كانون1/ديسمبر 05
   
 
 
    بالقدر الذي أصبحت فيه حدود الرأسمالية واضحة للغاية، تحولت مرة أخرى، إلى رأسمالية حرب وكارثة، وتبخرت الثمالة بعد الانتصار المفترض على الاشتراكية في نهاية الحرب الباردة، وازدهر النقاش حول الاشتراكية مجددا. ان الاستقطاب الاجتماعي الصارخ والكارثة البيئية وعواقب الأزمات الاقتصادية الجديدة وكذلك الحروب الجديدة وعسكرة السياسة الدولية هي علامات على الجدار. يشترك العديد من اليساريين في الرأي: في ان "الإجابة النهائية على السؤال" لماذا الاشتراكية "بسيطة: لانها ستكون أفضل ضمانة للسلام" (سنكارا- 204 / 2019). تُفهم الاشتراكية على أنها رسالة سلام، سلام للناس، سلام للدول مع بعضها البعض، وسلام أيضاً مع الطبيعة. مفردة أخرى لهذا السلام هي التضامن، لأن التنافس الرأسمالي والحرب يبدو أنهما يشكلان كلا واحدا جديدا.
    لقد انتهى زمن الصمت بعد "الموت الغريب للاشتراكية" (دارندورف 1990). ولم تستطع الليبرالية الجديدة ملء الفراغ الذي خلفته الماركسية- اللينينية منذ عقود. وظهرت مؤخرًا كتب ومقالات أساسية جديدة تركز على الاشتراكية. وهناك سلسلة كاملة من الاصدارات حول الاشتراكية، ليس عالميا فقط، بل في المنطقة الناطقة باللغة الألمانية التي يمكن حصرها. (قارن دلهايم هيت الـ. 2012، بيش 2012، كلاين 2013، هونث 2015، فنكر 2015، دوره/ شيكرت 2019، تسلك 2020، تسولر 2020، دوره 2021، كلاين 2022) لكن لماذا نسأل ما هي الاشتراكية؟ لماذا نحتاج إلى مصطلح بينما "الأمر" يبدو واضحًا لكثير من اليساريين؟ ألا يكفي أن ندرك أن المجتمعات التي يسيطر عليها تدوير رأس المال تجعل الحياة الكريمة مستحيلة للجميع. أليس من الواضح أن إطلاق العنان للرأسمالية، والانتقال من صدمة إلى صدمة، يؤدي إلى كارثة؟ (راجع كلاين 2009) ولماذا لا يمكن للمرء أن يقتصر على مجرد وصف الاشتراكية كمجتمع اجتماعي وبيئي ونسوي ومناهض للعنصرية وديمقراطي وسلمي؟ ويمكن ان تستمر التوصيفات الترويجية. ان التمثلات المذكورة أعلاه تأخذ سلسلة كاملة من المشاريع الأولية (مداخل) (حول هذا المفهوم انظر برانش 2009). لقد قدمت حركة المناخ الشابة والمعاصرة الكثير (راجع "مجلس الشباب" الصادر عن مؤسسة الأجيال 20199 / نوير باور/ ريبنغ، براند 2020، غوبل 2020، فوب 2021). وقُدمت كذلك مساهمات في المناقشة يمكن الإشارة لها (انظر آدمشاك 2017، بيرغمان 2019، فنكر 2021).  وهذه بعض المؤشرات فقط. لماذا لا يكفي التركيز بدقة على مثل هذه المداخل؟ (راجع معهد التحليل الاجتماعي 2011؛ معهد التحليل الاجتماعي والأصدقاء 2020).
    إنّ الأدبيات حول المشاريع الأولية المحتملة في ثورة جذرية قائمة على التضامن وذات توجه اشتراكي لا لبس فيه، هذا في جمهورية المانيا الاتحادية بمفردها. يبدو ان الفرصة غير متوفرة، "كايروس الشهير" (التمثال الشهير للإله اليوناني كايروس ليسيبوس يرمز الى لحظة القرارات الملائمة - المترجم) (قارن نيوبيرت – دوبلر 2019) وقوة تقود العالم الى طريق آخر (قارن هارفي 2009). ما كان لهذا الكتيب ان ينجز، لو لم أكن مقتنعا، بأن المفقود شيء آخر. بعد سنوات الثورة المضادة الرمادية التي أعقبت قمع الثورة الأوروبية الكبرى في 1848-1849، كتب فرديناند لاسال في كتابه "برنامج العمال" لعام 1862: "حركة ثورية حقًا، حركة قائمة على مبدأ فكري جديد حقًا، [...] لم تهزم أبدًا، على الأقل ليس بشكل دائم." (لاسال 202: 1967). إنني مقتنع بأن الحركات الاشتراكية للموجات الاشتراكية السابقة في القرنين التاسع عشر والعشرين قد انهارت لأنها تحديدا كانت تستند إلى فهم تاريخي محدود للغاية للاشتراكية استنفدت قوتها. إذا كان هذا الافتراض صحيحًا، فلن يكون تجديد الاشتراكية ممكنًا بدون تجديد المبدأ الاشتراكي أو مفهوم الاشتراكية. هذه هي الطريقة الوحيدة، في رأيي، التي يمكن بواسطتها تلبية مطالب نانسي فريزر "أن الاشتراكية" بعيدة كل البعد عن كونها مجرد شعار أو من بقايا التاريخ، ولكن يجب أن تصبح اسماً لبديل حقيقي للنظام الذي يدمر حالياً الكوكب وفرصنا في حياة حرة وديمقراطية جيدة. "(فريزر 157: 2022).
