
ديوان قلوب متساقطة للشاعر بلال حامد الدرع، الصادر عام 2025 عن دار آراء، يمثل تجربة شعرية وجدانية متفرّدة تجمع بين النص الشعري والصورة الفنية. يتألف الديوان من تسعٍ وعشرين قصيدة، تتراوح موضوعاتها بين الحب والفقد والحنين والخيبة، حيث استعان الشاعر بالصور البصرية لتكثيف أثر النص وتعميق أبعاده. تميّز الديوان بلغة مباشرة صافية، وموسيقى داخلية قائمة على التكرار الوجداني، مع تجنّب الغموض والتعقيد الذي يطبع بعض التجارب الشعرية المعاصرة. وبهذا المزج بين الكلمة واللون، نجح الشاعر في تقديم تجربة إنسانية جمالية متكاملة، تجعل القارئ شريكًا في الألم والذكريات ومواسم العشق.
في عالم الشعر، تبقى القصيدة ابنةَ وجدان الشاعر، تُولد من رحم الشعور الصادق، وتتشكل حروفها لتغدو صدىً لأوجاعه وآماله وتيهه بين أطلال الذكرى وجمرات الحب. ومن بين ما زخر به المشهد الشعري العربي المعاصر، يبرز ديوان (قلوب متساقطة) بوصفه تجربة وجدانية متفردة تمازجت فيها الكلمة مع الصورة، واستحال الحرف لونًا واللونُ نبضًا.
(قلوب متساقطة ) قصيدة عتب شفيف، يبوح فيها الشاعر بألم خيبة الحب وخسارته، متكئًا على صورة شجرة تتساقط منها القلوب، في دلالة على سقوط الأحلام والآمال، وانطفاء المشاعر التي كانت نابضة، إذ امتاز هذا الديوان بالرسومات فضلًا عن الأشعار، إذ اعتمد على ثيمة التناغم ما بين الصورة والكتابة. أما القصيدة الثانية فكانت أهزوجة العشق، غزل صادق يعبّر فيه الشاعر عن حبه وعشقه الصافي، تقترن فيه الكلمات بصورة لشخصيتين متعانقتين تحت شجرة، رمزًا للحماية والدفء، وكأن الطبيعة نفسها تحتضن هذا الحب، قصيدة أحزان الزمن الأول يتذكر الشاعر محبوبته الأولى وأطلالها، مستعرضًا ما مرّ به من هزات عاطفية أحدثت تصدعات في جدران قلبه. اما الصورة فقد جسّدت خريف العلاقات، فالألوان باهتة، والأوراق ذابلة، تمامًا كما الذكرى. وأما قصيدة أسير الذكريات، فهي تنضح بالحنين المرير، حيث يصبح الشاعر أسيرًا لذكرياته، مطاردًا بطيف من أحب على الرغم من الفراق، رسمها قلب ينبض بداخله شخص، تعبيرًا عن التصاق الذكرى بأعمق أعماق الروح، قصيدة ترنيمة الوداع تأبين لحب، وعودة لراحلين تحت المطر. اما قصيدة شبح الماضي ففيها هجوم الذكريات، لاسيما ذكريات الحبيبة، أما الصورة فكانت لشخص غارق بأفكاره، تخيم عليه الذكريات ولا يستطيع طردها، فهي نص جنائزي لحب رحل، ونداء للماضي المفقود، تصوّره صورة شخص غارق في أفكاره، عاجز عن طرد الذكريات، فتصبح سجنه الأبدي، نشوة امتزاجك قصيدة فيها حب وامتزاج، وصورة لرجل مع امرأة وكلمة Love بالإنجليزية، إشارة إلى ذوبان الذاتين في كيان واحد، أما قصيدة غواية مراهقة فهي تحذير شعري رقيق من الانجراف وراء الحب في سن المراهقة، إذ يصوّر الشاعر الحب كمصيدة عسلية المذاق لكنها قاتلة الصورة لقلب مزهر، في تلميح إلى براءة المشاعر وسذاجتها، تجاعيد الجرح فيها تناقضات بين الابتعاد والاقتراب، تفيض هذه القصيدة بالتناقضات؛ بين القرب والبعد، الأمل واليأس. رسمتها نصف وردة ونصف قلب كناية عن نصف حب ونصف حياة، قصيدة تراجيديا الأحلام فيها خوف وفراق وحسرة وندم وألم بعد الفراق، مرثية لعشق ضاع، وخوف من فراق صار حتميًا وصورتها لفراشة نصفها جناح والآخر وردة توحي بعجز الحلم عن الطيران أو الاكتمال. ومن الجدير بالذكر ان بعض القصائد كانت بمثابة قصص قصيرة فيها أحداث مختصرة، مثل قصيدة مراكب في التيه، حيث الإبحار في تيه المحبوب ومعالمه، وصورتها لموجة داخلها شجرة يتوق لها شاب بإرادته رغم المعالم المخيفة حولها. اما قصيدة خفايا الوجع، على عكس اسمها، فالوجع يفضح صاحبه في معالم جسده رغم محاولات التستر، وصورتها لمجسم نصفه مثقل والآخر خاوي موحٍ بالوهن. بينما تروي قصيدة شغف كاذب ندم الشاعر على بوحه بمحبته التي لم يتأكد منها. وفي المقابل صدقت محبوبته هذه الأوهام، ليندم بعدما وقعت بحباله؛ ولأنه شاعر يحتاج تجديد مشاعره خاض هذه المغامرة التي أسفرت عن كسر قلب المحبوبة وخذلانها, معترفا ان ما شعر به مجرد أشياء وهمية وغير صادقة وليست حقيقية. أما الصورة فهي لأشجار خريفية متساقطة أصبحت مرتعًا للطيور الجارحة، حجر الأنوثة على خلاف العنوان، يرسم الشاعر معالم الأنثى بأسلوب قاسٍ. ويرى أن من أحبها مغرورة، ويشبهها بالحجر في صلابته، سحر الدلال قصيدة مليئة بنغمات الغزل والرقة، ينشدها الشاعر كأنشودة شكر لبهجة قلبه التي سحرته بعذوبتها، وعيون عراقية غزل بالمحبوبة وشعوره نحوها وهي ليست بقربه. قصيدة غزل صادق، يتغنى الشاعر فيها بعيون المحبوبة وشَعرها، ولو أنها بعيدة عنه، لكنه يحيا على ذكرها.
