يا عدو الشمس.. لن أساوم

الحديث عن شعر المقاومة في الأدب العربي، ليس حديثًا جديدًا، بل هو حديث قديم قدم الاحتلال والغزو إذ لا تنتهي غزوة أو احتلال، حتّى يولد احتلال جديد، وما إن تخبو جذوة المقاومة، حتى تولد على أعقابها مقاومة جديدة.
ولكننا حين نتحدث عن الشعر المقاوم، فإنَّ من الإنصاف ألا نتعدى المقاومة الفلسطينية، التي رفعت شعار الاحتجاج والرفض والمقاومة، منذ أن أعلن الصهاينة نياتهم في احتلال الأرض العربية في فلسطين.
بدأ تاريخ المقاومة الفلسطينيَّة في الأدب العربي في النصف الأول من القرن العشرين، عندما بدأت الحركة الصهيونية في التوسّع وتأسيس المستوطنات اليهوديّة في فلسطين، وتزايدت معاناة الفلسطينيين مع تقدم الصهاينة، وتطورت ردود الفعل الأدبية بوصفها وسيلة للتعبير عن المقاومة والصمود الفلسطيني.
وقد تباينت مواقف الشعراء الفلسطينيين في ذلك، إلى الحد الذي عدَّه د. خالد على مصطفى خروجًا على ما كان سائدًا من شعر؛ إذ “كان الشعرُ مقصورًا على الاخوانيات والمديح المفتعل والمناسبات الاجتماعيّة الخاصة، تتكرر فيه المعاني الشائعة المتوارثة، والتشبيهات والاستعارات المستهلكة، وتنعدم فيه الهموم الإنسانية"(1). لقد نحا عدد من الشعراء باتجاه الشعر المقاوم الذي يتخذ من القصيدة "وسيلة كفاحية مباشرة"(2).
وقد كانت ضريبة هذا الإحساس، أن تخلّى الشاعرُ عن حسِّهِ النقديّ، وصارت قصيدته عبارةً عن شعاراتٍ ترددها الجماهيرُ في كلِّ مناسبة.
ومن هذا التشخيص النقدي المهم، أحاول الوقوف على عدد من شعراء المقاومة الفلسطينيّة الذين ذاع صيتهم، ووقف عند شعرهم النقد كثيرًا، على الرغم من طابع البساطة الذي غلب على قصائدهم. أول هذه القصائد، قصيدة سميح القاسم (خطاب في سوق البطالة)(3).
يفتتح قصيدته بـ :
ربما أفقدُ – ما شئتَ – معاشي
ربما اعرض للبيع ثيابي وفراشي
ربما أعمل حجارًا ... وعتالًا.. وكناسَ شوارع
ربما أبحث، في روث المواشي، عن حبوب
ربما أخمد.. عريانًا.. وجائع..
يا عدو الشمس.. لكن.. لن أساوم
وإلى آخر نبض في عروقي.. سأقاوم
لا يتوقع متلقي هذا النص، أو لا يرد في خاطره، أنه يتلقى شعرًا بمعناه الكلاسيكي، أو الرومانتيكي، أو يبحث عن تأملات ذهنية، وغموض نفسي، يغور في بواطن الأشياء، ولا تستفزه الصورة الشعرية العميقة التي تحلق في الخيال البعيد.
ما يستفز المتلقي، هنا، الجانب التعبيري الموضوعي، فالشاعر والمتلقي معًا، بإزاء حالة واحدة من القلق من كلِّ شيء، وعلى كلِّ شيء، ولذلك فهو منشغل بالموضوع وتداعياته، وبفعل المساومة التي فرضت نفسها على كلِّ شيء. فالمساومة فعل ثقافي، لا يمكن للغة الشعر العالية أن تعبر عنه، لذلك، كرّر الشاعر(ربما)، وصارت لازمة شعرية، تكررت في كل سطور القصيدة إلا أقلها.
بمعنى أنَّ موضوعَ المقاومةِ والصمودِ، ورفضَ الاستسلام والمساومة على حقوق الشعب الفلسطيني هو الرسالة التي يريد الشاعر إيصالها إلى العالم، ومن ثم المتلقي الفلسطيني أو العربي، فهو لا ينتظر منه الا هذا الخطاب؛ لأنه خلاصة الموقف الثابت والقوي للشعب الفلسطيني القاضي بمواصلة نضاله ومقاومته.