    هذا الكتيب باللون الأزرق الفاتح يعاني من ضعف كبير: إنه مجرد وتخطيطي. مجرد لأنه لا يحاول تضمين الوفرة الهائلة من التجريبية التي تظهر فوراً في كل نقطة على حدة. لقد اشرت بقدر استطاعتي الى المزيد من الادبيات. وتخطيطي لاني مهتم بمنح مفهوم الاشتراكية صورته "تخطيط لهذا المفهوم" بلغة كانت (كانت 135: 1968). يسمى اليوم مثل هذا الاجراء تأطيراً.
    من الطبيعي طرح السؤال، لماذا ينبغي على المرء بذل جهد، لتحديد طبيعة البديل الاشتراكي مفاهيميا؟ ألا يمكن ببساطة صياغة سلسلة من مقترحات التحول الجذرية، بدرجة او أخرى، التي تتعامل مع المشكلة الحقيقية، دون ان نضع صوب اعيننا مجتمعاً مختلفاً، مجتمعا غير رأسمالي بالكامل، وتحديد مفهومه؟ وإذا كان الأمر يتعلق بالكل، ألا يكفي تحديد العناصر المنفردة لمثل هذا الكل؟ وابعد من ذلك يطرح السؤال الاتي: لماذا ينبغي ان يكون مهما لي كفرد، امتلاك فهمي الخاص للاشتراكية؟ وقبل كل شيء: لماذا ينبغي على الحركات المجتمعية تطوير مثل هذا الفهم للاشتراكية؟
    اثناء تأليف هذا الكتاب الصغير، طرحت هذه الأسئلة على نفسي عدة مرات. لهذا استغرقت وقتاً طويلا، للوصول الى هذه النتيجة. واثناء العمل، أصبحت أكثر وعيا، بأهمية وجوب ان تكون هذه النتيجة مؤقتة، وان تبقى مؤقتة. إن المحاولة المعروضة هنا للإجابة عن ماهية الاشتراكية سبقتها محاولات عديدة تعود إلى الثمانينيات (انظر بري 1985، 1991، بري وآخرون 1997، كلاين 2003، بري 2018 أ). مرة أخرى، ان اجاباتي المؤقتة اليوم، على الأسئلة المذكورة اعلاه، هي بأهمية الدقة في تحديد مفهوم البديل الاشتراكي، كما هو مهم تحديد مفهوم الرأسمالية، وعدم حصرها في تجميع كل ما هو غير اجتماعي، او مدمر للبيئة، امبريالي او مستبد. بدون مفهوم الاشتراكية، سيكون اليسار، في رأيي غير قادر على مواجهة التناقضات الحقيقية للمجتمعات الرأسمالية القائمة والتناقضات التي تدفع للتغلب عليها.
    ان الخبرة التاريخية تؤكد ذلك. في قناعتي، لم يكن المفهوم الأحادي الجانب للاشتراكية هو الذي أدى إلى العديد من طرق التاريخ المسدودة وخلف وراءه كومة أنقاض، والتي يمكننا بصعوبة من بينها تحديد البدايات العظيمة التي لا يزال بإمكان الاشتراكية اليوم البناء عليها ايضا. تحديدا، لأن الاشتراكية كانت تُفهم دائمًا على أنها مجتمع خالٍ من التناقضات، أصبحت الحركة الاشتراكية والشيوعية محاصرة من تلك التناقضات بالضبط، التي يجب أن تملكها الحركة الاشتراكية ووقعت ضحية لها. كتب فالتر بنيامين، الذي واجه كوارث الفاشية الصاعدة وفشل الاشتراكية قبل الحرب العالمية الثانية: "المهم بالنسبة للديالكتيكي ان تكون رياح تاريخ العالم في اشرعته. والتفكير بالنسبة له يعني: وضع الاشرعة كما يجب ان تكون، وهذا مهم. الكلمات اشرعته. الكيفية التي يتم فيها تركيبها تحولها الى مفهوم" (بنيامين 591: 1982) "السياسة الواقعية الثورية" (لوكسمبورغ 373: 1979) التي تعالج تناقضات المجتمع الحقيقي يمكنها أن تبحر في مواجهة عاصفة التاريخ وتؤدي إلى حركة ذات توجه اشتراكي فقط، تمثل شكل التعبير عن هذه التناقضات ومعالجتها. من لا يريد ان يترك نفسه للريح ببساطة، عليه ان يفهم كيفية توظيف هذه التناقضات. وبالتحديد لهذا الغرض نحتاج مفهوما للاشتراكية.
