
الجبالُ ، الجبالُ
الجبالٌ تؤرَّقُني
وتلفُّ بأغصانِها جرحَ روحي ،
الجبالُ صبايا ،
تجزُّ ضفائرَها الطائراتُ
فأجمعُ عنها شظايا القنابلِ
أمسحُ وجنتَها،
فتسيل الغيومُ على مهلِها
فوقَ وردِ الصباحْ
والجبالُ حيارى
الجبالُ التي شرَّدَتْني
الجبالُ التي هَجَرتْني
وأهجرُها ، وأحنُّ إليها ،
فتبكي جروحي
وأنسى الذي كان ما بيننا من ملام
والجبالُ تلوبُ: العراقُ ، العراقُ ،
العراقُ متاحف نخل ، مرايا ، وعاجٌ
وأروقـةٌ من لُـجيـنٍ ، وأزمنـةٌ من دمٍ ،
وأكـفٌ تدقُّ رتاجَ العصورِ
فتنهض إنساً وجانْ
وتعدو الفيالـقُ ، تعدو البيارقُ،
تعدو الخيولْ .
….
والعراقُ الـرّؤى ، والمدى ، والأمانُ،
العراقُ الأماني
العراقُ حديقـةُ روحي
تضمُّ إليها غيوماً ، وبرقاً ،
وأزمنـةً من لظىً
وجداولَ شـهْ تشقُّ أكُفَّ الترابْ ..
والعراقُ عباءةُ أمّي ،
وثوبُ العذارى،
اللواتي يـمُتْنَ على السفـحِ
من ظمأ واغترابْ ..
- يا قمرَ الجبالْ ..
عَرَّجْ على السفوحْ ..
فوجهُكَ الأبهى ..
يطلـعُ في الجروحْ…
- يا قمرْ المنفى..
عَرَّجْ على الحقولْ ..
فوجـهُكَ الأبهى..
يولـدُ في البذورْ
.......
فيا شجراً لا يهادِنُ ،
يا شجراً يستفزُّ الرياحَ
لماذا فـتَحْتَ النوافذَ والشمسُ داكنـةٌ
والعيونُ قميئهْ ؟..
لماذا توضّـأتَ بالدمِ ، بالأمنياتِ ،
ودهـرُكَ أعجـزُ من باقلٍ
والعدوُّ يهدهِدُ صبيانَهُ
والرياحُ تسيـرُ بما يشتهي القتلهْ
أنـتعـلَّـمـتَـني أن أموتَ كما ينبغي
وأُلَبّـي الحياةَ إذا انبلَجَـتْ قنبلهْ
فلماذا ذهبـتَ وخـلَّـيـتَـني ؟
ولماذا عـبَـرتَ إلى جهةٍ أنا أجهـلُـها؟
في الطريقِ إلى مـكّةٍ عـيَّـرتْـني القوافلُ
أنْ سأموتُ بلا كفنٍ ، أو سدورْ
وفي المغربِ العربــيِّ وجـدْتُ ثيابي
مع لَّقَةً فوق صاريـةٍ ،
وثيابي على جبلِ الشيـخِ في الشامِ
منشورةً فوق حبـلٍ يخـطُّ حدودَ هويةِ أهلـيَ
بيـنَ البنفسـجِ والنارِ ، بين المُدى والقتيـلْ
هناكَ وجدتُكَ تبتاعُ خبزاً لوردَ العراقِ
وتنـحَتُ صخراً لأحلامِهِ
نسـيَ الـنّـيـلُ ما كانَ ،
آفـةُ هذا الزمانِ التذكُّرُ
آفتُهُ الموتُ فوق حجارةِ أمـسِ تـلَبَّدَ
تلـكَ الجبالُ ، الجبالُ ،
الجبالُ طيورٌ تكابِدْ
منافً ، حصونٌ ،
حقولٌ من الـزَّعتـرِ الـمُرِّ ،
نعناعُـها كَرَمُ الأرضِ ، شـحَّتُـها ،
قمـرُ الأرضِ ، لوعـتُـها
والجبالُ الجحيـمُ ، الجحيـمُ الـنّـعيـمُ ،
الجبالُ سياطٌ تغالـبْ
تهادِنُـني ، لا أهادِنُ
والجبالُ المناراتُ : خضراءُ ، حمراءُ ،سودْ .
