شباط/فبراير 17
   

 

المقدمة

إن التفكير في إيجاد مخرج من الانسداد الدستوري والسياسي الذي وصلت إليه العملية السياسية في العراق، هو من أولويات التفكير السياسي لانتشال النظام السياسي من هوّة أزمته المستفحلة، المتواصلة منذ التغيير عام 2003 إلا ان من الواضح بلوغ فكر الطغمة الحاكمة الى أشد حالات الرثاثة، حيث عجز بالكامل عن إيجاد منهج بديل للمحاصصة. ولذا فان فكر المحاصصة المأزوم، بكل ما خلّف من خراب وما أنتج من فساد، هو كل ما تقدمه الطغمة، التي افتضح خواؤها الفكري، لهذا لن يبقى الشعب صامتا فترة طويلة أخرى، وها هي مؤشرات الأوضاع العامة وقراءات الرأي العام واتجاهاته، تؤشر احتمال انطلاق موجة جديدة من الاحتجاجات الشعبية. فالمفاعيل التي حرّكت ثورة تشرين باقية على حالها، ولم تتم معالجة أيّ من الملفات الضاغطة، بل وازدادت المعاناة بفعل عدم الاكتراث بمعيشة المواطنين التي أصبحت بالغة الكلفة على محدودي الدخل، وقاتلة بالنسبة لفقراء الشعب والمهمشين، وذلك بسبب السلوك السياسي الخاطئ، والخلافات الناشئة بشأن تأليف الحكومة، وبقاء البلاد حتى الآن من دون موازنة مالية مصادق عليها. وبدلا من العودة الى المواطنين والاصغاء الى آرائهم، حيث انهم أصحاب الحق الوحيدين في تحديد مصيرهم، بعد عجز النظام وقواه المتنفذة عن تقديم اية حلول، نرى ان انسب الحلول هو الدعوة الى انتخابات مبكرة وحل مجلس النواب، لكن هيهات ان تصغي طغمة الحكم الى أي رأي تشعر به يقلص مساحتها، ويرخي قبضتها الماسكة بالسلطة ولو قليلا، فلم يبق امام المواطنين غير الاحتجاج، وقد يتبين لاحقا ان انتفاضة تشرين ليست سوى (بروفة) او تمرين للثورة السلمية الواسعة المرتقبة، بهدف التغيير الذي ينشده الشعب، بحيث يشمل بنية النظام باعتماد مبدأ المواطنة وبإصلاح وظائف البنية ذاتها.

امام هذه الأوضاع الحبلى بالسخط والرفض والترقب، باغت التيار الصدري الجميع، وبادر لتنظيم موجة احتجاجات وصلت الى اقتحام قبة مجلس النواب، رافعا شعارات الإصلاح والتغيير الجذري، ومحاسبة الفاسدين وانهاء المحاصصة، وهي ذات الشعارات التي ترفعها القوى والشخصيات المدنية، فهل يا ترى ان التيار اقتنص الفرصة التي كان يمكن للقوى المدنية المبادرة فيها؟ ام جاءت كتهيئة للتنسيق والعمل المشترك بهدف اصلاح الأوضاع وتغييرها، ام انه استشعر قيام ثورة شعبية وسارع في النزول من سفينة السلطة ليتقدم صفوف الشعب في مواجهة طغمة الحكم.

هذا ما يحاول البحث استعراضه ومناقشته وتسليط الضوء على الزوايا المعتمة، وكشف التداخل وفك الالتباسات، وفض الاشتباكات، نسعى لتحليل ذلك بالقدر المستطاع من خلال هذه المقدمة وثلاثة محاور؛ ركز الأول على الاحتجاجات بين جدل التوقعات والاقتحام المباغت، عبر مبحثين الأول هو، الثورة الشعبية المتوقع اندلاعها والاخر اقتحام المنطقة الخضراء بين التنظيم والعفوية. فيما اختص المحور الثاني بالأوضاع العامة ما بعد الانتخابات المبكرة وتداعياتها، عبر مبحث عنوانه البيئة السياسية ما بعد الانتخابات المبكرة، ناقشه ضمن ثلاثة عناوين: الانتخابات المبكرة بين المقاطعة والتشكيك بنتائجها، الصراع ضمن منهج الحكم وعليه، والانسداد السياسي نتيجة متوقعة للصراع. والمبحث الاخر هو الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية بعد الانتخابات المبكرة، هذا وقد بحثنا في المحور الثالث وضع الاحتجاج الصدري بين الضد النوعي وأزمة العلاقة مع القوى المدنية، حيث اختص المبحث الأول بالضد النوعي، فيما تطرق المبحث الثاني الى ازمة الثقة بين التيار والقوى المدنية . اعتمد الباحث على البيانات السياسية وتصريحات القوى كمصادر الى جانب المتابعة الشخصية للأحداث، ومعروفة صعوبة هذا البحث في صراع احداث يومية سريعة لا تتوقف لبرهة، وقد وصل الصراع شدته، ما يجعل التكهن بالمآلات اقرب الى المستحيل، لذا فهو جهد بحثي لا ندعي فيه الكمال، بل هو محاولة اقرب الى المغامرة.

