
نحن مدينون لليأس في الكشف عن هذه القلوب التي أتعبها التوحُّش!
معنى القتل المتسلسل هو قتل ثلاثة أشخاص فأكثر على فترات زمنية ومكانية مختلفة لأسباب نفسية.
أول بداية قتل متسلسلة في الميثولوجيا هي قتل الذكور في قصة فرعون، وكان المبرر لهذا القتل المنضب هو خشيته من ان يأتي مولودا ذكرا فيسرق منه مكانته الاجتماعية والسياسية، كما جاء في الرؤيا التي رآها فرعون وفسرها له الكهنة.
تلي هذه الجريمة الكثير من الجرائم عبر تاريخ التشوه البشري بسبب الفقر والجهل والاضطهاد الفردي والجمعي والتغيرات عبر التاريخ السياسي وما تسبب من قتل وتجويع، تحت مبررات سيادة عرق او فكر او مذهب عقائدي او اضطراب سلطوي لدى الحاكم.
القتل لأفراد آمنين من دون معرفة الدافع والسبب في اختيار الضحايا، يختارهم عشوائيا أو لأسباب في ذهنه مجهولة عن المجتمع.
هذا ما يثير الرعب.
في قتل النساء المتسلسل، ما الذي يخشاه القاتل، ما الذي يخيفه؟ سلطة المرأة؟
السباق على المراكز هو سباق في التفكير والذكاء والقيادة حسب الأسس والقوانين التي وضعها الرجل في رحلات الاستكشاف أو المخطوطات الادارية والقيادية والاكاديمية، وكل ما تسعى اليه المرأة هو الانتصار لنفسها على سنوات القمع والعنف والتهميش، هلا سمحوا لها بالشعور بالنصر إذا كان بهذا القبول والتسهيل سيحل الخلاف بين رجل وامرأة، يكاد يكون أبديا بسطحيته وسذاجته!
ترى، ما الذي يجنيه القاتل المتسلسل من قتل النساء؟
البحث عن الاسباب من وراء مثل هذه الحوادث المتكررة التي اشغلت العالم.
في القرن التاسع عشر، جرائم جاك السفاح الأكثر غموضا ورعبا، تم صنع أكثر من اربعة عشر فيلما وثائقيا او تم مزج شخصية جاك السفاح في أفلام شارلوك هولمز.
لو أردنا البحث والنظر في القتل المتسلسل نبدأ بجاك ريبر او جاك السفاح، كلمة ريبر بالإنجليزية تعني المغتصب، الذي ابتدأها بالعاهرة ماري آن نيكولز ثم تركها مقتولة ومشوهة حدثت الجريمة في منطقة وايت تشابل في 31 اغسطس 1888م ثم توالت الجرائم لمومسات كن يعشن ويعملن في الاحياء الفقيرة في لندن، تعرضن للقتل العشوائي من قبل جاك، اشتهرت باسم جرائم وايت تشابل التي ظلت غامضة ولم تحل الى اليوم، لقد كان يقتل بنات الليل تحديدا ويأخذ شيئا للتذكار معه من جثثهن، وانتهت الحقبة بموت جاك.
ربما، ظلت الاحتمالات والشكوك بدون قرائن، حتى آخر وثائقي تم اصداره في عام 2020 لم يؤكد هوية جاك ريبر ولكنه أطلق فكرة جديدة بأن جاك توقف عن القتل في لندن لأنه هاجر الى امريكا بسبب جرائم تشبه طريقته في القتل وتم التعرف على ذات الاسلوب في الجريمة، بان التقى المحقق الامريكي بالبريطاني، ببعض التفكير والتقريب، توصلوا الى ان الجرائم توقفت في لندن مع هجرة الطبيب الملكي السير ويليام ويثي غول في الفترة الفيكتورية كان استاذا في علم وظائف الاعضاء ورئيسا للجمعية السريرية، كما ان طريقة اقتطاع جزء من الجثث كانت بمبضع جراحه، وبذلك الاحتمال يكون قد اسدل الستار على قصة جاك السفاح.
