أيار 18
تقديم يوسف ابو الفوز:
يعد الشاعر عبد الله بَشيو (بالكردية: عە بدوڵڵا  پە شێو) واحدا من اهم الشعراء الكرد المعاصرين، ومن الشعراء المعدودين الذين حافظوا على تقاليد القصيدة الكلاسيكية الحديثة، التي كتبها بيره ميرد، عبدالله كوران، جكر خوين وآخرون. ويعد من أبرز الشعراء المطورين والمجددين للشعر الكردي انطلاقا من انفتاحه على الثقافات الأخرى، كالثقافة العربية والروسية والأوربية. ورغم ابتعاده عن الأضواء، إلا ان له حضورا قويا ومؤثرا على الساحة الثقافية في ارجاء كردستان، الموزعة بين العراق، تركيا، سوريا وإيران. عرف شاعرنا بمواقفه الثابتة والثورية الى جانب نضالات شعبه الكردي وشعوب الإنسانية، فلم يقف يوما عند باب حاكم، وعرف عنه عزوفه الدائم عن تقبل دعوات رسمية من أية جهة تنشد وده تحسبا لاستغلال اسمه. قصائده الغنائية الرومانسية والسياسية، ومنها المسجلة بصوته، تنتقل كالمنشورات بين عشاقه من أبناء الشعب الكردي في كل مكان، في ارجاء كردستان.
ولد عام 1946في قرية بيركوت (مهجورة فى الوقت الحاضر)، في محافظة أربيل. درس الابتدائية والثانوية ومعهد المعلمين في أربيل. كتب اول قصائده عام 1963 ونشر اول ديوان له (عبرات وجراح) عام 1967 في كركوك، ثم أصدر ديوانه (الصنم المهشم) عام 1968. كان ديوانه (يوميات شاعر ظامئ) الصادر عام 1972 جريئا في أسلوبه وطريقة تناوله للقصيدة بأسلوب متميز فخط له مسارا مختلفا عن مجايليه. في عام 1972 شارك في المهرجان الأول للشعر الكردي في كركوك بقصيدته (12 درسا الى الأطفال)، التي لم تصدر في ديوان في حينها، بل ظلت تستنسخ وتنشر باليد حتى بداية التسعينات من القرن الماضي. غادر عام 1973 الى الاتحاد السوفياتي للدراسة، والتحق بمعهد (موريس توريس للترجمة) في موسكو، حيث نال الماجستير في الترجمة (إنكليزي ـ روسي)، عام 1979، وفي العام نفسه صدر له ديوانه (دروس للأطفال وقصائد ممنوعة) في برلين الغربية بطبعة محدودة وصار أساسا لطبعات لاحقة. جمع قصائده التي كتبها خلال سنوات الدراسة في ديوان (احلم بكم كل ليلة) وصدر في بغداد عام 1980. نال شهادة الدكتوراه في الادب الكردي عام 1983 من معهد الاستشراق التابع للأكاديمية السوفياتية، حيث كتب اطروحته عن الشاعر الكردي المجدد بيره ميرد. ثم غادر للعمل أستاذا للأدب المقارن في جامعة طرابلس الليبية وعاد الى موسكو عام 1991، لكنه سرعان ما انتقل هو وعائلته للإقامة في فنلندا منذ عام 1995.
يعد بعض النقاد ان وجود الشاعر خارج وطنه دفعه لكتابة أجمل القصائد، التي تمتاز بشفافية عالية وعمق فكري كبير. كتب القصائد الملحمية، إضافة الى القصائد القصيرة، وتمتاز القصيدة عنده بتقسيمها الى مقاطع تحمل صورا تتآلف مع بعضها في صورة مركبة، مشبعة بروح غنائية وأحيانا تحريضية.  
نشر العديد من المجموعات الشعرية، وصدر بعضها مترجما الى لغات عديدة، فضلاً عن كونه شاعرا فقد اغنى الثقافة الكردية بأهم الترجمات لأعمال والت ويتمان وألكسندر بوشكين.
ان عبد الله بَشيو هو اول شاعر كردي مرشح لجائزة نوبل منذ عام 2014.
 
