أيار 05
أشكال (احفورية) تماثل الكائنات المجهرية المائية التي ظهرت قبل ملايين السنين
 
الخزاف أرنولد أننهاس
 
 
     يعد أرنولد أننهاس (1952 غشتاد/ سويسرا) واحدا من الخزفين المشهورين عالميًا، وقد تلقى تدريبه في مدرسة التصميم في برن، ثم تتلمذ لاحقًا على يد جان كلود دي كروساز وبيير ميستري، وفي عام 1989 أنشأ الاستوديو الخاص به في بازل.
اشتهر بأعماله الخزفية من بورسلين ليموج، فعلى مر السنين، كان يعمل على تحسين أسلوبه في صنع أوعية خزفية مميزة ورقيقة، ولا مثيل لها في عالم السيراميك، وتتطلب نهجا منضبطا، ومستوى عاليا من الحرفية، ونظرًا للنحافة الشديدة لخزفياته؛ فمن المستحيل تصحيح الأخطاء التي تقع، بقصد او دونه؛ فحتى ان أصغر فقاعة هواء ستفسد العمل، فيجب أن تتم كل المراحل بدقة تامة، وهذا يتطلب التركيز المطلق طوال العملية برمتها، والنتيجة ستكون ظلالا رقيقة وشفافة ودقيقة، وهو ما جعل بعض النقاد يسميها "الذهب الأبيض. "
  
 منذ عام 1993، لم يعد عمله يقتصر على احجام صغيرة، فقد بدأ بتطوير القطع الخزفية الضخمة، مع إيلاء اهتمام خاص للمساحات والأحجام والمسافات البينية، وبعد سنوات قليلة ظهرت أولى أشكاله (الأحفورية) إلى الوجود، فأطلق عليها أسماء مثل Stichtyomitra أو Archaeodictyomitra، وهي الكائنات المجهرية وحيدة الخلية التي عاشت في البحر منذ ملايين السنين، وتُظهر نوعًا مختلفًا من الشفافية، فهي خشنة، وتشبه الهيكل العظمي، ظلالا قوية، حيث أدى التسخين الى حرارة 1250 درجة مئوية إلى حرق المادة، فيتم إنشاء بقع مجوفة وثغرات وشقوق؛ ويبدو العمل وكأنه يتفكك.
لا يترك أرنولد آنين المزيد من الشوائب حتى يتمكن من الحفاظ على اللون الشفاف الأبيض؛ ثم تجمع القطع بشكل عام من حجم بسيط (مخروطات وكرات وصحون طائرة) التي يمكن رسمها في قالب دائري؛ فيتيح الإتقان الحصول على لمسة نهائية من الدقة الفائقة، والتي تزيد من قيمة الشخوص الشفافة للخزف، فتنخلق لعبة مع الفضاء والضوء، وتنخلق في الأسطح رسوم متحركة صغيرة عن طريق ترطيبها باستخدام إسفنجة، وعلى العكس من ذلك، يتم تحقيق بعض الزوائد بمساعدة الباربوتين المطبق على الجرعة؛ فضلاً عن الإجمالي، تحتاج قالبا ثانويا، فتتيح هذه العملية للفنان إنشاء نماذج من مقاطع الفيديو المستوحاة من الكائنات المجهرية.
لقد صار اللون الأبيض النقي، والرقة والشفافية العالية، والافتقار الى التزجيج غالبا، موضوع حياة أرنولد آنين؛ فانتقل الى هامبورغ، ثم 1989 حيث كان لديه أستوديو وورشة عمل جنبًا إلى جنب مع شريكة حياته، صانعة الخزف فيوليت فاسبيندر، وترتب على استمرارية ثابتة للعمل يجب وصفها بأنها ثورية فيما يتعلق بمعالجة الخزف مرارًا وتكرارًا، وسيتحدى السيراميك المتطرف الذهب الأبيض في تصميماته كمادة، ويدفعه إلى حدوده الجزيئية تقريبًا.
بدأ الأمر بأصداف كبيرة مستديرة بحريّة ذات جدران رقيقة للغاية، ولكن البراعة والكمال الشكلي وحدهما ليسا أمرين يخطفان الأنفاس، إلا أن سماكة الجدران الرقيقة بدرجة تعطي سحرا للخزف، حيث يتم كشط جدار الوعاء إلى أجزاء من المليمتر بسكين حتى لا تتبقى سوى أغشية شفافة؛ ولكن هذا ما يزال غير كاف ليتم وضع مناديل مبللة من البورسلين على هذا الوعاء المنتفخ الأكثر هشاشة باستخدام فرشاة دون لون ثم تتم إزالتها جزئيًا مرة أخرى؛ فيبدو المشهد مثل كتابة سحرية في مشهد بانورامي ناتج تأثير الجدران المتكسرة في كثير من الأحيان لهذه "الأوعية العائمة" المتمايلة والعائمة، والتي يتم تقديمها أحيانًا كإنشاءات ضوئية كما لو كانت مصنوعة من طبقات من صفائح الجليد اللبني، وهو تأثير متعالٍ تمامًا.
 
ان المادة هي اللامادية "غير الواقعية" للضوء، وإن أحدث الأشكال المخروطية المدببة المضيئة أو الأوعية الكبيرة الحجم، في روعتها الغريبة، تؤكد هذا الانطباع. ولكن هذا التجاهل للخزف تقابله فئة أخرى تثير الإعجاب بكبر حجمها، هياكل عظمية كلسية، كحيوانات عائمة صغيرة مجهرية، ملهمة، ملتوية حسيًا، مبنية، مجمعة، وغالبًا ما تكون منحوتات شائكة لها هيكل عظمي في شكل عضوي، في حد ذاته، لا حياة له، ولكنه ما يزال عضويًا..