    الرأسمالية ليست رأسمالية، إذا لم تحتو على تناقضات، تفرق التابعين وتوحد الحاكمين. لكن الانقسام ليس مطلوبا لأي حركة. واليسار جزء من تناقضات الرأسمالية.
    طالما لا يفهون هذه التناقضات، ولا يحددونها بدقة ولا يطورون مفهوما للاشتراكية، يساهم في حل هذه التناقضات تضامنيا، سيظلون محشورين في اضداد خاطئة، ويدمرون أنفسهم. ويعمل المرء على جعل هذا أو ذاك النهج المشروع مطلقا، ويضعه بشكل قسري في تضاد مع مناهج أخرى. وكل جزء من اليسار سيرى الجزء الآخر على أنه العدو الرئيسي في معسكره، بدلاً من العمل على حل التناقضات الحتمية بالتضامن. بعبارة أخرى: عندما يتعلق الأمر بالاشتراكية، فإن العمل المفاهيمي هو شرط الممارسة الناجحة.
    لقد سعيت لتوفير وسائل التفكير التي يمكن أن تساعد في مناقشة الاشتراكية كشكل حيوي ومتناقض لصيرورة بديل للرأسمالية، وللتركيز على تناقضات هذه الصيرورة، أفترض أن هذه التناقضات هي جزء من طبيعة اليسار الاشتراكي. وإنها تشكل تلك السياقات المتناقضة التي يمكن أن تنمو منها قوة الحركات الاشتراكية. الشرط المسبق لذلك هو التعامل مع هذه التناقضات بطريقة ديالكتيكية. لقد تم تطوير العديد من الأدوات التي أشير إليها على مدى 200 عام من تاريخ الاشتراكية. غالباً ما كانت أحادية الجانب وموجهة ضد المناهج الاشتراكية الأخرى (انظر الملخص التاريخي الكبير لفرانك ديب في عام 2021). على عكس ديب، سأشير في ما يلي بشكل أساسي إلى تناقضات اليسار، التي تكمن في رؤيتهم للهدف، ارتباطا بمفهوم الاشتراكية ذاته. إن "الافتراضات النظرية" التي تمت صياغتها بهذه الطريقة لا تكون منطقية إلا إذا أثبتت في النهاية أنها "تعبيرات عامة عن الظروف الفعلية لصراع طبقي قائم (ومجموع النضالات الاجتماعية – الكاتب) لحركة تاريخية تحدث أمام أعيننا". (ماركس/ إنجلس 475: 1848) لكن هذا لا يمكن إثباته إلا من خلال الممارسة الاجتماعية. كما جاء في "حوار اللاجئين" لبيرتولت بريشت، صديق فالتر بنيامين: "المفاهيم التي نضعها لشيء ما مهمة للغاية. إنها المقابض التي يمكن من خلالها تحريك الأشياء" (بريشت 453 / 1973).
    حدد إرنست بلوخ أهمية المصطلحات لممارسة تحولات تحررية بشكل أكثر جوهرية: أكد أهمية المفاهيم الواضحة لتعامل محدد الأهداف: "وبالتالي، فإن التفكير القاطع الدقيق له الكلمة الأولى، ولفترة طويلة، الكلمة الواضحة دائماً في الوقت المناسب، ولكن ليس الكلمة الأخيرة، وفقًا للمهمة المطلوبة، اذ أن التعامل يعني التغيير. لكن لا يحدث تغيير بدون مفهوم، باعتباره هيئة الأركان العامة للتحول وبالتالي الوصول الممكن، بحيث لا تصل إلى مكان آخر غير المقصود حقا". (بلوخ 1975: 239)
    يستند هذا الكتاب على افتراض أن تناقضات الاشتراكية كحركة تاريخية حقيقية لها جذورها في نضال الليبرالية والشيوعية. هذه المعركة مستعرة منذ 400 عام. ومن ناحية أخرى، هناك نضال الليبرالية من أجل الاستقلال الذاتي الشخصي والتغلب على الاعتماد على أشكال الحكم القائمة. يتعلق الأمر بالحريات الفردية وخيارات التعامل، وبفرصة تشجع الأفراد على الاقدام على شيء جديد، حتى في مواجهة مقاومات شرسة. ينصب التركيز على تشكيل الاقتصاد والسياسة على أساس المبادرة الحرة للأفراد وجمعياتهم الذاتية. كان هذا ولا يزال في نفس الوقت نضالا ضد شيوعية المشاعات وتوزيعها حسب الحاجة. هذه المشاعات وقواعد التنظيم الجماعي، كان يُنظر إليهما على أنهما عوائق أمام قيام مجتمع حر. ومن ناحية أخرى، هناك نضال الشيوعية ضد الهياكل الاستغلالية المرتبطة بالملكية الرأسمالية الخاصة وللحفاظ على المشاعات - الطبيعية وكذلك الاجتماعية والثقافية، نضال من أجل أشكال المجتمع القادرة على إرساء الحرية والمساواة بشكل كبير. كان هذا ولا يزال أيضًا نضالا ضد هيمنة الحقوق والملكية الخاصة، ومن اجل السيطرة الجماعية على وسائل الإنتاج وإعادة الإنتاج. لقد ذهب كلاهما دائماً إلى الاشتراكية - التأكيد على حقوق الحرية للأفراد والنضال من أجل الحياة التضامنية.
