نيسان/أبريل 25
   
   تزخر أدبياتنا العراقية، التراثية، من الأساطير، والخرافات، والقصص الشعبي، والملاحم، وغير ذلك، أشياء لها قوة سحرية عند استخدامها، حيث تحوي قوة تعجيزية خارقة للطبيعة عند استخدامها لا يضاهيها شيء في الوجود، ومن هذه الأشياء- وهي من الكائنات النباتية - الآتي:
 1- عشبة الخلود - ملحمة جلجامش(1).
2- عشبة الحبل - اسطورة ايتانا.
3- عشبة السير على الماء – حكاية بلوقيا(2).
هذه العشية، وكما جاءت في الملاحم، والأساطير، والحكايات، لها القدرة على احداث ما سميت باسمه، كالخلود، والحبل، والسير على الماء.
فالخلود يتم عن طريق أكل هذه العشبة، أو شرب ماءها بعد سلقها، خلود الانسان الذي تناولها، كما جاءت في ملحمة جلجامش وكذلك يحدث في عشبة ايتانا.
أما العشبة الثالثة فهي عشبة سميناها (عشبة السير على الماء) فبعد تناولها، أو شرب الماء الذي سلقت فيه، أو دهن الساقين بزيتها، فان الشخص المتناول لها سيسير على الماء، ويصل بسرعة البرق الى مبتغاه، كما في حكاية بلوقبا.
***
1 – ملحمة جلجامش وعشبة الخلود:
1 – 1: ملخص الملحمة:
   تحكي ملحمة جلجامش قصة الملك الطاغية جلجامش الذي يحصل بينه، وبين الإلهة عشتار خلافا تقرر من بعده تأديبه فترسل له مقاتلا يعد ندا له ومجبول من دمها، ومن تراب، اسمه (انكيدو). يتصارع انكيدو، وجلجامش، فلا يتفوق أي منهما على الآخر، ويقرران في النهاية أن يصبحا صديقين حد الأخوة، ويصبح جلجامش ملكا عادلا إلى الأبد.
   تحكي الملحمة رحلة هذين المقاتلين إلى جبل لبنان لقتل مخلوق أو وحش اسطوري يدعى "خومبابا"، ورؤيتهما لأشجار الأرز، والشخصية التي يطلق عليها اسم "اتراحسيس" أو "أوتو نابشتيم"، ويعني اسمه "دائم الخضرة" أو الذي لا يموت، ويطلق عليه هذا الاسم لأنه تمكن من الوصول إلى ثمرة الخلود، ليعيش للأبد.
   لا يهرب جلجامش من غضب عشتار بسهولة حيث تطلق عليه ثور السماء بهدف قتله إلا أن الصديقين الجبارين انكيدو وجلجامش، تمكنا من التغلب على هذا المخلوق الأسطوري، وقتلاه بقوتهما الخارقة. يذكر أن ثور السماء بعد قتله يتشكل في السماء على هيئة ثور، وهي ما يطلق عليه في أيامنا هذه مجموعة برج الثور.
   تغضب الآلهة على جلجامش وتقرر معاقبته لقتل ثور السماء. بعد مدة قصيرة من هذه الحادثة يرى انكيدو حلما بشعا للغاية ثم تبدأ صحته بالتدهور، ويأخذ بالذبول شيئا فشيئا إلى أن يموت.
   يقاسي جلجامش حزنا، وألما، شديدين إذ فقد الشخص الوحيد الذي كان يعده ندا له، وصديقا. فضلاً عن ذلك يشعر جلجامش بدنو أجله، وأنه مهما طال الوقت سيدركه الموت ويندثر ذكره.
   بعد ذلك يتذكر جلجامش اتراحسيس، وثمرة الخلود الخاصة به ويقرر خوض المغامرة والصعاب ليحصل على هذه الثمرة. وعندما يحصل جلجامش على هذه الثمرة بعد عناء ومشقة تقوم الأفعى بسرقتها، وتترك جلجامش مفجوعا بخسارته(3).