ابتدأ القتل المتسلسل تزامنا مع فترة تمرد فتيات المصانع والمطالبة النسوية في حق المرأة في الانتخاب والمساواة في الاجور للعاملات مع العمال، كذلك الاحقية في العيش بكرامة ثم مطالبتها بالحق في التعليم وتعديل بنود التشغيل ومطالبهن كحق انساني، فكيف لامرأة عزباء بلا معيل ان تعيش بكرامة من دون أن تتحول الي عاملة منزلية او خياطة أو عاهرة كي تعيل نفسها وابناءها، الحلم بالتعليم الجامعي وتكاليفه الباهظة في تلك الفترة التي كان معيبا على المرأة البسيطة أن تقرأ وتكتب والحلم بالعيش باستقلالية بعيدة عن سلطة الرجل المطلقة!
في فترة الخمسينات والستينات، تكررت قضايا القتل النسائي وبأعداد مثيرة للدهشة، القتل للإناث يكون اما بسبب لذة شاذة في التمتع بميتة او مخنوقة او مقتولة، رؤيتها في اشد حالاتها ذلا وهوانا وضعفا وخضوعا.
لكن ما الذي يدفع بالقاتل لقتل امرأة مسنة، هل يرى القاتل فيها (معنفته) حين كان في سن صغيرة والان يتمنى بقتله المسنات ان تموت لمرات متعددة ولا يكتفي، ربما القسوة التي ولدت عنفا وغضبا لا يمكن ايقافه، فلا يشبع من تكرار المشهد مرة بعد مرة، ما الذي يخشاه كرجل تم اذلاله، أم انه يخشى عودة المعنِّفة لإذلاله، كما كانت تفعل معه في طفولته، ماهي اللذة النابعة من هذه الغريزة الوحشية؟!
لقد أساءت الثورة النسائية للأمان الانثوي، لأنها تجاوزت الخطوط الحقيقية للحقوق التي كانت فعلا مستلبة من المرأة منذ اواخر القرن الماضي ومعاملتها على انها لا شيء لا عقل ولا روح أو مشاعر.
ما الذي ينقص المرأة الآن بعد ان حازت على امتيازاتها الجسدية والمعنوية؟!
نعود الى القتل الذي لا يصل بنا الى اي نتيجة تمكننا من دراسة الدوافع خلف هذا العنف.
جون بيركويتز الذي أرعب نيويورك، عام 1977 قتل المئات من الفتيات اللاتي شعرهن بني طويل ويقوم بعد القتل بقص شعرهن وصبغة بالاشقر!
صمويل ليتل قتل 93 امرأة بيديه خنقا بين عامي 1970 و2005 م، كن اما بائعات هوى او فقيرات او مدمنات.
تيد كازينسكي ويلقب بالقاتل العبقري ويلقب بالعبقري المجنون ومعجزة الرياضيات من هارفارد، استهدف الأكاديميين وشركات الطيران الذي كان يقتل بالطرود المفخخة صنع عنه فيلم. في عام 2021 TED K وفيلم الشبكة the net في عام 2003.
هناك مسلسل تلفزيوني عرض في موسمين يتحدث عن عقلية الصياد mindhunter الذي جمع زمرة من القتلة المتسلسلين لقراءة نمط تفكير القاتل المتسلسل مأخوذا عن ملفات القتلة في أرشيف المحققين، ومن مذكرات القتلة أنفسهم وعن تسجيلات الاطباء النفسيين في جلسات مع المجرمين وذلك بهدف فهم تفكيرهم في حل القضايا الصعبة للقتلة المتسلسلين وأظهر مدى التباهي لدى هؤلاء بما فعلوه وكيف أصبحوا مشاهير اعلاميا بعد أفعالهم البشعة.