    يهتم هذا العمل بإعادة اكتشاف ما تم نسيانه في صراع الأيديولوجيات: الاشتراكية لها جذران - الليبرالية والشيوعية. الاشتراكية ليست الليبرالية المستنيرة والمحتواة اجتماعيا، ولا هي الشكل الضعيف أو غير الناضج أو الإصلاحي للشيوعية. الاشتراكية هي الحركة التاريخية التي تأخذ زخم التحرر الفردي والتحرر الجماعي وتجمع بينهما في تضامن. خطوة خطوة، سنحاول فهم الاشتراكية على أنها توجه وحركة وسياق اجتماعي شامل يسعى إلى العمل من خلال تناقضات المجتمعات المعقدة بروح من التضامن والتحرر، مع الاعتماد على التراث الليبرالي والشيوعي. أدت هيمنة التيار الليبرالي إلى الرأسمالية. وأدت هيمنة الاتجاه الشيوعي إلى اشتراكية الدولة من النوع السوفيتي أو تجارب شيوعية أخرى. الشياطين تكمن في الجانبين، لتولي زمام الأمور، إذا كانت التناقضات لا يمكن السيطرة عليها حضاريا (قارن بومان 2000).
    أرى الاشتراكية كوسيلة للتوسط بين الليبرالية والشيوعية على أساس مؤسسي جديد وعلاقات ملكية وسلطة جديدة، في شكل سياسي جديد، على أساس جديد من القيم. الاشتراكية، إذا أثبتت نفسها على هذا النحو، تقود الاشتراكية إلى ما وراء الليبرالية والشيوعية. في الوقت نفسه، يشمل ذلك إعادة إنتاج التناقض بين الليبرالي والشيوعي في شكل اشتراكي. المجتمعات المعقدة لا تتخلص من هذا التناقض إلا بثمن السقوط في البربرية. هذه البربرية بالتحديد هي التي تنتشر الآن.
    إن إعادة تأسيس الاشتراكية يتمتع براهنية، لأنه، في رأيي، لا يمكن أن تكون الحركات الناجحة خارج الرأسمالية ممكنة إلا إذا قبلنا التناقض بين الليبرالي والشيوعي. إذا دافعنا عن حرية الأفراد وتطورهم الشخصي، فنحن بحاجة إلى النضال من أجل المجتمع. وإذا ناضلنا من أجل المجتمع، يجب أن ندافع عن حرية الفرد. ان الهروب من التناقضات الواردة فيه هو الهروب من أي حركة حقيقية تتغلب على الرأسمالية. إن الرغبة في الحرية وحقوق الفرد والواجب تجاه المجتمعات مرتبطة ببعضها بشكل لا ينفصم. والربط بينهما صعب، وغالباً ما يكون مؤلماً، ويتطلب تنازلات. لكنه ينمو من الأضداد، إذا تم التعامل معها بشكل تحرري ومتضامن، فإن تلك الحركة الاشتراكية تنمو وقادرة على إلغاء الواقع الرأسمالي الحالي. وفي رأيي، ليس لليسار مستقبل إلا إذا أدرك هذين المصدرين للاشتراكية واستمد منهما، في تناقضهما، القوة ليقود بثقة النضالات ضد الحروب، والتدمير البيئي والانقسامات الاجتماعية. وفي الوقت نفسه، يجب أن نضيف هنا، ان على اليسار أيضاً تأكيد إرث الرومانسية الثورية المناهضة للرأسمالية. (راجع لوفي 1989، لوفي / ساير 2001) لقد تمت التضحية بهذا الجانب من جوانب الاشتراكية بشكل متكرر من أجل التفكير التقدمي الخطي و"الضرورات الموضوعية". ومع ذلك، بدون إلاحتفاظ بهذا الإرث الرومانسي والحفاظ عليه وتكامله، لن يكون هناك تغيير حضاري جذري. لقد حان الوقت لإعادة اكتشاف الرومانسية وأهميتها للاشتراكية. هذا الكتاب لا يستطيع فعل ذلك.