***
1 – 2: بين الحياة والموت:
   عند موت أنكيدو يجد جلجامش نفسه أمام حقيقة الموت عندما يرى صديقه متعفن البدن، وينخر الدود جسمه. فيبدأ جلجامش رحلة البحث عن الخلود، ويصف له جده عشبة للحياة الأبدية، وبعد رحلة بحث مضنية يجدها في قاع البحر، وعندما يستخرجها، وينام على الشاطئ ليرتاح تسرقها الحية بأمر من الآلهة التي لا تسمح بالبقاء سوى لذاتها.
وان خلي، وأخي الاصغر الذي طارد حمار الوحش في البرية واصطاد النمور في
البوادي
انه انكيدو ، خلي وأخي الاصغر
الذي تغلب على جميع الصعاب وارتقى اعالي الجبال
الذي مسك ثور السماء وقتله
صديقي وخلي الذي احببته حبا جما والذي صاحبني في كل الصعاب
قد ادركه مصير البشرية فبكيته ستة أيام وسبع ليال
حتى سقط الدود على وجهه
لقد افزعني الموت حتى همت على وجهي في القفار والبراري فالنازلة التي حلت بصديقي قد أوهنتني واقضت مضجعي
فهمت على وجهي في البراري
اذ كيف اهدأ ويقر لي قرار وصديقي الذي احببت قد صار ترابا
وأنا افلا اكون مثله فاضطجع ضجعة لا اقوم من بعدها
أبد الدهر؟ (الملحمة)
  
يأخذ بنصيحة حكماء أوروك التي تؤكد على ان الطريق الوحيد للخلود هو في العمل والعدل والبناء.
***
1 – 3: العشبة:
   في الملخص تذكر على انها ثمرة، وفي ترجمة طه باقر للملحمة يترجمها الى (النبات)، هذا النبات هو عشبة الخلود.
فادرکه أوتونبشتم، وخاطبه قائلا
لقد جئت یا جلجامش الى هنا وقد عانيت التعب والعناء
فماذا عساني أن أمنحك حتى تعود الى بلادك؟ سأفتح لك يا جلجامش سرا خفيا
اجل سأبوح لك بسر من أسرار الآلهة
يوجد نبات مثل الشوك ينبت في المياه
انه كالورد شوكه يخز يديك كما يفعل الورد
فاذا ما حصلت يداك على هذا النبات وجدت الحياة الجديدة،
وما ان سمع جلجامش هذا القول حتى فتح المجرى الذي أوصله الى المياه العميقة
وربط برجليه احجارا ثقيلة
ونزل الى أعماق المياه حيث ابصر النبات
فاخذ النبات الذي وخز يديه
وقطع الاحجار الثقيلة من رجليه
فخرج من الاعماق الى الشاطيء
قال جلجامش لـ  " أور - شنابي " الملاح :
یا "أور – شنابي" ان هذا النبات نبات عجيب
يستطيع المرء ان يطيل به حياته
لأخذنه معي الى أوروك، الحمى والسور
واشرك معي (الناس) ليقطعوه ويأكلوه وسيكون اسمه « يعود الشيخ إلى صباه كالشباب" ،
وانا سأكله في آخر ايامي حتى يعود شبابي
(ثم بعد هذا) سارا وبعد ان قطعا عشرين ساعة مضاعفة تبلغا بلقمة من الزاد
وبعد ثلاثين ساعة مضاعفة توقفا ليمضيا الليل
( وبعد ذلك) ابصر جلجامش بركة ماء ماؤها بارد  (الملحمة).
***
1 – 4 - موت البشر:
   أرى ان أحد أسباب وضع هذا الملحمة هو تجسيد فكرة موت البشر من دون الالهة التي احتفظت بالخلود.
*((فنزل فيها ليغتسل في مائها
 فشمت حية ( صل ) عرف النبات
 وخرجت (من الماء ) واختطفت النبات
 وفي عودتها نزعت عنها جلدها.
 فجلس جلجامش عند ذاك وأخذ يبكي
 حتى جرت دموعه على وجنتيه)). (الملحمة).
   لأن الآلهة احتفظت لنفسها بالخلود، وتركت البشر يواجهون الموت.