 

المحور الأول

الاحتجاجات بين جدل التوقعات والاقتحام المباغت

 المبحث الأول: الثورة الشعبية المتوقع اندلاعها

من يتعمق في تأمل الصراع السياسي الدائر في العراق، سيكتشف دون عناء البعد الطبقي بوضوح كاف، حيث واقع الاحتياجات الملّحة جدا للطبقات والشرائح الاجتماعية لملايين العراقيين من طبقات وشرائح اجتماعية مهمشة وفقيرة، التي تفصلها فجوة طبقية هائلة السعة عن طغمة الحكم المتحالفة مع حيتان الفساد التي تعيش حياة باذخة باستفزاز، غير مكترثة بتدهور أحوال الشعب، ولا يهمها الارتفاع الجنوني للأسعار، الذي اكتوت بناره حتى الطبقة الوسطى التي تعيش في بحبوحة نسبية، زاد الحياة المعيشية صعوبة، عدم نجاح أي إجراء اتخذته الحكومة للتخفيف من وطأة الأزمة المعيشية، التي طحنت تأثيراتها الملايين. كل ذلك رجح احتمال اندلاع هبّة شعبية كبيرة. فما من طاقة إضافية لدى فقراء العراق ومهمشيه على تحمل الأعباء المعيشية القاسية، التي ينعكس تأثيرها في المزاج العام، ولا مزيد من الصبر عند جماهير الشباب الغفيرة المتطلعة الى فرص عمل تنقذها من جحيم البطالة ومذلّتها، ولا بقايا قدرة تحمّل، بقيت عند الناس الحالمين عن حق بحياة آمنة وكريمة مستقرة. وإذ يشتد يأس المواطنين من إمكانية إيجاد حلول ومعالجات للأزمات التي تنهش حياتهم وتعصف بأحوالهم، فانهم لا يستسلمون لهذا اليأس، ولا يقنطون او يرضخون للأوضاع المأساوية الساحقة. واذا كان السخط والتذمر يطبعان مزاجهم، فان هذا ليس بالمزاج السلبي في كل الأحوال، بل يمكن ان يتحول في لحظة قادمة غير منتظرة إلى مرجل يشتعل غضبا عارما، وقد ينفجر في صورة انتفاضة او ثورة سلمية جبارة، تحاصر كل المتنفذين الذين لم يكترثوا لمعاناة الناس، ولا لمطالباتهم المتصاعدة بتأمين مستلزمات العيش الكريم.

كل ما تقدم وغيره يقودنا الى استنتاج واضح هو ان احتجاجا كبيرا، سيندلع بكل الاحوال، إذ ان العوامل والاسباب التي ادت الى اندلاع انتفاضة تشرين ما زالت قائمة بل زاد عليها عنصران اخران: عنصر تخفيض قيمة الدينار مقابل الدولار، وما تركه ذلك من اثار كارثية على معيشة المواطنين، دون ان تقوم الحكومة بواجبها بالحد من تدهور الوضع المعيشي، ودفعت بذلك شرائح اجتماعيه اخرى الى خط الفقر، كما تضرر أصحاب الدخل المحدود، والقطاعات الاقتصادية غير المنظمة، بل وصل امر سوء الأحوال المعيشية الى منتسبي الدولة من الدرجة الخامسة ونزولا، حيث صنفتهم وزارة التخطيط ضمن الفئات الفقيرة(1)، الى جانب اتساع رقعة البطالة، بشكل مخيف(2). لم تتوقف الاحتجاجات المطلبية والخدمية يوما واحدا، بل ان المتابع يرصد أكثر من احتجاج في اليوم(3).

ما تقدم هو كالأجواء التي سبقت انتفاضة تشرين، حيث الاحتجاجات المطلبية الواسعة، التي لم يستمع لها أحد، ولم يستجب لها مسؤول في الحكومة، ما حوّلها الى انتفاضة شعبية تجاوزت المطالب الفئوية وحملت شعارات سياسية واسقطت حكومة عادل عبد المهدي. وهذا يتيح لنا ان نستنتج ان الأوضاع هذه وضعت البلاد على اعتاب ثورة شعبية من الممكن ان تندلع في اي لحظة، قبل ان يصعد التيار الصدري خطابه المعارض، ثم يقتحم اسوار المنطقة الخضراء ويحول احتجاجه الى اعتصام مفتوح استمر حتى كتابة هذا البحث.

 

المبحث الثاني: اقتحام المنطقة الخضراء بين التنظيم والعفوية

اقتحمت جموع شبابية غاضبة تنتمي في اغلبها الاعم الى التيار الصدري، صباح يوم 30 تموز 2022، اسوار المنطقة الخضراء للمرة الثانية خلال أسبوع واحد، اذ سبق وقامت مساء يوم الأربعاء 27 تموز 2022، باقتحام مباغت لها، على خلفية ترشيح السيد محمد شياع السوداني رئيسا للوزراء يوم 25 تموز 2022، من قبل الإطار التنسيقي، باعتبارهم الكتلة النيابية الأكثر عددا، بعد استقالة نواب الكتلة الصدرية البالغ عددها 72 نائبا، يوم 12 حزيران 2022، وهذا ما يعارضه الصدر. لم يستمر تواجد الصدريين سوى بضع ساعات، انسحبوا بعد تغريدة السيد الصدر في اليوم ذاته، حيث نصت: (وصلت رسالتكم ايها الاحبة فقد ارعبتم الفاسدين، جرة اذن، صلوا ركعتين وعودوا الى منازلكم)(4).

