تشرين1/أكتوير 10
   
 
 (ما قبل المغيب نلتقي انتظاراً لهروبنا معا في الظلمة الحالكة)
 شخوص المسرحية:
امرأة 1: في الثلاثين من عمرها.
امرأة 2: في الثلاثين من عمرها.
المنظر: بقعة نائية تحدها بعض الشجيرات والصخور
إمرأة1: يا لها من ظلمة ينقبض لها الفؤاد (تتلفت يميناً وشمالاً) لماذا علي أن أخرج ما قبل المغيب طائعة اياه؟ هل كان عليّ أن أفعل كل ما يقوله؟ (تجلس على صخرة) آه، تعبت من المسير والتفكير. أربكني الهم بعد أن تركت كل شيء خلفي. أخبرني أنه يجب أن يضع حداً لما يحدث، وأنني عقب ذلك سأكون له وحده
 إمرأة2: (تدخل لاهثة وحاملة حقيبة على ظهرها. يبدو عليها التعب) ها ان المهمة قد حل موعدها في هذا المكان بالتحديد (تنظر يميناً وشمالاً) كان من المفترض أن يكون حاضراً قبلي، ولكنه سيأتي حتما، أنا متأكدة من ذلك، لقد جربته حين أخبرني مرة أنه بحاجة إلى المال.. جاء في الوقت الذي حدده تماماً، وبالأمس اتفقت معه على الهروب معا.. لنلتقي هنا قبل المغيب وتحت جنح الظلام ننفذ مهمتنا.
امرأة1: (تردد خلفها ساخرة) ننفذ مهمتنا
امرأة2: (تصرخ وهي تلتفت يميناً وشمالاً) من هناك؟
امرأة1: جنية أتعبها القدر
امرأة2: يا الله! .. الرحمة
امرأة1: لا تخافي (تقترب منها)
امرأة2: (تصرخ) ابتعدي، ابتعدي
امرأة1: لا تخافي
امرأة2: (تتراجع) من أنتِ؟
امرأة1: سفيرة النوايا الحسنة في وقت آيل للمغيب
امرأة2: (بوجل) من أنتِ؟
إمرأة1: مثلك سائرة
امرأة2: إلى أين أنت تسيرين؟
امرأة1: إلى..
امرأة2: إلى أين؟
إمرأة1: (تفكر) إلى شيء ما ، أو قولي إلى لا شيء.
امرأة2: (باستغراب) امرأة تسير ولا تعلم وجهتها.. هل أنت جنية؟ قد تكونين جنية فعلا.. دعيني أختبر ذلك (تتلمس جسدها) كلا، أنت إنسية ابنة إنسي
امرأة1: (تضحك)
امرأة2: (باستغراب) هذه الضحكة أين سمعتها؟
امرأة1: أخبريني أنتِ أولاً ما سبب خروجك قبل المغيب؟
امرأة2: (تجلس وتضع حقيبتها جانباً) خرجت (بتردد) خرجت وكفى
امرأة1: دعيني أخمن.. هرباً من أهلك؟
امرأة2: ربما
امرأة1: أو من زوجك؟
امرأة2: ربما
امرأة1: أو على موعد مع عشيق؟
امرأة2: وهو كذلك
امرأة1: يا لها من صدفة.. أنا أيضا خرجت للسبب نفسه
امرأة2: كثير من النساء يخرجن للسبب نفسه
امرأة1: (تضحك) رغم الخطوط الحمراء التي تحف طريق العشق
امرأة2: (بعد تفكير) والمحاذير المحفورة على مر الطريق: ذبح، خنق، حرق..
امرأة1: (تشير إلى قلبها) بسبب هذا..
امرأة2: يا ويلي إن دق هذا القلب.. تختفي الخطوط الحمراء والصفراء والسوداء
امرأة1: وتختفي معها المحاذير
امرأة2: أضحي بكل شيء في لحظة واحدة أمام قوامه الرجولي الذي اتضاءل أمامه رويدا رويدا
امرأة1: (تضم يديها إلى قلبها) أخبره، كم قلبي يخفق عند رؤيته
امرأة2: (بهيام) فيجيبني..إنه الحب
امرأة1: (بهيام) واذ يقترب مني يدق قلبي أكثر وأكثر
امرأة2: (بهيام) يرد علي.. إنه العشق
امرأة1: (بهيام) وعندما يلمسني يدق أكثر وأكثر
امرأة2: (بهيام) هيااام
امرأة1: (بهيام) يردد.. هيااام ،  هيااام.. وصلنا لعتبة الهيام
امرأة2: الباب مفتوح على مصراعيه لمزيد من الحب
امرأة1: و لا شيء سوى الحب
امرأة2: كم أنت عظيم أيها الحب
امرأة1: ( تخرج قلادة وتقبلها) هذه آخر هدية أهداها لي (تريها لها)
امرأة2: (بدهشة) إنها تشبه القلادة التي منحتها لحبيبي
امرأة1: (تتراجع) تشبهها؟ هل هذا ما أدهشك؟
امرأة2: بل لأني تذكرت كم كان خجلاً وهو يطلب المال
امرأة1: (تستعرض كفيها) أمسك بيدي ذات مرة قائلا: هذه الأصابع الرشيقة لا بد أن تتحلى بالخواتم (تريها الخواتم في اصابعها)
امرأة2: (تمسك كفي إمرأة١ وتتفحص الخواتم وبذهول) خواتمي نفسها بالضبط.
