أيار 03
في المجتمعات التي يشكل فيها الفلاحون الأغلبية في المجتمع تُعد المسألة الزراعية واحدة من القضايا التي دارت وتدور حولها صراعات متنوعة وتتبلور ضمنها وحولها تحالفات وتكتلات تؤثر على المجرى العام للصراعات الأساسية في المجتمع. ولا يشذ عن هذا التحديد ما حدث في بلادنا بعد اندلاع ثورة 14 تموز 1958 ونجاحها في إسقاط الحكم الملكي وتأسيس أول حكم جمهوري في العراق الحديث.
حين اندلعت ثورة الرابع عشر من تموز 1958 غدا الإصلاح الزراعي مطلبا ملحا يواجه الثورة الجديدة وجها لوجه. وكان لا بد من إصدار قانون ينظم هذه العملية الجوهرية، التي كانت تطول اخطر القضايا في الريف، ونعني بها قضية تغيير شكل الملكية الزراعية وتصفية أسس النظام السابق وإرساء علاقات جديدة. وفي خضم هذه المعمعة بين قديم تتحطم ركائزه وجديد يشق طريقه وسط مصاعب وتحديات محلية وإقليمية ودولية، دار صراع صاخب حول جملة من القضايا المفتاحية من بينها المسألة الزراعية بين خطين سياسيين وفكريين:
  • خط البرجوازية الوطنية ومن يلتف حولها؛
  • وخط القوى اليسارية والديمقراطية، وأساسا الحزب الشيوعي العراقي.
وهكذا في هذا المناخ المضطرب وعواصفه السياسية الكبرى حول الأفق الجديد تعيَّن على الحزب الشيوعي العراقي أن يتخذ موقفا محدداً يتفق والمرحلة الجديدة في حياة البلاد. وكان عليه أن يحقق ذلك في أيام معدودات، إذ شرعت السلطة الجديدة في العمل لوضع التشريع الخاص بالإصلاح الزراعي (1). ولذلك فقد عهدت قيادة الحزب الى الراحل الرفيق زكي خيري مهمة إعداد تقرير عن هذه القضية بكل ما تحمله من تعقيدات وتناقضات وآمال، كما عهدت الى لجنة ألفتها مهمة جمع البيانات الضرورية لإعداد التقرير ومن ثم مناقشته ليأخذ صيغته النهائية. وبعد مناقشة التقرير قُدم الى الحكومة قبل أن يصدر القانون. وقد نشر التقرير لاحقاً تحت عنوان: “ملاحظات أولية عن الإصلاح الزراعي المنشود في العراق” (2) ، في مجلة “ الثقافة الجديدة “، العدد 5/كانون الأول/1958.
وقبل أن نتحدث عن العناصر الأساسية للتقرير أعلاه لا بد من الحديث بشكل مكثف عن الظروف الجديدة التي نشأت بعد ثورة 14 تموز التي طرحت حزمة من المسائل الجديدة التي كانت تحتاج الى إجابات جديدة أيضا.
حين اندلعت الثورة بدا واضحاً أن البلاد دخلت مرحلة جديدة نوعيا من تاريخها الحديث، اكثر حيوية ولكنها اكثر خطورة، وأن آفاقا كبيرة قد انفتحت لإدخال إصلاحات جدية في كافة جوانب الحياة الاقتصادية/الاجتماعية. بيد أن عمق الإصلاحات وسعتها، والوتيرة التي تتحقق فيها كانت تتوقف، شأن كل الثورات، على طبيعة السلطة التي تنبثق عنها والعلاقات المتبادلة بين الطبقات الاجتماعية وتوازنات القوى وسلوك القوى الأساسية، وعوامل داخلية وخارجية أخرى.
وقد كشف انتصار الثورة العاجل قصور القوى السياسية المختلفة، بهذه الدرجة أو تلك، عن تكوين وجهة نظر واضحة ومحددة، إزاء المسألة الزراعية، كما هو الأمر بالنسبة للقضايا الكبرى الأخرى. لقد كان واضحاً، ومنذ زمن بعيد، أن حلاً لا بد من اتخاذه بشأنها، وان أي حل لا بد أن يستند أولاً وقبل كل شيء، الى تغيير وضع ملكية الأرض الزراعية باعتبارها تمثل جوهر المشكلة ومصدر مشاكلها المتفرعة(3). غير أن المسألة الجوهرية التي لم تكن واضحة عند جميع القوى هي حدود ملكية الأرض الزراعية. لقد كانت هذه القوى تنادي بتحديد ملكية الأرض الزراعية، ولكن هناك أسئلة تفصيلية كانت تطرح نفسها بحدّة، من قبيل:
  • ما هو سقف هذه الملكية؟
  • ثم كيف ستتم عملية تحقيق الإصلاح الزراعي المنشود؟
وهذا ما لم يكن قد اتضح، وان بشكل متفاوت، لدى جميع القوى السياسية الوطنية حتى لحظة اندلاع الثورة.
