نيسان/أبريل 25
   
 
  المُعتقدات الشعبية هي مجموعة العادات والتقاليد التي تتوارثها الأجيال، وبعد انتقالها من جيل لجيل تُصبح جزء لا ينفصل من موروثهم وعقيدتهم الفكرية، وتأتي أهمية دراسة المعتقدات للوقوف على هوية الشعوب وعمقها التاريخي والحضاري ومستوى الوعي الذي يتحلى به افرادها ومدى تأثير هذه الشعوب في الوجود البشري، ولهذه الأسباب حظيت دراسة المعتقدات والبحث في جذورها باهتمام الدارسين ونتج عن ذلك كم كبير من الكتب والدراسات التي تبحث في هذا الحقل الانساني ومنها كتاب (المعتقدات الشعبية في التراث العربي) لمؤلفيه (محمد توفيق السهلي وحسن باشا) الصادر عن دار الجليل والذي تضمن ثمانية فصول تناولت كل ما يتعلق بالمعتقدات من انسان وحيوان واشجار وارقام ونجوم وخوارق اسطورية وطبيعية وغيرها.   
جعل المؤلفان الفصل الأول من الكتاب مدخلا الى دراسة في المعتقد الشعبي وعلاقته بعلم الاجتماع والفولكلور وتساءلا هل مصطلح المعتقد الشعبي يدخل ضمن علم الاجتماع ام انه يدخل ضمن علم الفولكلور وخلصا الى ان "المعتقد الشعبي هو ظاهرة اجتماعية تنتج عن تفاعل الأفراد في علاقاتهم الاجتماعية وتصوراتهم حول الحياة والوجود وقوى الطبيعة المخيفة والمسيطرة او المتحكمة في تسيير الحياة الكونية"(1) ويزيدان من تقريب المصطلح فيصفان قوته وتأثيره في تحول التصور الى فعل جماعي او فردي فهو يؤثر في العلاقات الاجتماعية حيث ان الايمان به يدفع البعض اللجوء الى التمائم والحجب في حل مشاكلهم الاجتماعية في حالات الخصومة بين الازواج او في شفاء المريض ولا غرابة في ذلك طالما الانسان المعاصر كتلة من الموروثات والتصورات التي غّذت وكونت كيانه الفردي والاجتماعي جيلا بعد جيل، أما بالنسبة للبيئة وأثرها في نشأة وتطور المعتقد الشعبي فالدراسة تكشف عن علاقة بين نوع البيئة (اجتماعيةــ جغرافية) ونوع المعتقد، فالبيئة الجغرافية من جبل وسهل وصحراء لها ما يميزها عن غيرها من حيث طبيعة ومضمون المعتقد، حيث تكثر في البيئة الجبلية المعتقدات المتعلقة بالوحوش والكائنات الخرافية في حين نجد في البيئة البحرية المعتقدات والعجائب المتعلقة بالمد والجزر وحورية البحر وفي البيئة الصحراوية معتقدات الجن والثعابين السوداء وكل هذه المعتقدات ناتجة عن تفاعل الانسان مع بيئته وينتج عنه استجاباته وردّات أفعاله ومعتقداته فكل بيئة تخلق نوع المعتقد ومضمونه ويحدث احيانا التداخل المعتقدي بين البيئات فهي تتأثر ببعضها وتتداخل وتشترك في صناعة معتقدات واحدة كما هناك فرق بين معتقدات بيئة باردة وأخرى حارة هذه بالنسبة للبيئة الجغرافية اما البيئة الاجتماعية فينحصر المعتقد والتصورات حول الحياة والوجود فالعلاقة بين الانسان وبيئته علاقة أخذ وعطاء فهو يستجيب لمتطلباتها ويعطيها ، ويقسم الكتاب البيئة الاجتماعية الى بيئة مدنية وقروية وثالثة بدوية فمثلا في القرية المتخلفة علميا وثقافيا يسود الاعتقاد بان الحجب والتمائم تفعل