امرأة1: (بانزعاج) مم؟
امرأة2: (تتفحص الخواتم) أخبرني يوماً ما عن مشروع كان يدور في ذهنه
امرأة1: (بهيام) إنه القلب
امرأة2: (بهيام) يحيا القلب
     (يسمع رنين جوال)
امرأة١: (تهرع إلى الجانب الآخر وتخرج الجوال من الحقيبة. تبدو كأنها تقرأ رسالة وتبتسم. تغلق الجوال وتضعه في الحقيبة)
امرأة2: (تهرع إلى الجانب الآخر وتنظر بلهفة. تخرج الجوال من الحقيبة. تضغط على ازراره وتضعه على أذنها. تكرر المحاولة عدة مرات ثم تضع الجوال في الحقيبة) قال لي: سأكون حاضراً قبل الموعد بساعة، وعلى إثر ذلك تحججت بألف حجة حتى أخرج من البيت، وها قد مرت ثلاث ساعات وأنا أنزوي هنا كالهاربة.
امرأة1: (تضحك بألم) وهاتفه مغلق
امرأة2: (تهز رأسها) نعم.
امرأة1: ( تتفحص رقبة وكفي إمرأة٢)
امرأة2: ( تستغرب وهي مستسلمة تماما لما تفعله بها)
امرأة1: اعترفي.. وماذا بعد؟
امرأة2: سألني مرة إن كنت أملك قواما جميلاً؟
امرأة1: وبماذا اجبتيه؟
امرأة2:  اجبته بالرقص حافية القدمين
امرأة1: أين كان عقلك وقتذاك؟
امرأة2: لقد أخلى الساحة لقلبي
امرأة1: (تتراجع إلى الخلف وبشاعرية) يا رفيقتي في هذه البقعة النائية
امنحيني شرف أن أكون مخلصتك (تنحني)
امرأة2: (بحيرة) ها؟
امرأة1: (بحذر وهي لا تزال تتراجع إلى الخلف ببطء) ما أود قوله..
امرأة2: (بحيرة) تخلصينني؟
امرأة1: أخشى أن حبيبك، وبعد أن جردك من المال والذهب، 
أخشى إنه لم يعد بحاجة إلى ..
امرأة2: (تصرخ) لا تكملي بل انظري (تشير إلى رقبتها وكفيها) أنظري إلي. من أجله لم أعد أملك شيئا
امرأة1: متى التقيت به لآخر مرة؟
امرأة2: قبل أسبوع
امرأة1: (مع نفسها) حقاً، منذ اسبوع أخبرني أنه تخلص منها جزئياً، وإن عاودت الإتصال سوف يتخلص منها كلياً بنقض وعده لها.
امرأة2: (تتبعها) بماذا تكلمين نفسك؟
امرأة1: لا شيء.. كنت أقول ليتك تعودين إلى أهلك قبل استيقاظهم من النوم (تمسك كتفيها) صدقيني لديك فرصة على الأقل
امرأة2: وماذا عنك؟.. لديك فرصة أنت أيضا
امرأة1: (تضحك) عن أي فرصة تتحدثين؟ أنا فرصتي قائمة مع حبيب أهبه جسدي بينما يهبني ما أريد، وبعكس حبيب يستنزف..
امرأة2: (تقاطعها) هل تقصدين أنه سرقني؟
امرأة1: (بمكر) بل ومتيقنة
امرأة2: ما الذي سأفعله تجاهه؟
امرأة1: أسرعي كالطير إلى بيتك قبل أن يفتقدك الأهل
امرأة2: (بتردد) ماذا؟ مستحيل (تحمل حقيبتها وتذهب إلى أحد الجوانب وتنظر حائرة. تذهب نحو الجانب الآخر وتنظر حائرة)
امرأة1: ( تهرع إليها وتهز كتفيها) إفهمي يا درداء بأنه لن يأتي.
