنها ببساطة بدائل البيت كما هي في واقع الضائع والمشرّد حتى ليصبح تأمين بعض تلك المتطلبات البسيطة هدية ونوعاً من الترف:
(... أقصى ما يمكنك
أن تهديه لنفسك من الترف)
2 – وعلى الضد من إصرار الشاعر على الاعتراف بمسؤوليته الشخصية على التشريع (ببراعة مما لا يُخيف) تراجع بضع خطوات إلى الوراء لتتحول براعته إلى خجل حين يتعلق الأمر بكراهيته للأوطان (أنا مشرّع خجول لكراهية الأوطان). وإذا كنا نتفهم دوافع الكراهية لدى من فقد البيت، يبقى السؤال لماذا الخجل؟ ولماذا كراهية الأوطان؟
وإمعاناً في تعقيد الإجابة على السؤالين يقرن الخجل من كراهية الأوطان بردود أفعال تتوافق معه (أي مع الخجل) في النعومة واللين: (شتائم ناعمة/ النظر بعين دامعة/ تحريك اليدين بهمهمة) وبضم تلك الردود إلى بعضها، وتوجيهها الوجهة التي خطها لها الشاعر، مع ربطها بدعائم دلالية من المفصل الأول ربما نكون اقتربنا من الإجابة على السؤال الثاني، فليس من المنطقي أن يأتي الشاعر بردود أفعال مناقضة لـ (الكراهية والشتائم والنظر إلى السماء وتحريك اليدين) عندما تكون الأوطان هي المسؤولة عن تشريد أبنائها ، أو بالأحرى مسؤولة عن المظلمة التي ألمح إليها في المفصل الأول عبر (... لأني لا أملك بيتاً) والتي سينتهي إليها المفصل الثاني بوضوح:
(أنا مشرّع خجول لكراهية الأوطان
بشتائم ناعمة ربما
والنظر بعين دامعة إلى السماء
وتحريك اليدين بهمهمة
لن يفهمها إلا الله
وأبناؤه الذين لا بيوت لهم
ولا أوطان)
إنّ هاجس البيت والوطن هما المهيمنة الدلالية التي ينفتح لها قاموس الشاعر بصور ومفردات المنفى والتشرّد والضياع والغربة ثم يضفي على هذا المزيج الصوري والبياني ما يزيحه عن دلالاته المعيارية وعن سياقاته النمطية ليطلقه رموزاً تستقبل أكثر من معنى ومن تأويل. ففي قصيدة (قبل أن يجنّ الفتى) تبرز ظاهرة التذكر قرينة لظاهرة النسيان، فالفتى يتذكر لينسى استعداداً لاستقبال المنفى الذي يعني محو الذات، لذلك يستقبله بحزن:
(وكعادته، يغرق في التذكر طويلاً
ليمحو الأسماء والأمكنة
ويمضي إلى منفاه حزيناً)
ومع ذلك تفشل محاولته في (التذكر/ النسيان) لأن وحدتي هذه الثنائية الضدية تتبادلان موقعيهما، وعندئذ يتحوّل النسيان إلى تذكر، ومع هذا الانقلاب المفاجئ يمضي الفتى إلى منفاه حزيناً من أجل أن:
(يعيد قراءة صور المدن القديمة
تلك المدن
التي تشتعل في رماد المكاتيب)
وكما تذكّر الفتى لينسى، ثمّ نسيَ ليتذكّر، يكرر الشاعر ثنائية أخرى ذات صلة بمهيمنته، وما يتفرع عنها من دلالات ورموز. وفي ثنائيته هذه التي نستلها من قصيدته (دير الآباء اليسوعيين) يسير لا ليصل، بل ليضيع، ممثلاً ضياعه بحجر يركله طفل:
(ها أنا ذا أسير في الشارع ذاته
أنحدر في مشيتي
كما لو كنت حجراً صغيراً
يركله طفل عابث)
أما الافتتاحية فقد مضت إلى الطرف الأقصى من دلالات البيت، ولكنه هذه المرة البيت النقيض للساكن النقيض، إنه الظل الذي تأوي إليه الشمس، أو تستند إليه، ولا فرق مجازياً ما بين الإيواء والاستناد فكلاهما يحيلان إلى الراحة والاطمئنان، ولكنّ الغريب في هذه الافتتاحية الغرائبية أنّ الشاعر هو الموكل بالبحث عن ظل تستند إليه الشمس، وليست الشمس هي المعنية بإيجاده لنفسها، وإن الشاعر يحلف بعجزه عن إيجاد هذا المسند وكأن هناك من يُلزمه على هذا البحث:
