تشرين2/نوفمبر 28
   

                                                         

   اليمين الألماني اليوم أقوى من أي وقت مضى منذ هزيمته في 8 ايار 1945. بعد ثمانين عامًا، نشهد زخمًا فاشيًا قد يؤدي إلى إلغاء الديمقراطية في غضون عقود قليلة. ومع ذلك، لسنا على شفا الفاشية. فعلى عكس العشرين عامًا الماضية، لدينا أغلبية على يمين الوسط في ألمانيا والعديد من الدول الأخرى. هذا التحول نحو اليمين من صُنع الإنسان، وبالتالي قابل للعكس. لن يحدث هذا التحول تلقائيًا؛ بل يجب تنظيمه: فالمعاداة اليسارية للفاشية اليوم تعني الاستعداد. لذلك، نبني على حملتنا الانتخابية الواثقة، ونضع أنفسنا بثقة في مواجهة روح العصر المحافظ.

الزخم الفاشي ونابليون الثالث

شبح يجوب العالم، انه شبح الفاشية. أنا لا أعتقد أن ألمانيا أو الولايات المتحدة تقف على أبواب الفاشية. ومع ذلك، فإن ما نشهده هو زخم فاش، كما وصفه أوغست ثالهايمر في عام 1928 في أحد التحليلات الأولى للفاشية، والتي لا تزال تحتفظ بأهميتها حتى اليوم (1). خلال الأزمة الكبرى، جلس وقرأ لكي يفهم. ووجد ضالته في تحليل كارل ماركس لاستيلاء نابليون بونابرت الثالث على السلطة: أطلق ماركس على الحركة الفاشية الجديدة آنذاك اسم البونابرتية. استغل نابليون الثالث فترة الحصار التي أعقبت ثورة 1848، وبصفته فاعلًا عظيمًا، وضع نفسه على رأس الحكومة الفرنسية. اليوم أيضًا، نعيش مرة أخرى زمن الحصار المجتمعي والرجال العظماء المفترضين، ولكن بالتأكيد مرة أخرى في زمن أصحاب الخصى الكبيرة(2)

فشل الرئيس جو بايدن، مثل الائتلاف الحاكم السابق والمعروف بـ "إشارة المرور" (نسبة الى الوان الأحزاب المشاركة فيه – المترجم) بزعامة أولاف شولتس، في برامجه الإصلاحية الطموحة، ويعود ذلك جزئيًا إلى عرقلته داخليًا: بايدن من حزبه من قِبل ديمقراطيين محافظين مثل جو مونشين، وأولاف شولتز بسبب عدم كفاءته، وبالطبع كريستيان ليندر (زعيم الليبرالي الحر ووزير المالية). كانت برامجهم تهدف إلى تعزيز الاقتصاد، وتأمين فرص العمل، ودفع عجلة التحول البيئي. لكن على عكس الولايات المتحدة، لم يخطط ائتلاف "إشارة المرور" حتى للتحول البيئي بما يعود بالنفع على الجماهير. وبسبب الأزمات والزيادات الهائلة في الأسعار، شهدنا نحن المواطنين ارتفاعًا في الأسعار وتدهورًا في الظروف. وكانت النتيجة، ولا تزال، خيبة أمل متزايدة في السياسة: فالثقة في الحل السياسي للمشاكل آخذة في التضاؤل. الليبراليون والمحافظون والديمقراطيون الاجتماعيون الذين ضعفوا، يعرقلون بعضهم البعض سياسيًا. لقد أصبح فشل المؤسسة الليبرالية فرصة مثالية: حيث أصبحت نزعة الاستسلام واللاعقلانية متجذرة، وبدأ اليمين البونابرتي يرتقي مسرح السياسة.

هذه هي اللحظة الفاشية. قال رجل القانون كارل شميت، خلال فترة الديكتاتورية الرئاسية في المانيا في أوائل ثلاثينيات القرن العشرين: "صاحب السيادة من يقرر حالة الطوارئ". لم تكن حملة بايدن - ترامب الرئاسية مجرد حملة انتخابية تقليدية بين يسار الوسط ويمين الوسط. ما شهدناه كان معركة بين ليبرالية مستهلكة وبونابرتية ثورية قومية. دافع بايدن عن برنامج تحديث رأسمالي. تمحورت حملة ترامب حول صورته كشخصية قادرة على فعل أي شيء، على عكس جو بايدن الذي انتهى عهده. تحول ترامب من مهرج سياسي مسلٍّ من عيار برلسكوني أو بوريس جونسون، إلى بونابرت خطير.

منذ ذلك الحين، دأب ترامب على اختبار ثغرات الديمقراطية الليبرالية ونقاط ضعفها. يحكم بمراسيم ويهمش البرلمان. لذا، تُشبه عبارة ترامب "من ينقذ بلاده لا يخالف أي قانون" عبارة كارل شميت، الذي أسس لشرعية القانون على أساس شرعية الرجل العظيم. ان نهاية جمهورية فايمار الألمانية والدكتاتورية الرئاسية تُرسل تحياتها. وتُصبح اللحظة البونابرتية ثورةً محافظة، وانقلابًا باردًا، يدعمه مليارديرات يمينيون وأقطاب التكنولوجيا.

وهكذا، لا يهاجم ترامب مصالح الطبقة العاملة المتوسطة والفئات الأكثر ضعفًا فقط، بل يهاجم أيضًا أسس الديمقراطية الليبرالية. يجب ألا ينزلق حزب اليسار أبدًا إلى حالة صدمة في مثل هذا الوضع. يجب ألا يقف موقف المتفرج عندما يُهمش القانون، ويجب ألا يقف موقف المتفرج عندما تُنتقص حقوق العمال والديمقراطية. يجب ألا يقف موقف المتفرج عندما يُحرم الفقراء من حق التصويت والتعليم. يجب على اليسار أن يستعد ويتحرك بثقة.

