أيار 18
الدمية
 انفجارات، عتمة، تدخل فتاة متربة، تحتضن دمية
الفتاة: يا ويلي، رصاص، قنابل ، صواريخ ، انهارت البيوت ، بل انهارت المدينة كلها ، و .. انهار السرداب ، واختفى كلّ شيء ، وسط دوامات الاصوات القاتلة والغبار والعتمة ، حتى القمر نفسه ، الذي كان يطل علينا، عبر الكوى التي فتحتها الانفجارات ، اختفى تماماً ، كما لو أن حوت الطفولة قد ابتلعته ، وهبّ الجميع من نومهم وأحلامهم ، يتصايحون ، لكن أصواتهم تخافتت ، ثم انطفأت تماماً ، ربما فروا جميعاً ، وربما طمرتهم الأنقاض، من يدري ، كانت طفلتي تنام إلى جانبي ، وقد احتضنت دميتها ، طفلتي كانت ، كما أردتها ، حتى وأنا طفلة في الثامنة من عمري ، على مثال صديقتي نهلة ، التي كانت تجلس إلى جانبي في الصف ، حنطية ، ذات عينين خضراوين ، وضحكة ككركرة الماء ، و .. مددت يديّ بسرعة ، في العتمة إليها ، ودوامة الأصوات القاتلة والغبار والموت ، وأخذتها إلى صدري ، هذا ما أردته ،ولذت بالفرار من الجحيم " تحدق في الدمية " هذه دميتها ، دمية رأيتها في واجهة محلّ راقٍ ، لا تدخله بي أمثال امي الخياطة ، في حيّ شعبيّ ، فأبي مات وأنا طفلة ، و .. " تحدق في الدمية بجنون " يا ويلي ، أين طفلتي ، كانت لتكون مثل أبيها ، حنطية ، ذات عينين خضراوين ، كان ابن جارتنا سليمة ، كان اكبر مني بسنوات ، ذهب إلى الحرب ، ولم يعد ، أيهذا ، الذي أخذتك الحرب المجنونة ، أين ابنتنا ؟ يا ويلي، لقد مددتُ يديّ ، وأخذتها إلى صدري ، هي ودميتها ، ها هي الدمية ، فأين هي ؟ أين ابنتي؟ يا ويلي، يبدو أنني لم أحمل غير الدمية هذه ، وتركت ابنتي ، التي تشبه فريال ، وتشبه .. " تصمت " ابنتي مازالت في السرداب ، حيث كنا نرقد، هرباً من الجحيم ، قبل أن يأتينا الجحيم ، بالدوامات والأصوات والغبار والعتمة ، " تهم بالخروج " سأذهب إليها ، لعلها ما زالت موجودة هناك ، تنتظر أن أعود إليها ، وانقذها من الجحيم " تحاول عبثاً أن تتحرك ، وكأن هناك من يُمسك بها ويمنعها " دعوني ، دعوني أذهب إليها ، دعوني انقذ ابنتي " اصوت رصاص وانفجار قنابل وصواريخ " لا يهمني الرصاص ، لا يهمني أي شيء ، إنها ابنتي ، ويجب أن أنقذها ، لا يهمن أن أموت تحت الرصاص والقنابل والصواريخ ، المهم أن أنقذ ابنتي " تجثو باكية " دعوني .. دعوني .. دعوني .. " تسكت ثم ترفع رأسها " لعل من حسن الحظ .. أنني لم أتزوج .. ذهب إلى الحرب .. ولم يعد .. لم أتزوج .." تحدق في الدمية بجنون " هذه دميتها .. فأين هي .. أين ابنتي .. اين ابنتي " تتجه راكضة إلى الخارج " ابنتي .. إنني قادمة .. ابنتي .. ابنتي .. ابنتي ..       
                      