فعلها في رد الحسد او تفريق الزوجين او تقاربهما اذا كانا على خلاف ما وكذلك المعتقدات المتعلقة بالحيوانات الليلية المتوحشة كالضبع والذئب في حين يقل في المدينة انتشار هذا الاعتقاد كونها اكثر اقترابا الى المدنية والثقافة او يكاد يفقد وجوده فيها ، وأيضا هناك المعتقدات ذات الأبعاد الدينية والمذهبية هي الاخرى تختلف من دين الى دين ومن مذهب الى مذهب، وعن أهمية دراسة المعتقد على المستوى الحضاري يبحث الكتاب في هيمنة المعتقد كغيره من المتوارثات يفصح عن التاريخ الحضاري لكل شعب من الشعوب ويتخذ من الموت وسيلة للمقارنة بين معتقدات الشعوب ومستوى رؤيتها له فيقول ان اللون الأسود يتناسب وحالة الحزن عند بعض الشعوب وعند بعض الديانات نرى عند موت أي عزيز يؤدي الى ارتداء ملابس ذات لون اسود لاسيما عند النساء حيث فيه امور اعتقادية ونفسية فقول المرء (قلبي معتم) هو تعبير عن حالة الشؤم والحزن فالميت سوف يدخل قبرا معتماً ولباس السواد يتناسب وهذه الحالة ، بينما نجد بعض الشعوب ترتدي الألبسة البيض عند فقدان أي عزيز ذلك اعتقادا بان اللون الابيض يجلب الخير للميت فالبياض فأل خير وسيريح روح الميت لأنه وحسب اعتقادهم سيدخل دار النعيم والفرح والنور ولا يتناسب مع هذا الإيمان الا اللون الابيض ، بينما نجد في بعض الديانات خصوصا المسيحية ترى ان الميت سيواجه ربه والملائكة فعليهم ان يلبسوه اجمل ما عنده من ثياب وحلي ، وكل هذه المعتقدات صنعها تفكير الانسان وتفاعله مع الحياة على مدى اجيال وسنين طويلة ولهذا نراها ماتزال تؤثر الى الان في تفكير الشعوب ومسلكية افراده ، كما ان الكتاب يشير الى مسألة غاية في الأهمية وهي ان المعتقد في بعض الأحيان يكون سلاحا قمعيا جماعيا ضد بعض الافراد ويصف ذلك بقوله "كثيرا ما نجد مجتمعا متخلفا يؤمن بمعتقد ما، لا يفسح المجال لأي مثقف كي يعارض اعتقادهم ، وهذا ما يجعل الأفراد القليلين والرافضين للمعتقدات الخرافية عرضة للقسر والقمع النفسي والاجتماعي مما يضطرهم في اغلب الأحيان الى السكون خوفا من السلطة العليا التي هي سلطة المجتمع"(2). وبالتالي لا بديل من التراث الثقافي في صياغة التقبل والرفض للمعتقدات، ثم يتطرق الى ان وحدة المعتقد العربي هو وحدة التراث والحضارة ويجزم على ذلك من خلال وحدة التاريخ، وحدة الأرض، الوحدة النفسية والعقلية. 
 
يتناول الفصل الثاني من الكتاب المعتقدات المتعلقة بالخلق مبينا انها ترتبط بالجذور الدينية قديمها وحديثها وتمتد الى الجذور الكنعانية والسامية في المنطقة العربية كما ان هناك تداخل بين المعتقد الشعبي والمعتقد الديني كان حصيلته بروز معتقد شعبي متوارث على الرغم من ان الديانات التوحيدية نفت مسألة الاسطورة والخرافة "الا ان العربي ما يزال يعتقد الى الآن بمعتقدات أسطورية خرافية"(3) وتتبدى معتقدات الخلق في التصور حول خلق الله، والكون، النجوم، الارض، خلق آدم وحواء وما يدور حولهما من معتقدات أسطورية ودينية ، وتأتي الشمس في المقام الاول بين المعتقدات فكسوفها يفسرونه بأن حوتا كبيرا يريد ابتلاعها ومن يقوم بقلع احد اسنانه يتوجه صوب الشمس ويلقي به ناحيتها بل وصل الأمر ان هناك أقواما قديمة عبدت الشمس فقد عبدها الآشوريون والبابليون تحت اسم (شمش) كما عبدها المصريون تحت اسم (رع) وتشير بعض كتب التاريخ القديم الى صورة حمورابي وهو يستلم دستوره من الاله شمس، اما ظاهرة خسوف القمر فهي الاخرى شغلت الإنسان العربي وحار في تفسيرها فمن وجهة المعتقد الشعبي "وان الاجرام السماوية تطاردها بعض الوحوش الضارية التي توشك ان تتلفها ومن واجب الانسان ان يفزع هذه الوحوش ويطردها بان يحدث ضجة جهنمية"(4) ومن بين الوسائل اطلاق أصوات عالية واطلاق النار في اتجاه القمر وكذلك ضرب الصفيح بالعصا، وكما للشمس من عبّاد كذلك القمر فـ "العرب من أقدم عبدة القمر فقد كان القمر عند العرب الجنوبيين القدامى هو الاله الذكر الأب"(5). كما ان السومريين قد اعتبروا القمر في البدء أعظم الآلهة. أما الأرض فهي الاخرى قامت حولها اعتقادات شعبية كثيرة في الحس الاسطوري الخرافي تقول المعتقدات "ان الارض محملة على قرني ثوري سماوي فاذا اراد ان يرتاح يبدّل مكان الارض من قرن الى اخر، وبذلك تحدث الزلازل"(6). ويستمر الكتاب في تناول باقي الظواهر الكونية وما أحيط بها من معتقدات مثل بنات نعش ، الليل ، الرياح، الزلازل، البرق والرعد، الغيوم ، قوس قزح ، المطر ، النار ، الماء وكذلك موضوع خلق الإنسان فيشير إلى المعتقد الفلسطيني الذي يرى انه "بينما خلق الله الملائكة من حجر كريم وخلق الجن من النار فانه خلق الإنسان من الطين"(7). كما يشير الى الأسطورة المصرية فيقول ان (رع) خلق الإنسان من دمع عيونه ثم وضعه على الأرض ويسرد كذلك الأساطير اليونانية والإفريقية وما جاء في الكتاب المقدس والقرآن الكريم بهذا الخصوص ، ولا تغيب عن الكتاب قصة آدم في الجنة وهبوطه الى الارض وموته وكذلك خلق حواء مشيرا الى الاعتقاد الشائع في معظم الأوساط الشعبية انها قد "خلقت من ضلع آدم" وعن قصة قابيل وهابيل يورد الكتاب عددا من القصص عن جريمة القتل التاريخية كما يفرد صفحات عن الاعتقاد بشكل وجمال وجنس الملائكة وعلاقتهم بالبشر يقابل الملائكة الجان الذي وصفهم "كائنات غير منظورة ، موجودة في المعتقدات السابقة للأديان تتشكل وتتزيا حسب الظروف"(8). ووفق المعتقدات يقسم الجان الى ثلاثة انواع "نوع على الارض وآخر في البحر والثالث في السماء" ويذكر صورة الجان في المعتقدات الشعبية لدى البابليين والآشوريين فيقول ان أشهر الصور التي تتشكل فيها هي صور الثيران والفهود والحيات والعقارب وبعض انواع الطيور وهي قادرة ــ حسب اعتقادهم ــ على ايذاء البشر الى درجة المسخ اما مساكن الجان فهي "تحت الارض وفوق شجر الخروب وفي الأماكن المهجورة"(9). ومن منفرات الجن الشائعة في اغلب المجتمعات هي حرق البخور يوم الخميس ليلة الجمعة لطرد الجن والشياطين.     