هنا قصائده الكردية المترجمة الى العربية
 
العشقُ قَدري
 
تَنَفَّستُ العِشْقَ
فی صَرخَتي الأولى
قطَعَ العِشقُ حبلَ سُرَّتي
أرضَعَني الرَّشْفةَ الأولى
نَسَجَ قِماطي
و زَرْکَشَ بالألوانِ عالمي
منح أحلامي أجنحة
و أنطقني
 
عاشقٌ أنا بالفطرةِ
صدِّقوني...
إنْ كنتُ حجراً على قارِعَةِ طريقٍ
لخَفقَ قلبي لحَجرٍ آخر
لغدَوتُ متَيَّماً بجذعِ شَجَرةٍ
أو بِرْكةِ ماءٍ
مأخوذاً ببُقعَةِ ضَوءٍ
أو رُقْعَةِ ظِلٍّ بجواری
العِشقُ قَدَري.
2010
 
 
موعد
تَسْلُبينَنَي حُريتي
تأسِرينَني في غُرفَةٍ
لا أبالي بخَفَقِ الثَّواني
وأنسى الوجودَ و العدَم.
عذراً...
أنتِ واهبةُ الحريةِ
تمنَحينَ مخدَعَنا الصّغيرَ...رَحابَةَ الكونِ.
2011
 
الكرسي و المؤخرة
 
إذ يضْجَرُني البَيتُ...أغَيِّره
الأثاثَ والدّيكورَ
خِزانَةَ الثِّيابِ و سجّادَةَ الرّواقِ
إذ أضْجَرُ من نفسي...أجَدِّدُني
الأقلامَ، الأزْرارَ، القميصَ و السِّرْوالَ الداخليّ
إلا شاشة التلفازِ أجهلُ تصريفَها
لعقودٍ طويلةٍ
الكرسيُّ ذاتُهُ و المؤَخِّرةُ ذاتُها
الصوتُ ذاتُهُ و المخالِبُ ذاتُها
الحِنكُ ذاتُهُ و الأشْداقُ ذاتُها
شاشةٌ...
مُكرهٌ أن أحَملِقَ فيها حتى الموتِ
لا حيلةَ لي
أزليةٌ هي مؤخِّرةُ الشّاشَةِ و كرسِيُّها.
2011
 
إصرار
 
أتَعلَمونَ
لمَ أتَشَبَّثُ حتّى الآنَ بالشّعرِ،
راسِخٌاً في حَلَبَتِه؟
إنی أترَقّبُ إطْلالَةَ شاعرٍ وَعَدَني بالمَجيء.
ذاك الشّاعرُ...
جَبَلتْه حوريّاتُ " ماد " بماءِ " وان " وتُرابِ جَبَلِ حمرين
إذ يَهُبُّ... تَخجَلُ الزَّوابِعُ من عَصْفِه
أشدُّ بَسالةً منّي
وأجلَدُ من قِمَمِ قِنديل
 
ذاك الشّاعرُ القادمُ
تَستَحيلُ أنفاسُه نَقْشا في الصُّخورِ
وتوقِدُ نظراتُه الشُّموعَ في دَياجيرِ الفُقَراءِ
ذاك الشّاعرُ القادمُ
‍یُجَلْجِلُ حیثُ کنتُ أطْبِقُ فَمی
یُطلِقُ الشّرَر و یُبْرِقُ
حیثُ کنتُ أتَلَعْثَمُ
 
هل عَرِفتُم
لمَ أتَشَبَّثُ حتّى الآنَ بالشّعرِ،
راسِخٌاً في حَلَبَتِه؟
إنی أترَقّبُ إطْلالَةَ شاعرٍ وَعَدَني بالمَجيء.
2011
 
مركز الكون
 
هذا الكونُ اللامُتَناهي
مَن يعرِفُه؟
أين يكونُ مركزُهُ
لا سَقفُه يُرى
لا غَورُه ينْجَلي
سِيَّانٍ لديَّ ما اعتَقَدتَ بشَأنِه
سُرَّةُ المرأةِ مركزُ كَوْني
2011
 
غيرة
 
تأَمَّلي نفسَكِ ما استَطَعتِ
من أخمَصِ قدَميكِ حتى رأسِكِ
تزّيَّني كيفَما شِئتِ
ها أنا ذا هنا...
الغيرةُ تَنهشُ قلبي
تعْصرُهُ حتى الذَّوبان
تطوفُ هواجِسي حول المِرآة
تلك الممشوقَةِ  بعينَيها الفاجِرتَينِ
حائرٌ
کیف أدبّرُ لها مكيدةً تُعميها
فلا تُحدِّقُ في جسَدِكِ .
2011
 