 تخرج صارخة، أصوات
  رصاص وقنابل وصواريخ
 إظلام
 
*****
 
وعاد كودو
 غرفة في دار للعجزة، خيرية ترقد في أحد الأسرة
 
الممرضة "تدخل وتقترب من خيرية": صباح الخير ..
خيرية: أهلاً بك ابنتي، أهلاً بك.
الممرضة: أنت اليوم أفضل.
خيرية "تهز رأسها" ....
الممرضة "تميل عليها": لديك زائر.
خيرية: زائر!
الممرضة: رجل ، جاء يسأل عنكِ.
خيرية: لم يسأل عني أحد منذ فترة طويلة.
الممرضة: يقول أنه يعرفك، ويريد أن يسلم عليكِ.
خيرية: أهلاً به ، فليتفضل.
الممرضة: إنه بالباب، سأدعوه حالاً .
خيرية "تراقبها متشوقة وهي تبتعد" ....
الممرضة "عند الباب": تفضل .
الرجل "يدخل": نعم ..
الممرضة: إنها تنتظرك ..
الرجل: أشكرك .
الممرضة: سأتركك معها، لكن لا تطل، إنها مريضة .
الرجل: خمس دقائق لا أكثر .
الممرضة "تخرج وتغلق الباب" ....
الرجل "يقترب من خيرية": صباح الخير.
خيرية "تحدق فيه": صباح النور.
الرجل "يحدق فيها كمن يبحث عن انسان كان يعرفه" ....
خيرية "تحدق فيه مذهولة": فتحي !
الرجل: نعم، أنا فتحي، يا خيرية .
خيرية: قالوا لي أنك فُقدت، وأنك ربما ..
الرجل: كنت في الأسر طوال هذه المدة ..
خيرية "تبكي بصمت"....
الرجل: لا تبكي ، يا خيرية ، لا تبكي.
خيرية "من خلال دموعها ": لقد خنتك، يا  فتحي، خنت وعدي لك ..
الرجل " يهزّ رأسه أن لا" ....
خيرية: قلتُ لك، سأنتظرك، وقد انتظرتك، لكن الانتظار طال كثيراً، ولا من خبر عنك ،  فزوجتني امي لابن خالتي.. "تجهش بالبكاء": صار لي ولد، اسميته فتحي، لكن ابني فتحي قتل في حرب الكويت.
الرجل "يمسك يديها": لا تبكي، يا خيرية ، كفكفي دموعك، دموعك غالية عندي ، كفكفي دموعك ..
خيرية "تكفكف دموعها" ....
الرجل "طوال فترة أسري، لم تغيبي عني يوماً واحداً. كنت أفكر فيك دائماً، وعندما طال الأسر، ولم يعد لي أمل في العودة إليكِ قريباً، تمنيتُ بيني وبين نفسي، أن لا تبقي على وعدك لي، تمنيتُ أن تتزوجي، وتُسعدي في حياتك، يا خيرية ..
خيرية "بمرارة": وها أنا كما تراني، ولم يعد لي أحد في الحياة.
الرجل: لا تقولي هذا، يا خيرية ، لقد عدتُ لك وحدك، ولن تكوني وحيدة بعد الآن.
 
صمت، ما زال فتحي ، يُمسك يدي خيرية
إظلام
*****
 
القطة
 حديقة عامة، تدخل
امرأة عجوز رثة
المرأة وهي تبكي: "يا عيني عليها ، ليتني مرضتُ بدلها ، إنها صغيرة ، وجميلة ، وضعيفة ، لا تحتمل ، ولم تحتمل. "تصمت" سيأتي أحدهم ، فضولي ، وما أكثر الفضوليين ، وسيسألني، وكأني أهمه فعلاً ، لماذا تبكين؟ "تنظر إلى شخص افتراضي" وما شأنك أنت؟ ابتعد عني ، هذا أمر يخصني وحدي، ابتعد ، ابتعد. "تصمت ثمّ ترقّ" آه، يبدو انساناً طيباً ، يا لي من حمقاء ، ما كان لي أن أردّ عليه هكذا ، فأنا عادة أكون رقيقة مجاملة طيبة. "ترفع رأسها إليه " عفواً ، لا تؤاخذني ، مصابي كبير ، أكبر مما أحتمل ، رغم أنني احتملت الكثير. "باكية" لقد ماتت قطتي .. ماتت .. وتركتني وحيدة، آه. "تصمت" لا تصدقهم ، سيقولون لك ، إنها تكذب ، قطتها لم تمرض ، ولم تمت ، إذ ليس لها قطة في الاساس. "بانكسار" أنت مشغول؟ نعم ، فلك أسرتك ، لك زوجتك ، ولك أطفالك ، أما أنا فلم يكن لي غير تلك القطة ، وها هي قد رحلت ، تفضل اذهب ، رافقتك السلامة. "تلوح له" تحياتي إلى زوجتك وأطفالك ، وداعاً لا تنسني ، ربما سأكون هنا .. رافقتك السلامة. "تصمت حزينة" لا أحد يريد أن يصغي إليّ ، ربما سيقولون ، إنها قطة، مجرد قطة، لم تكن عندي مجرد، وإنما قطة ، عرفتها من فترة طويلة. "تصمت" رأيت قطة ، في بيتنا القديم ، وقد ولدت عدة قطيطات، ما أجملها، وكأي أم، كانت تدافع عن صغارها، وتخمش كلّ من يقترب منهم، لكن عندما اقتربت أنا من صغارها، لم تخمشني ، ولم تحذر مني، بل بدا وكأنها ارتاحت إليّ وقالت لي: أنتِ فتاة مسكينة طيبة، من أهل الله. أنت ملاك، خذي قطيطة من قطيطاتي الصغيرات. قلتُ لها أشكرك، إنني حائرة ، قطيطاتك كلها جميلة ، اختاري لي أنت واحدة ، والحقيقة أن عيني وقعت على قطيطة بالذات ، وتمنيت أن آخذها ، وكأن القطة عرفت ما تمنيته ، فقد دفعت لي تلك القطيطة نفسها ، وقالت لي ، خذي قطيطتي هذه ، ولتبقَ معك ، طول العمر ، فأنت ستكونين أرحم مني عليها ، خذيها ، نعم خذيها " تصمت " وأختها ، وفرحت جداً بها ، ورعيتها كأنها .. كأنها ابنتي ، وبقيت معي حتى في المنام " تبكي " واليوم ماتت ، لا أدري لماذا ، لماذا يموت أحباؤنا ؟ أخذوها مني ، اخذوها عنوة ، فهربت من دار العجزة ، هربت ولن أعود ثانية ، " تتلفت حولها " سيأتون إليّ ، إنهم يعرفون أنني هنا ، فلطالما تحدثت عن هذه الحديقة ـ الجنة بصوت عال حتى مع نفسي ، إنهم يقولون عني ، أنني أكذب ، فليس عندي قطة ، ولم يكن عندي قطة في يوم من الأيام" تتجه إلى الخارج " فلأهرب ، قبل أن يأتي هؤلاء القتلة ، ويُعيدوني قسراً إلى دار العجزة " تخرج  .
 