ومن هنا، على النقد عمومًا، الا يحاكم الشاعر، على التدفق الانفعالي الفطري والآني، ومحمودية الموضوع، بمقاييس كتابة القصيدة الحديثة، كما جاءت عند الشعراء المجرِبينَ والحداثويين، وهو ما استخلصته من رأي تكرر للدكتور خالد على مصطفى، يفهم منه موقف نقدي مناوئ، مفاده: " كان الشعر الفلسطيني واضحَ القصد، واضحَ العبارة: لا يموه ولا يعاضل مهما كانت وجهته التعبيرية؛ إذ يكاد هذا الشعر يخلو خلوًا تاماً من التأملات الذهنية، والغموض النفسي المحير، وشطحات الخيال البعيد، والتساؤل المحض في معنى الحياة والموت، كما يخلو من غرابة التركيب اللغوي، أو التعقيد في بناء القصيدة"(4).
إن مطالبة الشاعر، باشتراطات كتابة القصيدة الحديثة، مثلما فهمها وعرفها د. خالد على مصطفى نفسه، بوصفه شاعرًا ستينيًّا، قبل أن يكون باحثًا وناقدًا، يبدو نوعًا من إقامة حُجُبٍ عالية ومتعددة بين القصيدة ومتلقيها، وإذا اعترض أحد على ذلك، بحجة انَّه قصد الشعرَ الفلسطينيّ كلَّه، لا شعرَ المقاومة، أقول: إن الشعر الفلسطيني الحديث كلَّه، انشغل بالمقاومة، حتّى صارت موضوعًا قارًا فيه، وامتزجت حتى في المضامين الشعرية الأخرى.
ومن هذا ينبغي التعامل مع قصيدة سميح القاسم (خطاب في سوق البطالة)، وشعرِه بشكل عام بعيدًا عن المحددات الشعريّة التي يبحث النقد عنها، بل يحاول فرضها قسريًّا على المبدع.
ومن جهة أخرى، إنَّ الشاعرَ- هنا- قد لا يخضع للوعي الشعري الذي يدفعه للبحث عن مناطق تجريب جديدة، بل حضور الحدث الشعري، وتتابع الأحداث، هو الذي يفرض سلطته على الشاعر، فلا يمكنه التخلص منه، إلا بحدث آخر، أكثر وطأة من سابقه، وهو في هذا يظلُّ تحث "التأثير النفسيّ الذي يبعثه حدث ما"(5).
ويتكرر هذا التعبير الشعري ذو الهيمنة الموضوعاتية، كلما ازداد فعل المساومة، وارتفع منسوب المقاومة، وتقلص الوجود، أمام هيمنة الاحتلال، وتزايد نفوذه، ويغدو حينئذ الإعلان ضروريًّا، إزاء فعل هيمني صارخ.
يقول سميح قاسم في قصيدة أخرى، يدلُّ عنوانها على متنها (أعلنها):
ما دامت لي من أرضي أشبارْ!
ما دامت لي زيتونه..
ليمونه..!
بئر.. وشجيرة صبار..
ما دامت لي ذكرى
مكتبةٌ صغرى
صورةُ جدٍ وجدارْ
ما دامت في بلدي كلمات عربيه..
وأغانٍ شعبيّه! (6)
واضح هنا، أنَّ بؤرة النص تدور حول وجود الشاعر في الحياة، ولذلك ليس أمامه سوى الذهاب إلى التفاصيل اليومية التي تشكل هذه الحياة: مثل الزيتون الليمون والبئر والصبار، مثلما يشير إلى اللبنات التي تشكل إرث العائلة الشخصي، كالمكتبة وصورة الجد والجدار، وهي بالتأكيد إشارة إلى هويته وانتمائه.
