أيار 15
 
 أستميح القراء الكرام عذرا، وانا اكتب عن تجربة شخصية تتعلق بمجلة (الثقافة الجديدة). فما بين نشر قصتي (خوبي) في العدد 51/آب 1973 وما بين الاحتفال بسبعينية المجلة، نصف قرن. هذا الاحتفال بالنشر في مجلة مثل (الثقافة الجديدة) تجاوز بكثير من الحفاوة ما نشرته في: الآداب، والهلال، والعربي والأقلام وآفاق عربية وسواها من المجلات العربية المرموقة.
يكمن السبب في امتياز النشر في هذه المجلة التي تحمل حضورا راقيا واستثناء في حياتنا الثقافية.. ذلك أنها تقوم على مركزين أساسيين هما:
توجهها الفكري العميق في مسؤوليته وتوجهاته، واعتمادها على نخبة مرموقة من المبدعين والأكاديميين والأستاذة المرموقين الذين يقيّمون ما ينشر وما لا ينشر على صفحات المجلة.
وإذا كانت معظم المجلات العربية - تحديدا - تعتمد على هيئات تحرير وهيئات استشارية وهمية واعتبارية، فان مجلة (الثقافة الجديدة) تعتمد على هيئات حقيقية فاعلة ومؤثرة ولها صوت ورأي يناقش كل مادة معدة للنشر.. بمعنى ان النشر لا يعتمد على رؤية فردية أو مزاج شخصي، بل إن جملة من الآراء هي التي ترشيح المادة للنشر من الاعتذار عنها..
صحيح ان مجلتنا لا تدفع مكافآت هي من استحقاق الجهد الفكري والإبداع لكتابها، لكنها تدفع مقابل ذلك للرفعة والمكانة الكبيرة والقاعدة الفكرية والشعبية التي تملكها المجلة، وهو ما يطمح إليه كل حملة الأقلام الرصينة.
من هنا وجدت ان نصف قرن من النشر في المجلة، إلى العمل المباشر في تحريرها، يعني الكثير بالنسبة لي..
فهو يضعني أمام المسؤولية نفسها التي نشرت فيها لأول مرة إلى جانب اسماء مرموقة لها رصيدها السياسي والفكري الإبداعي في الأوساط السياسية والثقافية.
ولأن هذه المسؤولية والثقة المرافقة لها تلزمني الزاماً تاماً ان أكون على قدر الثقة التي وضعتني في موقع انتقاء المواد الأفضل والأهم والأعمق التي تؤثر تأثيراً فاعلاً في المتلقي غير التقليدي الذي تخاطبه فيها مجلتنا.
إنّ هذه المناسبة المضيئة لميلاد مجلتنا، تجعلني أغتنم الفرصة للتأشير على جملة ملاحظات أضعها أمام الكتاب المساهمين في صفحات (أدب وفن) على وجه التحديد.. وهي ان هذه الصفحات تحرص على تقديم تنوع فكري وأدبي وفني متميز يختلف تماما عما تقدمه الصحف والمجلات الأخرى، هذا التميز يتطلب اختيار الأفضل دائما.. لذلك نعتمد في كثير من الأحيان على التكليف لغرض الحصول على المواد المنتقاة التي نريد أن نضعها أمام متلق مثقف راق، كما أننا مسؤولون عن تقديم الأقلام العراقية التي تعيش في المنفى وهي كثيرة وغنية في معرفتها وجذرها الفكري والإبداعي، مع حرصنا على ان تكون هذه الصفحات صوتاً أثيراً للرواد المنسيين وعلى الشبيبة الجديدة وكتاب المحافظات والعنصر النسوي والكتاب العرب، مثلما تعنى بالترجمات والأفق العالمي.
يعنينا ان نقدم أقلاما تقدمية وأفكاراً نيرة وثقافة تسهم مساهمة مؤثرة في بناء الإنسان العارف بكل ما يحيط به... عسى ان نفلح في مهمتنا.