 لقد سرق قلبك وثروتك ومضى. فلا تدعيه يكون سبباً في إقامة الحد عليك
امرأة2: الحد!؟
امرأة1: تخيلي سكينا حاداً يفصل رأسك عن جسدك تحت يد تجردت من الرحمة أو حبلاً التف حول عنقك لتسقطي على أثره وإلى الأبد أو طلقة قد تنهيك من الوجود
امرأة2: تخيلت كل ذلك قبل قدومي إلى هنا، ولكن قلبي يخفق باستمرار وجدا وعشقا ولوعة.. فأنسى أو أتناسى
امرأة1: انصتي إلي
امرأة2: إني أنصت
امرأة1: خذي نفسا عميقا (تأخذ نفساً عميقاً)
امرأة2: (تأخذ نفساً عميقاً) أخذت
امرأة1: (بهمس) كوني مستعدة دائما أن لا تنسي
امرأة 2: ماذا؟
امرأة1: قبور النساء المنزوية في الصحاري والعطشى إلى زائر ينثر عليها الورد وماءه
امرأة2: (بحزن) نعم
امرأة1: وتذكري أن السكين سلطان على رقاب العاشقات
امرأة2: (تتباهى) وأنا من العاشقات
امرأة1: إنها الحماقة بعينها
امرأة2: إياك أن تقولي ذلك، إذا كنت تعلمين معنى الحب فالعشق ليس حماقة
امرأة1: وماذا تسميه؟
امرأة2: امنحيني شرف أن أكون دليلك هذه الليلة لأخبرك معنى العشق
امرأة1: تفضلي
امرأة2: (تعثر على غصنٍ جافٍ) كيف ترين هذا؟
امرأة1: ليس سوى غصن جاف
امرأة2: أنت ترينه كذلك، أما أنا فأراه في ظل العشق مورقا، مخضراً ومثمراً
امرأة1: (كأنها تأكل) ما ألذ طعمه!
امرأة2: تسخرين مني؟
امرأة1: (تمسك الغصن وتكسره وترميه. تستعرض) مات العشق
امرأة2: (تمسك جزئي الغصن وتنحني بحزن) أنت من قتلته
امرأة1:  (تهرع نحوها) عودي الى بيتك قبل أن يفتقدك الأهل. كوني اليوم أول من يجلس على مائدة العشاء. ابتسمي لأبويك وداعبي إخوتك. ساعدي امك في غسل الصحون وقبليها مراراً. إغسلي وجهك وارتدي أحلى ما لديك. ضعي المساحيق وتعطري. كوني سيدة نفسك.
امرأة2: (تنهض) هل أنت إنسية أم جنية؟
امرأة1: (بعد أن تمسح دموعها) أأنا (إظلام. بقعة ضوء عليها فقط) كل شيء مرهون بك (صمت) إن التشبث بما لا يضمن سعادتك يأتي بما لا تتمنيه حتى لعدوك. تخيلي معي كيف يكون الحال إن مرض أحد أفراد أسرتك؟.. يعتلي الوجوه الاصفرار حتى يلتبس على الرائي أيهم المريض.. تخيلي معي الفرح الذي تضيء به أساريرك إن رأيتهم سعداء، الكل يجتمع على نمط واحد مهما تغيرت الأمزجة والأطوار. إنها الأسرة وهو معنى أن تكون إنسانا داخلها.
امرأة2: ولكن بعد كل ما فعلته أنا، هل تتملكهم رغبة في التغاضي عن كل ما قمت به؟
امرأة1: ما زلتِ واحدة منهم، وقد يغضبون منك من دون ان يحقدوا عليك. قد تحتاجين معهم الى مزيد من الحوار. حاوريهم بسكينة الابن البار
امرأة2: وزوجي.. ماذا عنه؟
امرأة1: (تفكر وفجأة) ماذا لو أغاظك يوماً؟ تغتاظين ثم تهرعين لمواساته ما أن تسمعي صوته مناديا على جرعة ماء. مؤكد أنك ستقومين بعمل عظيم، حينما تقدمين له قدح الماء وكفك الناعم يميل على رأسه بلطف. حينها سيشعر بالخجل من تلك الإغاظة. سوف يغفر لك بعد مراجعة طويلة لذكرياته معك.
امرأة2: (تنتحب)
امرأة1: (بلطف) ماذا ترين الآن؟
امرأة2: (تنظر نحو السماء) أ مازالت الفرصة سانحة؟
امرأة1: نعم
امرأة2: وماذا عنك؟
امرأة1: لا عليك مني
امرأة2: (تحمل حقيبتها وتمضي) وداعا
امرأة1: بل، الى لقاء ممتع مع كل هذا الصخب (ترقص بنزق على انغام موسيقى صاخبة، وسرعان ما تعم الظلمة فضاء المكان).
(إظلام)