كما أنَّ سميح القاسم، أو درويش وغيره من شعراء الأرض المحتلة، فقد كان من أهداف قصائدهم، هو خلق مقاومة ثقافية، لها فعلٌ مقاومٌ، لا يقلُّ قوةً عن فعلِ البندقية:
يقول سميح القاسم:
لجوادنا العربيّ. يصهل في معاركه الطويلة
ويقول: يا نارَ الأعاجمْ
أَفنى ولا يرتد عرفي
أفنى.. ولكن لستُ أغدرُ فارسي وأخون سيفي
أنا لم ازل في وجهك المجدور يا نارَ الأعاجم
شعبًا يدافعُ عن حشاشته، وتاريخًا يقاوم (7)
الملاحظ، أنَّ هذا المقطع من القصيدة لا يخلو من الرموز والإشارات، لكنَّها رموز بسيطة، استلها الشاعر من واقعه الثقافي والاجتماعي، كـ (الجواد العربي). الذي يرمز للقوة والشجاعة، و(نار الأعاجم)، وهي تعبير يشير إلى الغرب والقوى الأجنبية التي تسعى للاستيلاء على الثقافة العربية وتقويضها.، و(المجدور)، هو الوجه العربي المجاور للغرب. فيؤكد أنه ليس خائنًا لثقافته العربية ولا يخون سيفه، أي لا يتنازل عن قيمه ومبادئه، مدافعًا عن "حشاشته"، وهو تعبير يشير إلى الثقافة والتراث العربي الأصيل.
يعبّر الشاعر أيضًا عن التاريخ العربي ومقاومته للقوى الأجنبية والتحديات التي تواجهه. وفي القصيدة إحساس عميق يعكس روح الصمود والنضال التي تميز أعمال سميح القاسم. وتعبر عن رغبته في البقاء قويًا وثابتًا في وجه الاستعمار الثقافي والتحيز للأعداء، وتؤكد أهمية الحفاظ على الهوية والتراث العربيين.
الذي أريد أن انتهي إليه، أن فكرة المقاومة هي التي سيطرت على الشاعر مضمونيًّا، وظلّت ترافقه حتى في قصائده التي تحرر منها شيئًا ما..
إنَّ مفهوم الشعر لدى الشعراء الفلسطينيين، لم يكن المفهوم نفسه لدى شعراء الحداثة، فقد أصبحت القصيدة لديهم بديلًا ناجحًا، لأساليب الاحتجاج، فلم تعد الطرق التقليدية في الاحتجاج، "ناجعة للتعبير عن التمرد والممانعة... كما أنها ليست مجدية دائماً بالنظر إلى مدى قوة الجهة الظالمة وإنكارها لأبسط حقوق الإنسان".
وبسبب هذا كان من مهام الشاعر الفلسطيني، المجاهرة بقضيته، وتوثيق الأحداث، والتأثير على الجماهير، ودفعهم إلى المقاومة مهما بلغت درجة المساومة، وفي هذا، يصدق عليهم قول مطاع صفدي " والشعراء المقاومون جميعًا هم كالمقدمة الموسيقيّة تمشي في طليعة الجيش المقاوم، والهنات الفنية مغفورة في أرض التسارع والتلاهث"(8).
فقد تعامل مطاع صفدي بواقعية مع قصيدة المقاومة، بعيدًا عن هوس التجريب الذي سيطر على شاعر وناقد مثل الدكتور خالد على مصطفى، فكما يتوخّى الموسيقيُّ البساطةَ في مقدمته لتصل إلى متلقيه، فإن الشاعر المقاوم، يستهدف في قصيدته المقاومين أنفسهم، وهو ما يفسر خلو هذه القصائد من الرموز والصياغات العالية" لأن هذا الشعر المقاوم لا يحتاج إلى رموز شموليّة، فإنَّ فرسانه يحتاجون إلى المباشرة، أنَّهم مضطرون غالبًا إلى تسمية الأشياء بأسمائها، وإن عمدوا إلى الرموز فليس لضرورة فنية دائمًا، بل قد تكون ضرورة احترازية"(9).
وهذا عين ما شعر به سميح القاسم الذي أراد أن يخرج من دوامة (شعر الصرخة) ليضمِّن قصيدته نوعًا من الرموز والأساطير، وكأنَّه سئم من التعبئة التي وسمت شعره، والشعراءَ من أمثاله، فقد عنونَ أحدى مجموعاته بـ (إرم). وهي قصيدة تحكي قصة مدينة أرم التاريخية، وكيف سلط الله عليها عذابه، ولكن المدينة التي يريدها "إرم فاضلة.. تحلم بها الإنسانية جمعاء، وتناضل من أجلها.."(10).
أما كيف تعامل الشاعر مع هذه الأسطورة؟ وهل أجاد في توظيفها؟ فنشيد الافتتاح فيه يفصح عن أنَّه بقي يدور في فلك المباشرة التي تتطلبها قصيدة المقاومة:
البشرية: إرما.. تريد القافلة؟!
الشاعر: إرما.. على أرض جديده
إرما.. سعيده
إرما.. ولكن فاضله
البشرية: ماذا لديك؟!
