أنْ تقام مهرجانات ونشاطات وفعاليات ثقافية على وفق خطط وبرامج ومهمات مسؤولة؛ أمر في غاية الأهمية والضرورة ومبعث سرور واحتفاء وانتباه كذلك.
ومصدر هذا الانتباه هنا؛ يكمن في جدوى واهمية هذه المهرجانات التي ما أن تنتهي حتى يسدل الستار عليها!
وهذا يدل على ان المسألة لا تخرج عن إطار المظاهر التي تريد أن تقول للعراقيين وللعالم إنّ العراق (مزدهر)، ويمر بمرحلة ثقافية استثنائية لم يشهدها من قبل.
في حين يؤكد الواقع الراهن أن العراق في تدهور معروف ومكشوف ومتداول وملموس نتبينه في تدهور التعليم في جميع مراحله، كما أن المؤسسات الرسمية على وجه الخصوص؛ ليس بوسعها تحقيق ابسط الحقوق الفكرية للكاتب والفنان العراقي.. وليس بوسع هذه المؤسسات تقديم نشاط حي على مدى زمن يترك تأثيره على الحاضر والمستقبل.. وإذا ما تيسر بعضه فأنه لا يخرج كذلك عن الإطار الدعائي وفي حدود يوم أو يومين فقط!
وتعاني كل الفعاليات والمهرجانات عن فقر حاد في الإنتاج والمستوى الفكري الإبداعي الرفيع، كما لا يتلقى المؤلف العراقي أيّ دعم مادي عند نشر كتبه ودراساته وترجماته إلا في حدود ضيّقة جدا.
إذن.. لماذا يغدق العراق الأموال الطائلة على مهرجانات وضيوف لا يقدمون للحياة الثقافية أي عطاء فاعل ومتميز وله حضور مستقبلي.
إنّ إقامة ثلاثة مهرجانات دولية في الشهر الماضي مثلا (مهرجان السينما الدولي، مهرجان المسرح الدولي، مهرجان بابل للثقافات الدولي) لم تكن لتقام لو لم يتم دعمها بأموال طائلة في حين لا تستحق نيل هذا السيل من الأموال، في وقت يعاني فيه عدد كبير من المثقفين والأكاديميين من اهمال واضح في الجوانب الحياتية والمعرفية كافة، الى جانب التخلي عن دعم وتعزيز عطاءاتهم الفكرية ومنجزاتهم الموضوعة فوق الرفوف.. وهم في حالٍ يستهلكون فيها الزمن والصحة من دون ان يعنى بهم أحد.
نعم.. المهرجانات مطلوبة، شرط ان تكون هناك وفرة غنى في الحياة الثقافية داخل البلاد لا ان تكون غائبة من دون مسارح ولا دور سينما ولا قاعة تشكيل ولا من كتب نوعية تستهلك الماضي وتكرره وتغيب النظر الى المستقبل.. فمثل هذا لا ينم إلا عن فراغ وجهل مقصود.