وبعبارة اكثر تبسيطاً يمكن القول إن جوهر الصراع، في حقل المسألة الزراعية بعد ثورة 14 تموز 1958، كان يدور حول سؤال حاسم قوامه: أي إصلاح زراعي يحتاجه الريف العراقي آنذاك؟
في مسعى الإجابة على السؤال السابق، كان موقف البرجوازية الحاكمة يتحدد بالأسس الاتية (4):
  • الإقرار بالملكية الخاصة للأرض، سواء كانت ملكية كبيرة أم فلاحية.
  • العمل لاستبدال العلاقات شبه الإقطاعية في الريف بعلاقات رأسمالية، وارتباطا بهذا، السعي لتصفية النظام القبلي والعلاقات القبلية.
  • اتخاذ البرجوازية الريفية والرأسمالية الزراعية التي ستنمو بعد تطهير الريف من العلاقات شبه الإقطاعية، معبراً لنفوذها الى جماهير الريف وكسب الفلاح المتوسط.
  • تمكين الملاكين من التحول الى عناصر رأسمالية في ما تبقى لهم من الأرض وتحميل الفلاحين أعباء هذا التحول.
ومن المفيد الإشارة أيضا الى أن موقف البرجوازية المشار إليه أعلاه كان محكوما بعاملين لهما أهمية خاصة في تحديد السبيل الذي اتبعته لوضع هذه الأسس موضع التطبيق:
العامل الأول، افتقار البرجوازية الوطنية التي تسلمت الحكم اثر انتصار الثورة الى سند جماهيري واسع، وخوفها من تنامي نفوذ الطبقة العاملة وحزبها السياسي.
العامل الثاني، قرابة النسب التي تربطها بملاكي الأرض. فقد كان رموز البرجوازية الوطنية ذاتهم يملكون مساحات واسعة من الأرض الزراعية. وكان كل من محمد حديد، وزير المالية في حينه، الذي لعب دورا في تحديد سياسة الحكم الاقتصادية – الاجتماعية، وهديب الحاج حمود، وزير الزراعة، وكلاهما من أقطاب حزب البرجوازية الوطنية الأول، الوطني الديمقراطي، وراء تحديد طبيعة القانون الذي كان يراد تشريعه، من ملاكي الأراضي الزراعية الكبار.
أما موقف الحزب الشيوعي العراقي من الإصلاح الزراعي بعد انتصار ثورة 14 تموز فقد حكمته ثلاثة عوامل تفاعلت في ما بينها في إطار وضع ثوري فريد لم يكن العراق قد شهد له مثيلا من قبل، وفي إطار صراعات سياسية كانت تجري بإيقاع سريع وعنيف، وهذه العوامل هي (5):
  1. إن الحزب لم يتوصل الى تحديد استراتيجيته للمرحلة بشكل واضح ومحدد. فمن مجموع الوثائق التي صدرت عن الحزب في الأيام الأولى لانتصار الثورة، ليس هناك ما يشير الى أن اللجنة المركزية للحزب قد توصلت الى تحديد دقيق لطبيعة السلطة الجديدة الطبقية قبل التقرير الصادر عن الاجتماع الموسع الأول الذي عقدته اللجنة المركزية في السادس من أيلول 1958.
  2. وارتباطا بذلك كان موقف الحزب من الإصلاح الزراعي محكوما أيضا بالتوازنات الطبقية والعلاقات فيما بينها.
  3. تأثيرات العوامل الخارجية. واجهت الجمهورية الوليدة منذ اليوم الأول لانبثاقها، أخطارا جديّة. فعلى سبيل المثال فان الإمبريالية التي فاجأتها ثورة الربع عشر من تموز، سارعت لتدارك الوضع الذي نجم عن انهيار النظام الموالي لها، فأنزلت قواتها العسكرية في الأردن ولبنان، واستنفرت القوات الأمريكية وقواعدها في تركيا، استعدادا للانقضاض على العراق..... وبذلك زادت الأخطار والأعباء التي واجهتها الجمهورية، وباتت مسألة الدفاع عن الحكم الوطني مسألة جديّة لا يمكن التقليل من شأنها.
وإذا عدنا الى التقرير السابق أمكننا القول إنه كان يتضمن القضايا الاتية (6):
  • مقدمة تاريخية، يحدد فيها قضايا من بينها الموقع الذي احتله الفلاحون في ثورة 1920 والدور الذي لعبوه في ثورة 14 تموز 1958، والى موقع الفلاحين في معسكر الثورة والى الخلاف في الثورتين من حيث المهام، وموقع القيادة، وطبيعة التحالفات في الثورتين. فثورة 14 تموز كانت تهدف الى القضاء على الإقطاع فضلاً عن القضاء على الاستعمار، ولهذا فإن القيادة السياسية والعسكرية للثورة لم تعد كما كانت في ثورة العشرين بيد الملاكين والشيوخ الوطنيين والمثقفين وتجار المدن، بل انتقلت الى تحالف سياسي جديد تقوده قوى سياسية جديدة. ويستنتج التقرير أن الهدف أمام ثورة 14 تموز لم يعد مجرد تأسيس حكم وطني ديمقراطي والاستقلال والسيادة الوطنية، بل إنجاز الثورة الديمقراطية، فضلا عن الثورة الوطنية، والشيء الأساسي فيها تحقيق الإصلاح الزراعي وتصفية بقايا الإقطاع.