يتناول الفصل الثالث المعتقدات المتعلقة بالإنسان منذ ما قبل ولادته وحتى ما بعد موته مرورا بمراحل نشاطه الانساني مثل الزواج والحمل والانجاب وما يرافقه من معتقدات شعبية متوارثة ويأخذ الزواج في فلسطين نموذجا فيقول انه اقترن بالعديد من الممارسات والطقوس الاعتقادية التي يمارسها كل من العروسين ومن بينها ان العروس في يوم زفافها تحرص على ارتداء ثوباً ازرق لاعتقادها ان هذا اللون يرد عن العروس شر العين الحاسدة ويحميها من أي ضرر او عمل سحري ضدها، اما العريس فقد يقوم بعض اعدائه بعقد (ربط) خيط اثناء عقد القرآن كي يتم بذلك ربط قواه الجنسية لكي يكون فاشلا في زواجه، ومعتقد آخر يرى انه عند دخول العريس والعروس الى مخدع الزوجية فعلى العريس الاسراع بوضع قدمه فوق قدم العروس اعتقادا انها بذلك ستكون مطيعة، وبأنه قد اخضعها، ولهذا الاعتقاد ممارسات مشابهة في دول اخرى مع اختلاف الأدوات والسلوك. اما المعتقدات المتعلقة بالحمل والولادة فهي كثيرة جدا وتعود الى فترات زمنية بعيدة، فالكنعانيون مثلا يعتقدون ان انجاب الأولاد يعيد الى البلاد ازدهارها ولجوء الرجل الى الطب والسحر والشعوذة كي يداوي زوجته اذا كانت عاقرا او اذا كانت تسقط جنينها قبل تمام الحمل. وعن نوعية الجنين فقد تضع المرأة الحامل "عدة نقاط من حليبها على خيط من الحرير ثم ترميه على باب بيت نمل، فاذا جر النمل الخيط الى داخل البيت يكون الجنين ذكرا، وإذا لم يقترب منه النمل فالجنين انثى"(10). أما بالنسبة للحبل السري الذي كما هو معروف عنه انه قطعة لحمية تصل ما بين الجنين عن طريق سرته وجسد امه اثناء الحمل ويسقط الحبل السري بعد الولادة ببضعة ايام ويعتقد الناس في الوسط الشعبي ان الحبل السري وبعد انفصاله عن جسد الطفل ينبغي ان يُلف بخرقة طاهرة وان يلقى في باحة مدرسة كي يصبح الطفل ذكيا ومتعلما او يلقى في مسجد كي يصبح متدينا تقيا ورعاً او يلقى في نهر جار لكي تصبح امور الطفل ميسرة وسائرة دون توقف كما هي مياه النهر ويسرد الكتاب معتقدات كثيرة متعلقة بالطفل وكيف تتعامل العائلة معه من اجل حمايته من الحسد وطرد الشياطين عنه عن طريق اختيار اسمه من الاسماء المقدسة لاعتقادهم ان للاسم قوة سحرية في الحماية ، وعن الموت الذي يأخذ في التراث العربي الاسلامي والمسيحي قدرا كبيرا من الأهمية فان المعتقدات المتعلقة به تتنوع في مضمونها فترى منها ما يدخل في باب التشاؤم ومنها ما يدخل ضمن دائرة الاحاسيس الإنسانية وبعضها يدخل ضمن دائرة التصورات الغيبية والاعتقاد الشائع ان زيارة قبر الميت صباح العيد من شأنها ان تسلي الميت وتؤنس وحدته ، كما يُعتقد ان الشخص اذا مات فانه يمنح عمره كله للأحياء من بعده ويعبرون عن ذلك بقولهم عند الاخبار عن وفاة شخص ما (أعطاكم عمره) وكذلك في توزيع الأطعمة على الفقراء بعد وفاة شخص ما اعتقادا ان الطعام الذي يصل الى الفقراء يصل الى أرواح الموتى.
