
الكوميديا هي تقديم لشخصيات في الواقع بإطار مرح وأكثر فكاهة من الواقع، وتشمل اما كلمات مضحكة مع الاستعانة بتعابير في الوجه او طريقة ارتداء الملابس او القاء كلمات غير مألوفه في غير وقتها المناسب وتسمى كوميديا الموقف، حاجتنا للضحك كحاجتنا للحزن ان نشعر ونحس بالواقع والمحيط ان نتفاعل مع الاخرين بطريقتنا الخاصة..
يعتبر نجيب الريحاني من رواد المسرح الفكاهي في مصر والعالم العربي تحدث بلغة الفلاح والعامل ورجل الشارع العادي والفقير والموظف الحكومي، الذي تحولت طريقته الى منهج يدرّس في الكوميديا الذي تأثر بها الكثير، مهندس الكوميديا فؤاد المهندس الذي اشتهر بخفة ظلة وذكائه وسرعة البديهة التي جعلت منه كوميدي الموقف بجدارة.
يظهر سؤال بعد ملاحظة دقيقة للكوميديين عبر التاريخ وأقصد المشاهير منهم، الذين اضحكوا العالم على اختلاف اللهجات واللغات؛
هل علينا ان نحزن كثيرا كي نضحك أكثر؟!
هذه المعادلة التي لايمكن فهمها فاحيانا نسخر من آلامنا أو نرويها للآخرين في إطار فكاهي مع اننا كنا نبكي وقت الحدث، ثم نجدها مضحكة حين نحكيها، اعلم ان هذه قدرة لا يستطيعها الجميع وقد يتقنها البعض حتى نطلق عليها كوميديا الواقع ستاند اب كوميدي، وان كان الواقع لايضحك ابدا ولا يسر احدا، الا انهم اتقنوا رواية الواقع بضحكات عالية ومثيرة للضحك حد القهقهة.
احيانا نلاحظ ان الفقير الأسرع في الاضحاك والضحك يظهر على المتخم بالفراغ والرفاهية وهذا مثير للدهشة!
أن يكون الكوميدي الذي نشأ في بيئة بائسة قادرا على اضحاك الملايين!
يبرع الكوميديون على المسرح او الاذاعة او التلفاز او عبر السينما، القدرة على الاضحاك بالصورة او الصوت والكلمات، أجد الاصعب في الكوميديا هي الكوميديا الصوتية عبر الراديو!
الكوميديون الأكثر شهرة في التاريخ وياللصدفة، هم حصاد نبتة الألم جاءت أرواحهم من بيئة الفقر او المرض، من اسر مفككة بالكاد تجد قوت يومها أو لأم أنهكها المرض النفسي والاكتئاب، وقد لاتجد لقمة عيشها فيجدها ابناءها في جيوب الكرام والمحسنين من الجيران او اصحاب العمل، او قد نشأوا في دار للأيتام بعد وفاة الام وهرب الأب!
بدءاً من شارلي شابلن او اسماعيل ياسين الذي عاش في الطرقات بعد وفاة الام وسجن الاب، ماتوا بالمرض العضال كنجيب الريحاني او الانتحار الممثل الكوميدي الامريكي روبن ويليام او الاكتئاب او العزلة الكاملة كما يحدث للكوميدي الاسطوري جيم كيري الذي يعاني من حالة اكتئاب طالت الفترة فامتدت لسنوات بعد النجاح الذي اكتسح المسرح والبرامج والسينما، ابتدأها مقلدا لمذيع برنامج كوميدي يدعى داني، الذي ظل سجينا لهذه الشخصية لسنوات، ثم تخلص منها بعد قيامه بدوره في فيلم القناع!
نبدأ بشارلي شابلن المعروفة قصته بنشاته في بيت ايتام بعد ان رحل والده بلا وداع وايداع امه الى اخر حياتها في مصحة عقلية ليواجه الميتم بقسوته والجوع ثم الطرقات الباردة، ليبدأ طريق النجاح بمحض الصدفة ثم بالعمل الشاق في افلامه الصامتة لسنوات ظروفه الصعبة التي جعلت من روحه الحائرة المرتبطة بعمره الذي فقد فية حبيبته الاولى وعمرهما ١٥عاما ليظل طوال حياته يحب ويتزوج تلك الفئة العمرية وظلت محل نقد وهجوم حتى اخر حياته!
هل الجمهور يمل ويحتاج الى طريقة اخرى أكثر اضحاكا ليبذل جهدا مضاعفا يؤثر عليه نفسيا
ويصل به الي حد الاكتئاب المريض ثم الانتحار كما حدث للفنان الأميريكي روبن ويليامز..