  • تحديد مفهوم الإصلاح من وجهة نظر الحزب. يصوغ التقرير مفهوم “الإصلاح الزراعي الجذري الشامل” تمييزاً له عن مفهوم الإصلاح الزراعي الذي كانت البرجوازية الوطنية تروج له. وبحسب التقرير فإن “الإصلاح الزراعي الجذري الشامل” يعني الأرض لحارثها، أي أن يكون لكل فلاح الأرض التي يزرعها الآن بالمستوى الذي تسمح به أدوات العمل السائدة، أي أن لا تبقى الأرض وسيلة استثمار للآخرين وان لا يضطر الفلاح لتأجير نفسه للآخرين. ويعني ذلك:
- إلغاء الملكية الكبيرة للأرض وأجرة الأرض القائمة على هذه الملكية؛
- توزيع الأراضي على الفلاحين سيما الفقراء منهم؛
- المحافظة على الملكيات الصغيرة لمتوسطي وأغنياء الفلاحين، ومن يوازيهم من صغار الملاكين.
يمكن الاستنتاج من قراءة هذا التعريف أن “الإصلاح الزراعي الجذري الشامل”، كما طرحه التقرير، لا يتناقض ومصلحة البرجوازية في الأساس، بل يوفر التربة الصالحة في الريف لنمو العلاقات الرأسمالية.
يمكن القول إن التقرير حدّد الخطوط العريضة الأساسية للإصلاح الزراعي ولا سيما مسألة خفض حدود الملكية الكبيرة الى ملكية الفلاح الغني. غير أن هذه الملاحظة الايجابية لا تلغي حقيقة أن التقرير انطوى على ثغرات عديدة، من بينها: عدم مراعاة عوامل التفاضل في الأرض كالخصوبة ونوعية المزروعات وبعدها أو قربها من مراكز التسويق... الخ. ويبدو أن السبب الظاهري الكامن وراء هذه الثغرات، وغيرها، إنما يعود الى العجالة التي وضع فيها التقرير من جهة، وكذلك ارتباطاً بالظروف التي كان ينشط فيها الحزب الشيوعي، والتي لم تتح له، كما هو معروف، القيام بدراسة الواقع الملموس في الريف بشكل دقيق عبر تحليل علمي دقيق ووضع الحلول لمشاكله، من جهة أخرى.
 
القانون رقم 30 لسنة 1958
في 30 أيلول/ 1958، أي بعد مرور حوالي شهرين ونصف من اندلاع ثورة 14 تموز، أعلن رئيس الوزراء، الزعيم الركن عبد الكريم قاسم، من راديو بغداد إصدار القانون رقم (30) والذي عرف في ما بعد بـ (قانون الإصلاح الزراعي رقم 30) ووضعه موضع التنفيذ فورا. 
 
اشتمل القانون على أربعة أبواب:
الباب الأول (من المادة الأولى حتى المادة الثلاثين)، ويتضمن الأحكام التي تتعلق بتحديد ملكية الأرض والاستيلاء على ما زاد منها عن الحد الأعلى الذي يجيزه القانون مقابل تعويض وتوزيعها على الفلاحين. وبموجب المادة الأولى حدد سقف الملكية بألف دونم في الأراضي المروية وبألفي دونم في الأراضي الديمية (المطرية)، على أن تستولي الدولة على ما تجاوز هذه الحدود. وأشار القانون الى أن يبدأ الاستيلاء على المساحات الزراعية الأكبر سواء تجمعت في يد شخص واحد أم أسرة. وكان هذا النص يستهدف ضرب أكبر الملاكين وإزالة نفوذهم السياسي، وهو ما تتطلبه الحاجة لتأمين صيانة الثورة.
وعالج الباب الثاني (المواد 31 – 35) تأليف الجمعيات التعاونية ومهامها. واعتبر القانون الانتماء إليها إلزاميا لمن ينال الأرض من الإصلاح الزراعي، إلا انه جوّز انضمام من لا يتجاوز الأرض التي يملكها الحد الأعلى للتوزيع من خارج أراضي الإصلاح الزراعي….. وكانت الأهداف التي حددها القانون للجمعيات التعاونية لا تخرج عن الأهداف الخدمية في ميادين التسليف والتسويق وتأمين الخدمات الزراعية والاجتماعية للأعضاء …. وما إليها.
وتناول القانون في بابه الثالث (من المادة 36 حتى المادة 46) العلاقات الزراعية بين مالكي الأرض وأصحاب المضخات من جانب والفلاحين الذين يزرعون لديهم أو يستقون منهم الماء. لقد وقف القانون الى جانب إلغاء العلاقات الزراعية هذه، ولذلك عالجها على أساس الإبقاء عليها لمدة ثلاث سنوات تبدأ من صدور القانون، وبعد انتهائها لا يعود الملاك ملزما في الدخول بهذه العلاقة مع الفلاحين، ويصبح من حقه استثمار أرضه على النحو الذي يشاء. ولكن خلال الفترة المؤقتة هذه لا يحق للملاك أن يخرج الفلاح من الأرض. لقد انطلق المشرّع في معالجته هذه المسألة من أن هذه الفترة تكفي لاستقرار الفلاحين في أراضي الدولة، ولتحول الملاكين الى الزراعة الرأسمالية واستخدام العمل الأجير بدلا من اللجوء الى المحاصصة.