يتناول الكتاب في فصله الرابع المعتقدات المتعلقة بالخوارق الأسطورية والطبيعية والدينية فيكتب عن موضوع السحر والشعوذة والتعاويذ والحسد والظواهر الطبيعية والقرابين والأضاحي والأيام والأرقام والنوم والأحلام والألوان حيث يرى ان المعتقدات ذات المدلول الأسطوري والديني الخارق تختلط فيها الجذور الدينية بالخيال البشري وتصوراته وفي بعض الحالات تعود مسألة الخارق الى نتائج تظهر في حياة البشر وتلمس على نطاق أو اكثر ونتيجة لمس نتائجها من قبل الناس اصبحت من المعتقدات الهامة فتقول بعض المعتقدات ان الانسان اذا تعرض الى حالة من الرعب فما على الآخرين الا إعطاؤه ماء في وعاء يسمى (طاسة الرعبة) وهذا الوعاء من النحاس أو الفضة يجلب من بيت الله الحرام  ومكتوب عليه بعض الآيات القرآنية والطلاسم الدينية ويعتقد ان لهذا الوعاء قوة سحرية في شفاء المريض او المصاب بحالة الخوف او الرعب والتي تسيطر على العقلية الشعبية ، وفي العراق تتعدد استخدامات هذا الوعاء ليس لطرد الخوف فحسب بل يتعداه الى استحمام المرأة العاقر بماء الوعاء لتخليصها من حالة العقم لذا تسمى (طاسة الخلاص)، ومن المعتقدات ايضا ان من يريد ان يحفر قبر ولي او يهدمه او يزيله فان يده ستصاب بالشلل الا اذا تدارك نفسه وقدم قربانا لله تعالى وهذا القربان يكون في ذبح شاة ومن ثم توزيعها على الفقراء ، اما المعتقدات المتعلقة بقوة السحر فلها تأثيرها عند النساء بشكل خاص لا سيما القرويات والبدويات وبعض نساء المدن ، والسحر قديم "قدم الحضارة الإنسانية ذاتها، وقد اعتبر سابقا لديانات وميثولوجيا الامم والشعوب المتمدنة"(11). ويقوم السحر الشعبي أساسا على المعتقد المحفوظ في صدور الناس وعلى الخبرات المكتسبة ويرتبط بالأرواح باعتبارها القوى ذاتها التي تفعل ما يعجز البشر عن فعله في الطبيعة والانسان والحيوان وفي بعض البلدان يرى المرء في السحر ظاهرة مخيفة تستحق كل احترام وتقدير فكثر من الناس قديما يعزون سبب كثير من الأمراض الى تأثير السحر ، ثم يذهب الكتاب الى عرض انواع السحر فيقسمه الى سحر اتصالي وسحر تمثيلي كما يذكر ابرز الكتب التي خاضت في موضوع السحر ويتناول مظاهره في التمائم والرقى والتعاويذ التي ابتدعها الذهن الشعبي إرضاء لدوافع فنية محددة ومن بينها ظاهرة تعليق (ام سبع عيون) على واجهة الدار المبني حديثا درأ  للعين الحاسدة او وضع خرزة زرقاء على جبين الطفل اعتقادا انها تمتص اثر عين الحاسد وتبعد الشر عنه ، وعن المعتقدات المتعلقة بالنجوم يتخذ الكتاب من (بنات نعش) وهن سبع نجمات يظهرن معا في مجموعة واحدة من السماء مثالا فيقول في تسميتهن بهذا الاسم لأن منظر تجمعهن يشبه النعش الذي يحمل عليه الميت ويقال انهن يبكين الفقيد على الأرض أما (درب التبانة) فيعتقدها الوسط الشعبي عبارة عن أضواء تبعثها السماء للناس الذاهبين الى أعمالهم قبل الصباح الباكر كما ربط الناس بين عد النجوم واحصائها من جهة وبين ظهور الثآليل من جهة اخرى واطلق اسم المنجمون على الناس الذين يزعمون بانهم يعرفون الغيب ويكشفون المستقبل بواسطة مراقبة النجوم ورصد حركاتها ، كما يبحث الكتاب في ظاهرة تقديم القرابين والأضاحي من قبل الناس اعتقادا ان تقديمها فداء أي دفعا للمصائب التي قد تصيب احد افراد أسرتها، واعتاد الناس ان يتشاءموا من بعض الايام ويعتبرونها نحسا وقد كانت لدى المصريين القدماء أيام شؤم ونحس وفي الوسط الشعبي الفلسطيني  كانوا يتفاءلون بأشهر معينة مثلما كانوا يصنفون الأرقام فيتفاءلون في بعضها ويتشاءمون من البعض الاخر وكذلك هو الحال في التعامل والاعتقاد بالألوان حيث تمثل لديهم رموزا ودلالات متنوعة ذات صبغة تعاقدية .