 

الأوليغارشية اليمينية والاشتراكية الديمقراطية

في المانيا أيضا هناك فاشيون، لكن الأخطر منهم هو تحول الوسط الى المواقع الفاشية حاليًا. من بين الحكايات الخيالية الشائعة في ألمانيا رواية أن المتطرفين أسقطوا جمهورية فايمار. ظلت نتائج اليسار الانتخابية في سنوات 1928 - 1932 مستقرة نسبيًا. لم تخسر قوى اليسار مجتمعة، خلال تلك السنوات سوى 3 في المائة. بدلًا من ذلك، تحول الوسط نحو اليمين. انشقّ ناخبو الأحزاب الليبرالية والإقليمية، مثل شريحة من الطبقة العاملة البروتستانتية، وانضموا إلى الفاشيين. واليوم، كما كان الحال آنذاك، يستغل اليمين المتطرف حالة عدم الرضا عن الأزمات وجمود حكومات يمين الوسط الليبرالية.

يُنظّم اليمين الجديد (المتطرف – المترجم) نفسه بذكاء "ضد من هم في القمة". ومثل اليمين القديم، ينحدر اليمين المعاصر من الطبقة الوسطى أكثر من انحداره من الطبقة العليا. حركة ترامب "لنجعل أمريكا عظيمة مجددًا"، مثل حركة نابليون الثالث، هي حركة جماهيرية من الطبقة الوسطى تدّعي أن الأوليغارشية والطبقة العاملة لهما مصالح مشتركة. ومثل بعض أعضاء اليمين المتطرف هنا في ألمانيا، يستخدم ترامب حيلة رخيصة ويعيد تفسير الطبقة الوسطى التقدمية والأكاديمية على أنها النخبة الحقيقية "الواعية" المنفصلة عن الواقع في البلاد. ويدعم هذه الرواية كل من حزب البديل من أجل ألمانيا، ومركز السلطة الجديد في جناحي الاتحاد الديمقراطي المسيحي حول المستشار الألماني الجديد ميرتس وسبان ولينمان، وكذلك أحزاب أخرى مثل الحزب الديمقراطي الحر وحزب "تحالف ساره فاكنكنخت" (المنشق عن حزب اليسار – المترجم). وبذلك، يُخفي اليمين علاقات السلطة الاقتصادية والسياسية الحقيقية في البلاد، ويُخفي نفوذ النخب المحافظة - من المديرين التنفيذيين لوسائل الإعلام في صحيفتي بيلد ومؤسسة وبيرتلسمان إلى النخب المحافظة القديمة في الشركات المدرجة في مؤشر داكس في البورصة.

ان أحزابا من "تحالف سارا فاكنكنشت" الى الليبرالي الحر تتملق لروح العصر المحافظ. لا يخدم هذا في النهاية الا الأصل. وبهذا يكتسب اليمين المتطرف أرضية، لا سيما بين نخب المدن الصغيرة، وشرائح من الطبقة الوسطى، والرجال الذين يعملون بأيديهم (والذين يعانون من فقدان الأهمية بشكل كبير). وكذلك يُخفي حزبا الاتحاد الديمقراطي المسيحي/ الاتحاد الاجتماعي المسيحي مسؤوليتهما عن الأزمة في ألمانيا بمهاجمة "النباتيين المنفصلين عن الواقع" والمهاجرين. وعلى عكس حملاتهما المعادية للأجانب في الماضي ضد الجنسية المزدوجة، وشعارات "الأطفال بدلاً من الهنود" .. إلخ، فإنهما هذه المرة لا يخدمان سوى حزب البديل من أجل ألمانيا. وفيما يتعلق بقضية الهجرة، لا يستطيع حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي التفوق على يمينية حزب البديل من أجل ألمانيا، حتى وإن حاول البعض ذلك.

لكن اليمين الجديد (الفاشيون الجدد – المترجم)، مثل الفاشية التاريخية، يقف عند مفترق طرق في تطوره. فالحركة الفاشية، مثل لوبان وكاتشينسكي كاجينسكي kaczynski  وهوكه (رموز اليمين المتطرف على التوالي في فرنسا، بولونيا وألمانيا – المترجم)، تبني نقدها للنخبة على عناصر مناهضة للرأسمالية ومصالح اجتماعية. ومع ذلك، في مرحلة ما، يتعين على اليمين المتطرف دائمًا أن يقرر مع من يريد عقد تحالف، كما أوضح الباحث في الفاشية روبرت باكستون ببراعة في كتابه "المراحل الخمس للفاشية". في هذه الحالة، يختار اليمين في الغالب الاعم التحالف مع الطبقة العليا المحافظة. على سبيل المثال، يتحدث ترامب عن الطبقة العاملة في خطاباته أكثر من الديمقراطيين. عند تنصيبه، تم نسيان هذا كله، ومثل الملك بونابرت الثالث عند تتويجه، سعى إلى التحالف مع الأثرياء للغاية ومليارديرات التكنولوجيا وأباطرة النفط. اعتمد حزب البديل من أجل ألمانيا أيضًا على دعم أغنى رجل في العالم (ايلون ماسك – المترجم) في حملته الانتخابية، وهو بلا شك حزبٌ للأوليغارشية أكثر منه للناس العاديين. ويتجلى هذا جليًا في الاحتفاء بالرئيس الأرجنتيني الفاشي ميلي، الذي يُدمّر دولة الرفاه رمزيًا. أما برامج اليمين الجديد الانتخابية فهي برامج إفقار ضخمة تستهدف الطبقة المتوسطة. هدفهم هو العودة إلى مجتمع طبقي جامد على الطراز القديم - مُموّه ببضعة مشاهير نموذجيين من الفئات المحرومة: عامل وصل إلى القمة ويكتب كتبًا عنها، أو مهاجر من عائلة نخبوية، أو امرأة مثلية في زواج متعدد الثقافات في القمة. وهذا يجعل اليمين الجديد يبدو عصريًا. بالإضافة إلى ذلك، فإن مجالس الإدارات والجامعات والأحزاب، وحتى مجالس إدارة مؤشر داكس، يشغلها حصريًا رجال من المجموعة العليا القديمة التي تبلغ 3,5 في المائة. ويكمل ذلك عدد قليل من الشخصيات البارزة من اليمين الجديد، من الشاب جوردان بارديلا في فرنسا إلى المجموعة الخاصة حول سيباستيان كورتز وجورج هايدر في النمسا.