أما الباب الرابع من القانون (المواد 47 – 51) فقد كرست مواده لمعالجة أوضاع العمال الزراعيين، وأبرزها ما نص عليه في هذا الشأن أن يحدد سنويا الحد الأدنى للأجر المدفوع للعامل الزراعي في المناطق المختلفة. وأجاز القانون للعمال الزراعيين تأليف نقابات خاصة بهم.
هذا هو باختصار البرنامج الذي طرحته البرجوازية الوطنية بعد أن أخذت زمام الحكم لتنافس به الشيوعيين على النفوذ في المناطق الريفية، كما قال الأستاذ (محمد حديد) في حينه.   
وبصدوره ووضعه موضع التطبيق العملي نقل القانون رقم 30 الصراع الاجتماعي في الريف الى مرحلة نوعية جديدة، وطرح مجموعة من الإشكاليات التي استحثت إجابات ملموسة ومحددة من خلال تطبيقه.
فقد كشف تطبيقه عن حقيقة المواقف الطبقية المتنوعة إزاء المسألة الزراعية، والمصالح الطبقية التي تدفع بالأحداث في هذه الجبهة الهامة من جبهات الصراع الطبقي.
فمثلما سعت البرجوازية الى أن تدفع بقانون الإصلاح الزراعي بالاتجاه الذي لا يصفي الملكية الكبيرة، عملت أيضا على عرقلة تطبيق القانون بوسائل شتى، وبذلت جهودها من اجل أن تُبعد الفلاحين ذاتهم عن المشاركة في التطبيق وحصره في أيدي الأجهزة الحكومية. بالمقابل، وقف الحزب الشيوعي العراقي بقوة وراء تطبيق القانون والتسريع بعمليات الاستيلاء، وكان الحزب يدرك بأن القانون على علاته، يوجه ضربة قوية الى النظام شبه الإقطاعي.
والخلاصة، فقد دارت بين القوى الديمقراطية، وأساسا الحزب الشيوعي العراقي من جانب، والبرجوازية الوطنية ومن ورائها قوى اليمين والملاكين الكبار من جانب آخر معركة أخرى ميدانها هذه المرة تطبيق الإصلاح الزراعي. كما تحرك الإقطاعيون لعرقلة الإصلاح الزراعي منذ أسابيعه الأولى. واتخذ هذا أشكالا وطرائق عديدة، وبوجه عام وقفوا الى جانب القوى المعادية للخط الديمقراطي في مسيرة ثورة تموز، واصطفوا الى جانب اليمين القومي، ولم يترددوا في دعم عمليات التآمر على الجمهورية (7).
حفلت السنة والنصف الأولى من عمر الإصلاح الزراعي بالكثير من الأحداث والصراعات، وكانت، في واقع الحال، أوسع واعقد تجربة يخوضها الحزب في الريف. وفي ضوء ذلك برزت الحاجة الى تلخيص هذه التجربة واستخلاص الدروس منها وإيضاح موقف الحزب من قضايا الإصلاح الزراعي، كما أظهرها واقع الصراع في الريف. وقد ألّفَ الحزب لهذا الغرض لجنة خاصة استندت في عملها أساسا على الأفكار الواردة في التقرير السابق الذي جرت الإشارة إليه وطورتها. وبعد مناقشات مستفيضة اخذ التقرير الجديد شكله النهائي وطرح على الرأي العام العراقي تباعا في جريدة (اتحاد الشعب) في أواخر شباط وأوائل آذار 1960، ونشر فيما بعد في كراس بعنوان: “تقرير عن مسائل في الإصلاح الزراعي” (8).
يعالج هذا التقرير 16 مسألة أو قضية من قضايا الأرض والإصلاح الزراعي والحركة الفلاحية. غير أن قراءة تفصيلية للتقرير تسمح ببلورة أربعة محاور كبرى يرتكز عليها، وكل محور يتضمن مجموعة من الاشكالات.
  • المحور الأولى: ويتضمن محاولة إنتاج مجموعة من الأدوات والمفاهيم، تستخدم في تحليل الواقع الملموس – الريف العراقي. يدور المحور حول جملة قضايا:
- مقدمة نظرية تاريخية مكرسة للدور الذي لعبه تطور الإنتاج السلعي في تفكيك العلاقات العشائرية، وكيف يؤدي تطور هذا النمط من الإنتاج الى مجموعة من الآثار التدميرية على أشكال الإنتاج الأخرى، وأساسا الإنتاج السلعي الصغير.
- استعراض ميكانيزم التحول من الإنتاج الطبيعي الى الإنتاج السلعي، وشرط ذلك التحول، وخصائص السوق المرافقة لهذا التحول في ظروف إنتاج سلعي ضمن إطار اقتصاد متخلف وتابع.
- شرح لدور النقود وسيرورات التسليع وانتشارها الذي يؤدي الى تمايز طبقي واضح وبروز أشكال متنوعة للاستغلال.
