تشرين1/أكتوير 11

    يبدو أن أزمات العراق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والخدمية والأمنية لا تنتهي فهي في توالد مستمر، وهذا يدلُّ على الفشل المريع للمنظومة الحاكمة في إيجاد معالجات تقلص على الأقل من هذه الأزمات تدريجيا في سبيل إيجاد الحلول الناجعة لها.

مشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لعام 1959

    إذا أخذنا مشروع تعديل هذا القانون، المطروح حاليا على طاولة مجلس النواب بعد أن انهى القراءة الأولى له، وتفحصنا ما أثاره ذلك من ردود فعل رافضة واسعة النطاق من مختلف شرائح الشعب العراقي وبعض المنظمات الدولية، وتساءلنا هل العراق فعلا بحاجة لتمرير هكذا تعديلات طائفية على القانون النافذ تمس مباشرة نسيج المجتمع العراقي بتقسيمه إلى طوائف ذات مرجعيات مذهبية مختلفة وتجهز على حقوق المرأة والطفل التي تحققت بفضل نضالات وتضحيات جسام قدمتها سائر قوى شعبنا الوطنية طيلة تاريخ الدولة العراقية منذ تأسيسها عام 1921؟ ستكون الإجابة قطعا لا. إضافة إلى ذلك، فهذه التعديلات تخلق مشكلات اجتماعية معقدة في ما يخص الطلاق والنفقة والميراث. والدليل على الرفض الواسع لهذه التعديلات نتائج استطلاع أجري مؤخرا أشارت إلى أن أكثر من 73 بالمئة من العراقيين يرفضون بشدة هذه التعديلات، وأن 81,6 في المئة يؤيدون بقاء القانون الحالي نافذا.

     تنشأ مراجعة القوانين من حاجات موضوعية تتولد، وهي تهدف تحسينها وتطويرها وتحديثها لمواكبة مستجدات العصر المتغيرة لا الرجوع بها إلى الماضي، لتنفيذ أجندات سياسية - طائفية تشغل الجمهور عن مشكلاته الحقيقية الكثيرة التي يعيشها يوميا، وتظهر الكتل المتنفذة وكأنها مدافعة عن حقوق ومصالح المكونات التي تدعي تمثيلها ومن ثم تهدف إلى المحافظة على مصالح هذه الكتل السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

    إن ردود الفعل المتشنجة للقوى التي تريد تمرير هذه التعديلات، وضيقها بالرأي المعارض واستخدامها كلمات نابية والاعتداء على المحتجين والمحتجات سلميا على مشروع التعديل في النجف والبصرة، والتهديد باللجوء إلى القوة مستقبلا دليل على إفلاس هذه القوى وعدم امتلاكها القدرة على الحوار مع الآخر المختلف. وهذه صفات تتنافى تماما مع أبسط مبادئ الديمقراطية التي تريدها كما يبدو هذه القوى معبرا للسلطة لا غير.

احتجاجات متواصلة

   تزداد الاحتجاجات والوقفات المطلبية التي ينظمها المواطنون من شرائح مختلفة في عموم العراق. ولنأخذ وقفة أصحاب المهن الطبية أمام وزارة المالية مؤخرا للمطالبة بالتعيينات التي نص عليها قانون وزارة الصحة، وبدل من تفهم هذه المطالب قمعت القوات الأمنية هذه الوقفة بعنف، علما أن إحصائية برلمانية تشير إلى أن 32 ألف خريج من الأطباء بمختلف الاختصاصات بلا تعيين، في حين أن واقع الخدمات الطبية في عموم العراق يشير إلى ترديها.

    كذلك استمرت الاحتجاجات على الخدمات المتردية خصوصا الكهرباء في هذا الصيف القائظ. فقد سئمت الجماهير كثرة الوعود المعسولة التي تطرح منذ أكثر من عشرين سنة لتحسين هذا القطاع الحيوي، ولكن في كل مرة يثبت أن هذه الوعود مجرد سراب.

    إن استمرار هذه الاحتجاجات والوقفات المطلبية أو تلك التي تخص الخدمات وتناميها دليل ساطع على فقدان ثقة قطاعات واسعة من الجماهير بالمنظومة الحاكمة، وإن هذا التنامي والاستمرار يمكن أن يتحول في منعطف معين إلى فعل سياسي واسع النطاق على شكل انتفاضة إن لم يع المتنفذون دروس التاريخ جيداً، ويتخلوا عن نهج المحاصصة الطائفية-الإثنية المولِد والمغذي للفساد الإداري والمالي الذي استشرى في مفاصل الدولة والمجتمع، وأن يصار إلى بناء دولة مدنية ديمقراطية عصرية تستند إلى المواطنة والعدالة الاجتماعية بدلاً من دولة المكونات والتخندق الطائفي والإثني. 

سياسة خارجية رخوة

     لا نضيف جديدا إذا قلنا أن قوة وانسجام السياسة الخارجية في أي بلد تنبع من قوة جبهته الداخلية، فما بالك بالعراق الذي تتزايد أزماته وتتداخل مع اجندات أطراف خارجية. ولنأخذ مثالاً واحداً على ذلك، فقد وقع العراق مؤخراً مذكرة للتفاهم العسكري والأمني مع تركيا، وسيتم استحداث مركز للتنسيق الأمني المشترك في بغداد، ويبدو أن هذه المذكرة ستدخل العراق طرفاً في مشكلات داخلية تخص تركيا، والغريب في الأمر لم تتطرق هذه المذكرة لا من قريب ولا من بعيد للتواجد العسكري غير الشرعي للقوات التركية في شمال العراق، واعلان تركيا استمرار هذا التواجد في أكثر من مناسبة، وكأن هذا التواجد أصبح أمراً مفروغاً منه، في حين أنه ينتقص من سيادة العراق بشكل صارخ، ويضعف موقفه في أي مفاوضات مع تركيا عندما تعتبر هذا التواجد ورقة ضغط تمارسها في سبيل تنفيذ سياساتها وتأمين مصالحها الإقليمية.

    إن صراع الكتل المتنفذة على السلطة والنفوذ والمال وتقاسم المنافع والاعتماد على الدعم الخارجي للبقاء أطول مدة في مواقع الحكم لا بد وأن يترك أثره على السياسية الخارجية، حيث يجري التساهل مع الاعتداءات المتكررة على الأراضي العراقية وانتهاك السيادة الوطنية وبالتالي يقود هذا النهج إلى سياسة خارجية رخوة لا تتسم بالحسم فيما يتعلق بالمصالح العليا للوطن والشعب.