***
2 - اسطورة ايتانا وعشبة الحبل:
2 – 1: ملخص الاسطورة:
   تقول الأسطورة ان (ايتانا الراعي) لم يرزق ولدا يرثه بعد موته فتضرع ذات يوم الى اله الشمس (أوتو) قائلا: "أيها الاله لتخرج الكلمة من فمك امنحني عشبة الولادة أزل عني اثقالي، وامنحني من سيحمل اسمي" فيحن الاله أوتو ويرشده الى طريقة للصعود الى السماء حيث توجد عشبة الولادة،  وكان نسر قد فرخ في أعلى شجرة، وحية فرخت في اسفلها، واذا ما ذهب أحدهما لأحضار الطعام لفراخه حرس الآخر فراخ صاحبه هكذا عقدا عهدا ما بينهما مقسمين باسم الاله "شمش" ألا يعتدي أحدهما على فراخ الآخر، ومرة غدر النسر بالحية، وأكل فراخها في غيابها ، وحنث بقسمه ، فلما لم تجد الحية صغارها في جحرها صارت تنبش في الارض عبثا وتملكها الحزن والأسى، وأدركت ان النسر قد غدر بها ، فقصدت الحية الاله "أوتو" وهو "شمش" ذاته فأشار لها الاله ان تذهب الى جبل تجد فيه ثورا وحشيا قد ربطه الاله هناك ، وعليها ان تبقر بطنه وتختبئ في داخل الثور ، فإذا جاء النسر ليأكل من لحمه عليها ان تمسك به، وتنتف ريشه، وتكسر جناحيه، وترميه في حفرة حتى يموت جوعا ، فذهبت الحية، وكمنت له في الجيفة (الثور الميت)، ولما جاء النسر مع صغاره ليأكل من لحم الثور، نصحه فراخه ألا يأكل من الثور خشية ان يكون الثعبان قد اختبأ في بطنه ، لكن النسر لم يأبه لتحذير صغاره، ولما بدأ ينهش من لحم الثور، وبلغ جوفه أمسكت به الحية من جناحيه ، وعبثا حاول ان يستعطفها لتصفح عنه، ولكنها اصرت على انزال العقاب به ، والتفت حوله فكسرت جناحه، والقته في الحفرة، والآن، وقد شفي كسر جناحه لكنه لايزال في الحفرة ، وهنا اخذ النسر يستعطف الاله أوتو أن ينقذه، ولكن الاله لم يشأ ان يساعده مساعدة صريحة نظرا لفداحة فعلته بالحنث باليمين والغدر بصاحبه فنصح الاله ايتانا الملك أن يعبر الجبل، ويخرج النسر من الحفرة ، ولقاء المعروف الذي سيسديه للنسر، سيحمله النسر الى السماء، وحينها سيحصل على نبتة الإنجاب، وعمل ايتانا بالنصيحة، وانقذ النسر من الحفرة، وحلق في الفضاء، وأخذ حجم الأرض بالتقلص، وأخذ البحر "يصغر" الى ان بلغ حجم سلة الخبز ، واستمرا بالصعود حتى بلغا مدخل سماء "انو" (وهي السماء السابعة)." ولكن للأسف ينخرم النص المسماري هنا في هذا الموضع فلا يعلم هل حصل "ايتانا" على النبات الذي يساعد على الانجاب أم لا ، لكن على الأرجح انه حصل على مبتغاه كما تشير الى ذلك لائحة الملوك السومرية حيث تذكر انه عاش (1560) عاما وان ابنا له باسم (بليخ) قد ورث عرشه(4).
***
2 – 2: عشبة الحبل:
   يسمي المترجم لهذه الأسطورة هذه العشبة مرة بعشبة الولادة، وأخرى نبتة الانجاب، وهي لاعشبة الولادة، ولا نبتة الإنجاب، بل هي عشبة الحبل لأن الحبل يسبق الولادة، أو الانجاب.
   واذا كان النص لا يذكر النتيجة لانخرامه فان ذكر العشبة يكفي للإيمان بوجودها في الأساطير.
***
3 - أسطورة بلوقيا وعشبة السير على الماء(5):
 3 – 1 : ملخص الحكاية(6):
    ان حكاية (بلوقيا) هي حكاية خرافية شفاهية، حالها حال حكايات الليالي نفسها.