- ثم يتحدث التقرير عن إشكالية ملكية الأرض في الشرق انطلاقا من سؤال جابه الفكر التاريخي دائما وهو: لماذا لم يتوصل الشرقيون الى ملكية الأرض حتى بشكلها الإقطاعي؟
  • المحور الثاني ويتضمن إشكالية التناقضات وتجلياتها الملموسة في الثورة البرجوازية الديمقراطية. يشخص التقرير، في البداية، طبيعة ثورة الرابع عشر من تموز بكونها ثورة برجوازية ديمقراطية من حيث علاقات الإنتاج. وانطلاقا من ذلك يحدد طبيعة التناقضات خلال هذه المرحلة من تطور الثورة، مشيراً الى نوعين:
- الأول، هو التناقض بين العمال والرأسماليين الوطنيين في هذه الثورة ويعتبره، بحسب التسمية الواردة هنا – تناقضاً جزئياً، أي تناقض داخل الشعب، أو بحسب المادية التاريخية “تناقض داخل معسكر الثورة”، ويمكن حله عبر تسويات وتنازلات متبادلة.
- الثاني، تناقض عميق وحاد ولا يقبل المصالحة، أي تناحري، بين الفلاحين والإقطاعيين، ولا يمكن حله إلا بتصفية آخر بقايا الإقطاع.
إذا قبلنا بهذه الأطروحة أمكننا الاستنتاج بأن التناقض الرئيسي/ السياسي كان يوجد في الريف ومصير حله يعتمد على كيفية حل الصراعات الكبيرة التي كانت تدور هناك بين القطبين المتعارضين: الفلاحين والإقطاعيين.
ونظراً لطبيعة الثورة، أي كونها برجوازية ديمقراطية – بحسب التقرير المذكور - فإن حل هذا التناقض لا يؤدي الى قطع جذري – أي شكل جديد نوعياً للملكية – بل إنه يظل يدور في أفق الملكية الخاصة. ولهذا استدرك صائغو التقرير بأن محو بقايا الإقطاع “ لا يعني بأي وجه من الوجوه محو كل أشكال الملكية الخاصة بل العكس تماما – أي أنه يعني توسيع قاعدة الملكية الخاصة بتحويل الفلاحين المستبعدين المجردين من أراضيهم الى فلاحين متحررين يملكون أراضيهم”. وبالتالي فإن المحتوى الاجتماعي للثورة الزراعية الفلاحية، بحسب تسمية التقرير، ضد الملكية الكبيرة هو محتوى برجوازي ديمقراطي وليس بروليتاريا بعد.
  • المحور الثالث ويتضمن مجموعة من الإشكاليات المرتبطة بقانون الإصلاح الزراعي رقم 30 وتطبيقاته. في هذا المحور يجري تعميق للتحاليل المصاغة في التقرير الأول (ملاحظات أولية عن الإصلاح الزراعي)، كما يجري تدقيق للاطروحات السابقة ويجيب على سؤالين حاسمين هما:
- الأول: لماذا تحفظ الحزب على قانون الإصلاح الزراعي رقم 30 لسنة 1958؟
- الثاني: لماذا أيده برغم تحفظاته عليه؟
وقبل الإجابة على السؤال الأول، لا بد من التأكيد على حقيقة مهمة هي أن القانون رقم 30 جاء حلاً وسطاً بين اتجاهين:
- الاتجاه الأول، الذي كان يدعو الى الاكتفاء بالحد نسبيا من الملكية الكبيرة للأرض وتطمين حاجات قسم من الفلاحين الى الأرض؛
- والاتجاه الثاني، الذي يمكن تسميته بالراديكالي الثوري الذي كان يدعو الى تخفيض الحد الأعلى الى حدود ملكية الفلاح الغني، وتمكين الأكثرية الساحقة من الفلاحين، خاصة الفقراء منهم، من تملك الأرض.
وبالرغم من التحفظات التي أخذها الحزب الشيوعي العراقي على القانون المذكور، والتي سأشير إليها لاحقا، فإنه اعتبره خطوة تقدمية في مجمله نظراً للظروف السائدة آنذاك (9). ويشير “تقرير مسائل في الإصلاح الزراعي” الى أن الحزب تبنى قانون الإصلاح الزراعي للعديد من الأسباب من بينها (10):
“ أولا – لأن هذا القانون صدر عن سلطة وطنية من حكومة الثورة واستجابة لمصلحة وإرادة جماهير الفلاحين الغفيرة الواعية، ولذا فإنه أشبه بمنهاج مشترك للحركة الوطنية في ميدان الإصلاح الزراعي وفي النضال المشترك ضد الإقطاع.
ثانياً – أن مجرى إعلان القانون كان اقوى ضربة عنيفة – بعد ثورة 14 تموز – ضد سلطة الإقطاع وهيبته وأقوى مشجع وحافز للحركة الفلاحية.
ثالثاً – لأن القانون يخفض مساحة الإقطاعيات واقتصاد الإقطاعيين بنسبة الثلث تقريباً.
رابعاً- إن صدور القانون جعل بيد الحركة الفلاحية سلاحا شرعيا كان ضروريا لتعبئة وتنظيم أوسع الجماهير في الريف”.