اما قصيدة (سياط الندم) فهي تجسد مرثية لحب خادع، عاتب فيها الشاعر الحبيبة التي غدرته ولن يسامحها.
الصورة طائر يغادر مسرعًا من بركة، و في ظلال القمر بكاء على أطلال الحبيبة، حيث يشتاق الشاعر للمحبوبة الغائبة، يرمز لها القمر الملفوف بالورد، هكذا يصف مشاعر الغيرة من قبل المحبوب لحبيبته، مع ذكر المبررات التي يراها، ورسمتها امتزاج شخصين وكأنهما واحد، في حضرة الغرام يبوح الشاعر بمشاعره ويعلنها أمام الملأ، والمحبوبة تحاول جعل القصة خفية لكنه لا يبالي.
الصورة لفراشة مزخرفة فيها ضوء كناية على ان الحب في اشد توهجه في هذه المرحلة، هوس الاشتياق يصف حال المحب بعد الفراق وما يجتاحه من أفكار، وصورته لشخصين قريبين جدًّا وبداخل كل منهما انطفاء وبهتان، كذبة حزيران تروي ما بعد الرحيل وإلقاء اللوم على الآخر، وصورتها لشجرة يابسة صغر حجمها حتى هجرتها العصافير، مراسم الضياع يصف مراسيم عودة المحبوبة بعد أن تركته، هو يرغب بهذه العودة لكنه لا ينسى ما قاساه في بعدها، والقصيدة تأبين لهذا الضياع. والصورة لنصف وردة أزهرت ربما بنفسها أو بنفسه هو، أطلال الذكريات يصف أن كل شيء حول الشاعر يذكّره بالمحبوبة المغيبة قسرًا، وكأن الطبيعة تتآمر على قلبه، نبضات مسائية بوح عذب يخرج في المساء، وقت تسلل المشاعر، يفيض فيه الشاعر حبًا صورة لشخصين في عالم وحدهما، نجمي اللامع يبوح بمشاعره اللاهبة، مكتفيًا بالقليل من حبيبه، الحب ليس كما تدعي يصف مشاعر الحب ويبين اختلافه عن حب غاليته، واصفًا حبه بالنار التي لا تطفأ، ويطلب منها تغيير معاملتها الباردة وفيها عتاب للمحبوبة على جفاء مشاعرها، مقارنة بشغفه المشتعل, في مهب الشوق يبوح بآلام شوقه ومشاعره بعد فراقها، واصفًا ما عمله بعدها، طريق الحب يبين معالم طريق الحب الذي لا راحة فيه، ويختتم بأنه اختاره وإن كان قدره.
على الرغم من الطابع الوجداني الطاغي على ديوان قلوب متساقطة، فإن هذا الشاعر قدّم تجربة شعرية صادقة، تميزت بمزج الكلمة بالصورة، ما أضفى على الديوان بعدًا بصريًا يوازي العمق الشعوري من الناحية الفنية.
جاءت اللغة في معظم القصائد مباشرة وشفافة، ما جعل القصائد قريبة من المتلقي، لكنها في المقابل افتقرت أحيانًا إلى التجريب اللغوي والمجازي الذي قد يفتح آفاقًا جديدة للصور الشعرية موسيقيًا، لم يعتمد الشاعر على إيقاعات الوزن والقافية التقليدية بشكل صارم، بل مال إلى الموسيقى الداخلية والتكرار الوجداني، ما يخدم أجواء الحنين والشكوى في القصائد, يمكن القول إن الديوان يسير على خطى الشعر الوجداني الحديث، حيث يستلهم روح التجربة الصادقة، لكنه يتجنب التعقيد والغموض الذي شاب بعض تجارب الشعر المعاصر، ليختار لغة القلب المباشرة التي تخاطب وجدان القارئ قبل عقله, وتبقى خصوصية التجربة في هذا الديوان كامنة في التزاوج بين النصوص والصور، وهي إضافة جمالية بارزة في الديوان، وهكذا يمضي ديوان (قلوب متساقطة)، قصيدةً إثر قصيدة، متغلغلًا في دهاليز الروح، مزيحًا الستار عن وجدان شاعر خاض غمار الحب بصدق، وذرف دموعه على أطلال العشق الراحل، ثم أعلن ثورته على الزيف والخديعة، لقد استطاع الشاعر أن يجعل من كل قصيدة حالةً إنسانيةً كاملة، حيث امتزجت الكلمة بالصورة، وتضافرت الحروف مع الألوان لتبوح بكل ما عجز اللسان عن قوله.