(وأيم الله أني لا أجد ظلاّ 
تستند إليه الشمس
عندما تكفّ عن هذيانها المضيء)
في قصيدة (في الحب أكثر مما ينبغي) يكون السؤال عن البيت، أو عن طريق البيت، هو ذاته السؤال عن الذات، وعندما يضيع الطريق إلى الأول، يفقد المرء طريقه إلى الثاني، إنها حالة تداخل في الاتجاهات، أو حالة تماهي يصبح فيها الاثنان واحداً، وبذلك تدخل الذات ضمن مجازات قاموس المهيمنة، فالجملة الابتدائية بعد أداة الشرط غير الجازمة (لو) أو ما يسمى بـ (حرف امتناع لامتناع) ونعني جملة (ولو كنت أعرف أين أنا) أحالت إلى نمطين من الضياع، نمطين متماهين في بعضهما، أو ناجمين عن بعضهما، الأول هو الضياع في المكان، ويحيل إليه اسم الاستفهام (أين)، والثاني ضياع الذات، ويحيل إليه ضمير المتكلم (أنا):
(أعرف أنك ستسألني السؤال ذاته
أين أنت؟
ولو كنت أعرف أين أنا
لأرشدت قدمي إلى طريق البيت)
ومن الطبيعي أن تُركز كل احتمالات البحث عن هذه المهيمنة في حدود المكان، ولكن ليس المكان الفيزياوي بأبعاده الثلاثة، ومرتسماته الجغرافية، إذ متى كانت الحلول الواقعية، والمظاهر الطبيعية من خواص الشعر؟ إنها ضديدته، لأنها ستحوله عندئذ إلى مقولات منطقية وإلى محمولات مغلقة، ولذلك يركز الشاعر بحثه عن عناصر مهيمنته في اللامكان. وفي اللامكان لا يبحث عن البيت، لأنه سيحمل البيت والمرأة المخاطبة معاً على ظهره، وهذا هو حاله في قصيدته (في الحب أكثر مما ينبغي) حيث يتجسد الضياع في ثلاثة مواقع: أولها في الفعل (أدور) الذي يحيل إلى عدم الاستقرار، وثانيهما في مفردة (البحث) المفارقة لمفردة (العثور)، وثالثهما في اللامكان:
(أنتِ في البيت
بينما أحمل البيت على ظهري
وأدور بكما
بحثاً عن زقاق ليّن
لنتحدّث عن الحب في اللامكان)
والضلالة عند الجابري لا تختزن دلالة يقينية مناقضة لدلالة الإيمان، بل تأتي دوماً بمعنى الضياع، والضياع لا يهدد استقرار المرء فحسب، بل يمتدّ أثره حتى إلى الحجر. وإن كان الاستقرار في الوطن هو نهاية لسردية الضياع بالنسبة للمرء الضال، فأن الرأس هو المستقر لسردية الضياع بالنسبة للحجر الضال. أما زجاج الآخرين فهو قرين المنفى. ثمّ يتبدّى فعل الاعتراض (أي اعتراض طريق الحجر المتوجه إلى زجاج الآخرين) كمحاولة لإيقاف تكرار تجربة المنفى، حتى لو نجم عن تلك المحاولة شجّ الرأس. وهكذا تتميّع المسافة ما بين عناصر المجاز المتباعدة، وتصبح إحدى ممكنات التأويل كما يلي:
- الحجر الضال = المرء الضائع
- الرأس = الوطن أو المُستقر
- زجاج الآخرين = المنفى
(تعرّف جيداً
على الحجر الضال
اعترض طريقه برأسك
حينما يكون متجهاً إلى زجاج الآخرين)
 
الهوامش:
  1. عدد من المؤلفين، نظرية المنهج الشكلي – نصوص الشكلانيين الروس، ترجمة: ابراهيم الخطيب، الشركة المغربية للناشرين المتحدين ومؤسسة الأبحاث العربية، بيروت، الطبعة الأولى، 1982، ص: 81
  2. نفسه ص:81
  3. نفسه ص:83
  4. الفيروزابادي، القاموس المحيط، تحقيق د. يحيى مراد، القاهرة، مؤسسة المختار، ص:1119
  5. نفسه ص:1119