غير أنه وبالرغم من الملاحظات الايجابية السابقة فإن التقرير المذكور سطّر مجموعة من التحفظات على قانون الإصلاح الزراعي، وبالتالي أجاب على السؤال الاتي: لماذا جرى التحفظ على القانون المذكور؟
إن ابرز التحفظات كما وردت في التقرير هي (11):
“أولاً – أن القانون لم يصفِ ملكية احد من كبار الملاكين بل وضع حداً أعلى للملكية الزراعية (ألف دونم من الأراضي المرواة و2000 دونم من الأراضي المطرية). إن تحديد الحد الأعلى بهذه المساحات يترك نصف الأراضي الزراعية المستثمرة بيد الملاكين، وبمعنى آخر يترك نصف الفلاحين من دون شبر من الأرض.
ثانياً – إن القانون أقر مبدأ التعويض للملاكين والزم الفلاحين الذين ستوزع عليهم الأراضي بدفع التعويض حلال عشرين سنة”. على سبيل المثال فان (مشعان الفيصل)، شيخ شمر، الذي منحته الحكومة 213 ألف دونم قبل بضع سنوات من ثورة تموز لا غير بسعر رمزي (فلس واحد للدونم الواحد) كان سيحصل على 9378,5 دينار شهريا ولمدة عشرين عاما لقاء الأرض التي استردت منه. ويعني ذلك أن القانون قد جار على الفلاح كثيرا حتى إذا سلّمنا بمبدأ التعويض.
وبالمقابل ادخل القانون مبدأ الإلزام في الانتماء الى الجمعيات التعاونية. إن مبدأ الإلزام، عدا عن كونه يتعارض والأساس الذي يقوم عليه التعاون كتجميع لإرادات حرّة، فانه من دون قناعة الفلاح يأتي مناقضا لمبدأ الديمقراطية التي تزعم البرجوازية الحرص عليها.
ثم يشخص التقرير المناورات والصراعات التي دارت حول كيفيات تطبيق القانون رقم 30 والآثار المتنوعة التي ترتبت على تطبيقه، ومن أهمها:
- أن القانون خلق الشروط لتطور هائل للحركة الفلاحية وساعد في تصاعد نضالاتها المطلبية وتبلورت، في مجرى الصراع، أشكال متقدمة لتنظيمها النقابي والسياسي؛
- وكل ذلك أدى الى تسريع وتيرة الصراعات الاجتماعية والطبقية في الريف وانعكاساتها على عموم المجتمع. لقد حدث تمايز طبقي واجتماعي حاد وتبلورت تحالفات وتكتلات جديدة وبالتالي صار مطلوباً التأكيد على بلورة موقف متقدم من القضية الزراعية. وفي هذا الصدد أكد التقرير أن الخطة الصائبة في تطبيق قانون الاصلاح الزراعي في هذه اللحظة هي:
أولاً: تجريد الملاكين من الأراضي الخاضعة للإصلاح الزراعي ومن السلطة التي يمارسونها على فلاحيهم، وبالتالي تقويض دعائم الإقطاع في الأراضي المستولى عليها.
ثانياً: توزيع الأراضي المستولى عليها على الفلاحين بتمليكهم إياها.
  • المحور الرابع ويتضمن الإشكاليات المرتبطة بالسياسة الطبقية للحزب الشيوعي العراقي في الريف في الظروف الجديدة التي نشأت بعد ثورة 14 تموز وبعد صدور قانون الإصلاح الزراعي. ينطلق التقرير من تشخيص حالة الريف في هذه المرحلة مشيرا الى انه يخوض ثورة زراعية فلاحية هدفها كنس بقايا الإقطاع وأساسها الملكية الكبيرة للأرض، ثم يشخّص التناقض الرئيسي في الريف، الذي جرت الإشارة إليه في مكان سابق، ثم بعد ذلك يسعى التقرير لتحديد أدق لمعالم اللوحة الطبقية/ الاجتماعية في الريف العراقي عشية ثورة 14 تموز والسنوات التي تلتها. وهناك محاولة جادة في التقرير، في ضوء المستوى الفكري الذي كان سائداً آنذاك في الحزب وطبيعة الأدوات المنهجية المستخدمة، لتحليل الوضع في الريف على أساس تكوينه الطبقي واعتماد مجموعة من المعايير لضمان تمييز سليم يسمح بالتفريق بين الطبقات والمراتب داخل كل طبقة في الريف العراقي.
يعتمد التقرير معيارين منهجيين:
- معيار الملكية/ تملك الأرض؛
- معيار الاستثمار الطبقي.
ونظراً لأن الفلاحين لا يعتبرون طبقة متجانسة من الناحية المنهجية، ونظرا لتواجد مراتب متعددة في أوساطهم، لذلك واجهت التقرير مشكلة ترسيم الحدود بين هذه المراتب بشكل صحيح بهدف صياغة سياسة سليمة وتكتيكات ملموسة تجاه كل مرتبة. ولضمان ترسيم صحيح للحدود بين هذه المراتب انطلق التقرير من سؤال حاسم: هل الفلاح مستثمِر أم مستثمَر؟ وهذه هي القاعدة العامة لتمييز الفلاحين حسب مراتبهم الثلاثة الاتية:
- فقراء الفلاحين، وما يميزهم هو أنهم لا يستثمرون عمل غيرهم، بل أن الآخرين يستثمرون جزئياً أو كلياً عمل هؤلاء الفلاحين.