   كان بمدينة مصر، ملك من ملوك بني اسرائيل، وكان له ولد اسمه بلوقيا، بعد موت الملك ، ينصّب بلوقيا ملكاً ، وفي يوم ما يفتح بلوقيا خزائن والده ، فيجد فيها كتاباً يذكر صفات النبي محمد وانه سيبعث في آخر الزمان ، عندها (تعلق قلبه بحبه) فيترك مملكته ويرتحل باحثاً عنه علّه يلتقي به وفي طريقه يلتقي في احدى الجزر بملكة الحيات، ومن ثم يصل الى بيت المقدس ، ليلتقي بـ ( عفان ) الذي هو الآخر قد قرأ في كتب الأولين ان من يلبس خاتم النبي سليمان  تنقاد له الانس والجان وجميع المخلوقات، وان قبر سليمان موجود في تابوت في جبل على مسافة سبعة بحور، ولا يمكن الوصول اليه الا بالسير على الأقدام فوق مياه البحور، وان السير على الماء يتطلب الحصول على (عشبة) معينة موجودة في الأرض التي تسكنها ملكة الحيات، يذهب الاثنان الى أرض ملكة الحيات، وبحيلة ما، تدلهم على العشبة المطلوبة .. وعندما تعرف سبب طلبهم للعشبة تخبرهم بأستحالة الحصول على الخاتم، أوّلاً، وثانياً، كان عليهم ان يأخذوا عشبة الخلود.
      تبدأ رحلتهم عبر البحور سيراً على الاقدام، بعد ان يعصرا العشبة، ويستخرجا زيتها، ويدهنا به اقدامهما يصلان الى قبر سليمان، وعند محاولة (عفان) أخذ الخاتم تحرقه الحية الحارسة، وفي الوقت نفسه (أمر الرب جل جلاله جبريل ان يهبط الى الأرض قبل ان تنفخ الحية على بلوقيا، ويخلصه جبريل، وينصحه بالعودة الى أهله).   
***
   هذه الأنواع الأدبية الثلاثة من ملحمة، وأسطورة، وحكاية، قدمت لنا ثلاث عشبات ذات فعل أسطوري خارق للطبيعة. فعشبة الخلود غير موجودة واقعا لأن عمر الكائن الحي منتهي بأجله، وللأسباب الموضوعية، والذاتية. فالأسباب الموضوعية، هي: القتل، أو الغرق، أو الحرق، أو التسمم، أو الخنق. والأسباب ذاتية هي: مرض جزء من جسم الانسان، وتعطله عن العمل.
   وعشبة الحبل كذلك هي عشبة أسطورية خارقة للطبيعة على الرغم من اكتشاف بعض الأدوية التي تساعد على الحبل، وهي مركبات عشبية، أو كيمياوية، وليست عشبة واحدة.
   والنوع الثالث من هذه الأعشاب هي عشبة السير على الماء، وهذه كذلك عشبة أسطورية خارقة للطبيعة، ولا يمكن حدوث ذلك.
   إذن الخيال الانساني النشط أوجد هذه الأنواع من الأعشاب لحاجته لها في حياته لأنها غير مجودها في الواقع فيتخيل في ما يقوله عن هذه الأعشاب.
   فكاتب ملحمة جلجامش عندما وجد، كما تصور، وآمن، واعتقد، ان الالهة خالدة لا تموت أراد هو أن يبقى خالدا مثل هذه الآلهة لا يموت فاخترع عشبة الخلود.
   وواضع اسطورة عشبة الحبل قد تصور ان هناك عشبة تجعل المرأة تحبل من خلال اختراعه لعشبة تقوم بذلك، والحكايات الشعبية، وتحت تأثير مثل هذه الأساطبر، اخترعت أنواع من الثمار تقوم بذلك مثل حكاية "فحيص" التي تؤكد على ان حبة الرمان تقوم بذلك.
   أما في الحكايات الشعبية، وكثيرا ما تتناص مع الملاحم، والأساطير، والحكايات الشعبية الأخرى، وتتأثر بها، ولحاجته ليكون كما السيد المسيح الذي تذكر عنه الأساطير انه مشى على سطح الماء، فاخترع عشبة لذلك، فمن يطلي اقدامه بزيتها يستطيع السير على الماء.