يُمثل هذا الوضع فرصةً لليسار. إن مكاسب اليمين بين شرائح الطبقة العاملة المتوسطة ليست ظاهرةً طبيعية، بل يمكن عكسها. سرعان ما ينسى اليمين من يُفترض أنه يُمثله، ومن ثم لا بد أن يكون اليسار حاضرًا. والأهم من ذلك، أننا نهتم بالناخبين الديمقراطيين الاجتماعيين المُحبطين وغير المُصوتين. لا تُدرك الشرائح اليمينية في الاتحاد الديمقراطي المسيحي ولا حزب البديل لألمانيا أزمات عصرنا، لا في الصناعة ولا في تحوّل الطاقة. إن إعادة استخدام الطاقة النووية الباهظة الثمن وخفض الأجور والمعاشات التقاعدية لن يحلا مشكلةً واحدةً في البلاد، بل سيخلقان مشاكل جديدة. لذلك، يجب على اليسار أن يُواصل الحديث بلا كللٍ عن الأقوياء والأثرياء حقًا في البلاد، الذين يستفيدون من الأزمات. وهؤلاء ا ليسوا حزب الخضر بالتأكيد - حتى لو أظهرت البرجوازية الخضراء أحيانًا غطرسةً طبقيةً مُرهقةً بعض الشيء، وبعيدةً عن الواقع (عادةً دون أن تُدرك ذلك). إنهم ليسوا خصومنا.

لكن علينا أن نتعلم من أخطاء حزب الخضر: الاستهلاك بذهنية نقدية أمر جيد. لكن لا ينبغي أن يكون منصة سياسية أبدًا. فكرة أن الأكاديميين ذوي الرواتب العالية والبصمة البيئية الكبيرة يريدون أن يُملوا على ممرضة أو حرفي كيفية العيش البيئي هي طريق مسدود سياسيًا. مواقف اليسار المتغطرسة، بروحية العارف غير جذابة؛ فهي تُبعد الطبقة العاملة وسكان المدن الصغيرة.

يجب ألا نرتكب نفس خطأ المؤسسة الليبرالية: فمساواة كل احتجاج أو استياء من النخب باليمين في نهاية المطاف لا يؤدي إلا إلى تقوية اليمين. كما أن الرواية المستمرة للمؤسسة الإعلامية حول "انتقال العمال غير المتعلمين إلى اليمين" تتحول بسهولة إلى نبوءة محققة لذاتها. لقد لاحظنا، بالطبع، تحولات حقيقية نحو اليمين في أوساط العاملين والنقابيين في السنوات الأخيرة. ومع ذلك، فإن غالبية الأوساط العاملة والنقابات ليست يمينية، ومن هنا يجب ان نبدأ.

لكي يحصل اليمين الجديد على الأغلبية، فإنه يعتمد على دعم قطاعات من الفئات العاملة الوسطى. ولهذا السبب يتحدث ترامب كثيرًا عن الطبقة العاملة، ولهذا السبب يُثير حزب البديل من أجل ألمانيا الحسد الاجتماعي بين الأوساط الدنيا. إذا أراد اليسار تحقيق أهدافه ووقف اليمين المتطرف، فعليه الاقتراب من الفئات الوسطى العاملة. يمكننا تحقيق ذلك بسهولة أكبر بعد نتائج انتخاباتنا ووجود العديد من الأعضاء الجدد، الذين يبنون مسيرتهم المهنية. ولتحقيق ذلك، يجب أن نناضل بشراسة من أجل الأغلبية وندّعي تمثيلها. وعندما نناضل من أجل حقوق الأقليات، يجب علينا دائمًا، كلما أمكن، ربط هذه النضالات بمصالح الأغلبية. إن حرمان المهاجرين والأقليات الجنسية من حقوقهم سيؤدي عاجلًا أم آجلًا إلى حرمان فئات أخرى من حقوقها أيضًا. إن سياسات اليمين المحافظ واليمين المتطرف لا تؤدي إلى انخفاض الهجرة في أي مكان، بل تؤدي إلى حرمان المهاجرين من حقوقهم وتزايد أعداد المهاجرين غير الشرعيين. ويؤدي حرمان المهاجرين غير الشرعيين من حقوقهم، بشكل شبه تلقائي، إلى تمكين ارباب العمل من خفض الأجور وإضعاف فئات كاملة من العمال. ويظهر ذلك اليوم جليا في قطاع الزراعة، وقطاع المطاعم، وبين عمال النظافة، وقطاع البناء. ومثلما نجح حزب الاشتراكية الديمقراطية (سلف حزب اليسار الحالي - المترجم) في إقناع العديد من الناخبين الذين عارضوا آرائه بشأن حقوق الإنسان. صوّت هؤلاء لصالح الحزب ليس لموقفه الأممي والإنساني، وفي كثير من الأحيان في عدم الانسجام مع قناعاتهم، لأنهم شعروا بأن الحزب، هو الأكثر دعما لمصالحهم.

