لم يعد الفساد الإداري والمالي، ظاهرة نوعية بارزة، في هذين المجالين حسب، وإنما يتخطاهما ليشمل الحياة الثقافية برمتها وبكل تنوعاتها وميادينها وآفاقها..!
فإلى جانب الشهادات والأطاريح الجامعية المسروقة من مواقع التواصل الاجتماعي، ووجود مكاتب تعلن عن نفسها علناً لإنجاز أي بحث مطلوب لقاء ثمن.. ووجود من يدفع المبالغ الباهظة لإنجاز رسالة الماجستير او أطروحة دكتوراه عنه، من دون ان يكون له أي حضور وأي امتياز ومن دون مراجعة علمية أكاديمية نزيهة، ولا لجنة مناقشات ولا مشرف مخلص لمهنته وموضوعيته وعلميته.
الى جانب ذلك كله، بتنا نقرأ يومياً الإعلان عن عشرات المؤلفات (الفكرية) والنقدية والروائية والقصصية والشعرية التي تصدر من دور نشر عراقية وعربية وحتى دولية.. وتجرأ أصحابها (الترويج) لبضاعتهم عن طريق إقامة الندوات لتوقيع كتبهم وحديث (النقاد) عنهم والكتابة عن كتبهم في الصحف والمجلات فضلاً عن (الفيسبوك) الذي يقدم قيمة لمن لا قيمة تذكر لأعمالهم!
وبات في علمنا ان (الوسط الثقافي) اخذ ينتج روائيين وقصاصين وشعراء ونقادا وكل ذلك يتم لقاء اتفاق مالي، يدفع كما لو انه غسيل أموال، فيما هو غسيل عقول ومواهب وذمم مهدورة ومواقف سيئة السمعة.
ولا يعد الكثرة من هؤلاء الحرفيين يمتلك قيمة معرفية وإبداعية ونقدية يعتد بها، ذلك ان هذا الجمع من الكتبة، لم يعد يهمه ويشغله سوى خلق جيل من الهامشيين والأميين والتافهين ليتبوأ كل واحد منهم موقعاً مسؤولاً بوصفه يمتلك (منجزاً) يباهي به نفسه وخلانه ومسؤوليه، في حين لا يمتلك القدرة على كتابة جملة مفيدة من دون خطأ.
إن المال قد أفسد القيم الاجتماعية، وأصبح كل من يمتلك المال له القدرة على ان يصبح مفكراً ومبدعاً، فضلاً عن كونه مثقفاً (شكلاً لا مضموناً).
لقد فسد الملح الذي كنا نطهر به جراحاتنا، ولم نعد نأتمن جيلاً كاملاً من دعاة المعرفة والثقافة والابداع، على انهم يمتلكون الحصانة على أنفسهم، فكيف يكون الأمر وهم جيل من الأدعياء الذين تزين لهم أنفسهم الظهور بمظهر (الملائكة) الذين يفترض بهم ان يمتلكوا النقاء والإخلاص والوعي المسؤول في مخاطبة الناس والعمل على إنارة دروبهم؟!
ان الأمر يتطلب فضح هذه العناصر الفاسدة التي تنخر في وجدان المجتمع وتعمد الى تزييف الحقائق والظهور بمظهر الملائكة الأطهار وما هم إلا صفحات جديدة للفساد الإداري والمالي الذي ينخر ويدمر البلاد والعباد.. من دون ان نجد من يعمل على إيقاف هذا المد الزائف.