    كانت الليبرالية الجديدة أساسا، محاولة لصد المقاربات والعناصر الشيوعية والاجتماعية والتوجه نحو مصالح الأجراء والمحرومين اجتماعيا، والتي تم تطويرها في العديد من المجتمعات الغربية بعد الحرب العالمية الثانية. لقد أُعلن الانتصار على الاتحاد السوفيتي في الحرب الباردة انتصاراً على المبدأ الشيوعي. بدلاً من الرد بموجة جديدة من الاندماج الشيوعي في المجتمعات الغربية الليبرالية، بدأ الطرد الحاد للشيوعي بعلزبول (أحد أسماء الشيطان في اللاهوت المسيحي – المترجم). لا ينبغي لشبح الشيوعية ان يصبح مصدر تهديد مرة أخرى. يمكن لإلقاء نظرة على "فينومينولوجيا الروح" لهيغل (كتاب ظاهريات الروح) أن تُعلم الليبراليين الجدد بشكل أفضل. يقول هيغل في إشارة إلى عصر التنوير المنتصر: " تثبت الفرقة أنها منتصرة فقط، عندما تنقسم إلى فرقتين؛ وبهذا تبين امتلاك المبدأ الذي كافحته، وبالتالي تتخلى عن النزعة أحادية الجانب التي ظهر فيها من قبل". (هيغل 1986: 425)
    ان هزائم اليسار منذ السبعينيات وخضوعهم لليبرالية الجديدة والرأسمالية المالية (قارن بولتناسكي/ تشيبالو 2003، فريزر 0213)، مرتبطة أيضاً بحقيقة أنهم (اليسار) في محاولتهم لتحقيق اختراقات تحررية جديدة، لم يكونوا قادرين، في الوقت نفسه، على تجديد الإرث الشيوعي. وقع هذا الإرث وما يرتبط به من مقاربات حزب شيوعي، الملكية المشتركة، الإرادة المشتركة، والمجتمع ضحية الحكم الشمولي والسلطوية. وارى أن التجربة التاريخية تشير الى ان الحركات اليسارية التي تنبذ الشيوعية لم تعد يسارية وتصبح مجموعة ثانوية من اللعب الليبرالية (انظر ل وسوردو2010، ماغري 2015).
    أتوجه الى المهتمين عميقي التفكير، الذين لا يخجلون من البحث عن ربط الاضداد الذكي (آزلر 1975: 188). لا أريد أن أعطي إجابات سريعة وجاهزة، بل افتح مساحات يمكن فيها طرح أسئلة ذات مغزى، والتفكير في المشكلات، في الوقت نفسه، يمكن تطوير استراتيجيات جذرية وواقعية. لهذا لم أحاول ملء هذه الغرف بالكثير من أثاث «الحلول». لقد سعيت إلى تأليف الكتاب بروح "العارف بجهل المعرفة"، لكي اكتب ما هو غير معروف، كما طالب نيكولاس الكوزاني (فيلسوف ولاهوتي ورياضي ألماني – المترجم) في نهاية العصور الأوبية الوسطى، لبدء حقبة جديدة (الك وزاني 2002 :3)
    إذا كان هناك "درس" من التاريخ، فهو عدم وجود شيء أخطر من وهم القدرة على الهروب من تناقضات الحركات التحررية. هذه يوتوبيا خاطئة أساسا، ومثيرة للغضب، تجعلك كسولًا وعدوانياً تجاه المعترض. إنه أفيون اليسار. إن رفض تناقضات التحرر في الطريق إلى مجتمع ما بعد الرأسمالية ليس تعبيرا عن الجذرية. تشير تناقضات الحركات الاشتراكية اليوم إلى التناقضات في المستقبل، وعلى العكس من ذلك، فإنها تتوقعها. الذي يرفض التعامل مع تعقيد هذه التناقضات يرفض السياسة الواقعية الثورية حقًا، بالمعنى الذي تؤكده روزا لوكسمبورغ (راجع لوكسمبورغ 1979: 373؛ انظر مقالات بري في 2009 أ). وكما كتب ارنست بلوخ: "يجب أن تكون الآفاق ووهجها المحفز مرئياً في جميع الأهداف القريبة، وأن تكون مخترقة ومشرقة، ويجب أن يكون للهدف النهائي الجذاب تأثير على الممارسة النظرية لجميع الأهداف قصيرة المدى، كمُلهم لجميع الحركات الثورية الواعدة. لذلك فإن النظرية الثورية هي واحدة فقط، عندما تكون موجهة لربط الأهداف قصيرة المدى والهدف النهائي". (بلوخ 1975: 122، انظر أيضا كلاين 2018) يمكن أن تتغير، طبيعة التناقضات في الحركات الاشتراكية، التي توصل أهدافًا قريبة وبعيدة، في كل مرحلة نشأت فيها. ويجب أن تتغير الطريقة التي يتعامل بها اليسار مع تناقضات الاشتراكية، لأن اليسار في أزمة. وأي محاولة للهروب من التناقضات محكوم عليها بالفشل لأن مصدر كل حياة يكمن في التناقضات.