 

الاستبداد اليميني والليبرالي

يُغذّي الليبراليون حاليًا الزخم الفاشي. ويقف اليمين المتطرف كالشبح، ويستغلّ تناقضات الليبرالية بمهارة. ويُؤجّج الخاسرون اقتصاديًا، في الليبرالية الجديدة ضد الرابحين ثقافيًا فيها. في السنوات الأخيرة، شهدت الدول الغربية طفرة في التحرر الاجتماعي وهذا أمرٌ جيّد. لقد شهدت المساواة القانونية والثقافية بين الرجال والنساء، والمهاجرين، والأقليات الجندرية، تعزيزًا ملحوظًا. وقد واجه اليمين هذه المساواة، وبعض أشكالها الجذرية، في السنوات الأخيرة ببناء بعبع "اليقظة ضد عدم المساواة".

 بناءً على بعض المبالغات والانتقادات المبالغ فيها أحيانًا، فرضوا حظرًا على حرية التعبير على "النخب الواعية". ومع ذلك، أصبحت الدول الليبرالية أكثر استبدادًا، ليس فقط في لغتها السياسية، بل في تسليح وتشديد النظام القانوني والأجهزة الأمنية. منذ أن تعرّضت المؤسسة الليبرالية للأحزاب الرئيسية السابقة للتهديد، لجأت هي الأخرى إلى شنّ هجمات انتقامية واستخدام سلطة الدولة بشكل متزايد ضد المعارضين من جميع الأنواع. تُشدّد الحكومة قوانين الأمن والمراقبة، وتُعزّز أجهزة المخابرات، وتُعيد فرض حظر على الوظائف. وحاليا مُوجّه هذا بشكل رئيسي ضد اليمين المتطرف، ولكن ليس بالضرورة أن يبقى الامر كذلك.

إن الجمع بين تجاهل المركز لاحتياجات السكان الكادحين وسياساته المناهضة للأغلبية بشكل علني أصبح متفجرًا. إن التحول الليبرالي الجديد المتجدد في حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، مرة أخرى في عهد المستشار الألماني فريدريش ميرتس، أمر خطير للغاية. إن الليبرالية الجديدة هي في جوهرها سياسة ضد الأغلبية. وإلى جانب الأزمات الكبرى في السنوات الأخيرة، فإن هذه السياسة تغذي الزخم الفاشي. في عام 1929، لم يكن سوى وزير المالية من الحزب الديمقراطي الاجتماعي، رودولف هيلفردينغ، الذي واجه الأزمة بحزمة تقشف ليبرالية جديدة. وفي السنوات التالية حكمت الحكومات الرئاسية. وإذا كان النازيون هم أول من ألغى الديمقراطية الليبرالية تمامًا، فإن الجوهر الاجتماعي للديمقراطية والعديد من المعايير الدستورية قد قوضت بالفعل من قبل الحكومات السابقة. لم يعد استيلاء النازيون على السلطة خطوة رئيسية أو مفاجئة تمامًا.

لن تُوقف الحيل القانونية والحظر (الوظيفي) والقمع، التحول نحو اليمين. مع ذلك، قد تُمهّد سياسة الوسط الليبرالي الاستبدادية المضادة، دون قصد، الطريق أمام حكومة يمينية متطرفة.

ان الوضع في ألمانيا اليوم ما يزال بعيدًا كل البعد عن عام 1929 أو 1933. غالبية الطبقة المتوسطة ليست يمينية. لكن التأثيرات تقترب. أصبحت المكاسب الأيديولوجية والسياسية لليمين المتطرف أكثر وضوحًا مع اشتداد المناقشات الاجتماعية. من خلال حركتهم المضادة لليبرالية في السنوات الأخيرة، خلق الشعبويون اليمينيون بذكاء مظلة واسعة للقطاعات المحافظة في المجتمع. حيث يكون المحافظون واليمينيون في السلطة، كما هو الحال في الولايات المتحدة أو المجر، فإن انتقاد ثقافة الإلغاء وحظر الخطاب الليبرالي اليساري المزعوم يتحول بسرعة إلى مطاردة ساحرات ضد المعارضين: من ترحيل الطلاب المحتجين إلى إعادة تفسير التاريخ، من العبودية إلى اضطهاد الأمريكيين الأصليين في الولايات المتحدة إلى حظر أيام كريستوفر ستريت في أوروبا الشرقية.

مستلهما أداء ترامب وأوربان، شنّ مستشار المانيا الجديد هجمات يمينية على الأقليات الاجتماعية والمجتمع المدني. وبلغت هذه الهجمات ذروتها بالتحقيقات ضد منظمة "جدات ضد اليمين"، ومنظمة "البوند"، ومنظمة "السلام"، ومنظمة "كومباكت". وهذا يمثل تكتيكا ترهيبا ترامبيا. وستكون وزارة شؤون الأسرة المسؤولة عن الجمعيات من حصة حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، وما زال من غير الواضح ما سيعنيه ذلك للجمعيات والمبادرات الديمقراطية. ومع ذلك، وحيثما يكتسب حزب البديل من أجل ألمانيا نفوذًا، بما في ذلك تأثيره على حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، يحق للجمعيات والعاملين في المجال الثقافي أن يتوقعوا الأسوأ.

