تشرين1/أكتوير 10
   

 

 يحذر عدد من المثقفين وشغيلة الفكر والابداع من وقوع كتاباتهم ونصوصهم في (الأيديولوجيا). ومصدر هذا الحذر، كونهم يعتقدون ان (الأيديولوجيا) فكر جامد ومحنط ومتخلف..

ومثل هذا الفهم يعد قاصرا، لأن هذا السكون في الفكر وسواه من أنماط الحياة، لا يمكن الركون إليه ولا الاستسلام له، بوصفه يحمل بذرته المتخلفة التي ليس بوسعها ان تنمو، لأنها في الاصل تعاني من هذه السكونية والجمود والثبات الزائف.

ان هذا الاعتقاد، ليس فكرا ينتمي الى منظومة معرفية متطورة. ان (الأيديولوجيا) ليست موضوعة في قالب حديدي.. ان ذاك (معتقد) غير قابل للتطور، غير قابل للمعايشة مع متغيرات العالم.

 ان إدانة هذا المعتقد او التفكير على وفقه، امر صحيح وسليم.

فـ (الأيديولوجيا) عقل يفكر، وموقف ذهني يحدد مسؤولياته، على وفق الراهن العلمي والمعرفي المتجدد، وهذا لا يعني أبدا ان المتغيرات النفعية الانتهازية التي تغير ذهنيتها كما لو انها تغادر موقعها وملابسها وتتقمص الدور الملائم لبقائها.. بل على العكس تعد (الأيديولوجيا) ذاكرة الوعي وأفقه ودلالته ورؤاه ومعطياته.. وبالتالي لا يمكن ان تكون هناك إرادة من دون (الأيديولوجيا).

من هنا نرى، ان الدعوة السلبية الى ان يتخلى الأدب والفن والمعرفة عموما عن (الأيديولوجيا)، إن هي إلا منطق بالغ السذاجة والجهل، وبالتالي من شأن هذا التخلي الوقوع في الفراغ واللاجدوى واللامعنى لأي شيء. ونقصد هنا الفكر التنويري وليس الأيديولوجيا الفاشية المعادية لحرية الشعوب. فالأخيرة يكون التحريض ضدها امرا واجبا.

إن (الأيديولوجيا) صنو العقل، ومنطق العمل الإيجابي السليم في حقول الحياة كافة، وإذا عزف البعض عن (السياسة) لأنها مرتهنة بـ(الأيديولوجيا) فإن هذا العزوف ليس خللا في تلك السياسة وإنما بالجمود العقائدي الذي يحدد مسارها من دون تطورات واضحة تتعلق بمتغيرات الأوضاع الاقتصادية على وجه التحديد، وبالتالي تقود الى الفشل الذريع والشمولية المحدودة الأفق.

(الأيديولوجيا) مسار وعي، وموقف دائم الإضاءة إزاء ما كان وما هو كائن وما سوف يكون.. انه الماضي المصفى من الشوائب، والحاضر المدرك لطبيعة ما يجري والمستقبل المنظور عن طريق رؤية فكرية نيرة.