ان أغلب الجرائم حدثت في فترة السبعين وهي الفترة التي كان فيها التحقيق على بدائيته فقد تمكنوا من القبض على المجرمين، فهل يمكنني القول إن حب الشهرة هو ما أعمى هؤلاء المجرمين وربما سمحوا للمحققين في الوصول اليهم ليعيشوا شعور الشهرة ومتعة المعجبين حيث كان لهم فعلا معجبون ومعجبات.
الشعور بالسلطة للرجل في قتل النساء المتكرر، ولا اقصد انه مبرر للوحشية.
أنا احصي الاسباب والدوافع لدى المرضى النفسيين لهذه الجرائم، المخابيل اجتماعيا (سايكو) وانحرافات جنسية ورغبات شاذة، بعد مشاهداتي لافلام وثائقية تتحدث عن تيد باندي المحامي ورجل المجتمع الذي قتل أكثر من مائة امرأة عشوائيا، معبرا عن التلذذ والشعور بالحب الذي قد يشعره بالضعف الذي بحث عنه في ضحاياه ولم يجده في امرأة تعاملت معه بسادية أو هجرته على الرغم من حبه الشديد لها.
حياة الطفولة المعقدة تعرضه لاضطهاد نفسي من والدته أو مربيته او مرض والدته بالفصام او تلوث ذهني أو ادمان.
الفيلم الوثائقي انتاج 2021 عن تيد باندي بأجزائه وتفاصيل مرعبة. لقد نشر الذعر في قلوب النساء لفترة السبعينات. الشاب الوسيم اللبق المرشح لمقعد حاكم لإحدى الولايات، كتبه وأخرجه دانيال فاراندس. الفيلم يروي عبر تسجيلات التحقيق والشهود، كيف استدرج عشرات الشابات الى غابات نائية ليقوم بقتلهن والاعتداء عليهن، ليلقب بالبعبع الامريكي. قتل أكثر من خمسين شابة كلهن عشرينيات!
فيلم "خانق بوسطن" Boston stranglerتأليف واخراج مات روسكين انتاج عام 2023م ، تمثيل كيرا نايتلي وكاري كون، الخانق الذي اشغل الناس في بوسطن ونشر الرعب في المجتمع النسائي والمسنات على وجه التحديد، ثم انتقل الى متشيغن ليكرر فعلته مع شابات، في عام 1962 كانت المقالات الاسبوعية تشير الي ان القاتل يدخل بيوت المسنات بدعوى الصيانة، ثم يباغتهن من الخلف، يقوم بخنقهن بالجوارب النسائية الشفافة وعقدها حول رقبتها، ثم تركها بوضعية مقززة فما الذي تهدده امرأة مسنة لرجل أربعيني اسمه البرت ديسالفو، نعم تم القبض عليه بمساعدة صحافيتين ريتا ماكلوين وجين كول في جريدة أمريكان ريكورد، قامتا بالتحري وبذكاء استطاعتا الاستدلال عليه. رجل مختل عقليا، اخلاقيا، انسانيا استهدف مسنات يعشن وحيدات بسلام. بتحليل (DNA) الذي اكتشفه العالم السويسري فريدريش ميشر عام 1869م، على الرغم من قدم هذا الاكتشاف الا انه لم يتم استخدامه في قضايا القتل المتسلسل الا في عام 1990 م، تم التأكد من قيامه بجرائم القتل الوحشية، وربطه بجرائم أخرى.
بهذا الاكتشاف حلت الكثير من القضايا من أدلة البصمة والشعر واللعاب والسائل المنوي فقد أعيد فتح قضايا سجلت ضد مجهول والتي اشغلت الرأي العام لوقت طويل، ليكون ردا على المتعاطفين مع المجرمين بحجة عدم كفاية الأدلة!
يظل السؤال حاضرا، لماذا الأنثى ضحية القتل المتسلسل، في مختلف الأعمار؟!
منار غالب حسين: كاتبة قصص وسيناريو سعودية - جدة