    إن الفرضية التي يستند عليها هذا العمل بسيطة للغاية: تُفهم الاشتراكية على أنها مجتمع، أولاً، يدرك أسسه الشيوعية ويحافظ عليها ويقويها بمسؤولية، وثانيا، ينسجم مع قيم الحرية، المساواة والتضامن، وثالثا تمكن الناس من عيش حياة مرضية. كل هذا ممكن فقط إذا كان لمثل هذا المجتمع جهات فاعلة ومؤسسات فعالة تؤدي هذه المهمة الثلاثية. الاشتراكية هي شكل من أشكال حركة تناقضات المجتمع الحديث والمعقد، القادر على ترك استغلال وقمع وحرمان الناس، من قبل الانسان، من حقوقهم واستغلال الطبيعة. على هذا النحو، فإن الاشتراكية هي بالفعل طريق البقاء الذي يتجاوز الليبرالية والشيوعية. تشكل الأسس الشيوعية "الأرض" المشتركة لهذا المجتمع. الحرية والمساواة والتضامن النجوم الثابتة في "السماء". والجهات الفاعلة والمؤسسات الاشتراكية تتوسط بين هذه السماء والأرض. يحصل الجميع على فرصة ليعيشوا حياة غنية ومرضية. يمكن للاشتراكية فقط أن تخلق هذه الإمكانيات لذلك، وعلى الناس أن يستردوا هذه الإمكانيات بأنفسهم.
    للتعبير عن مفهوم الاشتراكية في جملة واحدة: الاشتراكية هي شكل من أشكال التضامن بين مطالب حرية الأفراد والأسس الشيوعية في المجتمعات المعقدة الحديثة، لغرض تمكين الناس من عيش حياة مُرضية في عالم غني بالفرص، بمسؤولية تجاه بعضهم البعض. وينصب التركيز على أولئك المحرومين بشكل خاص. ان تحسين حياتهم هو مقياس السياسة الاشتراكية. والهدف من ذلك هو التخلي عن كراهيات الرأسمالية التي لا يحدث فيها تطور البعض إلا على حساب البعض الآخر. لا يعني ذلك بأي حال من الأحوال أن "كل شيء، بما أنه معاد للفرد، ومناهض لليبرالية، يسمى اشتراكية" (يلوخ 2007: 214) لكن الاشتراكية ليست كل ما يشير إلى الملكية المشتركة والمصلحة المشتركة للمجتمع. وليست الشيوعية هي الحل الوسط، كما كان يأمل بريخت (راجع بريشت 1969: 103)، لكنها تلك الاشتراكية التي توصل الحرية والمساواة والحرية والمجتمع على أساس تضامني. هذه ليست "مصالحة" بين الليبرالية والشيوعية من خلال إلغاء تضادهما، ولكنها تسوية شاقة وقاسية في كثير من الأحيان لهذه الأضداد على وجه التحديد بهدف اشتراكي. يجب الحفاظ على الاهتمامات المشروعة لهذين التيارين الكبيرين في العصر الحديث. وهذا يتطلب إيجاد وتنفيذ تلك الأشكال الاجتماعية التي يمكن العمل عليها بتضامن. في الوقت نفسه، يجب استيعاب الزخم والمساعي التي تم تطويرها في الحركات الرومانسية على مدار الـ 250 عاما الماضية، لأنهم كانوا يبحثون عن حياة مكتملة للناس في علاقاتهم المباشرة مع بعضهم البعض، في المجتمعات والطبيعة، في ما يتعلق بالتاريخ والمستقبل يمكن أن يعني ذلك. تبحث الليبرالية عن إجابات حول إمكانية أن تصبح الحرية الفردية أساسًا لمجتمع معقد. وتسعى الشيوعية جاهدة لأشكال تنظيم هذا التعقيد بروح من التضامن ومواءمته مع التنمية المشتركة. تطرح الرومانسية مسألة حياة مشتركة ذات معنى في طبيعة وثقافة غنيتين.