والجبالُ : القبابُ ، الوعولُ ،
المرايا
مراكـبُ تسرحُ في الغيـمِ ،تبحـثُ عن لوعـةً
ولظـىً يَسَـعانِ هواها
تؤرجِحُـني ، أتهاوى إلى القاعِ
أصـعَدُ عـبْرَ الجذوعِ ،
أرى ذَمَـماً تُـشترى وشعوباً تُباعُ
وأُبصـرُ تاريـخَ حـبّـي على الـسّـنديانِ
ممالكَ أهلي وتيجانَـهم
ونُـضارَ خُـطاهم وأزمانَـهم
فتلوبُ الكهوفُ وتشعلُ أنيابَ فيـلٍ تمـرَّدَ
أبرهـةٌ لا ينامُ ،
يفـتِّشُ عن بابِ مـكّةَ بين السفوحْ
والجبالُ ملاعبُ أهلي
أحـسُ دبيـبَ سواهم على قـمَّةٍ ،
هي وردةٍُ روحي
على ربوةٍ هي جرحُ الـضّـفافِ
التي طهَّرَتْـني ،
على نبـعِ ماءٍ تغوصُ حمامـةُ قلبي بأغوارِهِ
فأفوحُ شذىً ،
أتأرجَحُ ما بين ليـلٍ وفجـرٍ ،
وعطرً ووجـدٍ ، وما بين نارٍ ، ونارٍ
وفي لحظةِ الشوقِ ،ما بين شِـعبيـنِ ،
في شجـرِ الجوزِ،
في جذعِ لوزٍ يخـبّئُ تاريـخَ آشورَ
في جـنَـباتِ الـصّـنوبرِ أو عنفوانِ الـشَّـقائـقِ
يلتاعُ جلجامـشُ
السـرُّ يفقـأُ عيـنَ الخطيئـةِ
تحتـدِمُ الأرضُ في قاعِ وادي العقيـقِ ،
الـحُـداةُ ،
الـحُـداةُ يصيحونَ بالـمُـدلجيـنَ الذيـنَ
يجـزُّونَ شعـرَ الغزالِ ،
الغزالُ مُـسـجّـى على قاعِ رمـلِ الخليـجْ
- يا قمرَ البستانْ
عَرِّجْ على الـشّـرفهْ
فوجـهُكَ الفـتّـانْ
يموتُ في سعفهْ
يا قمـرَ الجبالْ
عَرِّجْ على السفوحْ
فوجـهُكَ الفـتّـانْ
يولـدُ في الجروحْ
……..
وشريـفُـهم في الليـلِ ،
يضربُ كـفَّهُ ، ماذا سنفعـلُ دونما تَتَـرٍ ؟
همو وعدوا سيأتونَ العشيَّهْ
والعلقميُّ إذا تأخَّرَ ،
من سنعطيهِ مفاتيـحَ القضيّهْ
يختـضُّ تاريـخُ الـرّماحِ على ظهورِ علوجِـهم
ترتجُّ أحذيـةُ التتارِ على سفوحِ جباهِهم
يا ويـلَ ماضيهم من الآتي
وآتيهم من الأصنامِ والأزلامِ ،
والـزّمـنِ الـمُضـرَّجِ بالأسى ومجازرِ التـفّـاحِ ،
هذا البحـرُ غربانٌ ، وأوحالٌ ، ودَمْ
ومراكـبٌ تهوى ، وأخرى تُحْتَـدمْ
والبحرُ أهدى الفجـرَ قُبَّـعـةً ،وراحْ
لم يستـبِحْ وردَ الطفولـةَ ،
بانبلاجَ الأفـقِ كان البحـرُ يؤمـنُ
بالخطيئـةِ ، بالرياحْ
بالـلّـعنـةِ الكبرى ، وبالوطنِ المباحْ
أبوابُ حيفا مُذْ خرجنا
ظلّتْ مفتَّـحـةً لأسرابِ النميمهْ
سِـفـرُ الجريمةِ أيـنَعَـتْ أغصانُهُ
وعناكـبُ الديجورِ تحـجُبُ في الـرّبى وردَ الصباحْ
ماذا ستعطيـكَ الحياةْ ؟
النارُ أشعـلَتِ الـسّـنابـلَ في الحقولِ
ونارُهم غـرّاءُ لا تؤذي القتيـلَ
حضارةُ زهراءُ من دمِـنا إكفهمو تسيـلُ
فلا تـمُتْ في القيـظِ
لا ماءٌ ، ولا خبـرٌ
ولا قمـرٌ ظليـلْ
أعطَتْكَ هذي السنديانـةُ ذاتَـها
وهـبَتْكَ عرشاً يستريـحُ ، ولا يُريـحُ
فلا تبـِعْ تاجَ الطفولـةِ
فالجبالُ هي الجبالُ ، هي الجبالْ
وشجيرةُ الـرّمانِ ألـقَتْ زهرّها
فوق الرمالّ
ماءٌ يسيـلُ من الغصونِ إلى يمامِ الـرّوحَ
أجنحـةٌ تحـطُّ على ذرى القلـبِ
الجبالُ منافذٌ للبحـرِ
ذاك البحـرُ كان أذايَ
كان مظلّةً سوداءَ
كان البحـرُ مرسالي إلى قيـظِ الجزيرهْ ..
- يا قمرَ المنفى
عَرِّجْ على البيوتْ
فوجـهُـك الأبهى
ياقوتـةٌ تموتْ
- يا قمرَ الصحراءْ
عَرِّجْ على الواحاتْ
فوجـهُكَ الوضّـاءْ
يذبـلُ في الفلاةْ
…..
أهذا زمانُ الـرّجوعِ .!
إذنْ ، أنـتَ تكتـبُهُ
وتهادنُ سراً يمـزِّقُـنا
لا نبوحُ بـهِ ، نكتوي
لا نبوحُ بـهِ
ونسيرُ إلى حيـثُ تهوى المسيـرَ
إلى حيث ريح الـصّـبا غـضّةٌ
والمناديـلُ آمنـةٌ
والمنايا نذورْ