كانون1/ديسمبر 05
   
                                                                                        
مقدمة
   لا تزال أعمال كارل ماركس بشكل عام ونظريته بشأن العمل بشكل خاص تشكل إحراجا لأكاديميي العلوم الاجتماعية، وأيضا لأولئك الذين ينحازون بسهولة إلى التيارات الفكرية الرائجة. هكذا، خلال سبعينيات القرن العشرين، على سبيل المثال، كان من المألوف الاستشهاد بماركس، في كثير من الأحيان دون إبداء أي اهتمام حقيقي باحترام أصالة أعماله، والتي بلغت ذروتها في نقده للاقتصاد السياسي.
   ومع ذلك، ليس في نيتي انتقاد انتقادات ماركس، ولا الماركسيات التي لا تعد ولا تحصى(1).  بدلا من ذلك، سأحاول، على أساس نصوص ماركس، إعادة بناء مفهومه للعمل ضمن نظريته التي ليست نظرية اقتصادية، ولا نظرية اجتماعية - منطقية، ولا نظرية فلسفية.
   هل ينبغي لنا، وفقا لأمر تقييدي من ميشيل فوكو، أن نتخلص من ماركس؟ بدلا من الإجابة مباشرة على هذا السؤال المستفز، سأحاول تحديد جوهر مفهوم ماركس للعمل في أعمال ماركس، ولا سيما من خلال إعادة بناء حججه والإشارة إلى فجوات وتناقضات هذا المفهوم. سنرى بعد ذلك أن العديد من حجج ماركس غير معروفة إلى حد كبير، وهي أكثر أهمية بكثير من ادعاءات الخطاب التقليدي.
1- الماركسيات
   خلال عدة عقود من الجهد الفكري والمفاهيمي، صاغ ماركس في إطار نقده للاقتصاد السياسي نظرية تدعي أنها النظرية العامة للرأسمالية. فهذه النظرية التي هدفها الرأسمالية، ليست كاملة ولا ثابتة. وهي بالضرورة في حالة حركة وغير مكتمِلة. ولفهم حجج ماركس وانتقادها، يجب على المرء أن يحترم هذه الديناميات النظرية.
   من ناحية أخرى، فإن ما يذهل القارئ اليقظ لماركس هو الفجوة بين المواقف التي تم تطويرها في نصوصه وتأويل هذه المواقف. بالإشارة إلى ماركس وكتاباته، كان للماركسيات، على مدى المائة عام الماضية، تأثير هائل على الحركات الاجتماعية في جميع أنحاء العالم. ويتجلى ذلك في الحركة العمالية في أوروبا، وحركات التحرر الوطني، وبعض تيارات حرب العصابات في أمريكا اللاتينية. لقد شقت الماركسيات طريقها إلى الأوساط الفكرية والأكاديمية. بالمقابل، فإن حجج ماركس الأكثر ابتكارا وذات صلة غالبا ما تُركت على جانب الطريق.
   ترتبط الماركسيات بخيبة أمل تاريخي كبير فيما يخص التغلب على الرأسمالية من خلال الحركة العمالية أو الحركات الاجتماعية الأخرى. لكن هذه الحركات فشلت، وكذلك التيارات الفكرية النقدية والراديكالية القريبة من هذه الحركات. بالطبع، يجب ألا ننسى أن الأنظمة الستالينية التي، من خلال تحويل الماركسية إلى أيديولوجية لإضافة شرعية على ديكتاتوريتها البيروقراطية تحت اسم "الماركسية - اللينينية"، قد ساهمت في تحريف وتشويه مصداقية الطموح التحرري الذي يميز أعمال ماركس(2).
   علاوة على ذلك، فإن الماركسيات ما بعد الماركسية هي عموما تحليلات شبه اقتصادية يجتمع فيها العمل والعمال والطبقة العاملة والرأسمالية لتشكيل مجتمع منظم من قبل العمل الذي يُستغل، ويضطهد ويُهمِّش. هكذا اُعتبرت أعمال ماركس مُكتمِلةً، وغالبا ما اُعتبرت مثلا معياريا يُحتذى به، ما أدى إلى العديد من النزاعات حول التأويل "الصحيح" للماركسية، بعيدا عن مواقف ماركس. وقد نتج عن ذلك دوغمائية هائلة لأعمال ماركس وهراء لا يحصى.
2- ماركس في النصوص
    العودة إلى نصوص ماركس تُظهر وجود مشروع فكري، يتغير على مر السنين، دون حدوث انقطاع أساسي حقيقي. فماركس يتَّبع نفسَ الخط: تحليل المجتمع من أجل فهمه والعمل عليه. لقد ظهر هذا المجتمع إلى حيز الوجود وما زال في طور التكوين. بعبارة أخرى، لقد تم تشكيله في وضع تاريخي محدد من خلال التغلب على المجتمع القديم، وتقويض أسسه والإطاحة به. فبعد تشكيله على أنقاض المجتمع القديم، فإن المجتمع الرأسمالي يُعيد إنتاجَ نفسه بتغيير نفسه وفقا لمنطق معين وبأفعال النساء والرجال الذين يعيشون فيه. فالتغلب على التناقضات التي يحملها هذا المجتمع بداخله هي التي تحدد مستقبله وليس بالضرورة نهاية هذا المجتمع. إن ماركس لا يغفل عن إمكانيات التغلب على المجتمع الرأسمالي.
   على الرغم من أن مفهوم العمل يحتل مكانة مهمة في هذه النظرية، إلا أن هذه الأخيرة لم تُبن حول مثل هذا المفهوم. من المؤكد أن مفهوم العمل يجد مكانته في مجموع نقد الاقتصاد السياسي، الذي يطمح إلى جعل تعقيد الرأسمالية مفهوما. ومع ذلك، لا يمكن اختزال هذه النظرية في مفهوم رئيسي.
   إن العودة إلى نصوص ماركس من أجل تحديد مفهوم العمل تطرح أيضا مشكلة مادية بسيطة، وإن كانت جدية: توفُّر النصوص. إن الطبعات الفرنسية والفرنكوفونية مجزأة، وغالبا ما تتكون من "نصوص مختارة" أو اختصارات. كما تم إيقاف طبعة "ماركس إنجلز فيرْك" الشهيرة (MEW) باللغة الألمانية، والمعروفة باسم "المجلدات الزرقاء". أما مشروع ماركس - إنجلز "الأعمال الكاملة "(MEGA)، وهو مشروع طموح لنشر كتابات ومسودات وأرشيفات ماركس وإنجلز، فإنه يتقدم ببطء وصعوبة. حتى بعد عقود من التحرير، لا يمثل مشروع "الأعمال الكاملة" سوى جزء من هذه الأعمال. ولا ينبغي لنا أن ننسى مشكلة الترجمة التي، كما نعلم، ليست مشكلة خاصة فقط بنصوص ماركس. فليس من السهل دائما تحديد الخط الفاصل بين الترجمة التحريرية والترجمة التأويلية (بين الترجمة والتأويل). ففي الترجمات المختلفة، غالبا ما تفقد المفاهيم ذات المغزى الكثير من قوتها الجدلية، وذلك من خلال القراءة الحرفية أو تشابكها مع نقد مواقف أخرى.