الشاعر: لدي عن إرم قصيدة
البشرية: فلتسكتوا..
فلتسكتوا!
وليلقِ شاعرنُا نشيدَه(11)
ففكرة النشيد هي التي تلاحق الشاعر، على الرغم من رغبته في اجتياز حاجز المباشرة، ومن هنا جاءت تسمية مقدمة القصيدة بـ (نشيد الأناشيد)، وهو عبارة عن عدد من القصائد وُسِم كل واحدة منها باسم معين: نشيد الدهور، واستهلاله لا يختلف عن أي قصيدة مقاومة سابقة، والمباشرة التي تسيطر عليه.
عبثًا تحاول أن تنام!
قدر عليك السهد والفزع المدمر والظلام
فاهجر فراشك.. ألفُ صلٍّ في فراشك مستثار
ووسادك المحموم أشواك ونار!
سرب من الغربان في أعماقك الشوهاء حام
والليل حولك والعواصف والثلوج فلن تنام
عبثًا تحاول أن تنام
قدرٌ عليك البؤس والألم المبرّح والسقام(12).
يعكس هذا النص حالة من الاضطراب والاكتئاب والعجز. يصف الشاعر حالة عدم القدرة على النوم والاسترخاء؛ إذ يتعذب بالسهد والفزع والظلام، يشجع الشاعر نفسه على ترك الفراش والصلاة والتأمل في فراشه المحموم المليء بالألم والأشواك والنار. ومع هذا الوضوح فإن الشاعر قد يتحرر من ذلك الميسم، ليضمن قصيدته صورًا قوية لوصف الحالة الداخلية المضطربة، فيصف سربًا من الغربان قد اجتاح عوالمه، رامزً إلى المحتل الصهيوني. يتجلى في النص الشعور بالعجز والإحباط والشدة النفسية التي تعتري الشاعر.
لم يكن في حسبان سميح القاسم، أن يدخل عالم الأسطورة، مثلما تعامل معه رواد الشعر الحديث، فقد بقي في حدود المباشرة في إدخال الأسطورة في شعره، ولعلَّ النص الآتي يفصح عن هذا الميسم في التعامل مع الأسطورة:
لا نصب.. لا زهرة.. لا تذكار
لا بيت شعر.. لا ستار
لا خرقة مخضوبة بالدم من قميص
كان على أخوتنا الأبرار
لا حجرٌ خُطَّت به أسماؤهم.. أشباحهم ما برحت تدورْ
تنبش في أنقاض كفر قاسم القبورْ(13)
إن جملة" أشباحهم ما برحت تدورْ" تتحدث عن القتيل الذي لا يؤخذ بثأره، فيخرج من قبره طير يحوم فوقه صائحًا: " اسقوني.. اسقوني، دلالة على طلبه أن يأخذ أهل القتيل الثأر من القاتل"(14).
ويحسن بنا ان نختم حديثنا عن سميح القاسم بمقولة خالد علي مصطفى الذي يقول: إنَّ تشخيص البعد الفكري في هذا الشعر لا يحتاج كبير عناء؛ لأنَّه واضح فيه، من أبسط القصائد حتَّى أعقدها. في حين يحتاج تشخيص الأزمة الشخصيّة منا إلى وقفة متأنية للوصول إلى مرامي الشاعر"(15).
هذا التقييم النقدي للشعر الفلسطيني كله، ومنه شعر سميح القاسم، يستبطن نقدًا موجهًا لهذا الشعر، ومحاولة تحميله أكثر مما ينبغي، متناسين أنَّ هذا الشعر، هو نتاج ظروف سياسية وأمنية واجتماعية وثقافية متنوعة، فرضها الاحتلال وتداعياته.
ومن النصوص الأخرى التي أخذت شهرتها بين الناس، قصيدة فدوى طوقان
كفاني
كفاني أموت على أرضها
وأدفن فيها
وتحت ثراها أذوب وأفنى
وأبعث عشباً على أرضها
وأبعث زهرة
تعيث بها كف طفلٍ نمته بلادي
كفاني أظل بحضن بلادي
تراباً
وعشباً
وزهرة(16)
كانت فدوى طوقان رومانسيّة في بداياتها الشعريّة حتى ديوانها (الليل والفرسان)، الذي جاء محملًا بلغة الغضب والرفض للاحتلال، بما يمكن تسميته بأدب الصرخة. إنَّ الفكرة المركزية التي تنطلق منها الشاعرة، هي البقاء والتحدي، وأنّه بغض النظر عما يمكن أن يحدث لوطنها، فسيظل دائماً لها، ولن يتمكن أحد من انتزاعه منها.