لو كانت السماء إمرأة
 
لو كانت السَّماءُ امرأةً
لتَضرَّعتُ أن أغدوَ طَيراً
محَلِّقاً في عُمقها
منْغَمساً في المدى المشرعِ
للمرأةِ الوحيدةِ
المُتَّشِحةِ بالأزرَقِ السَّرمَدي
فلا أحط ُّ علی الأرضِ
حتى ولو لأجلِ حَبَّةٍ
مخْتزِلاً رحلةَ العمرِ
إلى لقاءٍ قصير
2011
 
قطفُ الزعرور
 
إن فارقتُ الحياةَ
لا تقولوا:
إنَّ الصَّبيَّ الأشيبَ فارَقَنا
بل قولوا...لقطفِ الزَّعرورِ
صعدَ الجبالَ وضَلَّ سبيلَ عودَتِه
2011
 
 
إلى ناقد
 
تستَفهِمُ من الآخرينَ ذاتَكَ
ما مصدرُ حريتي؟
محْضُ لسانٍ وحيدٍ
وقطعةِ لحمٍ غَض
كيف له أن يمزِّقَ ستائِرَ الفَراعنةِ
وكيف لجَسارَتِه أن تعبُرَ الحدودَ الشّائكةَ
أيُّ عرشٍ يرعاهُ؟
أيُّ كَنزٍ هو سليلُهُ؟
ـ هَوِّن عليكَ...سأخْبرُكَ:
مادامت خزينةُ فَقري مترَعةً
ويتَعالى تشّرُّدَي كناطِحاتِ السَّحابِ
مادامت عناقيدُ حُزني
ريانةً في الفُصولِ كلِّها
إذن...
ستَهرَعُ إليَّ الحريةُ
وتأنِسُ بي.
2011
 
 
 
أنا والدنيا
 
مهما هَرِمَ العالمُ
ستَبقى الأسماكُ في البحرِ
تضَعُ بيضَها،
وستَمدُّ الغرساتُ الطريَّةُ سويقاتِها الرَّفيعَةَ
وتشيِّدُ الطيورُ أعشاشَها
وترتَخي الشَّتلاتُ في الكرومِ المشَمَّسَةِ.
 
وأنا كهذا العالمِ،
مهما كَبِرتُ،
لا یمرُّ یومً الا وتُزهِرُ فی مسکنِ روحی
 
عينا طفلٍ نبيهٍ
متعثرِ الخُطى،
تضَع أسماكُ خيالي الملساءُ بيضَها
و تفكُّ الخزائِنُ المُترَعةُ بالصورِ أبوابَها.
2012
 
القمر
 
البَجعَةُ المكوَّرَةُ كنقطةٍ بيضاءَ
أيَّ سربٍ هَجرَتْه؟
كيف لها أن تَعلِقَ وحيدةً
في المدى الأزرقِ
أأفزَعَتْها رصاصةُ صيادٍ؟
أم جذبَها الهيامُ بنَجمٍ
صوبَ السَّماءِ.
2012
 
العشق
 
يمكن أن أتَوارى عن كلِّ شيءٍ
دون أثرٍ يتَقفّاه أحد
وحدهُ العِشقُ
لا ملاذَ ألجأُ الیهِ منه
يكشِفُني حتى وراءَ الغَمامِ
2012
 
أنا والموج
 
أحدِّقُ في الموجِ كثيراً
ينحَسِرُ إلى عُمقِ البحرِ
كأنه يفارِقُ الشّاطئَ إلى الأبد
لکنَّە سُرعانَ
ما يعودُ هائجاً، مزَمجراً.
آه، ما أشبَهَنا ببَعض
أنا الموجُ
والمرأةُ هي الشّاطئُ.
2012
 
سقوط الأوراق
 
تَشبِكُ الريحُ الشَّجرَ
أوراقٌ تسقطُ هرِعَةً
كطيورٍ تلتَقِطُ الحبوبَ
وأوراقٌ تتَلوَّى
تَهوي رخْوَةً متَثاقِلةً.
 