    بناءً على ما سبق، يمكن تعريف الاشتراكية في هذ الكتاب على النحو الآتي: الاشتراكية ليست المحاولة التي تكرر فشلها، لترك المجتمعات الحديثة خلفها، بل طريقة للتعبير عنها بطريقة مختلفة جذريا. مصادرها الثلاثة هي الليبرالية والشيوعية والرومانسية. مكوناتها المثالية الثلاث، هي التحليل الاجتماعي النقدي ونقد السلطة، واليوتوبيا الحقيقية لطريقة اشتراكية في التنمية وبحوث التحول. مرجعياتها الحقيقية الثلاث هي حركات التضامن التحررية، والقوى السياسية اليسارية، وثقافة التضامن النقدية، والفن والعلم. وتتوافق موجاتها الثلاثة مع الأنواع الثلاثة للرأسمالية على مدى المائتي عام الماضية، رأسمالية مانشستر، والرأسمالية المنظمة، ورأسمالية السوق المالية الليبرالية الجديدة. (قارن بري 2016 أ)
    ماتت الاشتراكية! تحيا الاشتراكية! بهاتين الجملتين، يمكن صياغة مفارقة يجب أن تميز أي نقاش حول الاشتراكية في الوقت الحاضر. لقد ظهرت الاشتراكية كحركة تاريخية حقيقية لمجموعات اجتماعية كبيرة في إنكلترا وفرنسا منذ أكثر من 200 عام. عندما ينظر الاشتراكيون إلى الماضي، فإنهم يرون بدايات جديدة مشعة في الأوقات المظلمة حقًا، والتي تسلط الضوء حتى اليوم على استكشاف إمكانيات جديدة في الحياة، وعلاقات اجتماعية وعلاقات جديدة بين الناس، وعلاقة جديدة مع الطبيعة. ويرون في الضوء الأسود الرمادي، اليأس والدمار والمخيمات والجدران. لا يمكن، من هذا، بناء دوامة تصاعدية بأمل أن يحمل حجم الهزيمة وعداً أكبر بالنصر. في الوقت نفسه، من الواضح أنه لا يمكن اعلان موت الاشتراكية. حتى أسوأ الانهيارات الذاتية لا تمنع إعادة الاشتراكية إلى جدول الأعمال من قبل هذه القوة الاجتماعية أو تلك. ويمكنك، مع آن بيتيفور، تلخيص الأمر بهذا الشكل ايضا: يمكننا ان نختار البقاء كهدف. لكن كي نبقى على قيد الحياة، يجب أن يتغير كل شيء. كل شيء حقا". (بيتيفور 2020: 20) كلمة الاشتراكية، تلخص جودة نظام التغيير من كل الجوانب بدقة. من الضروري فقط إعادة تعريف هذا المصطلح. يلخص محررو المجلة الصينية "كالجر ريفيو" اهتمامهم بتجديد خطاب الاشتراكية بالشكل الاتي: الهدف هو "التقاط ممارسة الاشتراكية في عهد ماو تسي تونغ باعتبارها الاشتراكية الصينية 1.0 واقتصاد السوق الاشتراكي منذ الإصلاح والانفتاح على أنها اشتراكية 2.0. فيما يتعلق بتحليل التحولات السياسية والاقتصادية الحالية، نريد أن نشير إلى أنه يجب تطوير الاشتراكية 3.0 في الصين المستقبلية، والتي تقوم على عمليات استمرار وإلغاء الاشتراكية 1.0 والاشتراكية 2.0". (هيئة تحرير بكين كالجر ريفيو 2021: 39)
    يجب أن يؤخذ كلاهما على محمل الجد، العودة المستمرة للاشتراكية بأشكالها المختلفة وكذلك هزائمها. وكلاهما يحتاج إلى تفسير البدايات الجديدة وكذلك الفشل تمامًا. كما يجب التساؤل عما إذا كان هذا الفشل حتميًا. هناك رؤيتان محتملتان: قد يتضح أن الاشتراكية ليست بدقة، سوى ظل النظام الاجتماعي ذاته الذي تريد مقاومته وتريد استبداله، أي الرأسمالية. إذا فهم على هذا النحو، فهو ظاهرة مرافقة للرأسمالية، وغير قادر على العيش المستمر معتمدا على قواه الذاتية. تستمد هكذا اشتراكية قابليتها للحياة من كونها تصحيحاً للرأسمالية، وتبيان لحدودها، وتضغط عليها للقيام بإصلاحات، لن تكون قادرة على القيام بها بدون مثل هذا الظل. وهذا يعني أن الرأسمالية التي أطلق عنانها، كالتي سادت في فترة ما بعد التسعينيات، أي راسمالية فقدت خصمها وسعت إلى القضاء على بقاياه، قد تحتاج حتى إلى ظهور ظلها الاشتراكي من أجل تمكينها من البقاء.