   جميع النصوص، التي تهمنا هنا، مثل جميع نصوص ماركس تقريبا، مكتوبة باللغة الألمانية. في هذا الفصل، سأشير إلى MEW، الطبعة الأكثر اكتمالا من كتابات ماركس(3). ومع هذا، فإن بعض النصوص المتناولة تثير مشكلة الأصالة: المجلدان الثاني والثالث من "رأس المال" هما أشهر وأهم مثال في بحثنا هذا. وهذان المجلدان غير موجودين تحت قلم ماركس. لقد تم العثور في أرشيفه على عدد كبير من الملاحظات والمسودات والأجزاء التي نشرها إنجلز وغيره من المقربين من ماركس باسمه ومع احترام نسبي لأفكار المؤلف.
   مع كل الحذر الواجب، سأقدم أولاً وجهة نظر تاريخية لمفهوم ماركس للعمل. بعد ذلك، سأتناول بإسهاب أكبر، من منظور متزامن، عناصر نظرية التي تسمح بفهم هذا المفهوم في أعمال ماركس. سنرى بعد ذلك أن النقد المتداول، الذي يقول بأن ماركس يقدم بطريقته الخاصة تحليلا اقتصاديا وتكنوقراطيا للعمل والمجتمع، لا أساس له من الصحة. علما أن الصراع الاقتصادي البعيد عن السياسة يؤدي إلى التكنوقراطية  l'économisme، أي التعاون الطبقي، بحسب لويس ألتوسر. أنا أزعم أن ماركس لا يختزل تعقيد الواقع الاجتماعي في إعادة استنساخ الحياة، ولا يختزل العمل في الفعل الحاسم للمجتمع. في الواقع، إنها نظرية أصلية احتفظت بأهميتها وتدعونا إلى ربطها، وبشكل نقدي، مع نقده للاقتصاد السياسي الذي تجد فيه نظرية ماركس للعمل مكانتها. إن آنية وقوة جدلية مفهوم ماركس للعمل يتم الكشف عنهما من خلال قراءة منهجية لنصوص ماركس، دون الإشارة إلى "الماركسيات" المتعددة.
3- المنظور غير المتزامن
   إذا نظرنا إلى كتابات ماركس، نرى أن العمل يحتل، في وقت مبكر جدا، مكانة مهمة في مشروعه النظري. على الرغم من أن معنى هذا المفهوم يتغير، إلا أنه لم يتم التخلي عنه أبدا ويحتفظ بمكانته المركزية في "رأس المال".
   يعود افتتاح هذا المشروع النظري إلى إنجلز. ففي كتابه الموسوم "الخطوط العريضة لنقد الاقتصاد الوطني" Umrisse zu einer Kritik der Nationalokomie (4)، وهو نص متأثر إلى حد كبير بهيجل ولودفيج فيورباخ، نتذكر بشكل خاص الدفاع عن الديالكتيك. بحسب إنجلز، فإن إسقاط الإنسان نحو الإلهي ينزع عنه سلاحه اجتماعيا، بما في ذلك في عمله الإنتاجي. إن انجلز يدافع عن الروح البشرية، التي يجب أن تتناسب فكريا مع الواقع، أي مع جميع أشكال الحياة الاجتماعية والثقافية، وذلك من أجل التغلب على هذا الواقع. هذا النقد الأول للاقتصاد الوطني فتح منظورا نجده في فكر ماركس لاحقا: يجب أن لا نقتصر على نقد النظريات فقط، بل يجب علينا ايضا تطوير نظرية نقدية للأفعال الاقتصادية والاجتماعية.
   إننا بحاجة إلى التفكير في الرأسمالية وفهمها وجعلها مفهومة من أجل تجاوزها. ولهذا السبب يُحوِّل إنجلز انتباهَه إلى نظرية الاقتصاد السياسي في عصره، والتي يعتبرها، كما ماركس، النظرية الأكثر تقدما للرأسمالية. يقدم هذا الاقتصاد السياسي نفسه كمدافع عن الحرية والتجارة والتبادل، لكنه بالكاد يدافع عن الحرية. وبدفاعه عن الملكية الخاصة يجعل عزلة الأفراد ومصالحهم شبه بديهية، ما يمنعهم من التجمع معا لإنشاء مجتمع موحَّد من المواطنين من أجل تحقيق الصالح العام، وهذا ما يسميه هيجل Sittlichkeit (الحياة الأخلاقية). بالمقابل، يدرك إنجلز قيمة نظريات "ريكاردو" و"جان - بابتيست ساي" التي ينتقدها أيضا. في المقام الأول، كما رأينا للتو، يقوم هؤلاء المؤلفون بجعل كل ما هو اجتماعي طبيعيا؛ ثم إنهم لا يبنون مفاهيمهم اجتماعيا. يصر إنجلز، تحت التأثير الواضح لريكاردو، على أهمية القيمة، والعمل الخلاق للقيمة، و"الإنسان كسلعة" وذلك لفهم الرأسمالية. وتُفسَّر المنافسة على أنها حركة مُدمِّرة وخلاّقة على حد سواء: فهي تبرز البنية الاجتماعية التي توحد الكادحين، كما أنها تخلق أيضا البطالة والانحراف. وبروح أقل فلسفية- اقتصادية، طور إنجلز في عام 1843، في كتابه بعنوان "وضعية الطبقة العاملة في إنجلترا" Die Lage der arbeitenden Klasse (5) ِّ، ليس فقط تحليلا لبؤس الطبقة العاملة في إنجلترا، على غرار استطلاعات العمال في ذلك الوقت، ولكن أيضا وقبل كل شيء تحليل لِـ "نظام المصانع"، الذي نجده أيضا في كتاب ماركس "رأس المال"، وكذلك عملية العمل والإنتاج (6). فباستخدام التقنيات وتطبيقها على عملية الإنتاج، يكون تحت تصرف رأس المال سلاح هائل للسيطرة وإخضاع الطبقة العاملة؛ طبقة اجتماعية مُستغلَّة ماديا واجتماعيا، ولكنها أيضا مُتحطمة نفسيا.
      في مطلع عام 1844، هاجم ماركس بقوة الاقتصاد السياسي في "مخطوطات 1844 "(7). وما نحتفظ من هذا النقد، في المقام الأول، أن العمال، من خلال العمل والإنتاج، تهيمن عليهم تجريدات ساهموا بأنفسهم في خلقها. وهذا ما قاد ماركس إلى مفهوم Realabstraktion (التجريد الحقيقي) الذي سأعود إليه لاحقا. يجب على نقد الاقتصاد السياسي أن يحلل هذه المفارقة. ينتقد ماركس التجريد من الإنسانية الناتج عن المنافسة وإغتراب العمال. وأخيرا، يُحلِّل العملَ، وكذلك الاستهلاكَ، من أجل إيجاد أشكال قابلة للتعميم تشبه نماذج أو أنماط مستخدمة في العلوم الاجتماعية، والتي تمكنه من فهم الوعي الذاتي للجهات الفاعلة بشكل أفضل. فيما يخص العمل والعامل، يلاحظ ماركس أن العامل يحس بالاغتراب وبالتشيؤ في نتاج عمله. فيصبح، بذلك، ملحقا بالأشياء التي ينتجها هو وأقرانه. هذه الأشياء نفسها تُهيمِن على وعي وكلاء الإنتاج، والعمال والرأسماليين على حد سواء. ومع ذلك، من خلال العمل، فإننا نحقق ذواتنا أيضا، لأن العمل الإنتاجي يسمح للعمال بتأكيد أنفسهم تجاه الآخرين وتجاه العالم الذي يوجدون فيه. علاوة على ذلك، لا ينبغي أن ننسى، بالطبع، أنهم بهذه الطريقة يكسبون لقمة العيش أيضا. بمعنى آخر، إنه العمل الذي يسمح لهم بامتلاك الأشياء.