اما الاقتحام الثاني، فكان بعد ان اعطى الصدر الضوء الأخضر لأتباعه باقتحام المنطقة الخضراء مرة أخرى، كما جاء في بيان محمد صالح العراقي “إذا استمر الفاسدون على غيّهم وعنادهم وفسادهم وظلمهم وتبعيتهم وكرههم للوطن، فالشعب إذا كان بهذا الانضباط فيستحق أن يكون هو القائد وهو من يقرر مصيره”(5) حيث وصل المحتجون قبة مجلس النواب، وجلسوا على كراسي النواب، وعلى منصة الرئاسة مقررين (باسم الشعب) منع انعقاد جلسة مجلس النواب المزمع عقدها بنفس اليوم والهادفة الى التصويت على المرشحين لمنصب رئيس الجمهورية، حيث تنحصر المنافسة بين مرشح الاتحاد الوطني الكردستاني، الدكتور برهم صالح، وبين مرشح الحزب الديمقراطي الكردستاني، السيد ريبر احمد البارزاني وزير داخلية إقليم كردستان؛ اذ يقوم من يفوز برئاسة الجمهورية بتكليف السوداني تشكيل الحكومة. شاركتهم في الاندفاع، الذي امتاز بالسرعة، والإصرار على إزاحة الحواجز الكونكريتية، وتسلق تلك التي تصعب ازاحتها، واسهمت معهم، فئات عمرية فتية مفتونة بسحر الانتفاضة وفعلها الثوري، وبسالة ابطالها، بعد ان غادروا للتو اعمار الطفولة، حيث كانت أعمارهم حينما اندلعت انتفاضة تشرين ما بين 13 - 14 عاما، واليوم هم بين اعمار 15 - 16 عاما، كلهم عزم وتحدٍ في لحظة الاقتحام (6)، وهو اول فعل احتجاجي من هذا النوع يسهمون فيه، الى جانب المتمرسين الصدريين، ومنهم مقاتلون في سرايا السلام، بملابس مدنية.

دامت محاولات الاقتحام التي ردتها القوات الأمنية بحدود الساعتين بدأت في الساعة التاسعة صباحا واستمرت، دون جدوى، قبل ان توهن امام الإصرار والتحدي، اذ استخدمت القوات الأمنية خراطيم المياه والغازات المسيلة للدموع، حيث اصابت عددا من المقتحمين بجروح، نقل على اثرها الى المستشفيات، وعلى وفق بيان وزارة الصحة، أصيب نحو 100 من المحتجين، بالإضافة إلى 25 من أفراد الأمن، وقد استقبل مستشفى اليرموك في بغداد قرابة 20 مصابا من جرحى التظاهرات، وكانت الإصابات متفرقة بين منطقة الرأس والجسد جراء إلقاء القنابل الدخانية، كما أعلنت وزارة الصحة لاحقا عن استقبال 60 إصابة مختلفة من المتظاهرين، توزعوا على ثلاثة مستشفيات، مؤكدة استمرار استنفار مؤسساتها وملاكاتها لإسعاف وعلاج الجرحى(7).

تمكن المحتجون بعد اصرارهم، غير مكترثين للتضحيات، من عمل فتحة صغيرة من بين الحواجز الإسمنتية، في تمام الساعة الحادية عشرة، سرعان ما دخلوا منها، وسهل عليهم اسقاط الحواجز الواحدة تلو الأخرى، حتى فتحت لهم بشكل مكن المجاميع من الانسياب بدون عوائق تذكر.

اطلق الصدر على هذه الاحتجاجات “ثورة عاشوراء”، مشيرا الى أنها “ثورة إصلاح في شهر الإصلاح وامتدادا لسيد الإصلاح الإمام الحسين”، ولفت الى “اشتراك بعض الأحبة من ثوار تشرين، ما جعلها ملحمة عراقية”، مقدما الشكر للمتظاهرين، كما وصفها من جهة أخرى بانتفاضة اذار عام 1990، الثورة الشعبانية، حيث قال “بالأمس ضد الدكتاتور واليوم ضد الفساد والتبعية لذا قد ذكرتنا بالثورة الشعبانية”. اما الإطار التنسيقي فقد اصدر بيانا في نفس اليوم جاء فيه: (لقد رصدنا تحركات ودعوات مشبوهة تحث على الفوضى وإثارة الفتنة وضرب السلم الأهلي)(8)..

 

المحور الثاني

الأوضاع العامة ما بعد الانتخابات المبكرة وتداعياتها

 

المبحث الاول: البيئة السياسية العامة ما بعد الانتخابات المبكرة

-1 الانتخابات المبكرة بين المقاطعة والتشكيك في نتائجها

أكدت نتائج الانتخابات المبكرة التي جرت يوم 10 /10 /2021، حقائق عديدة، أولاها عدم ثقة المواطنين في النظام السياسي، اذ عكست ارقام المقاطعة اتساع الفجوة بين الشعب والقوى الماسكة بالسلطة. وتحدثت لغة الأرقام ليس فقط عن تراجع واضح في حجم المشاركة، انما كذلك عن تراجع كبير للقوى التصويتية لكل الأطراف المتنفذة وحتى الفائزين منها، حيث لم يحصل أي منهم على ما حصل عليه من الأصوات في انتخابات 2018. وبهذا المعنى فقد لحقت بجميعهم خسائر تصويتية فادحة، عكست تراجع ثقة ناخبيهم التقليديين بهم. كما يعني تراجع اعداد المشاركة في نهاية المطاف، ان المواطنين فقدوا ثقتهم تماما بإمكانية التغيير عبر آلية الانتخابات، فالشعور بلا جدوى المشاركة كانت له الغلبة في هذه الانتخابات. كما تجدر الإشارة الى التصويت العقابي الذي جرى لبعض القوى التقليدية، حيث منّيت بخسائر تصويتية لافتة وغير متوقعة، ما اصابها بخيبة سترافقها وستنعكس على ادائها السياسي، الى فترة غير قصيرة.