آهٍ.. لا أعرفُ
ما الذي تُحْصيه الرِّيحُ بالأوراقِ
هل ما فاتَ من أیّامی ام المُقبلةُ؟
2012
 
لقياكِ أخذ عمري
نذَرتُ عمري بحثاً عنكِ
كل يومٍ في إثرِكِ...كان دهراً
والآن...
إطمئنّي...
لا وقت لدينا للسّأمِ والهِجرانِ
ما دام العمرُ غصناً هشّاً
والحياةُ رشفةً واحدةً
2013
 
الشجرة
وحدها الأشجارُ تُجاريني في العشقِ
الأشجارُ وحدها...
عن ترابِها لا تنْسَلخُ
تجتَثُّها...تحيلُها حَطَباً
حتى النَّفَس الأخير تمكُثُ
لا تهربُ
لا تحَلِّقُ بعيداً
لا تتَبرَّأ ولا تتَذمَّرُ
هي الأشجارُ وحدها
تجاريني عِشقاً.
2013
 
أنانية
التمرُّدُ سيرَتي
إن مُتُّ...لا تَدفِنوني
اتركوني هكذا
ممدَّداً على الأرضِ
عارياً مثل آدمَ
ليكن موتي تمرُّدي الأخير
لا أعرافَ تقيِّدُني
‌أُفرُشوا لی رَحابةَ الأرضِ
ودَثِّرونی بالسّماءِ کُلِّها.
2013
 
إدمان
حاولتُ مراراً
أن أمضي دونكِ
وحيداً، طليقاً،
و ألوذَ ببلادٍ لا يسوِّرها شيءٌ
لا كِمامةٌ
لقد أرسلت
ولا أبوابٌ ولا جدرانَ
غير أنَّني أدمنتُكِ حتى الأسْرِ
إذ أبتَعِدُ
أستَحيلُ طائراً شريداً
أفرُّ من قفصٍ
لألوذَ بآخر.
2013
 
 
اخضرارُ القُبل
ليلةً ما...
حرثتُ بالقُبلِ جسدَ إمرأةٍ
سهْلَ جَبينِها
رَبْلَتَها الطَّريةَ
ضفافَ شفَتيْها
وكفَّها الحَريرَ
عابراً الوهادَ في تلالِ صدرِها
والأخاديدَ الرَّفيعَةَ لأصابِعها العشرين
صاعداً بشِفاهي هضَبةَ ركبَتِها.
 
ذات ليلةٍ ...
فَردتُ الخيوطَ لأنسجَ قَصيدَةً
وإذ تنَفَّسَ قلبي الصُّعداءَ
مأخوذاً بما تَجلّى
إخضَرَّت القُبلُ في أوراقي
ونقَشَتْ...أبهى الحقول.
2013
 
البحر
لا أدري لماذا
كلَّما تأمَّلتُ البَحرَ
تراءَتْ لي السَّماءُ
فاتِنةً سَقطَ فستانُها.
 
 
إلى سيغموند فرويد
 
ليَبدأَ الخَلقَ...
يَفردُ الشّاعرُ خيوطَ الخيالِ
خيطاً إثرَ خيط
والموسيقيُّ یوقِظُ فی الاوتارِ الرّعشاتِ
والرّسامُ يُلهِبُ الألوانَ
لكنْ...هذه الأحلامُ العنيدةُ
التي تَتَناهبُني كلَّ ليلةٍ
أيُّ كَوْكَبٍ أنْجَبَها
أيُّ قلَمٍ يَغْزِلُها
أيُّ حَذقٍ يُزَخرِفها
من يُمنتِجُ الصوَرَ
ومن يُخرِجها؟
2015
 
الموت
غافياً كنتُ أم يقظاً
أمتَطي صَهوةَ جوادي
أم أمشي بخُطى وئيدةٍ
یرافقنی شَبحٌ بلا أجفان
يُحصي لحَظاتي
ولا تفوتُه خطوةٌ مني
2015
 
 
إبداع
في اللَّيلِ...
إذ تتَبَرقَعُ الأرضُ بالعَتَمَةِ
أتَسَلَّحُ بالخيالِ
أنصِّبُ كميناً للسُّكونِ
أتَرَصَّدُ الهُدوءَ المرَصَّعَ بالجَواهرِ
وما أن يلوحَ أمامي
حتى اباغِتُهُ
وأسطو علی أنغامِهِ
2015
 
جوع
خلفَ النافذةِ
يعتَصِرُ قلبي بمرأى عصفورٍ هناك
إرتِعاشه في الثَّلجِ
إرتيابُه
منقارُه الذي ينكُشُ البَياضَ
عبَثاً
2016