    في كتابه الموسوم "الأيديولوجية الألمانية"(8)، يدافع ماركس عن فكرة العمل التي كانت شائعة جدا بين المفكرين اليساريين في عصره. وكانت أهمية هذا النص تكمن في محاولة ماركس القطيعة بشكل نهائي مع هيجل وفيورباخ، دون نجاحه حقا في ذلك. يلاحظ ماركس أن عملية التشيؤ تساهم في اغتراب العمال: فمن خلال إنتاج الأشياء والتشيؤات، يفقد العمال السيطرة على عملية العمل. وهذا الأخير محكوم بإجراءات من خارجه وتهيمن عليه الأشياء التي ينتجها العمال. ومع ذلك، فهذه ليست سوى حالة مؤقتة تسمح بإعادة تشكيل مختلف العلاقات بين الأشخاص في العمل، وبين هؤلاء وأدواتهم ومنتجات عملهم. على أساس هذه الفرضية القائلة أن الإنسان يحقق ذاته من خلال العمل، يمكن لماركس أن يتصور إمكانية عمل آخر يمكن للعامل أن يسيطر فيه على عملية العمل وإنتاجه. في هذه الكوكبة، يحقق العامل ذاته من خلال عمله. فالعمل الذي يتصوره ماركس قريب من الفكرة المثالية إلى حد ما من العمل الحرفي وعمل العالِم المهندس: عمل متكامل، يحقق العامل فيه ذاته دون الإحساس بالاغتراب. يجب أن نتذكر أيضا أن العمل في "الأيديولوجية الألمانية" يكتسب صفة أساسية: العمل هو إظهار الذات، دون ارتباط تأسيسي بحقبة تاريخية أو مجتمع ملموس.
   سرعان ما تخلى ماركس عن هذا المفهوم الجوهري للعمل. إن المواجهة مع الاقتصاد السياسي في عصره، خاصة مع أعمال ريكاردو بشكل عام ونظريته للقيمة بشكل خاص، سمحت له بفهم العمل وتحديده بشكل أفضل. إن نقد الاقتصاد السياسي هذا فتح الطريق أمام نقد الاقتصاد السياسي الماركسي، والذي يمكن العثور عليه، بشكل أساسي، في كتاب "رأس المال": نقد الاقتصاد السياسي كتيار نظري الذي ينبغي أن يكون، وفقا لماركس، النظرية الأكثر صلة بالرأسمالية، وفي الوقت نفسه نقد للعلاقات الاجتماعية وكذلك للتعبير عن هذه العلاقات، سواء في وجهات نظر الجهات الفاعلة أو في النظريات. ومنذ ذلك الحين، لم يعد بإمكان ماركس اعتبار العمل ظاهرة تسمح بالتأويل العالمي للتاريخ. يجب شرح العمل في إطار خصائص مجتمع معين.
   في الكتاب الموسوم "بؤس الفلسفة"،  Das Elend der Philosophie (9) ينتقد ماركس وبحدة مفهوم بيير- جوزيف برودون Proudhon للعمل، واصفا إياه بأنه حنين إلى العمل الحرفي. بعد ذلك، لم يعد هناك أي شك في أن العمل في المجتمع الرأسمالي، وفقا لمفهومه، يتجاوز المستوى الفردي، الذي يمكن تلخيصه بأنه حلقة الوصل بين المُنتِج الفرد، أدوات العمل، موضوع العمل والمُنتَج. فمن خلال تثمين العمل، يتم إضفاء الطابع الاجتماعي عليه. إن المجتمع الرأسمالي يتميز بدمج العلاقات الاجتماعية والتجسيدات. أما ثنائيات برودون البسيطة (العزيزة على العديد من الماركسيين)، مثل ملكية وسائل الإنتاج وعدم ملكيتها، السيطرة على عملية العمل وعدم السيطرة عليها، إلخ، لا ترقى إلى مستوى التعقيد الاجتماعي للعمل الذي تم بناؤه من خلال تجسيد اجتماعي وتنشئة اجتماعية للمادة.  فالعمل في حد ذاته، إذا وُجد شيء من هذا القبيل، لا يهم ماركس؛ فالعمل المأجور هو محور اهتمامه، أي العمل في الحقبة الرأسمالية. وبهذه الطريقة، ظل ماركس قريبا من ريكاردو بطريقة معينة، وفي الوقت نفسه، فصل نفسه نهائيا عن سميث، لأنه حكم على مفهوم سميث للعمل، المبني على التمييز بين "العمل بتكليف" و"العمل المُدمج"، بأنه مرتبط جدا بالأفراد وبالتالي ذاتي للغاية. من ناحية أخرى، يقدم ريكاردو حجة أكثر صحة لماركس: إن القيمة التي يخلقها العمل هي التي تفسر إمكانية تداول منتجات العمل في السوق. فتصبح هذه المنتجات سلعا لأنها تمتلك قيمة تبادلية؛ قيمة مجردة، وغير مرتبطة باستعمال المنتَج، كما أنها تجعل المنتجات المختلفة متوافقة.
   أما في الكتاب الموسوم "خطط المبنى" Grundrisse(10)،  فنجد مخططا حقيقيا للتحليل الجدلي للرأسمالية التي يحتل فيها العمل مكانة مركزية. لقد تم تعميق هذا التحليل وتعديله قليلا في "رأس المال" (11). بالنسبة لماركس، فإن الرأسمالية هي "عالم مقلوب": العلاقات الاجتماعية هي علاقات بين أشياء، وهذه الأشياء هي سلع. فالبشر يخلق علاقاتهم الاجتماعية المتشيئة ويقعون تحت هيمنة نفس الأشياء، أي السلع. باختصار، كما قال ماركس، "الموتى يمسكون بالأحياء". العمل هو علاقة اجتماعية مُنتجِة يَخضع لقيود تقنية ومادية للإنتاج.
   في كل من "غروندريس" و"رأس المال"، لم يعد العمل معطى أنثروبولوجيا. فإن كتابات ماركس المبكرة، كما رأينا، تحتوي على حجج على هذا المنوال. العمل الذي يتناوله ماركس، من الآن فصاعدا، هو العمل المأجور كعلاقة اجتماعية تنظم أنشطة بشرية رأسمالية على وجه التحديد. وهذا العمل تحكمه ضوابط، ويتم تنفيذ ذلك بواسطة أشياء (الآلات، التنظيم، إلخ). هذه الأشياء، بدورها، هي نتاج العمل البشري. وهذا العمل له نتائج ملموسة وتجريبية: المنتجات الملموسة أو غير الملموسة التي يتم تداولها في السوق، أي التي أصبحت بدورها سلعا. وبما أن الأمر يتعلق بإنتاج السلع، فإن العمل الملموس الذي يتم تنفيذه في عملية الإنتاج يعتبر دعما للعمل المجرد الذي يمكن، بصفته خالق القيمة، من إعادة إنتاج رأس المال. لكن لا وجود للعمل المجرد بدون العمل الملموس، وبدون إنتاج المنتجات وقيمة الاستعمال. إن العمل المجرد هو الذي يهم رأس المال، لأنه يخلق القيمة، وبالتالي فائض القيمة اللازم لتراكم رأس المال. وهذا يُفسِّر، في المجتمع الرأسمالي، سببَ هيمنةِ إنتاج القيمة التبادلية على العمل بدل هيمنة الإنتاج الموجَّه نحو قيمة الاستعمال، المتعة والاستهلاك.