تصاعدت نبرة التشكيك في نزاهة الانتخابات، من قبل القوى الخاسرة، بالرغم انهم اشادوا بها في يوم الاقتراع، وأصدرت بيانات تطعن بالنتائج الأولية التي أعلنتها المفوضية يوم 11 / 10 /2021، ورفضتها بشدة، واكدت عدم القبول او الاعتراف بالنتائج. جاء ذلك بلغة تصعيدية خطيرة وغير مألوفة. رفضوا نتائج الانتخابات، ولجأوا الى الاحتجاج والتهديد وتنظيم اعتصام امام احد بوابات المنطقة الخضراء، وطالبوا بإعادة الانتخابات(9). أصبح الحديث عن تزوير انتخابات 10 /10 /2021، أوسع من كل ما قيل عن التزوير عقب جميع الانتخابات. لقد كانت نتائج الانتخابات بمثابة كاشف جديد لأزمة نظام الحكم الذي يتصارع المتنفذون على مركز القرار فيه، وتأكد للمواطنين ان الانتخابات في نظر الطغمة ليست الا صراع على كراسي تؤمن لهم التمترس في مواقع السلطة، وليس في وارد أي منهم إحداث التغيير المنشود.

 

-2 الصراع ضمن منهج الحكم وعليه

لم تنفع احتجاجات الخاسرين في الانتخابات على نتائجها في إلغائها، واصبح التعامل على أساسها تحصيل حاصل، ولأجل ترتيب حصة كل طرف في تشكيلة الحكومة الجديدة، رفعوا خيم الاعتصام، وتوالت الاجتماعات واللقاءات الكثيرة بهدف التفاهمات على ما تمت تسميته التوافق السياسي، الاسم الحركي للمحاصصة الطائفية. وبهدف تشكيل حكومة تشترك فيها كل الأطراف. وهذا ما أكد حقيقة عدم وجود أية نية لمغادرة طريقة الحكم المبنية على الاستقطابات الطائفية، وتمسكهم بنهج المحاصصة المقيت برغم كل نتائجه الكارثية. لاقت العودة الى المحاصصة الطائفية الاستهجان والرفض الشعبي، وعند هذه اللحظة حدث استقطاب مجموعة السبعة بعد خروج التيار الصدري منها، وهي القوى الشيعية التي تطالب بحكومة توافق، التي اتخذت مسمى آخر، هو الإطار التنسيقي. اما التيار الصدري، الفائز الأكبر بعدد مقاعد بلغ 72 مقعدا، فقد رفض فكرة المحاصصة، وتبنى حكومة الأغلبية الوطنية، عاقدا تحالفا جديدا مع تحالف تقدم برئاسة محمد الحلبوسي، والحزب الديمقراطي الكردستاني. برهن المتنفذون مجددا على انهم يستخدمون الانتخابات ليس كآلية ديمقراطية لتمثيل الشعب، ثم السهر على تنفيذ مطالبه وتلبية حاجاته، انما كأداة حساب لنفوذهم في السلطة وطريقة لتوزيع الحصص في ما بينهم. فعائد المقاعد التي يحصلون عليها، يسمونه استحقاقات انتخابية، فهي ارقام تترجم كحصص في السلطة التنفيذية، حيث يتم تصنيف الوزارات الى سيادية وأخرى خدمية وثالثة وزارات دولة، وتحدد قيمة كل وزارة وفق معيارين؛ الأول بما يقابلها من مقاعد برلمانية، والثاني بحجم الأموال المخصصة للوزارة في الميزانية. وتغدو الوزارة إقطاعية لهذا الحزب او ذاك، فيستغل مواقعها لمحازبيه وتابعيه، فيما تفتح ميزانيتها له كمصدر مدرار لمال الفساد، حيث تعقد الصفقات في اروقتها لصالح حزب الوزارة!

 

-3 الانسداد السياسي نتيجة متوقعة للصراع

يمكن تعريف الانسداد السياسي الذي انتهت إليه منظومة الحكم في العراق، بانه عجز هذه المنظومة عن المضي في نفس طريقة ادارة الحكم، وفي المنهج عينه، الذي سارت عليه وتقاسمت الوزارات كغنائم. والانسداد هو إحدى النتائج المتوقعة لأزمة المنظومة الحاكمة. عندما توقفت القوى المتنفذة أمام خيارين: خيار تشكيل حكومة الأغلبية الوطنية، التي يتبناها الصدر ومعه حليفاه في التحالف الثلاثي. يقابله خيار تشكيل حكومة توافقية، يصرّ عليها الإطار التنسيقي وحلفاؤه. وكان من المفترض حسب رأي قادة كلا الطرفين، ان يكون يوم 26 آذار 2022 هو اليوم الحاسم في اختيار احد الاحتمالين؛ إذ سيتقرر السير بالعملية السياسية في اتجاه أحدهما. لكن الذي حصل وكما كان متوقعا، لم يكتمل النصاب القانوني للجلسة البرلمانية حيث شكل الإطار التنسيقي “الثلث المعطل”، وسمي لاحقا “الثلث الضامن” بعد استهجان التسمية الأولى من الرأي العام.

 لا عجب في الاصرار على التوافق والتحاصص، ولا غرابة في رفض أية صيغة للحكم غير ما درجت طغمة الحكم عليه. لهذا فعلوا المستحيل كي لا تمرر حكومة الأغلبية. لقد كانت شعاراتهم بتشكيل حكومة الأكثرية مجرد شعار صدعوا الرؤوس به في الحملات الانتخابية. وما ان انتهت الانتخابات حتى اتضح زيف ادعائهم. فعادوا يزوّقون خطابهم الطائفي بمسميات مداهنة، مثل الاستحقاقات الانتخابية، والمشاركة، والحفاظ على السلم الأهلي. وكل هذا لاخفاء منهجهم الذي لن يغادروه، منهج المحاصصة المنتج للفساد، والذي سبق لزعمائهم ان اعترفوا بفشله وفشلهم في إدارة الدولة.

