أيار 18
 
 
وأنتِ تُحبين الحياة احتملي بعض الشغفِ من وجوهٍ لا تريدينها أن تقتربَ منكِ فأنتِ والشمس توأم لذلك تصلُ حرارتكِ الى شِغاف قلوبهم. سأبدأ بحكايتك المعهودة مُذ كُنتِ طفلةً يانعةً تشعرين بذكائك الحاد وأنتِ تتحدّينَ ذلك الوالدَ الذي لم يشعر بذكائك كان يتصوّرُ أنَّ الولدَ يعلو بدرجةٍ على البنت.. تعالَي يا سليمة هذا المنخلُ هل تستطيعين أن تملئيه بالماء فكانت الاجابةُ وبعنادٍ وحزمٍ.. أنا أستطيع وضعهُ بشكلٍ مائل وأضع فيهِ الماء بحيث لا ينسكب. طبعاً تعلمين أنّهُ ينسكب ولكنّكِ تتحدَّين الواقع.. مرّت السنون ولكنَّ الصورَ محفوظةٌ حيث تتذكرين حينما أجبركِ أخوكِ على خلع حذاءَكِ الرياضي الجديد الذي كُنتِ فرحةً به وأنتِ تلبسينهُ مهيأةً للخروج صباحاً الى المدرسةِ. خلعهُ منكِ ليحتذيهِ هو وحين اعترضت حَصلتِ على علقةٍ قاسيةٍ من والدكِ فاضطررت الى احتذاء القديم ووصلتِ الى مدرستكِ باكيةً حزينةً.. دائماً كنتِ تُحبين الصعود وتقليد الأولاد كنتِ تتساءلين لِمَ لا تكن حريّتي مثلَهم؟ لِمَ لا أخرج للشارع.. لِمَ يقولون أنّكِ كبرتِ وهم أيضاً كبِروا وها أنتِ صبيةٌ مراهقةٌ تقتحمين المقاعد الدراسيةَ وتتفوقين في المدرسةِ لكنَّ الاحتواء ينقصكِ فتقعين في حُبِّ ابن الجيران بدونِ هدفٍ مجرّد نظراتٍ متبادلةٍ. كان لطيفاً هادئاً كم تمنيتِ أن ينظُرَ اليك.. لقد تنبه لتلك النظرات التي تُقابلهُ وهو يفتح البابَ صباحاً عند خروجهِ لمدرستهِ ..أحقّاً  تنبه اليَّ؟ أحقّاً سيُعجبُ بي؟ هذا ما كان يجولُ في خاطركِ.. أيتُها التقيّة تنبهي! هذا ما كانت تقولهُ لكِ جدتكُ الجميلة.. لا يشغلكِ شاغل عن دروسكِ كانت الطرف الإيجابي في حياتك تلك الجدةُ الديمقراطيةُ التي تحبُّ الحياة والفنَّ والشعر.. لكنّكِ أطّلعتِ على قصصِ ألف ليلة وليلةٍ وقصص المنفلوطي وأُخرى كثيرةٍ وعرفتِ كيف يكون الحبُّ فاصطنعت لنفسكِ قصةً خاويةً انتهت بترككِ التفكير بذاك الشاب الجميل وتهيأتِ لحياةٍ أفضل. قد يكون الفكرُ الّذي اعتنقتيه قد أبعدك عنهُ وأعتقدُ أنكِ كنتِ مُجبرةً على ذلك.. هيأت لك الظروف الجامعية من هو جديرٌ بكِ وقد يكون إحساسا آخر.. أنّهُ الفكر الذي تلتمسينه بالآخر فأقنعت جوارحكِ بذلك. سيكون هو حتماً المناسب هذا ما قلتيهِ لي في يومٍ ما فأنا صديقتكِ المقرّبةُ لديك وجالت خطوتُكِ نحوهُ.. سأكون معه سيكونُ معي.. أليس كذلك؟ وأبتدأ الطريق.. أنّهُ مُرٌّ هكذا كان ومازال.. الخيانةُ تتراقصُ أمامك. امرأة أُخرى. نساءٌ أُخر.. صَخِبٌ أنتَ.. الهوسُ طريقك والخمرةُ المزدانةُ بالسكرِ.. علقة أُخرى تحصلين عليها حين تُفكّري بإيقافه إذن لم يتغيّر شيءٌ البتّةَ من علقةِ والدك الى علقةِ ذلك الرفيق الذّي ظننتِ أنّكِ بوجودهِ ستُحلّقينَ في السماء. ما زلتِ على الأرض أيتها الترابية. ما زال التُرابُ عالقاً في شفتيكِ وما زال الاحمرار في عينيكِ الناطقتين بالألم.. أنتِ الآن الأمُّ وذات الشهادة العلميةِ المشار اليها بالبنانِ. ماذا دهاك هل ستدور الأرضُ مرّةً أُخرى لتأخُذَ جُهداً آخراً منكِ .. أيتها اليساريةُ الغارقةُ بهموم الآخرين .هكذا أنتِ يا صديقتي وجهك الذي لا يُبشّرُ بخيرٍ كما كان يقولها لكِ أخوك الأكبر.. الحربُ تدورُ وتعودين مرّةً أُخرى الى عصبيةِ أبيكِ.. البيت الذي ظننتِ بأنّهُ سيحتويكِ قد أُفرغ من الحياة بسبب تلك اللعينةِ الحرب المجنونةُ لتُضيفَ لكِ صفحةً أُخرى سوداء لصفحات حياتك الشاقّةِ وها هو العلمُ يملأُ الشوارع وهو يلتفُ على أجساد أولئكَ الصبيان المقهورين. أهكذا هو المستقبل أهذا ما حلمتِ به.. اليوم ستذهبين لحضور فاتحةِ الشاب أحمد زوج صديقتكِ ماجدة وغداً ستحضرين فاتحةَ صفاء شقيقُ آمنة زميلتُكِ في العمل وهكذا تكون الأمسيات.. كلٌّ يعلنُ استشهاده بسبب الطاغيةِ وحروبه.. ها هُنَّ الاراملُ صديقاتكِ ما زلن في أروعِ شبابهنَّ ضُرِبَتْ عليهّنَ الذلّةُ وهنَّ يحاولن التخلّصَ من الحداد.. ما حولهُنَّ يُشيرُ عليهنَّ أمّا الارتباط بمن يحميهنَّ وأمّا القبوع بالبيت، بالأمس صعدت واحدةٌ من المنكوبات مع سائق سيارةٍ مصري الجنسية من الذين قدموا للعمل في البلاد بسبب غياب الرجال في الحرب الرعناء مع الجارةِ المتطرّفةِ ليوصلها الى بيتها حتى قامت عليها القيامةُ أتصعدُ مع المصري وهي أرملةٌ. لماذا؟ انها الخطيئةُ هكذا بنظرتهم الدونيةِ لها ولأمثالها من المنكوبات.. هكذا يمطرُ المجتمعُ أمطارهُ اللاذعةَ المصحوبةَ بذراتِ رملٍ من صحراء أولئكَ البدو الذين لم تُغيّرهم الحياةُ المدنيةُ عن معتقداتهم وأفكارهم المتراجعة الى الوراء. أنهم يا صديقتي قساةُ القلوب الخاويةِ من كلِّ علمٍ إلاّ من الاضطهاد لإنسانة تشبههمُ في الخلقِ وليس لها خطيئة سوى أنّها أُنثى.. هذه هي حياتُك التي عشتيها يا صديقتي وبقيتِ عليها حتى صار الأسودُ أبيضَ وأصبح أبنكِ شابّاً رائعاً. أخبركِ أنّهُ قادمٌ من ذاك اليوم من جامعته بعد أن أنتهى الموسم الدراسي وفجأةً انقلب الموسمُ والنبأُ العظيمُ قد وصلكِ. لقد وأدوه. انها الطائفيةُ يا صديقتي تنكبكِ حين الصبر. ماذا؟ وصوتُكِ يُعالج الصدمةَ. أنّهُ ولدي إنسانٌ مدنيٌّ ما ذنبهُ.. أهكذا ينتهي الأمرُ.. أيتها الثكلى أحزني حزناً مريراً.. أنّهُ النهرُ الذي جفَّ وهنا توقّفَ القاربُ.. ستحملين العبء كلّهُ. لكنّكِ ستبحثين عن الحبِّ.. لقد وجدتيهِ مرةً أُخرى بعد رحيل السنين.