   يمكن تفسير أهمية التفكير في الاقتصاد لفهم العمل من خلال "تكنوقراطية"، معينة للرأسمالية وليس بعبقرية الاقتصاديين ونظرياتهم، ولا من خلال عمى ماركس الاقتصادي، على الرغم من أن هذا الأخير أظهر في كتاباته بعض الميول في هذا الاتجاه والتي سأناقشها لاحقا. إن حركة رأس المال تصادر سيطرة العمال على عملية العمل، ويصبح الرأسماليون أنفسهم وكلاء وظيفيين لرأس المال، "أقنعة الشخصية" لرأس المال، كما كتب ماركس في المجلد الأول من "رأس المال". وبالتالي فإن العلاقة الاجتماعية للعمل ليست علاقة "طبقة ضد طبقة"، كما يدعي العديد من الماركسيين، بل هي علاقة بين أجزاء مختلفة من رأس المال (رأس المال الثابت ورأس المال المتغير).
   كما تشير انتقاداته لديفيد ريكاردو، يرفض ماركس بشدة فكرة أن العمل هو معطى طبيعي. فالعمل يتم تشكيله "وتكييفه وإضفاء الطابع الاجتماعي عليه ليصبح الجزء المتغير من رأس المال. إن عملية التحول إلى رأس مال مُتغيِّر هي عملية عنيفة للغاية، على الصعيد الرمزي، كما على الصعيد المادي والنفسي. الفقرات المكرسة لعملية العمل في "غروندريس" و"رأس المال" توضح ذلك، وكذلك "الفصل غير المنشور" من "رأس المال" بعنوان Resultate des unmittelbaren Arbeitsprozesses "النتائج الفورية لعملية العمل"(12). بالنسبة لرأس المال، تتواجد قوة العمل في البداية بشكل فردي، ويتم دمجها من قبل العمال الأفراد الموجودين في سوق العمل.
   كان ظهور رأس المال، من بين أمور أخرى، العملية التاريخية لتدمير الروابط الاجتماعية والتضامن التي كانت تسمح بالعيش داخل الجماعة ومن خلالها، دون ان تتحول إلى تجسيد "قوة العمل" كسلعة. يعتبر ماركس (التراكم البدائي) ursprüngliche Akkumulation الانفصال العنيف بين الفاعلين في هذه الجماعات. في مثل هذه الديناميكية، تتم فردانية الجهات الفاعلة ووضعها إما في سوق العمل، وبالتالي تحت تصرف رأس المال، وإما على هامش المجتمع، مثل المتسولين، حيث يعيشون منكوبين أو معتمدين على الأعمال الخيرية العامة، وغالبا ما يعيشون الحالتين معا. هذه العملية تصف أيضا فصل عمال المستقبل عن وسائل عملهم وإنتاجهم وكذلك عن روابطهم الاجتماعية. فبمجرد عملية فصل العمال، فإن رأس المال يجمعهم تحت نظامه (المفروض من الخارج) داخل شركات وفي عملية الإنتاج كقوة عمل (توحيدية). وعلى الرغم من أنه لا يمكن فصل قوة العمل ماديا عن الإنسان الذي يجسدها، أي العامل، فإنها أصبحت الآن سلعة يتم تداولها في السوق. الرأسمالي يشتري قوة العمل ويستحوذ عليها. وهكذا يمكنه أن يستغل العمال بشكل قانوني وشرعي تماما، لأمر بسيط يتعلق بالاستيلاء بالتراضي على الطاقات الإنتاجية للفرد، وتجسيد قوة العمل. وبعبارة أخرى، يمكن لرأس المال أن يستحوذ على قوة العمل الفردية من خلال استغلال العمال لأنه قد صادر بالفعل روابطهم الاجتماعية السابقة قبل جمعهم معا تحت نظامه داخل الشركات.
   إن تحليل ماركس للاستغلال في عملية العمل والإنتاج معروف جيدا: هناك عمل غير مدفوع الأجر يستحوذ عليه رأس المال. إن توضيحه هذا مقنع لكنه ليس أصليا للغاية. ما هو أكثر ابتكارا في نظرية رأس المال هو التحليل الذي بموجبه يسمح الاستيلاء على القيمة التي يخلقها العمل غير المأجور ويتم تنفيذها في السوق والتي بدورها تساهم في تراكم رأس المال واستقلاليته مقارنة بقطاعات المجتمع الأخرى، وذلك من أجل فرض منطقه، في نهاية المطاف، على المجتمع بأسره.
   وبما أن العمل يخضع من الآن فصاعدا لرأس المال ويُدمج فيه، فإن وقت العمل ويومية العمل يصبحان من البلاستيك (13). علاوة على ذلك، يصبح العمال أيضا من البلاستيك بمعنى أنهم يتكيفون مع متطلبات تراكم رأس المال التي خلقوها والتي تُهيمن عليهم. وها نحن أمام "تقديس" رأس المال، ما دام العمال هم الذين خلقوا تلك الأشياء التي تهُيمن عليهم (14). وعندما تأسست علاقة اغتراب بين العمال وإبداعاتهم، فإنك لا تجد تمثلاتهم ورؤاهم للعالم فيما يبدعون من أشياء. بدلا من ذلك، فإن هذه الأشياء هي التي تقرر مصيرهم. فهم يعيشون في عتامة كثيفة، تحت الإكراه وغالبا في قلق. باختصار، كما يشير ماركس: "تبدو الظروف الموضوعية للعمل المعيشي كقيمة منفصلة ومستقلة في ما يتعلق بالقدرة على العمل ككائن ذاتي؛ لهذا السبب، يبدو هذا الكائن [للعمال] فقط كنوع آخر من القيمة (كقيمة استعمال ليست قيمتهم).
   يَدمِج العمال، مثل غيرهم من الفاعلين في رأس المال، وجهات نظر العالم في أفكارهم وأشكالهم الاقتصادية التي يعبر فيها رأس المال عن نفسه، وهو ما يسميه ماركس "التجريدات الحقيقية" (Realabstraktionen) أو "الأشكال الموضوعية للأفكار" (objektive Gedankenformen). فمن الصعب على العمال معرفة حقيقة أن رأس المال والعمل ووضعية العامل هي هياكل اجتماعية حقيقية - أي مجموعة من العلاقات الاجتماعية التي يصنعها الأشخاص والتي يمكن لهم أيضا التراجع عنها، إذا رغبوا في ذلك -، فيجدون أنفسهم داخل أوهام اجتماعية حقيقية يتم فيها اختزال عملية العمل والإنتاج  فقط إلى علاقات عمل ألية وتقنية. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإن "التجريدات الحقيقية" تتجاوز بسرعة وبشكل كبير عملية العمل والإنتاج لتتفشى في المجتمع بأسره.
   تُظهر هذه النظرة الموجزة المتزامنة لحجج ماركس حول "العمل" بأن هذا الأخير، "العمل" لا يكتسب قيمته التحليلية إلا في إطار نظريته الجدلية، التي يسميها ماركس نقد الاقتصاد السياسي. ولفهم مفهوم العمل بشكل أفضل في نقده للاقتصاد السياسي، سأبحث الآن بطريقة متزامنة في الحجج والمفاهيم التي تسمح لنا بفهم خاصية مفهوم ماركس للعمل وقوته الإرشادية.