لقد سبق لنا القول ان نتائج الانتخابات ستكون كاشفا جديدا لأزمة النظام السياسي، وتعكس صراع المتنفذين على السلطة، نتائج الانتخابات هي مقياس لتوزيع الحقائب الوزارية بينهم وليس شيئا اخر، وبهذا المعنى لا يعني عدد المقاعد التي يحصلون عليها لهم شيئا، زاد ام نقص، فمنهجهم في كل الاحوال هو مسك السلطة وعدم مغادرتها. لذا لم يهتموا بمغزى مقاطعة اكثر من 75 في المائة من الناخبين للتصويت، اذ (كلما زاد نفور الناس من النظام وكلما عبروا عن رفضهم له بعدم المشاركة في الانتخابات، زاد احتمال استمرار النظام في ايدي أولئك الذين يريدون الحفاظ على الوضع الراهن) (9).

لم يفكروا برهة امام هذا الانسداد بالعودة الى المواطنين والاصغاء الى آرائهم، فهم أصحاب الحق الوحيدون في تحديد مصيرهم، بعد عجز الطغمة عن تقديم اية حلول، لم يلامس عقولهم الحل في حل مجلس النواب والتحضير لانتخابات مبكرة أخرى، وفقا للفقرة أولا من المادة 64 من الدستور العراقي، التي تنصّ على (اولاً: يُحل مجلس النواب بالأغلبية المطلقة لعدد اعضائه، بناءً على طلبٍ من ثلث الاعضاء، او طلبٍ من رئيس مجلس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية، ولا يجوز حل المجلس في اثناء مدة استجواب رئيس مجلس الوزراء) (10).

 

المبحث الثاني: الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية بعد الانتخابات المبكرة

(ألقت مفارز مديرية شرطة محافظة ميسان المتمثلة بقسم مكافحة المخدرات القبض على (9) متهمين بتجارة وتعاطي المخدرات وضبطت بحوزتهم ‏مادة الكريستال المخدرة، وأدوات تستخدم للتعاطي. وبينت المديرية أنه تم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحقهم وفق أحكام المادتين ‏‏(28 / 32) مخدرات، لينالوا جزاءهم العادل) (11).

لم يعد هذا البيان غريبا، بل تتداوله ومثيله من البيانات جميع وكالات الانباء، ويصدر غالبا أكثر من بيان في اليوم الواحد، ما يؤشر على فداحة هذه الكارثة التي انتشرت واتسعت وتكاد تقتحم كل بيت، وإذ لا يتسع مجال البحث للتوسع في ابعاد وخطورة المخدرات على الصحة الجسدية والنفسية للشباب، وكسبب للجرائم الهائلة والغريبة على المجتمع العراقي، حيث سجلت وثائق وزارة الداخلية والقضاء فظائع لا تصدق. ما يهمني هنا نفوذ العصابات التي تتاجر بالمخدرات، وامتدادهم في دوائر الدولة ومؤسساتها، وأصبحت هذه التجارة المدمرة واحدة من اهم اقتصاديات المليشيات والعصابات المسلحة، وقوى الفساد، التي لا تكف عن نهب المال العام، بكل الطرق والسبل، بل انها تبتكر اغرب الطرق لإبقاء الفساد، وربما لا تكون فضيحة عقد شركة عشتار (صفقة الفساد المبتكرة)، هي اخر فضيحة اقتصاديات الفساد، التي جاءت بمثابة عقد خدمات مصرفية وقعه مدير عام مصرف الرافدين مع شركة عشتار يوم 4 /3 /2021. وبموجبه ألزمت الشركة عراقنا المنهوب بتعويض لها يبلغ 600 مليون دولار، على وفق حكم قرار الحكم الابتدائي الصادر من محكمة البداءة المختصّة بالدعاوى التجارية في الرصافة، الذي حمل العدد (205 / تجارية / 2021) والصادر في 26 / 7 / 2022. وهو مبلغ يكفي لبناء وتجهيز الكثير مما يحتاجه العراق من مدراس ومستشفيات ودور عجزة ومصحات.. لم يتراجع الفساد، بل واصل معدلات ارتفاعه، وتمترسه في مفاصل الدولة فقد (كشف رئيس هيئة النزاهة القاضي علاء الساعدي في تغريدة اخيرا، ان الهيئة “سجلت نسبا متقدمة في ملف تضخم الأموال والكسب غير المشروع”) (12). ولا برهان على ذلك ابلغ مما جاء في رسالة استقالة علي عبد الأمير علاوي وزير المالية ونائب رئيس الوزراء، حيث جاء فيها (تعمل شبكات سرية وواسعة من كبار المسؤولين ورجال الاعمال والسياسيين وموظفي الدولة الفاسدين في ظل السيطرة على قطاعات كاملة من الاقتصاد وتسحب مليارات الدولارات من الخزينة العامة، هذه الشبكات محمية من قبل الاحزاب السياسية الكبرى والحصانة البرلمانية وتسليح القانون وحتى القوى الاجنبية، وإنها تحافظ على صمت المسؤولين الأمناء بسبب الخوف والتهديد بالقوة. لقد وصل هذا الأخطبوط الهائل من الفساد والخِداع الى كل قطاع من قطاعات اقتصاد الدولة ومؤسساتها ويجب تفكيكه بأي ثمن) (13).