أما الفصل الخامس فهو يتعلق بجسم الإنسان ويخص الشعر ــ العين ـ الأنف ــ الأسنان ــ اليد ــ الِرجل ــ الاصابع ــا لأظافر ــ الدم حيث لعبت هذه الأجزاء دورا هاما في حياة الناس وانعكس هذا الدور على تصرفاتهم وسلوكهم وطقوسهم وما يزال هذا الدور قائما الى حد ما في الأوساط الشعبية لدى مختلف المجتمعات فالشعر يرمز الى الحزن والحداد على الميت ويعتبرونه رمزا للوفاء فعندما يتوفى عزيز ما تقوم المرأة بقص شعرها والرجل يتوقف عن حلاقة لحيته وفاء واحتراما لشخصية الميت وكذلك اذا أصيب الإنسان برعب مفاجئ او أصابته مصيبة فان الشيب سيغزو شعر رأسه اما بالنسبة للعين فيذهب البعض الى الاعتقاد ان هناك من العيون ما تطرد النعمة قيل فيها "عين الحسود فيها عود" و "عين الحسود تبلى بالعمى" وهناك من يتشاءمون من رؤية الأعور وهذا التشاؤم مرتبط بذكر "الأعور الدجال" الذي يقال ان الذي سيقتله ذات يوم هو المسيح عليه السلام ، اما عن رف جفن العين اليمنى فقد فسروا ذلك بأنه سيجلب السوء لصاحبها ، أما رف العين اليسرى فهو خير للإنسان ، وللأنف أيضا دلالات كثيرة ويعتبر رمزا للكبرياء والشموخ فالشخص المتكبر يقولون فيه " رافع مناخيره للسما " و" خشمه يابس " وللتعبير عن ردع المسيء ووضع حد لتصرفاته المشينة يقال " اكسر خشمه" وفي الوسط الشعبي اذا عطس شخص ما بعيد اتمام أحدهم حديثه عن فكرة معينه فانهم يعتبرون هذه "العطسة" بمثابة البرهان القاطع ويقولون في هذه الحالة " هاي بشهادة " أما الاسنان فالممارسة الشائعة عند أغلب المجتمعات هي ان الاطفال في فترة تبديل أسنان الحليب بالأسنان  الدائمة فان الطفل يقوم برمي سنه نحو الشمس ويقول " يا عوينة الشمس خذي لك سن ها لحمار، واعطيني سن غزال من اسنان ولادك الصغار " ولليد حكاياتها ايضا فاذا احس المرء بحكة في راحة يده اليمنى فانه يفسر ذلك بأنه سيسلم على شخص ما ، واذا كان في اليسرى فأنه سيقبض مالا اما بالنسبة لحكة القدم اليمنى فانه يفسر ذلك بانه مقبل على سفر وفيما يخص الأصابع فيحذر من تشبيكها في عقد القران ، حتى لا تشتبك أمور الزواج وتنتهي الى الفشل كما يحذرون من قص الأظافر ليلا  لاعتقادهم ان من يفعل ذلك سيرى منامات وحشة وفي بعض المجتمعات تفسر فقدان احد أفراد العائلة.
لم يترك الكتاب شيئا يتعلق بالمعتقدات إلا وأشار اليه في تفصيل مسهب فها هو في فصله السادس يتناول الحيوانات وعلاقتها بالمعتقدات ومن بينها نهيق الحمار الذي يفسر ان الشيطان يهمس في أذنه بكلام جارح وهنا ينهق الحمار حزينا وان الشرب من حليب الحمار يجنب الإصابة بالحصبة كما ان السبب في عدم تناسل البغال هو عقوبة لأنها تطوعت لجلب الوقود للنار التي ألقى النمرود فيها إبراهيم الخليل وبالنسبة للقرد فالاعتقاد ان اصله طفل وقد قام بالتبرز عليه ولعدم وجود خرقة قماش قرب امه فقد نظفت له برغيف الخبز وكقصاص لعدم احترام هذه المنحة السماوية فقد مسخه الله الى قرد. وفيما يخص الجمل فقد كان العرب يتشاءمون منه لأنه الوسيلة التي تنقل الناس الى مهاجر بعيدة عن ارض الوطن ، وعن أصل العداوة التاريخية بين القط والفأر يعتقدون انه "عندما حصل الطوفان حمل نوح الخنزير معه ، فعطس هذا ليولد الفأر ، واخذ الفأر يعبث فسادا في السفينة لدرجة انه حاول ان يثقب الخشب ، وهكذا عطس السبع ليظهر القط ويطارد الفأر"(12). وعن العنقاء ذلك الطائر الخرافي المخيف فقد ورد في معتقدات وأساطير المصريين القدماء ، حيث كانوا يتصورونه قادرا ان يعمّر خمسة قرون وبعد ان يحرق نفسه يستطيع ان ينبعث من الرماد المتخلف من حرقه هذا ، والاعتقاد أيضا ان الغراب كان لونه ابيضا ولكن نوحا قد دعا عليه لأنه فرّ هاربا ولم يعد اليه عندما أرسله للتفتيش عن اليابسة ووجدها ولكنه لم يعد ، فكان دعاء نوح عليه سببا في سواد لونه وسببا في تشاؤم الناس منه ، أما أصل تحريم صيد السنونو فهم يعتقدون أنها كانت تبني عشها عند الرسول محمد (ص) وهو في غار حراء حتى ان البعض وتقديسا لها يصفها بـ ( العلوية ) أي من نسل الرسول الكريم ويسرد عن باقي الحيوانات معتقدات لا تشترك في تبنيها شعوب كثيرة إنما هي محصورة وخاصة بتراث شعوب محددة .