4- المنظور المتزامن
   غالبا ما يساء فهم الطريقة الماركسية على أنها نوع من الغائية الموجهة نحو النهاية الحتمية للرأسمالية، لكن الطريقة الماركسية هي طريقة جدلية أي نمط فكري يهدف إلى تطوير النقد. كما رأينا، اتخذ هذا النقد، على مر السنين، شكل نقد الاقتصاد السياسي. ولأن هذه الطريقة جدلية، فإنها تتصور الوحدة المتناقضة بين الملموس والمجرد. هذه الوحدة مهمة بشكل خاص لتطوير مفهومها لمفهوم العمل، لأن العمل المجرد هو خالق قيمة والتقييم القائم على العمل المجرد هو نمط وجود رأس المال وإعادة إنتاجه. أما العمل الملموس فهو الإنفاق الفكري والمادي للبشر في العمل من أجل خلق منتجات ستصبح سلعا. فهذه المنتجات ستصبح سلعا لا لأنها مفيدة فقط لتلبية احتياجات أو نقص أو طلبات معينة (قيمة الاستعمال)، بل لأن لها أيضا قيمة تبادلية. إن جميع المنتجات تمتلك، كسلع، جودة مجردة تجعلها متوافقة، دون أن تكون قيمة استعمالها، أي صفاتها الملموسة، متوافقة. الفنجان ليس قهوة، ولكن يمكن تداول كيلو القهوة بنفس سعر الفنجان.
   لفهم تعقيد ظواهر الرأسمالية، فإن ماركس يتناول العمل الملموس كنقطة انطلاق له. هذا النهج يضعه بالفعل في موقف حرج أمام الاقتصاديين، ولكن أيضا أمام الفلاسفة الذين ينطلقون من المجرد. بالنسبة لماركس، "الملموس هو ملموس، لأنه يلخص العديد من التحديدات، وبالتالي فهو وحدة "الجماهير"(15). في التحليل والتفكير، فإن الملموس هو الشكل التجريبي لنتيجة و"ملخص" الأفعال. على سبيل المثال، شكل معاصر لتنظيم العمل في ورشة العمل A للشركة X يثبت، للتبسيط إلى حد الكاريكاتير، بأنه جاء كنتيجة للإجراءات الإدارية القائمة على المصالح والدوافع التي يتم دمجها مع أعمال ومصالح ودوافع الموظفين المعنيين مباشرة بعملية العمل المعنية. والنتيجة، ليكن "ملخص" هذه التفاعلات المعقدة، هو عملية العمل الموجودة الآن في ورشة العمل الملموسة هذه للشركة X.  فتحليل عملية العمل، في حالتنا هاته، يجب ان تبدأ بما هي عليه عملية العمل اليوم. على الرغم من أن ظواهر مثل ظاهرة العمل قد تشكلت في الوقت والتاريخ، إلا أنه ليس من الضروري إعادة بناء هذا التاريخ ظاهريا من أجل فهم الظاهرة المعنية. إنها تحمل في داخلها ماضيها، الذي يكشف عن نفسه للتحليل، على الأقل إذا حاول المحلل تفكيك الظاهرة من أجل جعلها مفهومة (16).
   علاوة على ذلك، فإن الملموس هو نقطة البداية للتحليل وللفكر وكذلك لتمثلات ورؤى العالم. كما يمكننا إعادة بناء الملموس في الفكر من خلال تطوير التجريدات، وليس من خلال الوصف التجريبي. وفقا لماركس: "الشمولية، كما تتجلى في العقل كوحدة من الأفكار، هي نتاج عقل مفكر الذي يستحوذ على العالم بالطريقة الوحيدة الممكنة [...]". أما الموضوع الحقيقي فيستمر في استقلاليته خارج العقل (17). ومع ذلك، فإن الموضوع والمجتمع هما اللذان يشكلان متطلبات التمثلات والأفكار.
   ليس هناك تجريدات بسيطة موجودة بشكل كوني في جميع المجتمعات. بهذا المعنى، يتحدث ماركس عن العمل الذي قد يوجد دون أن يكون راسخا في مجتمع ملموس ومتموقعا في التاريخ. من خلال استحضار التجريدات البسيطة، لا نكتب القوانين الكونية للتاريخ البشري، لكننا نعيد، من خلال الاستنتاج، بناء عمل اليوم، والذي تم تشكيله بمرور الوقت. حتى لو كانت الظواهر متشابهة وصْفيا، مثل أشكال العمل أو أدوات العمل أو نتاجه، فإن الظروف الاجتماعية الخاصة بعصر ما هي التي تجعل العمل في شركة ليس هو نفسه عمل العامل الماهر الذي يصنع رفّا لاستعماله الخاص، حتى لو كان هذا الرف يشبه تماما الرف المُنتج في المصنع.
   أخيرا، دعونا نتذكر أن في نمط الإنتاج الرأسمالي لا وجود لأشكال ثابتة موضوعة إلى الأبد. الرأس المال نفسه يشكك باستمرار في الأسس التقنية لأشكال الإنتاج. "وذلك لأن الإنتاج التقني ثوري في أساسه"(18). والأهم من ذلك هو أن "الاضطراب الدائم للإنتاج، والاهتزازات المستمرة لجميع الحالات الاجتماعية، وعدم اليقين الأبدي والحركة، كل ذلك، يميز الحقبة البرجوازية عن العصور السابقة" (19). إن الرأسمالية بشكل عام والإنتاج الرأسمالي بشكل خاص يعتبران من صانعي عدم الاستقرار وعدم اليقين بشأن المستقبل. وفي النهاية، فهما يخلقان مخاوف وجودية.
5- إنتاج رأسمالي، عمل وعمال
    يتعامل ماركس دائما مع الإنتاج على أنه إنتاج على مستوى معيّن من التطور التاريخي. علاوة على ذلك، هناك إنتاج في حد ذاته، أي إنتاج الأفراد الاجتماعيين، حيث يكون الفرد، في الوقت نفسه، الفاعل والنتيجة، باعتبار أنه اجتماعي وخاضع لرأس المال. كما يشير ماركس: "بهذه الطريقة، لا ينتج الإنتاج شيئا لموضوعه فحسب، بل ينتج أيضا موضوعا لشيئه" (20). الإنتاج بشكل عام هو تجريد لا يمكن أن يفسر الإنتاج الملموس، الموجود في مجتمع ملموس في لحظة تاريخية معينة. لا يمكن لهذا التجريد أن يتجاوز الملاحظة، التي هي في الأساس بسيطة وذات أهمية قليلة، بأن الموضوع (الإنسانية) والكائن (الطبيعة) يظلان كما هما.  بينما الفروق والاختلافات بين أنماط الإنتاج المختلفة وأشكال الإنتاج المختلفة تعتبر أكثر أهمية من هذه الملاحظة (21). يكون الإنتاج دائما في موقع اجتماعي، فهو دوما جسم اجتماعي معين داخل موضوع اجتماعي" (22). وبالتالي، فهو جزء من التاريخ، لأن "الاستيلاء في الماضي على عمل الآخرين" يظهر الآن كأساس بسيط للاستيلاء الجديد على عمل الآخرين (23). إن النتيجة الأهم لعملية الإنتاج هذه هي إعادة إنتاج الإنتاج الجديد للعلاقة بين رأس المال والعمل، وبين الرأسماليين والعمال. فهذه العلاقة الاجتماعية يسميها ماركس "علاقة الإنتاج".  فهي "في الواقع أكثر أهمية كنتيجة لعملية (العمل) من النتائج المادية" (24). إن ظروف ظهور رأس المال وتطوره، على مر السنين، تختفي في نفس الوقت الذي يخلق فيه رأس المال واقعه الخاص الذي يكون أساسا لتطوره.