ما تقدم يؤكد ان التخادم بين المتنفذين في السلطة السياسية والفاسدين وصل الى حد التحالف الوثيق، بين طغمة الحكم مع حيتان الفساد، وقد امتزجت السلطة السياسية عند البعض مع الوفرة المالية التي أمّنها لهم الفساد، وغدت اقلية حاكمة (أوليغارشية). فلا يمكن تصور مرور صفقات الفساد، من دون تخادم طغمة الحكم مع حيتان الفساد وتشاركهم في النهب. وقد تمت تهيئة ذلك عبر إجراءات طويلة ومعقدة بدأت بغلق مؤسسات الدولة من توظيف الكفاءات الوطنية النزيه، بل وصل الامر الى خلق بيئة طاردة لمن استلم منهم مواقع مهمة في الدولة. ويمكن التذكير هنا بما حصل الى الدكتور سنان الشبيبي وغيره من الكفاءات، وتعيين الاتباع والحزبويين الفاشلين والفاسدين وضعاف النفوس، ما أدى الى إضعاف فاعلية الإدارة وخبرتها، وأتى على أداء المؤسسات، ووفروا بذلك الجو المناسب لحيتان الفساد كي تعبث بموارد العراق. لم يكن هذا التخريب دون قصد، بل انه كان جهدا طبقيا منطلقا من الوعي بمصالح النهابين، وهادفا الى تثبيت سلطة الفساد واستكمال ترصين مؤسساتها، التي لم تعد تناظر مؤسسات الدولة وتنافسها فقط، بل فاقتها قدرة وقوة وفعالية في نهب المال العام وتحطيم البنى الحكومية. فتحولت المنظومة السياسية والإدارية الى خدمة “مجموعات المصالح الخاصة” (14).

لقد تمكنت طغمة الحكم من بناء طبقة اجتماعية اغتنت من مال الفساد، وتعيش في مجتمع مخملي، حيث سيطرت على قطاع المال والخدمات، وتملكت البنوك والجامعات والمستشفيات وشبكات الاتصالات. تقابل هذه الطبقة طبقات اجتماعية مسحوقة من سكنة العشوائيات، الذين لا تتوفر لهم ابسط مستلزمات العيش الآدمي، ومن فقراء آخرين وعاطلين عن العمل ومحرومين. فطغمة الحكم والفساد لا تبالي أبدا بالأعباء الاجتماعية، للفقر والحرمان، ولا بالبطالة وآثارها الكارثية. ولا يعنيها نهائيا تداعيات تخفيض قيمة الدينار العراقي مقابل الدولار الأمريكي، التي فرضتها إملاءات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وما سبّبه ذلك من افقار قطاعات جديدة، حيث وصلت نسبة الفقر الى اكثر من 30 في المائة هذا العام، بعد ان كانت 20 بالمائة في 2019 حسب بيان رسمي من وزارة التخطيط. ولتضاف نتيجة لذلك أعباء جديدة للفئات محدودة الدخل وللمعوزين والمهمشين، فيما وصلت نسبة التضخم الى 8 في المائة، بعد ان كانت اقل من 1 في المائة في 2019. والدليل على ذلك هو الارتفاع المضطرد للأسعار، وقضم مدخرات المواطنين بنسبة تصل الى 25 في المائة، وقد نجمت عن ذلك تداعيات قاسية بالنسبة لمعيشة المواطنين وحياتهم، بجانب مشاكل وظواهر اجتماعية خطيرة، لم يألفها المجتمع العراقي. لقد تهاوت كل ذرائع تلاميذ مدرسة الرأسمال المتوحش، الذين طرحوا ورقتهم البيضاء وما رافقها من حملة تبشير بعهد اقتصادي فعال، وقطاع خاص نشيط يدعم الصناعة الوطنية ويهتم بالقطاع الزراعي وتطويره، والذين ادعوا ان مفتاح انفراج الازمة الاقتصادية وانعكاساتها الاجتماعية هو تخفيض قيمة الدينار العراقي امام الدولار. كما تبددت الآمال في تحسن النمو الاقتصادي العراقي، وتطبيق سياسات اقتصادية تنموية ناجحة، وتطور قطاعاته الانتاجية المتنوعة، بالرغم من التدفقات النقدية الكبيرة التي تعرضت الى عمليات استحواذ(15).

  لقد بان فشل السياسة المالية لتلاميذ التوحش الرأسمالي، الذين أذعنوا لوصفات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي واشتراطاتهما، وزيّنوا الطريق الى اخطر هيمنة وتدخل امبرياليين. كثيرة هي علامات الفشل، تبدأ بمؤشرات الفقر والتضخم وتنتهي بالكوارث الاجتماعية كالانتحار وتعاطي المخدرات وارتفاع نسبة البطالة، الى جانب الاتجار بالبشر، واتساع ظاهرة الطلاق وتفكك الاسر وضعف الخدمات، وكل هذا يعكس الخراب الذي وصل إليه الاقتصاد العراقي. قد وصلت اعداد من يعيشون تحت خط الفقر الى حوالي خمسة ملايين عراقي، فيما تخطى الدين الداخلي حدود 68 ترليون دينار، وتمت زيادة النقد المطبوع الى 78 ترليون دينار. وهذا دليل إضافي على فشل السياسة النقدية التحوطية في مواجهة نتائج تضخم العملة المحلية وتأثيرها على المجتمع.

 

المحور الثالث

وضع الاحتجاج الصدري بين الضد النوعي وأزمة العلاقة مع القوى المدنية

 

