منذ تشرين الأول/ أكتوبر عام 2023، تشن إسرائيل وبدعم كامل من الولايات المتحدة الأمريكية، خصوصا بعد وصول دونالد ترامب إلى الحكم حربَ إبادةٍ وحشية، قلّ نظيرها على الشعب الفلسطيني في غزة، وتحكُم الحصار والتضييق على الضفة الغربية، وتتوسع بمصادرة الأراضي الفلسطينية وإقامة المستوطنات دون رادع من المجتمع الدولي والأمم المتحدة. في حين تميّزت مواقف معظم الحكومات العربية بالإدانات اللفظية ولم تستغل ثقل بلدانها الاستراتيجي والاقتصادي خصوصا النفط، للضغط على حكومات الولايات المتحدة وأوروبا لوقف مساندتها لإسرائيل سياسيا وعسكريا واقتصاديا، بل أن بعض الحكومات العربية التي طبعت علاقاتها مع الكيان الصهيوني لم تَقدم ولو ظاهرا على قطع علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية مع هذا الكيان الغاصب. والأكثر من هذا أن بعض دول الخليج وافقت على استثمار آلاف المليارات من الدولارات في الولايات المتحدة بعد زيارة ترامب الأخيرة لها. جرى ذلك في ظل استمرار إسرائيل في حربها الدموية ضد الشعب الفلسطيني في غزة وفرض الحصار الجائر على سكان القطاع لمنع وصول المساعدات الإنسانية إليهم. وفي ظل غياب موقف عربي رسمي وشعبي للتصدي لهذا العدوان الغاشم ووقفه، شجعت هذه المواقف المتخاذلة إسرائيل على التمادي في القتل والتدمير الممنهجين.
استغلت إسرائيل هذه الأجواء لتشن عدوانا غادرا على إيران وشعبها بحجة نيتها امتلاك سلاح نووي، بينما كانت الولايات المتحدة وإيران في طور التفاوض حول اتفاق نووي. يجري ذلك فيما ترسانة إسرائيل تغص بالصواريخ النووية دون اعتراض أو مطالبة بالتفتيش من قبل الولايات المتحدة والدول الأوروبية والوكالات الدولية. إنّ هذا العدوان يشكل خرقا سافرا لسيادة دولة مستقلة، ويتعارض على نحو كامل مع القانون الدولي ومبادئ الأمم المتحدة في عدم التعدي على سيادة الدول، ويعكس المواقف المزدوجة في التعامل مع الدول من منظور المصالح الاستراتيجية والاقتصادية للدول ذات النفود السياسي والعسكري والاقتصادي، وهذا يجعل العالم غابة يتحكم بها وحوش الرأسمالية وممثلوها.
يشكل تصعيد الولايات المتحدة لحدة التوتر بشكل خطر، من خلال قيامها بقصف المنشآت النووية الإيرانية وما ترتب على هذا العدوان من رد إيراني باستهداف قاعدة أمريكية في قطر بالصواريخ، عملا تخاطر به على نحو غير مسبوق بزج منطقة الشرق الأوسط في أتون حرب ربما لا يمكن التحكم فيها، كل ذلك تحت يافطة الشروع في إقامة مشروعها المعلن المسمى بـ"الشرق الأوسط الجديد"! المصمم خصيصا للرضوخ للهيمنة الأمريكية - الإسرائيلية الكاملة. هذه المخططات ستجلب الويلات والمآسي والخراب لشعوب المنطقة التي عانت الكثير نتيجة سياسات الأنظمة المستبدة والدول الغربية، خصوصا الولايات المتحدة في إشعال الحروب والعمل على استدامتها لخدمة مصالحها الجيوسياسية. إضافة إلى ذلك فإن هذه الأعمال العدوانية ترافقها مخاطر صحية وبيئية طويلة الأمد على سكان المنطقة. والآن بعد أن تم الاتفاق على وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران، نأمل أن يتعزز هذا الاتفاق بما يحفظ سلامة الشعب الإيراني وشعوب المنطقة وأمنها.
تداعيات الحرب على بلادنا
نتيجة هذه المواجهات المسلحة باتت بلادنا وشعبنا في قلب العاصفة ومخاطرها الأمنية والاقتصادية والبيئية والصحية. وقد بدأت بعض نتائجها تتضح من خلال إغلاق الأجواء العراقية أمام الطيران الدولي لمدة اثني عشر يوما، وتراجع إمدادات الكهرباء وغلاء بعض السلع. وهذا يعكس فشل الحكومات المتعاقبة في عدم امتلاكها أي خطة طوارئ تخص أي قطاع حيوي من قطاعات البلد الاقتصادية والخدمية والأمنية. ولم تعمل على توفير بدائل يمكن الركون إليها في أوقات الأزمات. السبب ببساطة؛ لأن الأحزاب والكتل المتنفذة التي شكلت الحكومات المتعاقبة طيلة أكثر من عشرين سنة كان همها الأول منصبا على تقاسم مواقع السلطة والنفوذ وثروات البلد من خلال الفساد الإداري والمالي الذي استشرى في مفاصل الدولة والمجتمع بشكل مريع. وبينما توشك الحرب بين إيران وإسرائيل أن تضع أوزارها تعرضت قاعدتان جويتان عراقيتان وقواعد أخرى كما ذكرت الحكومة لهجوم بطائرات مسيرة. ويبدو أن هناك بعض الأطراف تريد خلط الأوراق وزج العراق في هذه الحرب، في حين يُفترض أن يكون قرار الحرب والسلم بيد الدولة وليس بيد أي طرف مسلح آخر مهما كان توجهه.
المطلوب العمل على تقوية الجبهة الداخلية وتماسكها، ولا يتحقق ذلك دون إحداث تغييرات أساسية في بنية النظام السياسي الهشّة، أولها نبذ نهج المحاصصة الطائفية الإثنية، وبناء دولة المؤسسات والمواطنة لا دولة المكونات، وتحقيق العدالة الاجتماعية، والدفاع عن استقلال العراق وسيادته، وأن يكون قراره مستقلا لا يخضع لتدخلات وإملاءات الدول الأخرى سواء الإقليمية منها أم الدولية، دون ذلك سيبقى النظام السياسي ضعيفا ومعرضا للاهتزاز ولا يقوى على التعامل مع الأزمات الطارئة.