- الفلاحون المتوسطون، القاعدة العامة هي اكتفاء الفلاح المتوسط ذاتياً، لكنه يستثمر أحيانا عمل الآخرين.
- الفلاحون الأغنياء، وما يميزهم هو انهم يستثمرون عمل الآخرين كقاعدة عامة.
وارتكانا الى هذا التحديد استنتج التقرير بأن هناك حاجة ملحة لبلورة سياسة حزبية صحيحة وواقعية تجاه المراتب الفلاحية الثلاثة تقوم على الثلاثية المعروفة: اعتماد - اتحاد - كسب. أي:
- الاعتماد على فقراء الفلاحين وهم الأكثرية، وان تنظيما حزبيا متينا من هؤلاء هو ضمانة ضد الانتكاسة؛
- الاتحاد مع الفلاحين المتوسطين؛
- محاولة كسب الأغنياء من الفلاحين عبر تكتيكات ملموسة.
ولكي يكتسب النضال في الريف صيغته العملية والملموسة دعا التقرير الى البحث عن أشكال ملموسة، من أهمها تشكيل الجمعيات الفلاحية وضرورة الاختيار الصحيح لقياداتها دون فرض وأوامر فوقية.
 
كما ميّز التقرير ثلاث مراتب للملاكين هي:
- صغار الملاكين؛
- متوسطي الملاكين؛
- كبار الملاكين.
وهنا بلور التقرير السياسة الطبقية الملموسة من هذه المراتب عبر ثلاثية محددة هي:
كسب - تحييد - مصادرة، أي:
- النضال لكسب صغار الملاكين عبر العمل السياسي وكذلك من خلال تطمين مصالحهم الاقتصادية؛
- تحييد الملاكين المتوسطين، من خلال الإبقاء على ملكيات الوطنيين منهم، باعتبار ذلك الثمن الذي يمكن للحركة تقديمه لهم لقاء عدم انحيازهم لصف معسكر أعداء الثورة؛
- مصادرة أراضي الملاكين الكبار وإجلاؤهم عن الريف. ومن خلال التمييز بين المعادين للثورة والموالين للجمهورية يمكن ضمان حق التعويض القانوني لمن لم يقف موقفاً معاديا، وعدم تعويض المعادين للوضع الجديد.
وبالمقابل، دار صراع جدي بين الطبقة العاملة والبرجوازية حول قيادة الجمعيات الفلاحية. فالبرجوازية كانت تأمل في استغلال الإصلاح الزراعي لإيجاد القاعدة الاجتماعية التي تعوزها وتؤمن هيمنتها في الريف، هالها ان تجد ان كفة الطبقة العاملة وحزبها السياسي هي التي ترجح في الريف وان تتحول القيادة الى منظمات يقودها الحزب الشيوعي. لهذا شرعت تعمل لانتزاع هذه القيادة بكل الوسائل حتى لو أدى ذلك الى خرق القوانين التي أصدرتها هي. فدفع عبد الكريم قاسم أحد الفلاحين الأغنياء من بغداد (عراك الزكم)، العضو في الحزب الوطني الديمقراطي، الى تكوين هيئة مؤسسة أخرى لمنافسة الاتحاد العام في إجازة الجمعيات الفلاحية، وتكوين حركة منافسة للحركة الفلاحية التي يقودها الحزب الشيوعي. وبعد ثلاثة اشهر ونصف من إصدار قانون الاتحاد العام للجمعيات الفلاحية أصدرت الحكومة القانون رقم 139 لسنة 1959.
وكان ابرز ما انطوى عليه القانون الجديد، بحسب نصير سعيد الكاظمي (12)، هو انتزاع سلطة إجازة الجمعيات الفلاحية من أيدي الفلاحين ذاتهم ممثلين في اتحادهم العام الى أيدي الأجهزة الإدارية الحكومية المحلية التي تربت في خدمة الملاكين. ولم تدخر هذه الأجهزة وسعا في محاربة الجمعيات الفلاحية التي لا تتوسم فيها الاستعداد لتنفيذ ما تمليه عليها هذه الأجهزة. جراء ذلك رفضت إجازة (3260) جمعية فلاحية بعذر أو بآخر. وكان معظم الطلبات المرفوضة قد قدمت من فلاحي ألوية الفرات الأوسط والعمارة والبصرة والناصرية، حيث نفوذ الحزب الشيوعي العراقي بين الفلاحين هو الأقوى.
ولم تكتف الحكومة بتغيير قانون الجمعيات الفلاحية بل عمدت الى تحريض الصحافة البرجوازية وصحافة اليمين الرجعي، الذي كان يندفع الى تأييد كل ما من شأنه إضعاف نفوذ الحزب الشيوعي العراقي والممارسة الديمقراطية، لشن حملة مركزة على الاتحاد العام للجمعيات الفلاحية، ما أفضى لاحقا الى انتكاسة الحركة الفلاحية الديمقراطية.