المبحث الأول: التيار والإطار الضد النوعي

اصرت قوى الإطار التنسيقي على تشكيل حكومة توافقية، والتي يفسرها القاموس السياسي العراقي، بانها حكومة محاصصة، في مقابل ذلك تمسك الصدر بحكومة الأغلبية الوطنية، وعد ذلك نقطة البداية في صراع الطرفين. وكشفت واقعة مقاطعة نواب الإطار التنسيقي وأكثر نواب عزم الذين انشقوا على خميس الخنجر رئيس التحالف، جو الفوضى والتدافع، وعدم احترام قبة مجلس النواب، وعدم الالتزام بالنظام الداخلي لمجلس النواب، وان الاستحقاقات الدستورية مادة للصراع والتسويف، وان مواد الدستور تتطوع كيف ما يراد لها، كما انها بينت عمق الازمة وحجم الخلافات بين الإطار والتيار، وكل هذا برهن على ان مسار تشكيل الحكومة لن يكون سلسا. وتصاعد منسوب التشاؤم بقدرة مجلس النواب على انجاز مهماته الدستورية، اذ اتضح ان الخلاف سيكون من السعة بحيث يستحيل حله، عندما تحين ساعة تسمية رئيس الحكومة والوزراء و(استحقاق) حصة كل كتلة فيها. سُجِّلتْ الكتلة الصدرية على أنها الكتلة الأكبر وحظيت بشرعيتها بعد تقديمها إلى الرئيس المنتخب، فيما لم تجد محاولات الإطار كي يسجل نوابه كتلة أكثر عددا. تسجيل الكتلة الأكبر لم يمنحها حرية تشكيل الحكومة، التي واجهتها عقبات، من بينها الخلاف بين الحزبين الكرديين المتنفذين على تسمية رئيس الجمهورية، الى جانب الخلاف الأساسي بين (الإطار) و (التيار).

دار الصراع السياسي بين محورين: محور الإطار التنسيقي الذي يجمع قواه ويحشدها لتبلغ 138 نائبا وربما أكثر، وهو العدد الذي يؤمن لهم ما يسمى بالثلث المعطل، الذي يتلخص هدفه في إعاقة مسعى التحالف الثلاثي لتشكيل حكومة الأغلبية الوطنية. من جهة أخرى لم تتبلور رصانة التحالف الثلاثي ومتانته، فهو لم يطرح برنامجه المعتمد بإجماع اطرافه، ولم يعلن آليات تنفيذ هذا البرنامج. لذلك لم يحظ بتأييد شعبي علني، بل ان التوجس والشك في جدية أطراف التحالف في تحقيق الإصلاحات هما السائدان.

اكثر ما استطاعه الإطار هو تشكيل ما سمي الثلث المعطل، الثلث الضامن، حيث سارع لتغيير الصيغة الأولى، بعدما لاقت ما لاقت من استهجان. الصيغة التي وان تغيرت فقد أدت نفس المعنى، وسنلاحظ سرعان ما تم تناسيها من قوى الاطار، وابداء (حرصهم) على مجلس النواب عندما عطله الاعتصام.

حال الثلث المعطل دون سير الاستحقاقات الدستورية، باستكمال انتخاب رئيس الجمهورية، ما تعذر تسمية رئيس الوزراء. من جهة أخرى لم يتمكن الإطار من تشكيل الحكومة حينما أعطيت له فرصة، وذلك لاستحالة قدرته على جمع الثلثين. وهكذا حدث الفراغ الدستوري، الذي سرعان ما تحول الى انسداد سياسي ومأزق كشف عجز عقلية المتنفذين عن إيجاد حل للازمة. أصبح الاستقطاب واضحا وكبيرا، شمل اغلب المستقلين الذين انقسموا بين الجهتين، كما لم يسلم حليفا الصدر من كيل التهم عليهما، مرة بالمطبّعين، وأخرى عبر استهداف مقراتهما في أربيل والانبار بالقصف الصاروخي. عدّ الإطار بان استقالة نواب التيار الصدري هي فرصة نادرة ونعمة غير متوقعة، وُهبت لهم كي يمرروا حكومة المحاصصة التي يتشبثون بها. لكن اتضح وكما سارت الاحداث ان خلوّ قبة مجلس النواب لهم، لم يسهّل عليهم ذلك. الى جانب كل ذلك كان لتخلف عدد من مواد الدستور عن مواكبة التطورات التي يفترض التجاوب معها، حيث غدت تلك المواد عائقا ومصدا وعامل تعطيل للنظام، بل زادت من حدة الازمة، وأصبحت معضلة لا يرتجى لها حل من دون تعديلات جوهرية. كشفت هذه الازمة المركبة عجز النظام عن تأمين الاستحقاقات الدستورية، ووقوعه تحت تأثير عصف الازمات، وانغلاق الطريق امام قدرته على توفير العيش الكريم، وتزايد الضعف في ثقة المواطنين به، واتساع الفجوة باضطراد بين الماسكين بالسلطة وبين المواطنين، بعد هذا وذاك ثبت بالدليل القاطع فقدان النظام السياسي لمشروعيته، وان من غير المعقول منحه فرصة أخرى. فمدخلات الفشل لا تنتج الا الفشل. لكن رغم كل الازمات التي تعصف بالنظام وفشله التام في تحقيق منجز ما، نرى تمسك طغمة الحكم بذات المنهج المنتج للازمات، غير آبهة بانكشاف عورات نهجها وعيوبه في كل يوم. وليس آخر ذلك استقالة الكتلة الصدرية لتسجل مفارقة استقالة اكبر كتلة برلمانية في تاريخ النظام البرلماني في العالم، وما نتج عن الاستقالات من تداعيات، وقطعا سوف تطرح أسئلة تفتح نقاشا واسعا حول شرعية النظام ومشروعيته، بعد ان بلغت نسبة المقاطعين للعملية الانتخابية قرابة ثلثي عدد الناخبين. وتزداد الشرعية تداعيا حينما تستقيل الكتلة التي تشكل بالحساب الدقيق أكثر من 22 بالمئة من مجموع أعضاء مجلس النواب.