إن الحركة المضادة لليمين المتطرف، بتظاهراتها الحاشدة، علامة مهمة على وجود حياة مناهضة للفاشية. إنها مُشجعة، حتى وإن لم تصل سوى إلى عدد قليل جدًا من الطبقة العاملة الساخطة. فالشجاعة والثقة بالنفس لا تتوافران بكثرة لدى اليسار المجتمعي. ان كل ما يُلهم الشجاعة صواب.

على الرغم من ذلك، يجب على اليسار أن يُمعن النظر بروح نقدية في تحالف الديمقراطيين، الذي غاب عنه إلى حد ما في السنوات الأخيرة. يتساءل العديد من المواطنين اليساريين في السنوات الأخيرة: لماذا نحتاج إلى ثلاثة أحزاب يسارية في مواجهة يمين متزايد القوة؟ إن وضوح مطالب حزب اليسار، وتميزه عن الأحزاب الأخرى، أمرٌ بالغ الأهمية - حتى بالنسبة للأغلبية الأخرى في البلاد. على عكس اليمين، يدعو حزب اليسار إلى توسيع الديمقراطية، لا تقييدها. وعلى عكس الليبراليين، لا نعتقد أن الديمقراطية الليبرالية هي أفضل نظام اجتماعي ممكن وأكثرها ديمقراطية في التاريخ. فبدون المساواة والتوازن الاجتماعي وعلاقات الملكية البديلة، ستظل كل ديمقراطية معرضة للخطر.

لذلك، نحن اليساريون نعارض النزعات الاستبدادية، سواءً من الجانب الليبرالي، وبالتأكيد من جانب اليمين المتطرف. اليسار قوةٌ من أجل ديمقراطية لمصلحة الأغلبية الاجتماعية، وفي الوقت نفسه، قوةٌ تحمي الحقوق المدنية للجميع، لصواب هذه السياسة، ولانسجامها مع مصلحة المواطنين وحزب اليسار. ان ما قد يحدث للأفراد أو الأقليات قد ينقلب سريعًا ضد الجميع. لذلك، ندافع عن حقوق الجميع في البلاد. هذه هي مناهضة الفاشية الديمقراطية والاشتراكية.

 

القوميون المحتقنون مستشارون سيئون

مع انتصار اليمين المتطرف، تشهد القومية العدوانية عودةً إلى الساحة السياسية العالمية. وهذا يؤدي إلى مزيد من المواجهات والحروب وانعدام الأمن. ولعلّ حرب بوتين العدوانية، على وجه الخصوص، جعلت الضم المباشر مقبولاً مجدداً، ووضعته على أجندة دول مختلفة. في هذه الحالة، يُصبح منطق "عدو عدوي صديقي" الذي تبنته سارا فاكنكنيخت مستحيلاً. فهذه السياسة ليست قصيرة النظر وغير معقولة فقط، بل إنها أيضاً لا تُبدي أي نقد لإمبريالية القوى الإقليمية.

ان للمواجهة الجديدة بين الكتلتين أسبابا اقتصادية أيضًا. فنحن لا نشهد حاليًا إحدى الأزمات الرأسمالية النموذجية المتمثلة في فائض الإنتاج في الصناعة فقط، بل إن عودة ظهور الصين والهند ودول أخرى تُشكل تحديًا للنموذج الاقتصادي الغربي وتُفاقم المنافسة. ولهذا تواجه عمليات انتاج القيمة في المانيا ودول الشمال تحديات هائلة. في الوقت نفسه، يفتقر المحافظون واليمينيون المتطرفون الأوروبيون بشكل ملحوظ، بقدر تعلق الامر بالسياسة الاقتصادية، إلى الأفكار والخيال. إنهم ينتصرون، لأن الكثيرين يفقدون الأمل. ان الذين يفقدون الأمل بالأفضل يحاولون ببساطة الدفاع عما حققوه، في مواجهة القوى الخارجية، والقوى الأدنى.

بهذا المعنى، يُعيد ترامب إحياء سياسة الحمائية القديمة في الشمال العالمي. ولطالما روّجت الولايات المتحدة للتجارة الحرة لغزو أسواق أخرى، ويُحاول ترامب الآن فرض الحمائية، لإعادة التصنيع المزعوم في الولايات المتحدة. هذا النهج السياسي ليس مُستنكَرًا بطبيعته. لكن، أفعال ترامب الفوضوية تُسبِّب فوضى لا نهاية لها. بالإضافة الى ذلك تبنى ترامب سياسته بمعزل عن أصدقائه من أصحاب النفوذ، الذين سيُسقطون سياسته الصارمة في فرض الرسوم الكمركية. وبينما لا تزعج ترامب التظاهرات ضد تسريح العمال والتخفيضات في قطاعات التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية، يتفاعل بحساسية مع انخفاض أسعار الأسهم. وبذلك، يُظهر ترامب بوضوح انحيازه الحقيقي.

بواسطة سياسة فرض الرسوم الكمركية العدوانية، يؤجج ترامب المواجهة بين الكتل. وتستمر دوامة سباق التسلح بلا هوادة ودون أي ترددٍّ. في الوقت نفسه، يتحقق حلم قديم لليسار، ولكن ليس كما كان متوقعًا. ووفق أداء يليق بملكٍ فاسد من القرن التاسع عشر، تعامل ترامب مع الرئيس الأوكراني زيلينسكي في المكتب البيضاوي. ونتيجةً لسياسات ترامب، يتفكك حلف الناتو إلى أجزائه المكونة، تمامًا كما حدث خلال ولايته الأولى. وتقف اوروبا وحيدة.

