أيار 18

زَيْتٌ لغاباتِ الحَليبِ، للهجةِ الجاموسِ، والبقرِ الجنوبيّ البَريءِ يُجدّدُ الميثاقَ للإنسانِ، أنْ يَبقى الحَليبُ مُعقِّمًا ومُلازِمًا، ومُغذّيًا لشَعيرةِ النّهرينِ، مُشترطًا مُداومةَ السّلامْ.

لا مَنجنيقَ ولا شِباكَ ولا فُسوقَ لصيدِ قِطعانِ الغزالِ بموسمِ التّتويجِ في السّهلِ الخَصيبِ..

ـ وهل الغزالةُ غيرَ أنثى مِنْ مَجازاتِ المَدينةِ تَرفِضُ الزّيتَ المَهينَ، وترفِضُ الحربَ الحَقيرةَ، ترفضُ القَتلَ المُبرمَجَ للنّخيلْ!!

لا مَنجنيقَ، ولا رصاصَ يُغيّرُ التّصويتَ حولَ مُرشّحٍ لوزارةِ المَحميّةِ الصّغرى لأسرابِ القَطا. لا، لا سلاحَ، ولا بَنادقَ تُذعرُ البَقراتِ..

 زَيْتٌ للحليبِ، للونهِ المنثورِ في دَربِ المَجرّةِ رُقْيةً للعارفينَ، وللمُدانينَ الأوائلِ، للرّواةِ، لقارئٍ يتلو الكتابَ بلهجةِ السَّكرانِ حينًا، أو بلهجةِ نادلٍ لَبِقٍ من الوِلْدَانِ في البَيتِ العَتيقْ.

زَيْتٌ لغاباتِ الحَليبِ، لشاعرٍ ولكاتبٍ متحنّفٍ من قريةِ المرزوقِ يَحلمُ بالرّجوعِ إلى الجزائرِ بعدَ أنْ قتلتهُ أبواقُ الحروبِ، لطَبعةٍ أخرى منَ الدّيوانِ، ديوانَ المُعيْديّ الكريمِ، لبيتهِ المبنيّ في الأهوارِ مِنْ قَصبِ السّوادْ.

للبيتِ رائحةُ الكتابِ، كتابَ (ترجمةُ الطّواسينِ القصارْ)

                          (فرقانُ الطّواسينِ القصارْ)

                          (أسفارُ الطّواسينِ القصارْ)

للبيتِ رائحةُ الحروفِ، حروفَ أسماءِ الكتابِ، وفي الكتابِ رأيتُ وجهَكِ، وسْمَكِ المكتوبَ بالهاءِ المُباركِ، كانَ شَعرُكِ، شَعرَكِ الكوفيّ أخضرَ، يَمنحُ الأنهارَ نَخْلَ الفارِعاتِ، وكانَ شَعرُكِ، شَعرَكِ الصّيفيّ مَصفُوفًا كمعنى جُملةٍ خفيتْ عَنِ النّقّادِ في الأثرِ الشّريفِ، وفي الكتابِ شَمَمتُ عِطرَكَ، عِطرَكِ المَمزوجَ باليَنْسُونِ والخَشَبِ الأرُزّ، وكانَ عِطرُكِ يمنحُ القَصباتِ عدلَ الضّارعاتِ، وكانتِ العَينانِ بالكُحلِ المُقدّسِ غابتينِ مِنَ النّخيلِ كما رأى السّيابُ ...

لكنّ النّخيلَ مُطاردٌ ومُطاردٌ ...

وأنا الطّريدُ، يُطاردُ الجندُ الغُزاةُ مَسَلّتي، ويُلاحقُ الجُدَريُّ والشّرّطيُّ آخرَ ما كتبتُ، يَودُّ تهشيمَ الرّقيمِ، أنا المُصابُ بضربةِ الشّمسِ القريبِ، يُلاحقُ التّشبيهُ أعجازَ النّخيلِ، أنا المُشبّهُ والمشبَّهُ في الكِتابِ، أودّ أنْ يتكاملَ النّصُّ الحديثُ برؤيةِ السّعفِ العراقيّ المُباركِ في السّوادْ.

وأنا أحبّكِ، أنتِ هاءُ البُرتقالِ، حَديقَتي الحِيريّةُ الشّيماءُ، صاحِبةُ الزّمانْ.

زَيْتٌ لغاباتِ الحَليبِ، لغَرفةٍ مِنْ قيمرِ الأهوارِ في مّيسانَ، إيشانَ السّلامِ، لشاعرٍ مُتغزّلٍ بالنّسوةِ المُتبرّجاتِ بِموسمِ الإحرامِ في الشّهرِ الخصيبِ، لنِسوةٍ يَمْلأنَ ميقاتَ السّوادِ مَودّة ومَسرّةً، ولقُبلةٍ مِنْ طَعْمِها الرّيحانُ ينتشرُ انتشارًا في السّوادْ.