    الاحتمال الآخر هو أن الرأسمالية نفسها تعيد باستمرار خلق الظروف الموضوعية والذاتية لنفيها الاشتراكي. عندها يجب ان يكون باديا، انه وفق رؤية الاشتراكية كنظام اجتماعي، ممكن ان يتجاوز الرأسمالية. ولتحقيق ذلك يجب تجديد الشروط التي يجب توفرها.
ينبغي لهذا الكتيب المساهمة في الوصول الى اجابات، وفي هذا كله، أدرك تحذير بيرتولت برشت: "طوبى للشك". (بريشت 1978 :123)
    يبدأ الكتاب بإلقاء نظرة على تجارب القرن العشرين، في مواقف توماس مان وألبرت أينشتاين وإرنست بلوخ بالإضافة إلى رؤى الذين قضوا طفولتهم وشبابهم في ألمانيا الديمقراطية وحياتهم البالغة في جمهورية المانيا الاتحادية. يتعلق الأمر برؤيتهم لـ "مجتمع جيد". يتناول الفصل الثاني المواقف غير القادرة على الجمع بين نقد الرأسمالية والاعتراف بنقاط القوة في هذا النظام الاجتماعي. في الفصل الثالث، يتم بايجاز عرض آراء كارل ماركس وأوتو نيورات (فيلسوف وعالم اجتماع واقتصاد نمساوي – المترجم ) ولودفيج فون ميزس  (اقتصادي وفيلسوف ومفكر نمساوي – المترجم) حول إمكانية أو استحالة قيام نظام اقتصادي اشتراكي. الفصل الرابع يتحول إلى كارل بولاني. لقد كان هو الذي أخذ تحدي ميزس على محمل الجد وطور نهجاً جديداً للديمقراطية الاقتصادية الاشتراكية، لا يزال مؤثرا حتى اليوم. في الفصل الخامس، يتم تطوير ملامح فهم للاشتراكية، باعتبارها تسوية تضامنية وتحررية لتناقضات المجتمع المعقد. ينصب التركيز فيه على التناقض بين التطور للفرد الحر والتنمية الحرة للجميع.
    الاشتراكية ليست بأي حال من الأحوال الشيء البسيط الذي يصعب بناؤه، ولكنها على العكس من ذلك شكل معقد ومتناقض من التنمية الاجتماعية، والتي توجد لها مقاربات في الرأسمالية. هذا هو الشرط الأساسي لتحول اجتماعي - إيكولوجي جذري وإنشاء نظام عالمي للسلام والتنمية التضامنية.
    الصين هي الفيل الموجود في ميدان كل سؤال تقريباً في الوقت الحاضر، بما في ذلك السؤال عن الاشتراكية. لهذا السبب لا يمكن تجنب "السؤال الصيني". ولهذا كان من الضروري تقريبًا أن يتطور الفصل المخطط بشأن الصين في النهاية إلى كتاب صغير خاص بها، من المقرر نشره في ربيع عام 2023 تحت عنوان "إعادة اكتشاف اشتراكية الصين". لأنني عندما حاولت إعادة اكتشاف الاشتراكية، قمت أيضاً بإعادة اكتشاف شيء ما بنفسي عن الصين - البلد الذي كنت مرتبطًا به منذ عام 1958، عندما هبطت،  في سن الرابعة، لأول مرة بالطائرة في شمال شرق بكين.
    لولا التحدي الذي تمثله الاشتراكية الصينية وتطورها منذ عام 1978، لما كتب هذا الكتاب، وكان سيبدو بالتأكيد مختلفًا تمامًا. وهذا سبب في أن كلا الكتابين، هذا الكتاب، والكتاب عن الاشتراكية الصينية، ينتميان، في النهاية، لبعضهما البعض. يمكن للمرء أن يقول أيضاً، إن الإطار المنهجي الذي تم تطويره، يجب أن يثبت صحته، عند تناول الرؤية الصينية. أي ينعكس كل منهما في الآخر، كما هو الحال مع العام والخاص.
 
 
المادة اساسا مقدمة كتاب بنفس العنوان صدر للكاتب حديثا، ونشر في موقع مؤسسة روزا لوكسمبورغ.
 
البروفيسور ميشائيل بري، المولود عام 1954، درس الفلسفة وعمل في مؤسسات علمية مختلفة. أحد مفكري حزب اليسار الألماني، ورئيس المجلس الاستشاري العلمي للمؤسسة، في مؤسسة روزا لوكسمبورغ. له العديد من الكتب والبحوث والمقالات الفكرية، ومشارك نشط في المؤتمرات والسمنارات الفكرية في المانيا والعالم. وفي السنوات الأخيرة أصدر سلسلة من الكتيبات بعنوان: اكتشفوا لينين مجددا، اكتشفوا روزا لوكسمبورغ مجددا، واكتشفوا الاشتراكية مجددا. وسيصدر له اكتشفوا اشتراكية الصين مجددا.