يشعر السكان، ليس في هذه البلاد فقط بقلق بالغ إزاء ما يحدث عالميًا: من الهجوم الروسي على أوكرانيا إلى استبداد ترامب، والجائحة، وأزمة المناخ. ان مستقبلنا الآمن أصبح موضع شك لأول مرة منذ ثمانينيات القرن الماضي. لذلك، يدعم الكثيرون التعزيزات الحالية للأسلحة اعتقادًا منهم أنها ستعزز الأمن. وهم بذلك يُفاقمون، دون قصد، المعضلة الأمنية القديمة، مما يؤدي في النهاية إلى مزيد من عدم اليقين لجميع الأطراف. وفي الوقت نفسه، تدعم الأغلبية اتفاقية مشتركة لنزع السلاح. لقد كانت الاتفاقيات المشتركة لنزع السلاح خلال الحرب الباردة وصفة نجاح. لقد انخفض الإنفاق العسكري العالمي لعدة عقود، وبالتالي أصبح العالم جزئيا أكثر أمناً.

ومع ذلك، فإن معظم الأحزاب تريد تأجيج سباق التسلح وإعادة عسكرة المجتمع الألماني بشكل أو بآخر. ويدعو الاتحاد الديمقراطي المسيحي وحزب البديل من أجل ألمانيا، بشكل خاص، إلى أن يكون التجنيد مقبولًا اجتماعيًا مرة أخرى. ومن المتوقع أن يتخلى دافعو الضرائب الألمان عن المدارس الجيدة والسكك الحديدية الدقيقة والاستثمار في الصناعة لصالح إعادة تسلح غير مدروسة، ولصالح سباق التسلح. وعلى عكس القطاعات الأخرى، يشكو الجيش الألماني من أوجه قصور هائلة منذ عقود، على الرغم من أن ميزانيته قد تضاعفت تقريبًا. إن نظام المشتريات في الجيش الألماني والجيوش الأوروبية هو قبر لمليارات من الدولارات. والفساد وعدم الكفاءة والعقود غير المنفذة بانتظام والتكاليف المتفجرة، وعلى الرغم من ذلك لا يحدث شيئا منذ سنوات. وبدلاً من معالجة هذه المشاكل مباشرة، تغدق الحكومات الألمانية المتعاقبة مليارات الدولارات على الجيش الألماني دون مناقشة للهدف والغرض.

ان حزب اليسار ضد كل أشكال الإمبريالية. إنه حزب سلام يدافع عن مصالح الشعوب. لا شيء أكثر وحشية من الحرب. ولا مكان آخر يُصبح فيه الإنسان ذئبًا على نفسه كما في الحرب. لذلك، يُعارض حزب اليسار الحرب كأداة للسياسة، ويدافع عن حرية دول العالم وسيادتها، سواء كان ذلك في حروب الولايات المتحدة ضد العراق أو أفغانستان، أو في ربيع براغ، أو في الحرب في أوكرانيا. وعلى طريق السلام، هناك مسارات مختلفة تؤدي إلى النجاح. يمكننا، بل يجب علينا، مناقشتها. وكما هو الحال في فيتنام أو أوكرانيا، قد يؤدي هذا أحيانًا إلى تناقضات، لكن هذا لا يغير الهدف. في عام ١٧٩٥، كتب إيمانويل كانط في عمله الشهير عن السلام الدائم وعدم الاعتداء الهيكلي لجميع الدول. ولا بد أن هذا الأمر أصبح أكثر صدقية بعد 230 عامًا.

بدلاً من الاكتفاء بإلقاء الدروس على البشر، ينبغي علينا نحن اليساريين أولاً أن ندرك انعدام أمنهم وأن نبني سياستنا بناءً على ذلك. لذلك، ندعم الدفاع، لكننا نعارض بشدة الجهود الرامية إلى جعل الجيش الألماني وأي جيش أوروبي محتمل قادراً على الهجوم أو التدخل. لم تجعل المغامرات العسكرية في أفغانستان والعراق وليبيا هذه البلدان ولا بلدنا أكثر أمناً، بل على العكس تماماً. إن الحاجة الإنسانية للأمن وسلامة الحياة هي نقطة الانطلاق الأساسية لسياستنا. لا يوجد شيء أسمى من حياة البشر، وربما لا يوجد سوى حياة واحدة. لذلك، وفي سياق المواجهة بين الكتلتين الأمريكية والصينية، ومن منطلق المصلحة الذاتية والحس السليم، ندعو إلى أوروبا كوسيط. ولهذا أيضا، يدعو حزب اليسار إلى استقلال أوروبا الاستراتيجي خارج الكتلتين. وسنواصل معارضتنا الحازمة لأي شكل من أشكال الإمبريالية المصدرة من أوروبا.

 

ائتلاف جديد – غياب للتقدم

تفاوض طرفا التحالف الحاكم الجديد، حزبا الاتحاد الديمقراطي المسيحي والديمقراطي الاجتماعي بسرعة. لكن اتفاقهما الائتلافي فشل في معالجة التحديات الهائلة: الانقسام الاجتماعي في البلاد، وخطر تراجع الصناعة، وأزمة المناخ، وغيرها. وبدلًا من تحقيق تقدم كبير، واصل المستشار الجديد ميرتس الضغط على الهجرة ودخل المواطنين، ويواصل إجراء نقاشات تضليلية على حساب الفئات الأضعف في البلاد. وبدلًا من مواجهة الاستياء السياسي ببرنامج لصالح الأغلبية، يعود الائتلاف الجديد إلى سياسات تقشف الليبرالية الجديدة. ربما منع الحزب الديمقراطي الاجتماعي حدوث ما هو أسوأ، لكنه لم يتمكن من احداث فرق يذكر. ومن المتوقع أن يواصل الديمقراطيون الاجتماعيون، الذين كانوا فخورين في السابق، تراجعهم في هذه الحكومة. والأسوأ من ذلك، وفور عرض اتفاق الائتلاف، بدأ شريكا الائتلاف المستقبليان في جدل حاد حول تفسير الاتفاق. يُرسل ائتلاف "إشارة المرور" (الائتلاف الحكومي السابق) تحياته، مع خبر حصول حزب البديل من اجل ألمانيا على الموقع الأول في استطلاعات الرأي لأول مرة.