   في ما يتعلق بالعمل والعامل، يتميز إنتاج الرأسمالية المتطورة بـ "تغيير العمل، وسيولة الوظيفة، والمرونة العالمية للعامل"(25). إذاً يوجد هناك تناقض عميق بين استدامة رأس المال واستقراره وصلابته من جهة، وهشاشة العمال وعدم يقينهم، من جهة أخرى. إن أسسَ وجودِ العمال غير مستقرة كما وظائفهم الجزئية داخل عملية العمل. وبذلك يمكن أن يصبح العمال عديمي الفائدة وزائدين عن الحاجة، دون أن يكونوا قادرين على التأثير على هذه العملية.
   إن الإنتاج بشكل خاص ورأس المال بشكل عام لا يمكن لهما إلغاء تناقضاتهما، وذلك لأنهما يجدان دائما أشكالا جديدة لوجود التناقضات. وكما قال ماركس: "على أي حال، هذه هي طريقة لحل التناقضات الحقيقية" (26). من السهل أن نفهم أن ماركس لم يتنبأ بالنهاية الحتمية للرأسمالية، لأن نظام الإنتاج هذا يمكن أن يجد دائما أشكالا جديدة لتنظيم التناقضات الموجودة بالضرورة داخله. أما بالنسبة لرأس المال، فهي "مسألة حياة أو موت" (27) أي فرض تواجد العامل بشكل كامل لتلبية متطلبات العمل المتغيرة باستمرار. في الوقت نفسه، ينخفض تعقيد العمل، وكذلك المؤهلات اللازمة لأدائه. هكذا تقع بعض اللامبالاة بالنسبة للعمل الملموس؛ "اللامبالاة تجاه عمل معين يتوافق مع شكل من أشكال المجتمع، الذي ينتقل فيه الأفراد بسهولة من وظيفة إلى أخرى ويعتمد عملهم المحدد فيه على الصدفة؛ وهذا سبب آخر يجعلهم غير مبالين بهذا العمل" (28). إن فردانية العمال تتطور عندما يصبحون قابلين للتبديل.
6- العمل وتقسيم العمل داخل المصنع
   يخبرنا ماركس أن العمال، في التصنيع اليدوي، هم أعضاء في "آلية حية". بينما في المصنع، الذي هو أول شكل لشركة رأسمالية بالفعل، "توجد آلية ميتة مستقلة (عن العمال)؛ يتم دمجهم فيها كملحقات حية"(29). إن المبدأ الذاتي لتقسيم العمل والذي يميز التصنيع اليدوي تم استبداله في المصنع بهيمنة الآلات. كما أن عملية العمل تخضع باستمرار للتحليل وتغييرات آلية من أجل تحسين استمرارية العملية. أما تقسيم وتنظيم العمل المذكورين أعلاه فهما جزء من عدم اليقين الذي يميز الإنتاج وعملية العمل الرأسمالية. من الآن فصاعدا، تمتص الآلة أيضا براعة العمال. فهذه الآلات ليست أدوات "محايدة"، إنها جزء من العلاقة الاجتماعية بين رأس المال والعمل. إنها تمثل "جزءا من الدماغ البشري، تم إنشاؤه بواسطة اليد البشرية، العِلم المتشيئ" (30). لم تعد الآلة تعتمد على العمال؛ على العكس من ذلك، أصبح العمال هم الذين يعتمدون عليها. "الآلة لا تحرر العامل من عمله، ولكنها تفرغ عمل العامل من محتواه (31). "فالعمل الفكري، الذي يستحوذ عليه رأس المال، يتحول إلى سلطة رأس المال على العمال. وما تبقى هو مجرد أعمال تنفيذية. هذا هو التقسيم بين العمل اليدوي والعمل الفكري. إذاً النظرية التايلورية (نسبة إلى فردريك تايلور) لم تَخترع ذلك. بحسبها، فهي "طريقة التنظيم العلمي للتنمية الصناعية والاستفادة القصوى من المعدات وقمع الإيماءات غير المجدية".
   يلخص ماركس هذه العملية بشكل دراماتيكي في مقطع طويل معروف في كتابه الموسوم "رأس المال" (32). إن الأساليب المصممة لزيادة إنتاجية العمل تنقلب دائما ضد مصلحة العمال. لذلك، فإن القوى المنتجة، مثل الآلات، ليست "محايدة" اجتماعيا. إن أدنى تقدم في الإنتاج هو خطوة أخرى نحو تفتيت الإنسان، ونحو مزيد من الهيمنة والاستغلال. كما أن العمال معنيون ايضا أخلاقيا بتطور القوى المنتجة. فهذه الأخيرة تسيء إليهم وتحولهم إلى مجرد ملحقات للآلة. على الرغم من أنه يمكن تقليل المعاناة في العمل أو حتى القضاء عليها، يجب ألا ننسى أن الخضوع للآلات يتسبب أيضا في فقدان العمال السيطرة على عملهم، والذي بدوره يَفقِد مُحتواه. وكما رأينا، يجد العمال أنفسهم منزوعين من إمكاناتهم الفكرية، التي أصبحت، بعدئذ، ملكا لرأس المال. وهذا الأخير يعيد إدخال العمل الفكري المُصادَر في عملية العمل عن طريق الآلات التي تتحكم في العمال، وهذا نتيجة "العِلم المتشيء"، بحسب ماركس. فبدلا من زيادة حرية واستقلالية العمال في كل من عملية العمل وفي المؤسسة، يقوم رأس المال بتثبيت ما يسميه ماركس "الاستبداد التافه والشرير". أخيرا، يشغل العَملُ المزيدَ والمزيد من الوقت في حياة العامل، ويميل إلى تحويل حياته كلها إلى وقت للعمل.
7- عمل وعملية تثمين
   يتحكم رأس المال في عملية العمل ونتائجها، لأن كليهما ينتميان إليه. وبعبارة أخرى، يستغل الرأسمالي عماله بشكل صحيح، وبشكل شرعي وقانوني. ومن الخصائص الأكثر أهمية لعملية العمل والإنتاج ومن أجل إنتاج السلع، يجب أن تكون عملية الإنتاج هي وحدة عملية العمل (أي إنشاء منتجات ذات قيمة استعمالية) وخلق قيمة تبادلية. هكذا يصبح لعملية العمل معنى كوحدة عمل وخلق قيمة. بالمقابل، فيما يتعلق بعملية العمل، فإن إنتاج السلع يمحو خصائص مختلف الأعمال وخصائص مختلف العمال المشاركين في هذه العملية، ما دام رأس المال لا يهمُّه لا محتوى ولا خاصية العمل. لكن ما يهم رأس المال هو العمل المجرد، وذلك لكونه يمثل مصدر القيمة، ولأن كمية العمل المجرد هي التي تحدد حجم القيمة. في ما يخص العمال والعمل الملموس، فإن "جودتهم المفيدة كانت [...]  مجرد شرط لا غنى عنه، لأنه يجب إنفاق العمل لخلق القيمة. ومع ذلك، فالحاسم في الأمر هو كون القيمة المستعملة المحددة لهذه السلعة هي مَصدر القيمة وفائض القيمة أكثر مما لديها هي نفسها [...]. نفس عملية العمل تطرح نفسها في عملية تكوين القيمة فقط في جانبها الكمِّي" (33).