                            المرأة العجوز،
                         تخرج راكضة خائفة         
                                إظلام
*****
 
حنان
 الزوج ، الزوجة ، الطفل
على بساط الغرفة يرسم
 الزوج  : " يشير لزوجته أن الطفل يرسم " ....
الزوجة : " تهمس " نعم ، يرسم .
الزوج   : " يهمس " ماذا يرسم ؟
الزوجة : " تهمس " من يدري .
الزوج   : " يخاطب الطفل " بنيّ ..
الطفل   : " يرسم ولا يردّ " ....
الزوجة : دعه ، إنه يرسم .
الزوج   : إنه منهمك ، ليتني أعرف ما يرسمه .
الزوجة : حدثته عن الأخطبوط الأم ..
الزوج   : " يعبس " ....
الزوجة : وقلت له ، إنها عندما تضع البيض ، تحرسه ولا تأكل ، وحين يفقس هذا البيض ، ويخرج صغارها إلى الحياة ، تنطفئ هي ، وتموت .
الزوج : مادام ابني يحب البحار ، وهو رجل ، لابد أنه يرسم شابة جميلة على الشاطئ .
الطفل : " يتوقف عن الرسم " ....
الزوجة : سنرى الآن ماذا كان يرسم .
الزوج   : حدثنا ، يا بنيّ ، عما كنت ترسم .
الطفل   : كنت أرسم جمال الأم ، وحنانها .
الزوجة : " تنظر إلى الزوج منتصرة" هذا ابني .
الطفل   : رأيتُ تمثالاً صغيراً من العاج ، نحته مثّال اشوري ، قبل آلاف السنين .
الزوج   : فرحاً " عرفته ، أنت ابني بحق ..
الزوجة : " تنظر إليه متسائلة " .....
الزوج   :إنه يمثل تمثال فتاة شابة جميلة تبتسم ابتسامة ساحرة ، حتى أن البعض يسميها ، موناليزا العراق .         
الزوجة : " تعبس " ....
الطفل   : كلا ، ليس هذا التمثال .
الزوجة : " تبدو فرحة " ....
الزوج   : أي تمثال عاجيّ إذن ؟
الطفل   : تمثال عجل ..
الزوج   : " يعبس " عجل !
الزوجة : " تكتم ضحكتها " ....
الطفل   : عجل صغير ، يرضع من أمه ، والأم تدير رأسها ، وتنظر إليه بحنان .
الزوجة : " تبتسم " ابني فنان ، يحس بمشاعر الأم ، وهو احساس انسانيّ راقٍ .
الزوج   : " يأخذ ما رسمه الطفل ويتأمله بارتياح
          : آه أحسنت ، يا بني ، لقد رسمت حنان الأم ، كما جسده الفنان الآشوري ، في منحوتته المشهورة هذه ، أنت نينويّ بالفطرة ، يا بنيّ .
                        الزوجة تنظر إلى اللوحة
                      فرحة ، ثم تأخذ الطفل وتقبله
 
                                إظلام