حزب اليسار على المستوى الاتحادي، في المعارضة حتى إشعار آخر. وسيبقى كذلك حتى يتغير ميزان القوى الاجتماعية. لتغيير المجتمع، نتبع سياسة معارضة شجاعة وواثقة. التغيير من خلال المعارضة ممكن. يسعى الحزب منذ سنوات لوضع حد أدنى للأجور. وبصفتنا يسارًا، وعلى عكس نقاشات اليمين حول كبش الفداء، فإننا ملتزمون بتحسينات ملموسة مثل تحديد سقف للإيجارات وخفض الأسعار، وندفع باتجاه استثمارات في بنية تحتية أفضل وحياة أفضل للجميع: من زيارات أسرع لأطباء الاختصاص إلى خدمات سكك حديد بأسعار معقولة ودقيقة. وبالنسبة لنا، تُعدّ السياسة الاجتماعية الحجر الأساس في مواجهة اليمين المتطرف. لكنها وحدها لا تكفي. لقد فقد من صوتوا لليمين الأمل في مستقبل أفضل، وهم في تراجع. لا يفعل حزب البديل من أجل ألمانيا شيئًا مختلفًا. إنه يُثير الكراهية ضد الضعفاء والعاجزين عن الدفاع عن أنفسهم. وهذا يُسمّم في النهاية مجتمعنا، ولن يتحسن شيء. لذلك، سننتقد حكومة المستشار ميرتس ونراقبها منذ البداية. نريد أن نطور البلاد مع مواطنينا ومن أجلهم.

ما يزال توازن قوى الأغلبيات الحالية يُمثل مشكلة. فطالما استمر جدار الحماية المتهاوي (المقصود عدم تحالف الأحزاب الديمقراطية مع اليمين المتطرف في البرلمانات – المترجم)، سيزداد صعوبة إيجاد أغلبية تتجاوز حزب البديل من اجل ألمانيا. ومن المفارقات أن قوة اليمين المتطرف ستؤدي، على المدى القصير، إلى زيادة نفوذ اليسار في تشكيل حكومات الولايات. فمن التحالفات مع أحزاب يسار الوسط في المدن إلى التسامح مع حكومات الأقلية التابعة للاتحاد الديمقراطي المسيحي في الولايات، فإن الوضع يزداد سوءًا. ان حزب اليسار عالق هنا بين مطرقة الطاعون وسندان الكوليرا. وتطلعات ناخبينا عالية بحق. خصوصا، ان حكومات الأقلية المتنوعة خارج حزب البديل من اجل ألمانيا ستقدم الكثير من العمل الجزئي، وقد تزيد من حالة عدم اليقين وخيبة الأمل السياسية بين السكان. وقد يُكلفنا ذلك أصواتًا. لكننا في اليسار لن نكون من يمنح اليمين المتطرف حق الوصول إلى السلطة لأول مرة منذ عام ١٩٤٥. سنُلقي بكل شيء في الميزان لنمنع ذلك.

الجميع يريد الحكم، ونحن نريد التغيير. من يريد التغيير يحتاج إلى أغلبية. ولتحقيق ذلك، نعتمد على مناهج شعبية، وأحيانًا شعبوية. على من يريد التغيير أن يعرف أولًا ما يريد تغييره. وهذا يتطلب تحليلًا دقيقًا للأوضاع الراهنة وتكوين فكرة واضحة عما يريد تغييره. لذلك، سنطلق خلال الأشهر المقبلة عملية برنامج، وسنُحدّث برنامج إرفورت الحالي عند الضرورة.

أينما كان لنا نفوذ، سنستخدمه لمصلحة ناخبينا. ولتحقيق ذلك، يجب أن نركز بشكل متزايد على الإصلاحات المضيئة (الرئيسية). وحيث يحكم حزب اليسار، يجب أن تكون بصمته واضحة: من الحملة ضد الإيجارات المفرطة في برلين إلى إلغاء رسوم رياض الأطفال في مكلنبورغ فوربومرن. وبدلاً من النقاشات المجردة حول إيجابيات وسلبيات الحكومات، يجب علينا نحن اليسار أن نستعد في الولايات ونتخذ قرارات بناءًة لصالح ناخبينا (الطبقية) وأجندتنا والوضع السائد. لا أحد يُجبرنا على الحكم، تمامًا كما أننا لسنا محكومين بالمعارضة. يجب أن يكون هدفنا لعام 2029 أغلبية مختلفة في هذا البلد (وأسرع إذا فشل الائتلاف الحاكم الحالي). ليس المستشار فريدريش ميرتس ولا حزب البديل من أجل ألمانيا نهاية التاريخ.

يعلمنا التاريخ أن اليمين المتطرف قد يُضيّع فرصته التاريخية، كما حدث في فرنسا أو بريطانيا العظمى أو الولايات المتحدة الأمريكية قبل الحرب العالمية الثانية. وحتى لو تولى اليمين المتطرف مع حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الحكم لأول مرة في السنوات المقبلة، فسيجدون فينا أشدّ معارضيهم.