ومن هنا، يمكن تفسير شهرة قصائد فدوى طوقان، ذات الموضوعات الوطنية التي لبست ثوب المقاومة، والقصائد ذات المحمولات العاطفية؛ فالأولى توخت فيها الشاعرة المباشرة والتقريرية؛ لتصل إلى متلقيها دون عوائق لغوية ودلاليّة، أمَّا الأولى فقد غلب عليها الطابع الانفعالي، فضلًا عن البساطة والسهولة في بناء القصيدة على حدث واحد، لا يتطور ولا ينمو باتجاه موضوعات أكثر حيوية.
لم يكن الشاعر بعيدًا عن الناس، بل نجد شاعرًا مثل، توفيق زياد لم يخف اهتمامه بالأدب الشعبي؛ إذ أصدر كتابين في الأدب الشعبي هما: عن الأدب الشعبي الفلسطيني/ دراسة نقدية، وصور من الأدب الشعبي الفلسطيني، وهو ما جعل شعره " قريبًا من البساطة التعبيرية، انسياقًا وراء وظيفة الشعر الاجتماعيّ"(17). وهذا يفسر بقاء شعر توفيق زياد على مستوى واحد من التعبير، لأنّه أبعد عن نفسه أي هم فني أو جمالي(18).
فضلًا عن أمر آخر، يتعلق بمقدرة الشاعر نفسه، فإذا بمقدور شاعر مثل محمود درويش أن يرتقي بقصيدته إلى مصاف القصائد الكبيرة، موضوعيًا وفنينًا، فإن توفيق زياد وإلى حدٍّ ما سميح القاسم، بقي شعرهما يدور في فلك الحماسة والخطابية.
لعل قصيدة توفيق زياد (أناديكم .. أشدُ على أياديكم):
أناديكم
أشد على أياديكم
أبوس الأرض تحت نعالكم
وأقول أفديكم
وأهديكم ضيا عيني
ودفء القلب أعطيكم
لا يحتاج القارئ إلى كد ذهني كبير، حتى يصل إلى مدلولات هذا النص، فوضوح المفردات، واقتراب التراكيب من اللهجة الشعبيّة الدراجة، أهم ما يميز لغة هذا النص، وهي سمة بارزة في عموم تجربة توفيق زياد الشعرية.
وأخيرا يمكن القول: إن هذه النماذج التي وقفت عندها، تمثل شيئا قليلًا مما تزخر به القصيدة الفلسطينيّة التي تمحورت حول موضوع واحد هو موضوع المقاومة؛ ولذلك توخى الشعراء البساطة في لغتها وصورها وإيقاعاتها؛ إذ توخوا أن تكون ميدانا مفتوحًا بينهم وبين المقاومين أنفسهم، فهي قصيدة الناس، وليست قصيدة النخبة، وهو ما جعلها تبتكر خصائصها وسماتها الموضوعية والفنية والأسلوبية.
الهوامش
-
خالد علي مصطفى، الشعر الفلسطيني الحديث (1948-1970)، منشورات وزارة الثقافة والفنون، الجمهورية العراقية، سلسلة دراسات، دار الحرية للطباعة، 1978، ص24.
-
المصدر السابق، ص25
-
ديوان (سميح القاسم)، دار العودة - بيروت، 1987، ص447.
-
خالد علي مصطفى، مصدر سابق، ص 43.
-
المصدر السابق، ص 45
-
ديوان (سميح القاسم)، ص 478 - 479
-
ديوان (سميح القاسم)، قصيدة: أيها الحراس أراه حيا واقتلوني، ص259.
-
مطاع الصفدي، مقدمة ديوان (سميح القاسم)، ص19.
-
المصدر السابق، ص 19-20.
-
ديوان (سميح القاسم)، ص 302
-
المصدر السابق، ص 303-304.
-
المصدر السابق، ص 305
-
المصدر السابق ص 88
-
خالد علي مصطفى، مصدر سابق، ص 261
-
المصدر السابق، ص 250
-
الأعمال الشعرية الكاملة (فدوى طوقان)، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط1،1993، ص426
-
خالد علي مصطفى، مصدر سابق، ص 287
-
خالد علي مصطفى، مصدر سابق، ص 287