وإذا لخصنا الأمر فانه يمكن القول أن وجهة نظر الحزب، كما انعكست في “ تقرير عن مسائل في الإصلاح الزراعي” وان كانت تمثل تطورا كبيرا في فهم الحزب للمسألة الزراعية ومشاكلها، إلا أنها جاءت حبيسة عجز الحزب، في تلك الفترة، عن تحديد ستراتيجية تساعد في دفع الوضع الثوري الى الأمام.
وهكذا بدلا من اتخاذ النضال لتحقيق الإصلاح الزراعي الجذري والشامل منطلقا لتعبئة القوى الفلاحية، لا سيما الفقيرة منها، من اجل تغيير الوضع وإقامة الحكومة الديمقراطية، أصبحت مهمة الحزب أن يصون سلطة البرجوازية الوطنية ويخضِع كل خطوة في النضال لتحقيق أهداف الجماهير الكادحة لهذا الهدف. هذا في الوقت الذي كانت فيه هذه السلطة تقدم الدليل بعد الآخر على تهاونها أمام القوى الرجعية في الدفاع عن حكمها، بل وتُمعِن في ضرب القوى الثورية التي تدافع عن هذا الحكم تزلفا لتلك القوى، وتعلن الحرب ضد الشعب الكردي وتفتح السبيل أمام القوى المؤيدة للاستعمار لكي تستعيد مواقعها وتحيك الدسائس والمؤامرات للإطاحة بالنظام الجمهوري.
لقد كان الإيقاع السريع والعنيف للصراعات السياسية والطبقية المحتدمة خلال السنوات الأولى من عمر ثورة 14 تموز والأسئلة الجديدة التي طرحتها قد ألقت بثقلها على كل القوى السياسية محدثة صراعات فكرية وجدلا صاخبا داخلها وفي ما بينها، حول أفق الثورة الوطنية الديمقراطية وإمكانيات الانتقال بها الى حدود جديدة تتجاوز الحل البرجوازي التقليدي.
وباختصار، منذ لحظة اندلاع ثورة 14 تموز 1958 كان هناك صراع يدور بين خطين سياسيين وفكريين متقاطعين حول جملة من القضايا من بينها القضية الزراعية والصراع داخل الريف وسبل حله، والتي ساهم القانون رقم 30 لسنة 1958 بما حمله من مضامين في تسريع عملية الاستقطاب وبلورة حلول ملموسة وواقعية لهذه القضية في الريف، وان لم تصل الى نهاياتها المنطقية الصحيحة بسبب جملة من الأسباب والعوامل لا يتسع المجال للخوض في تفاصيلها هنا، لأنها تحتاج الى معالجة خاصة. ولهذا يمكن القول إن هناك العديد من المهمات التي طرحها القانون آنذاك ما تزال تتمتع براهنية، رغم ما يقارب النصف قرن من صدوره.
ويمكن القول ان حل القضية الزراعية ما زال مطروحا على جدول الاعمال، خصوصا ما نشهده من تحركات في الريف وما تبذله بعض القوى من جهود، تحت مختلف الذرائع، لانتزاع الاراضي من الفلاحين التي منحت لهم بموجب القانون رقم 30 لسنة 1958.
نشرت هذه المقالة في/ العدد 325/ تموز 2008، ص 52 – 64.
        الهوامش:
في 2 آب 1958 تألفت لجنة لوضع قانون للإصلاح الزراعي وكانت اللجنة برئاسة هديب الحاج حمود، وزير الزراعة، وضمت في عضويتها كلا من طلعت الشيباني وعبد الرزاق الظاهر وفريد الأحمر وعبد الرزاق زبير ومسعود محمد وجوهر دزه يي وخالد تحسين وباقر كاشف الغطاء ويوسف الحاج ألياس وأنور الجاف.
انظر: ملاحظات أولية عن الإصلاح الزراعي المنشود في العراق، “ الثقافة الجديدة “ العدد 5/ كانون الأول 1958.
يبرز حدّ هذه المشكلة عند ملاحظة ان 1% من سكان الريف كانوا يستحوذون على ثلاثة أرباع الأراضي.
انظر: نصير سعيد الكاظمي، الحزب الشيوعي والمسألة الزراعية في العراق، مركز الأبحاث والدراسات الاشتراكية في العالم العربي، الطبعة الأولى، دمشق 1986، ص 244.
المصدر السابق، ص 273 ولاحقا.
انظر: ملاحظات أولية عن الإصلاح الزراعي المنشود في العراق، مصدر سابق.
لمزيد من التفاصيل عن هذا الدور انظر: عزيز سباهي، عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي، الجزء الثاني، منشورات الثقافة الجديدة، دمشق 2003، 316 ولاحقا.
انظر: تقرير عن مسائل في الإصلاح الزراعي، دار بغداد للطباعة والنشر، بغداد، 1960.
قارن: محمد حسين أبو العيس، الثورة الزراعية في العراق، دار بغداد، بغداد، 1959، ص 25.
انظر: تقرير عن مسائل في الإصلاح الزراعي، مصدر سابق، ص 25 - 26.
المصدر السابق، ص 23.
انظر نصير سعيد الكاظمي، الحزب الشيوعي والمسألة الزراعية في العراق، مصدر سابق، ص 292 ولاحقا.