 

برنامج إصلاحي يساري بدلًا من مناهضة فاشية عاجزة

خلال الحملة الانتخابية، وضعنا بنجاح مطالبنا الأساسية في المقدمة، - ليس إيمانًا منا بأن إصلاحًا واحدًا أو اثنين سيحل جميع المشاكل، بل لأن كل فرد في هذا البلد يجب أن يكون قادرًا على التعبير عمّا يريده اليسار بشكل محدد. أهدافنا لا تقتصر على هذا.  أكثر من عقود عديدة سابقة، يتضح اليوم جليًا أن قدرات الرأسمالية على حل مشاكلنا تتراجع.

كيساريين امسكنا برقابنا وانتشلنا أنفسنا من المستنقع. لم يكن هذا ممكنًا لولا جهود أسلافنا وجميع أعضاء حزب اليسار المخلصين الذين ساروا معنا عبر وادٍ طويل وعميق. ولم يكن أيٌّ من هذا ممكنًا لولا انفصال تيار فاكنكنيخت. ويزداد نجاحنا إثارةً للإعجاب في ظلّ روح العصر المحافظ الجديد. وقد منحنا الدعم الهائل من اليسار المجتمعي والعديد من المُسيّسين حديثًا في الحملة الانتخابية دفعةً قوية. يحق لنا أن نفخر مجددًا بانتمائنا إلى حزب اليسار.

حتى قبل التدفق الهائل للأعضاء الجدد في الأشهر الأخيرة، كان هناك تحول اجيال سياسي. وهذه مرحلة حساسة لكل حزب. والآن، لدينا في جميع منظمات الولايات تقريبًا، قادة شباب نشأوا في هذا الحزب. كثير ممن أسسوا هذا الحزب وحققوا وحدته تراجعوا عن المشاركة. آخرون، مثل غريغور غيسي وبودو راميلو وغيرهما الكثير، وضعوا أنفسهم في خدمة حزبهم مجددًا. كل هذا يضمن لحزب اليسار مستقبلًا للعقود مقبلة.

في المحاولة الثالثة في حياة الحزب، ومع تدفق الأعضاء الجدد، أصبح حزب اليسار حزبًا وطنيًا ألمانيًا. وتحول من حزب ذي متوسط اعمار كبيرة الى حزب شاب. وتضاعفت عضوية الحزب في الولايات الغربية ثلاث مرات. أما في الشرق، فلدينا منذ إعادة التوحيد أكبر عدد من الأعضاء الجدد. وهنا أيضًا، نتطلع مجددًا إلى مستقبل أقوى حزب يسار الوسط. ويمثل هذان العاملان فرصة هائلة لا يسعنا كحزب أن نضيعها. يقف خلف اليمين أصحاب الملايين والمليارات، بينما لا يملك اليسار سوى آمال ملايين الناس الذين يسعون إلى حياة أفضل. لذلك، نعقد اجتماعات للأعضاء الجدد في المنظمات المحلية، ونؤسس منظمات محلية جديدة في كل مكان، ونعيد هيكلة المنظمات القائمة لنكون حاضرين في أكبر عدد ممكن من المدن والأحياء. كما نعمل على تعزيز التأهيل في جميع المستويات، من مبادئ الماركسية إلى التنظيم، ومن عمل المجالس الى دورات تدريب بسيطة لمسؤولي المالية.

إذا ضعف الحزب الديمقراطي الاجتماعي وحزب الخضر، فعلينا سدّ هذه الفجوات. ينطبق هذا على معاقل الحزب الديمقراطي السابقة في ألمانيا الغربية، حيث يكتسب اليمين المتطرف قوةً على نطاق العالم. وعلينا أن نمنع ذلك هنا. ولهذا السبب، نتبنى نهجًا حازمًا تجاه الانتخابات المحلية في ولاية شمال الراين - وستفاليا (الولاية الأكثر سكانا في المانيا - المترجم) في أيلول المقبل. ولأننا الآن بامتياز حزبٌ لعموم المانيا، نرغب في دخول برلمانات الولايات بنتيجة قوية في جميع الانتخابات. في ألمانيا الشرقية، تُعدّ المعركة ضد اليمين المتطرف، على اية حال، قضية وجودٍ بالنسبة لنا، وهي قضية يشعر بها كل يساري. وها نحن نسعى مجددًا لدور قيادي على يسار قوى الوسط، التي تمتلك النفوذ والتجربة الطويلة. إن التحول الاجتماعي نحو اليمين يمنحنا هدفًا. إن مناهضتنا للفاشية، والتزامنا تجاه الطبقة العاملة والفقراء وجميع من لا يستطيعون تحمل تكاليف المعيشة، وكفاحنا ضد كراهية النساء والمهاجرين والأقليات الجندرية، وحماية المناخ، وضد سطوة الأسواق، كلها جزء لا يتجزأ من هوية حزبنا. رسالتنا أوضح مما كانت عليه منذ زمن طويل: النضال من أجل مستقبل بلدنا والعالم. مستقبلنا مهدد باليمين المتطرف، وتغير المناخ، وتفاقم عدم المساواة، ونحن من سيخوض هذه المعركة.

الهوامش:

  1 - كتب أوغست ثالهايمر كتابه "حول الفاشية" (1928) باعتباره تقييماً داخلياً للكومنترن، ونُشر في عام 1930.

2 – المقصود الساسة الذين يعتبرون أنفسهم ذكورا عظماء والمحتقنين جنسيا

*- ينس إيلينغ هو السكرتير التنفيذي الحالي لحزب اليسار الألماني. والترجمة لمساهمته المنشورة في 13 أيار 2025 في منصة "اليسار بحرك" المفتوحة الخاصة بمناقشات أعضاء الحزب.