   من وجهة النظر التاريخية، فإن عملية العمل ليست خاصة بالرأسمالية. في هذا التجريد (الزائف)، تربط عملية العمل الإنسانَ والطبيعةَ، "تمثيل غذائي" وفقا لتعبير ماركس؛ تمثيل غذائي يتوسطه الإنسان، ينظمه ويتحكم فيه. من ناحية أخرى، فإن عملية العمل الرأسمالية، التي تم تحليلها في وقتها، غير متجانسة ومفيدة: العمل هو استخدام قوة العمل لإنتاج السلع. والنشاط البشري في عملية العمل هو تغيير متعمد لموضوع العمل. "ففي نهاية عملية العمل، توجد نتيجة كانت موجودة بالفعل، بشكل مثالي، في مخيّلة العامل في بداية هذه العملية" (34)، حتى ولو كانت هذه النتيجة مجرد جزء من سلعة.
   من أجل فهم حجة ماركس، يجب ألا يغيب عن بالنا أبدا حقيقة أن الغرض من الإنتاج هو إنتاج سلعة تمتلك قيمة استعمالية وقيمة تبادلية. فالبضاعة هي سلعة معدة للبيع في السوق. وبما أن قيمة هذه السلعة تفوق مجموع القيمة الضرورية لإنتاجها، ينتج عن ذلك فائض القيمة الذي يعود إلى مالك وسائل الإنتاج المستثمرَة في إنتاج السلعة. إن هذه ملاحظة تافهة نسبيا، لكنها تظهر أنه لا أحد يتعرض للسرقة في هذه العملية. لا يمكن إدانة رأس المال و عملية العمل وفقا للنهج الأناركي؛ anarchie  (وهو مفهوم استعمله برودون في كتابه الموسوم "ما هي الملكية؟" عام 1840، يدعو إلى مجتمع تعاوني غير خاضع لأي سلطة). وعلى الرغم من وجود استغلال، لكن لا توجد سرقة في عملية العمل. وكما يلاحظ ماركس بتأني، فإن "عملية العمل هي عملية تقع بين أشياء اشتراها الرأسمالي، بين أشياء تخصه"(35).
   يميز ماركس بين فائض القيمة المطلق وفائض القيمة النسبي. يتم إنشاء فائض القيمة المطلق عن طريق تمديد يوم العمل، على الرغم من أن وقت العمل الضروري للإنتاج لم يتغير. فهذه الطريقة لإنتاج فائض القيمة سرعان ما وصلت إلى حدودها: لأسباب مادية ولكن أيضا لأسباب أخلاقية واجتماعية، وذلك لأنه لا يمكن تمديد يوم العمل وفترات العمل إلى ما لا نهاية، كما أوضحت المناقشات الكبيرة حول عمل الأطفال (برودون والتدريب المهني للأطفال) وتخفيض ساعات العمل، في القرن التاسع عشر، وكذلك ردود الفعل الاجتماعية القوية حول هذا الموضوع. من خلال إنتاج فائض القيمة النسبي، يتجاوز رأس المال الحدود التي وصل إليها إنتاج فائض القيمة المطلق. إن فائض القيمة النسبي ينتج عن خفض وقت العمل الضروري لإنتاج السلع، بالرغم من أن طول يوم العمل يظل ثابتا أو لا يتناقص بنفس معدل وقت العمل الضروري. ولتحقيق هذا الهدف، يستخدم رأس المال جميع الوسائل التقنية المتاحة له: إدخال هائل للآلات، وإعادة تنظيم العمل، إلخ. علاوة على ذلك، كلما انخفض وقت العمل الضروري، انخفضت، أيضا، قيمة قوة العمل، وبالتالي، تنخفض قيمة السلع اللازمة لإعادة إنتاجها. ونتيجة لذلك، تنخفض قيمة قوة العمل الضرورية لإنتاج كمية ثابتة من السلع.
   إن التقسيم الذاتي للعمل في التصنيع اليدوي والتقسيم الموضوعي للعمل في المصنع، أي في المشروع الرأسمالي بالمعنى الدقيق، لا يتوافقان فقط مع شكلين من فائض القيمة، كما رأينا، ولكن أيضا مع شكلين من أشكال إخضاع العمل لرأس المال: الخضوع الشكلي والخضوع الفعلي. الأول مستقل عن تقسيم العمل، لأن رأس المال يوظف مُنْتجين مستقلين لا يجتمعون في كثير من الأحيان في نفس المكان. فرأس المال لا يتحكم في نمط الإنتاج وعليه أن يتكيف مع نمط الإنتاج التقليدي أو نمط إنتاج يديره مُنْتجون ذاتيا. يعمل هؤلاء المنتجون لنفس رأس المال ولكن "... توحيدهم هو ...  شكلي فقط، يعني فقط نتاج العمل، وليس له علاقة بالعمل نفسه" (36). أما الخضوع الفعلي فيتم من خلال تجمع العمال في نفس مكان العمل، بإدخال منهجي للتكنولوجيا، وتسلسل هرمي ثابت، وانضباط كبير جدا وسيطرة صارمة. هكذا يبدو رأس المال، من الآن فصاعدا، القوة الموحِّدة، المركز الفعلي للعمال، كقوتهم الاجتماعية وكخالق لقوتهم الاجتماعية، أي "خضوع للعمل الفعلي لرأس المال بجميع الأشكال التي تتوافق مع فائض القيمة النسبي" (37).  بهذه الطريقة، يمكن أن يتطور تقديس السلعة بشكل كامل. العمال يخلقون السلعة، ورأس المال وما إلى ذلك. باختصار، إنهم يخلقون كل ما هو موجود اجتماعيا، لكن هذه الإبداعات، التي هي منتجهم، تبدو لهم إبداعات طبيعية يخضعون لها. إن التقديس لا يقتصر على الإنتاج والعمل، إنه يتخلل المجتمع بأسره. لكن في التقليد الماركسي، التحليلات الفيتيشية (تحليلات التقديس) نادرة جدا؛ أما في الماركسية الفرنكوفونية، فهي متغيبة تقريبا.
                                                          *  *  *
   إن (إعادة) قراءة ماركس تبرز مفهوما للعمل بعيدا جدا عما نجده في الماركسيات المختلفة لأواخر القرنين التاسع عشر والعشرين. بالطبع، إن نظرية ماركس ليست معصومة من الخطأ، على الرغم من أن حججه حول العمل قوية بشكل خاص. سنؤكد، دون الأخذ في الاعتبار مجمل عمله، على تقديم بعض نقاط الضعف التي تتعلق مباشرة بمفهومه للعمل. بادئ ذي بدء، لم يستعمل ماركس كل حججه القوية بالكامل. أما القطيعة مع مفهوم العمل - القيمة لريكاردو ليست واضحة في نصوص ماركس ونادرا ما نجد توضيحات عامة للتأويلات الخاطئة لحججه. بالطبع، فالكتاب الموسوم "نقد برامج غوتا وإرفورت" (38) هو استثناء من هذه الملاحظة. كما أن نبوءة ماركس كانت غالبا مبالغا فيها، لكن هذا النقد لا أساس له من الصحة. خلال السنوات التي كان يطور فيها الجزء الأكبر من نقده للاقتصاد، لم يعبر ماركس عن قناعته بأن مصير الرأسمالية قد تم إغلاقه، بل اقترح تحويل نقد الاقتصاد السياسي إلى "علم إيجابي" من أجل أن يتوافق مع نهاية هدفه، أي التغلب المحتمل، إن لم يكن الحتمي، على الرأسمالية (39). من الواضح أن هذا الموقف يتناقض بشكل صارخ مع حجته حول إعادة إنتاج رأس المال المعروضة في هذه الصفحات.