هل الممثل الكوميدي يشعر بعد فترة ان الجمهور يعامله ك "قرد سيرك"، ويمل طريقته في الاضحاك مما يسبب له اكتئاب أكبر لانه تحول من فكاهي بسيط الى وسيلة عليها بذل جهدا أكبر لإضحاك جمهور هو ذاته يمر بمرحلة كونية من السأم والملل والعزلة الداخلية بما يؤثر عليه سلبا فيتحول الى مريض نفسي يشبه الجمهور المريض بمرض جماعي وهو انه يحتاج ليضحك لمن يضحكه وهو الحزين والضجر القاسي..
كيف يمكن ان تضحك من لايضحك وليس في داخله سرور اللحظة انه مجهود علي الكاتب والممثل الكوميدي.
مجتمعنا يغلفه القسوة والجمود والشعور بالواجب والصواب يفكر حتى يتعب
هل الجمهور يذهب ليضحك لانه مستعد للضحك ام يذهب ليتحدى الكوميدي ان يضحكه؟!
الضحكة الرخيصة ولا أعنى المبتذلة ولكنها الضحكة التي لا تكلف شيئا بسبب بساطة الحياة والان نحن نعيش الصلابه والمادية صارت الضحكة غالية!
النظرة التي نوجهها الى الكوميدي أن هات ما لديك ابذل أكثر، هذا لا يضحكني.
ستاند أب كوميدي كانت موجودة في وقت مضى داخل البارات الأمريكية مع بداية الستينات، هل كان يتطلب مرور الكثير من الوقت حتى ينفعل الجمهور ويضحكك، كانت الضحكة أكثر بساطة!
الجهد المبذول لاضحاك الناس مصدرا للتعب النفسي للكوميديان بلا شك، لأنه يتحول الى مهموم بتراجع قدرته على اضحاكهم ان نكاته صارت معاده ربما او ان مخزونه قد نفد!
تخيل ان يقف لنصف ساعة وأكثر دون ان يضحك احدا في العرض المباشر!
فيضطر البعض عن الخروج عن المألوف وإطلاق شتائم سوقية، أو ايماءات جنسية فاضحة تصل الي الابتذال، كي يتمكن من الحفاظ على جمهوره الاكبر!
لقد تجاوزوا الخطوط الحمراء في كثير من عروض ستاند كوميدي، بالتطاول على الجمهوريين او الديموقراطيين في أميركا، صارت متنفساً للنقد الكوميدي او نقد ظاهرة او موقف كما حدث مع كريس حين تحدث عن صفعة ويليام له في حفل الاوسكار!
يقول شارلي شابلن نريد مساعدة بعضنا لأن الانسان يحب الحياة ومن حوله سعداء.. لا تعساء.
عدا عن قلة التقدير التي لا يحظى بها الذي يضحكنا هل ننسى الذي يضحك والذي يبكي العالم الغارق في الانانيه وعدم الاخلاص للفنان الذي امتعه.
يقول اسماعيل ياسين في اخر ايامه "أنا أربعين سنة جهد ماختش شهادة تقدير، ولا حتى ميدالية صفيح، بالعكس مقلتش حاجة مش دي تكون نهايتي أبداً.
لن تنسى الكوميديا زينات صدقي التي عملت في اخر ايامها راقصة ليلية مجبرة على ذلك كي تستطيع بهذا العمل العيش، النهاية الموجعة بعد ان اضحكت قلوب الملايين بدور العانس او الحماة او عالمه في حي شعبي، المرأة التي ربت ايتام ليسوا ابناءها..
وعبد المنعم ابراهيم وعبد السلام النابلسي (الكونت)، انتهت حياتهما في فقر مدقع، وديون ثقيلة. وإذا تحدثنا عن نهايات فناني الكوميديا نري ان البعض انتهى منتحرا كروبن ويليامز الذي أنهي حياته بعد اصابته بالاكتئاب والخوف بعد تشخيصه بمرض الزهايمر.
والكوميديان المصري عبد المنعم اسماعيل الذي أضحك الجميع في الأفلام شاويش او معلم قهوة ليقرر ان ينهي حياته بان القاها في النيل بسبب الفقر والافلاس! لم يزل الكوميدي (المنسي) متى ما غاب نجمه، وكأنه بعد ان توقف عن عروض الاضحاك تم الحكم عليه بالإعدام نسيا منسيا، بلا ضمان صحي او حتى؛ نهاية خدمة!!