الفصل السابع يتعلق بالشجر باعتبار الشجرة تشكل عنصرا هاما من عناصر الحياة لدى كافة الشعوب، فمنذ ان دبّت الحياة البشرية فوق الأرض كانت بين الناس والشجرة علاقة حميمة ومن هذه العلاقة تولدت لدى الانسان نظرة تحمل الكثير من الاحترام والتقديس للأشجار ومن بينها شجرة الزيتون فالناس يعتقدون ان أول ما حملته الحمامة الى نوح بعد الطوفان كان ورقة من شجرة الزيتون لذلك صار غصنها شعار السلام وعلامته، وكذلك شجرة النخيل فهي الاخرى تحظى باحترام وتقديس الناس ليس لعطائها الثر فحسب بل لتوصية الرسول بها في قوله ( اكرموا عمتكم النخلة ) ويقال انه وصفها بالعمة لأنها خلقت من فضلة طينة آدم "ع" ، وكذلك شجرة السدر ( النبق ) فهي حسب المعتقد الإسلامي "سدرة المنتهى التي هي على يمين عرش الله"(13). لذا تتهيب الناس من اقتلاع شجرة السدر قبل تقديم قربان لها وهو ذبح طير دجاج.
وقد خصص الكتاب في فصله الأخير لعدد من المعتقدات الشعبية المتفرقة ومنها ان الناس في فلسطين كانوا يكسرون الخبز ولا يقطعونه بالسكين، لاعتقادهم انه اذا قطع بالسكين فانه سيفقد بركته وكذلك استخدام الملح لمنع الحسد ولرد العين الصائبة (الحاسدة) ويكون ذلك "بذره على النار أما مع الطحين او الشعير"(14). ونثره على رؤوس الحاضرين أثناء زفة العريس ، وعن المنازل هناك اعتقاد مؤداه  ان كل بيت تسكنه مخلوقات خارقة للعادة وعلى الأخص في البيوت الخالية والخربة والحديثة غير المأهولة ، لذا يفترض في كل ساكن جديد ان يسترضي تلك المخلوقات عن طريق ذبح ذبيحة كتقدمة للأرواح ساكنة المكان ، كما يتجنبون كنس البيوت بعد العصر ويتشاءمون من ذلك ويعتقدون ان الكنس في هذا الوقت ربما أدى الى إيذاء أهل البيت أو كنس (موت) بعضهم ، كما لا يجوز ترك الحذاء مقلوبا لأنه حسب اعتقادهم يغم السماء ، وعن شدة الضحك اعتبرت الأوساط ذلك نذير شؤم وفي تلك الحالة يقولون "ربنا اجعلها ضحكة خير".
كتاب (المعتقدات الشعبية في التراث العربي) زاخرٌ بالمعتقدات واصولها والشروحات المستفيضة عن ظروف نشأتها وقد حاولنا في قراءتنا تسليط الضوء على المعتقدات التي تشترك بها اكبر عدد من الدول العربية وتجاهلنا المعتقدات الخاصة بمجتمع عربي معين وهذا لا يقلل من اهمية الجهد والبحث الذي كان عليه هذا الكتاب الممتع والمرجع المهم للباحثين عن المعتقدات الشعبية وأصول نشأتها.  
 
الهوامش :
  • محمد توفيق السهلي وحسن باشا، المعتقدات الشعبية في التراث العربي، دار الجليل، بيروت، ص6
  • المصدر السابق، ص 17
  • المصدر السابق، ص 24
  • المصدر السابق ص 29
  • المصدر السابق ص 30
  • المصدر السابق ص 32
  • المصدر السابق ص 43
  • المصدر السابق ص 59
  • المصدر السابق ص 73
  • المصدر السابق ص 128
  • المصدر السابق ص 164
  • المصدر السابق ص 256
  • المصدر السابق ص 342
  • المصدر السابق ص 36