   والأهم من ذلك هو عدم وجود تفصيل للذاتية. بالطبع، كما رأينا، يتحدث ماركس عن العمال وفرديتهم، لكن هذه الثيمة هي في بدايتها أكثر من كونها متطورة. وبالمثل، نلاحظ في المجلد الأول من "رأس المال" أن تطور تقديس السلعة و "أقنعة الشخصية" تتوقف في منتصف الطريق. ويجب قول الشيء نفسه عن "التجريدات الحقيقية". وقائمة أوجه القصور لا تزال طويلة.
   ومع ذلك، في ضوء الحجج ذات الصلة التي تجعل من الممكن تحليل العمل كعمل ملموس ومجرد، وخلق قيمة الاستخدام والتبادل في عملية العمل، وفائض القيمة المطلق والنسبي، والخضوع الشكلي والفعلي، وما إلى ذلك، تظهر أعمال العلوم الاجتماعية المعاصرة بشكل عام وصفية تجريبية، باهتة، دون قوة الجدل والتجريد والتعميم. إنها جزء من "التجريدات الحقيقية" التي أثارها ماركس. يمكننا، بالأحرى، كسب الكثير من خلال تبني هذه الحجج الماركسية، التي لم تجد صدى يذكر في تاريخ الفكر النقدي.
   أخيرا، منذ وفاة ماركس، من الواضح أن مجتمعاتنا قد تغيرت كثيرا. لقد سلكوا طريقا، غير متوقع بالتأكيد بالنسبة للماركسيين، والذي يعزز ويعمم السمات المميزة للعمل والخضوع وكذلك للتقديس.  إن نظرية ماركس للعمل تشكل تحديا حقيقيا للعلوم الاجتماعية اليوم: انتقاد مواقف ماركس من أجل تجاوزها وتحديد العلاقات الحالية بين العمل والتقديس والخضوع و"التجريدات الحقيقية" بشكل أفضل. وبشكل عام، فالاعتراف الأبدي بموت النظرية الماركسية يبدو قمعا.
 
 يان سبورك: عالم اجتماع وفيلسوف ألماني، أستاذ في جامعة ديكارت في باريس
 
الهوامش
ـــــــــــــــــــــــــــ
1-Au sujet des différents marxismes, voir J.-M. Vincent, L’autre Marx. Après les marxismes, Lausanne, éd. Page deux, 2001.
2-Voir à ce sujet O. Negt, Marxismus als Legitmationswissenschaff. Zur Genese der stalinistischen Philosophie, dans Nikolai Bucharin et Abram Deborin, Kontro- versen über dialektischen undmechanistischen Materialismus, Francfort-sur-le-Main, Suhrkamp, 1969, pp. 7-50.
3- K. Marx et F. Engels, Marx-Engels Werke), Berlin, Dietz, I960-... Tous les extraits de l’ouvrage susmentionné cités dans ce chapitre sont tirés de cette édition. La traduction est de l’auteur.
4- F. Engels, Umrisse zu einer Kritik der Nationalökomie (1842), dans MEW, Berlin, Dietz, 1964, vol. 1, pp. 499-524.- F. Engels, Die Lage der arbeitenden Klasse in England, dans MEW, op. cit., vol. 2.
- 5F. Engels, Die Lage der arbeitenden Klasse in England, dans MEW, op. cit., vol. 2.
6 -Voir à ce sujet J. Spurk, Une critique de la sociologie de l’entreprise. L’hétéronomie productive de l’entreprise, Paris, L’Harmattan, 1998, pp. 48-73.
7- K. Marx, Ökonomisch-philisophische Manuscripte (1844), dans MEW, op. cit., vol. 1, pp. 463-588.
8- K. Marx, Die deutsche Ideologie. Kritik der neuesten deutschen Philosophie in ihren Repräsentanten Feuerbach, B. Bauer und Stirner, und des deutschen Sozialismus in seinen verscheidenen Propheten, dans MEW, op. cit., vol. 3, pp. 9-331.
9- K. Marx. Das Elend der Philsophie. Antwort auf Proudhons „Philosophie des Geldes, dans MEW, op. cit.,vol.4, pp.63-182.
10- K. Marx, Grundrisse der Kritik der politischen Ökonomie, Berlin, Dietz, 1974.
11- K. Marx, Le Capital. Critique de l’économie politique, Paris, PUF, 1993.
12- K. Marx, Resultate des unmittelbaren Arbeitsprozesses (RES), Francfort, Neue Kritik, 1969.
13- Voir K. Marx, Theorien über den Mehrwert, Dritter Teil. Neunzehntes bis vierun- dzwanzigstes Kapitel und Beilagen, dans MEW, op. cit., vol. 26.3.
14- À ce sujet, voir K. Marx, Le Capital. Critique de l’économie politique, op. cit., vol. 1.
15- Ibid., p. 21.
16- Ibid., pp. 364-365.
17- Ibid., p. 21.
 18- K. Marx, Das Kapital. Kritik der politischen Ökonomie, Erster Band, Buch I : Der Produktionsprozess des Kapital, dans MEW, op. cit., vol. 23, p. 511.
19- K. Marx et F. Engels, Manifest der Kommunistischen Partei, dans MEW, op. cit., vol. 4, p. 465.
  20- K. Marx, Grundrisse der Kritik der politischen Ökonomie, op. cit., p. 14.
21- Ibid., pp. 6-7.                                                                                                                                                        
 22 - Ibid., p. 8.
23 -Ibid., p. 361.                                  
24- Ibid., p. 362.
-25 K. Marx, Das Kapital. Kritik der polischen ûkonomie, Erster Band, Buch I : Der Produktionsprozess des Kapitals, dans MEW, op. cit., vol. 23, p. 511.
26-  Ibid., p. 118.
27- Ibid., p. 512.
28 - K. Marx, Grundrisse der Kritik der politischen Ökonomie, op. cit., p. 25.
29- K. Marx, Das Kapital. Kritik der polischen Ökonomie, dans MEW, op. cit., vol. 23, p. 445.                                
30- K. Marx, Grundrisse der Kritik der politischen Ökonomie, op. cit., p. 594.
31- K. Marx, Das Kapital. Kritik der polischen Ökonomie, op. cit., p. 446.
32- Ibid., p. 674.
33- Ibid., pp. 208-209.
34- Ibid., p. 193.
35- Ibid., p. 200.
 -36 K. Marx, Grundrisse der Kritik der politischen Ökonomie, op. cit., p. 480.
37- K. Marx, Resultate des unmittelbaren Arbeitsprozesses (RES), Francfort, Neue Kritik, 1969, p. 46.
38- Marx et F. Engels, Critique des programmes de Gotha et d’Erfurt, Paris, éd. Sociales, 1972.
39- Voir K. Marx, Lettre de Marx à Engels du 10/10/1868, dans MEW, op. cit., vol. 32, 1868.
 
الترجمة عن:
Jan Spurk, "La notion de travail chez Marx", in Les théories du travail, les classiques: Collection de sociologie contemporaine, sous la direction de Daniel Mercure et Jan Spurk,  pp. 125-146,  Les Presse de l’université de Laval, Québec, 2019.
 
 
ــــــــــــــــــــــ