تشرين1/أكتوير 10
   

 لا ترى حكومة المحاصصة والأزمات، ولا تريد أن ترى، حجم وآنيّة المخاطر التي تحيط بالبلد. ما من أزمة في المنطقة إلا وتمرّ بالعراق الواقع في قلب العاصفة. العجز في التعامل مع المخاطر يتحول إلى عمى إرادي. انسحاب ما تبقى من الوجود الأمريكي من البلد يفترض أن يكون موضوع فرح وطني، لكنه بفضل سياسة الحكومة، وبرلمانها، صار علامة فزع من الآتي.

 الحروب والأزمات كواقع واحتمالات تطوّق البلد وهي تهيئ المنطقة كلها لـ ( شرق أوسط جديد) تكون فيه اسرائيل الشرطي المطلق الصلاحيات، هي التي تحمي مصالح الأقليات، وهي التي تعاقب الخارجين عن الطاعة، وهي المرجع في القرارات السيادية. ويتجلى ذلك في:

 - حرب إبادة في غزة يقابلها عجز شامل وانعدام كامل لأي موقف عربي حتى ولو استنكاراً بالكلام.

- حرب قريبة تحسب بالأيام ضد إيران وامتداداتها في المنطقة إذا فشلت المفاوضات ولم ترضخ للإرادة الأمريكية - الاسرائيلية.

- التغيرات الجيوسياسية في سوريا الذاهبة إلى اللامكان، أو إلى التطبيع وحده، هذه التغيرات لها امتداداتها في العراق المهيأ والمعد لكل الأزمات الإثنية والطائفية.

- وفي سوريا، واصلت إسرائيل عدوانها لتقويض القدرات الدفاعية السورية، متوسعة في احتلال الجولان وإلغاء اتفاقية وقف إطلاق النار لعام 1974.

- داعش، بما لديها من قدرات تستثمر الفوضى التي أعقبت انهيار نظام الأسد أواخر العام الماضي فصارت جزءاً عضوياً من السلطة في سوريا، وهي تنظر للعراق كخصم طائفي، تنتظر ثغرة، وما أكثر الثغرات، لتعود إلى بعض مواقعها السابقة.

- حكومة ترامب غاضبة على العراق، وتهدد بعقوبات اقتصادية دولية إذا لم يسحب العراق إقرار قانون الحشد الشعبي في حال التصويت عليه في البرلمان.

- احتمالات الحرب على لبنان إذا أخفقت الحكومة اللبنانية في نزع سلاح حزب الله.

- الأزمة الإقتصادية الداخلية بعد تاريخ من نهب رصيد المستقبل.

 .. هذه المخاطر تحسب بتكّات الساعة، ولها تتحرك الأساطيل حولنا وتجهز لها الصواريخ، والوسطاء ذاهبون وعائدون بلا توقف يستبقون لحظة الانفجار. 

..  أجراس الخطر تدق من الشمال والجنوب، من الشرق والغرب، مع ذلك لا تدرك السلطة العراقية، حكومة وبرلماناً، ولا تريد أن تدرك حجم المخاطر المحيطة بالبلد.

المخاطر تكشف بوضوح، يفوق الوضوح، أزمة الحكم البنيوية:

- مزيداً من التفكك في التحالف الحاكم.

- المحسوبية تحل محل الكفاءة في التعيينات وفي أكثر الأجهزة حساسية في السلك الخارجي.

- عجز مستتب في البرلمان ترك عشرات القوانين معطلة بسبب كثرة الاعتراضات التي تصل حدّ الشتائم والاشتباك بالأيدي.

- مزيداً من التمسك بالطائفية والتخويف من الطائفة الأخرى.

- مزيداً من النهم والفساد واستخدام مال الدولة للدعاية الانتخابية.

- ومزيداً من التضييق على الحريات حدّ منع تظاهرة سلمية في بغداد هدفها الأساس الدفاع عن كرامة العراق وسيادته خاصة قضية اتفاقية خور عبدالله الباطلة.

 المخاطر تطوق العراق وتخترقه من جميع الجهات، ومع ذلك تقوم حكومة الأزمات بالترقيع فتعالج الأزمةً بأزمة أكبر، وتزداد تفككاً وفساداً.

 وبدلا من أن تكون كل هذه المخاطر موضوع حوار وطني، راحت قوى السلطة المهزوزة، وهي تستعد لوليمة الانتخابات، تقلّم معارضتها، لتبقى وحيدة في الساحة، تناور بالمال السياسي واستخدام النفوذ وموارد الدولة، لتجعل من الانتخابات المقبلة أداة لتدوير نفس الوجوه، لا أداة لإحداث انتقال نوعي وتغيير فعلي في الوضع السياسي لمواجهة المخاطر المحيطة بالبلد.

 لقد أعطت التطورات السياسية التي عرفتها البلاد منذ 9/4/2003، وعبر كل التجارب الانتخابية والاستشارية، ديمقراطية ناقصة، مشوهة، مبتورة، لأن طبيعة وبنية السلطة في العراق و"التوازنات" التي تحكمها تجعل منها غير قابلة للتداول بالمعنى الديمقراطي الصحيح، فالديمقراطية تقوم اساسا على فكرة المواطنة وليس على اساس الهويات الفرعية وهو ما يسود اليوم؛ وإنها لا تبنى بقيادة أناس غير ديمقراطيين لا يرون في الديمقراطية إلا آلياتها الانتخابية والصعود الى السلطة واحتوائها عملا بـ "القاعدة" المعروفة: "اخذناها وما ننطيها" !! في حين أن الديمقراطية تقوم على مبدأ راسخ هو تداول السلطة وليس تأبيدها.

ومن المؤكد ان البلاد تحتاج إلى تغيير جذري وشامل. وطبيعي ان التغيير المطلوب لن يتحقق إلا ببناء بديل يكسر محاولات احتكار السلطة المستندة الى الهويات الفرعية وإعادة انتاجها، ويؤسس لوعي اجتماعي جديد، عابر للهويات الفرعية وما يماثلها من أي لون وشكل. ان تحقيق هذا البديل يحتاج الى أفق أوسع والى قوى جديدة وتحالفات تكون قادرة على احداث تغيير حقيقي في تناسبات القوى الفعلي وليس اعادة إنتاج النظام الراهن، المحاصصي – الطوائفي/ الاثني الذي اصبح عائقا امام بناء الدولة المدنية الديمقراطية العصرية، دولة المواطنة.

فالتغيير المطلوب هو ذلك الذي يخلق الممكنات الفعلية لبناء دولة مدنية ديمقراطية اتحادية وعدالة اجتماعية، وليس إعادة إنتاج نظام المحاصصات الطائفي/ الاثني!