دخل الصراع بين التيار والإطار طورا جديدا، بعد ان أعلن الاطار التنسيقي، مساء يوم 15 آب 2022، البدء باعتصام مفتوح لأنصاره، عند بوابة المنطقة الخضراء من جهة الجسر المعلق، فيما قاربت اعتصامات الصدريين الشهر الكامل، وسط تزايد الدعم العشائري والشعبي، الذي حجّم من فرص “الإطار” في تشكيل الحكومة، ما دفعه إلى استخدام ورقة الشارع. تنتصب عقد ومطبات عديدة امام التوصل الى حلول عبر الحوار، الى جانب أجواء عدم الثقة بين الطرفين، وبات الطريق امام المبادرات العديدة التي طرحت، مغلقا، وآخرها مبادرة مصطفى الكاظمي رئيس الحكومة، وهي لا تساعد في إيجاد مخرج، حيث إن الإطار التنسيقي يرفض استمرار حكومة الكاظمي في تصريف الأعمال مدة أطول مما هي عليه الآن، كما يرفض بشدة إشرافها على الانتخابات المبكرة، فيما يرفض التيار الصدري تولي أي شخصية محسوبة على الإطار التنسيقي الحكومة.

 

المبحث الثاني: أزمة الثقة بين التيار والقوى المدنية

ليس هناك اختلاف في المطالب التي رفعتها القوى والشخصيات المدنية، والأحزاب التشرينية، وتنسيقيات الاحتجاجات، عن المطالب التي يرفعها التيار الصدري في اعتصامه، والتي يمكن تلخيصها بحل مجلس النواب وإجراء انتخابات جديدة وفتح ملفات الفساد ومحاكمة الفاسدين، لكن من المستبعد انضمامهم الى الاعتصام. حيث تنظر القوى المدنية الى التيار الصدري واحتجاجاته بعين الشك والريبة. وقد حملت بيانات عدد من بيانات وتصريحات القوى المدنية والأحزاب التشرينية عددا من الاطروحات تعكس مواقفهم من التنسيق مع التيار الصدري والاسهام معهم في الاعتصام:

الاطروحة الأولى: انها خصومة بين المالكي والصدر ولا شأن لنا بها.

الاطروحة الثانية: انه صراع مصالح بين الطرفين لا مصلحة عامة فيه.

الاطروحة الثالثة: أزمة ثقة حصلت بعد ان كان هناك تعاون وتنسيق ابان أعوام 2015 لغاية 2018، ثم تحولت العلاقة الى خصام بعد ان كان وئاما، وذلك لموقف التيار من الانتفاضة الذي وقف بالضد منها بعد أن كان في البداية مشاركا وسندا لها.

الاطروحة الرابعة: يطالب أصحابها بضمانات من السيد مقتدى الصدر، تمهد للاشتراك مع أنصاره في الاحتجاجات.

الاطروحة الخامسة: ترى ضرورة ان يوجه الصدر دعوة للقاء القوى المدنية والتباحث معها قبل الاسهام بالاعتصام.

الاطروحة السادسة: المطالبة من التيار بموقف صريح من التعديلات الدستورية، والتي تطال شكل النظام وتحويله الى رئاسي، كشرط للانضمام معه في الاعتصام.

الاطروحة السابعة: لا تعامل بالمطلق مع جماعات الإسلام السياسي التي تتقاطع رؤاها مع الاتجاهات العلمانية والمدنية بالنسبة للحريات والحقوق.

الاطروحة الثامنة: المركزية التي يدير بها الصدر أنصاره في الاحتجاجات، وطاعتهم له، لا تسري على القوى المدنية والتشرينية، ما يتطلب التباحث حول الطريقة التي تناسب الأطراف.

الاطروحة التاسعة: ترى انه من الخطأ الدخول مع التيار الصدري، وتقويته على خصومه، لأنه في حالة انتصاره، سيستأثر بالسلطة ويتفرد لها.

الاطروحة العاشرة: هدف التيار الصدري تقليص دور خصومه وليس التغيير الشامل.

الاطروحة الحادية عشرة: سرعان ما يقف التيار الصدري مع النظام مدافعا عنه إذا استشعر انهياره.

الاطروحة الثانية عشرة: التعامل بوسطية، لا نقد ولا تأييد، رغم الاتفاق مع المطالب والاهداف التي يطرحها الصدر.

الاطروحة الثالثة عشرة: التريث والانتظار، لحين التأكد من استمرار الاعتصام وجدية الأهداف.

عند النظر الى ما تقدم نجد انه ليس هناك رؤية موحدة للقوى المدنية في شأن تعاملها مع التيار الصدري، لذا هم لم يساندوا الاعتصام المستمر لغاية كتابة هذا المادة. يعود هذا الى طبيعة القوى المدنية ذات الرؤى المتعددة، حيث لم توحد موقفها، كما انه ليس هناك إطار جامع يلزمها باتخاذ الموقف المشترك. ومن خصائصها تستند على مبدأ توفير القناعة لكل أعضائها ومناصريها، ما يتطلب وقتا طويلا وجهدا كبيرا. وهناك أحزاب تشرينية انقسمت قياداتها على عدد من وجهات النظر بحيث يصعب عليها اتخاذ موقف موحد، وليس لها خبرة في إدارة الصراع الداخلي، على عكس البنية التنظيمية للتيار الصدري التي تستند في تحشيدها على الطاعة. كما ان “التشارنة” ليس بناء تنظيميا واحدا، وليس حزبا واحدا ولا تنسيقية واحدة، بل الاغلب الاعم منهم مستقلون لم ينتموا للأحزاب والتنسيقيات. كما لا يمكن اهمال الاختراقات التي تعرضت لها بعض الأحزاب من قبل طغمة الحكم، الى جانب ضغط بعض المسؤولين في الحكومة والأجهزة الاستخبارية على بعض الشخصيات القيادية، وكذلك خضوع البعض لقرار ممول الحركة او الحزب، من جانب آخر، تأثير مرارات الخسائر البشرية وحملات التشويه والارهاق واوجاع الانتفاضة وتشرد البعض والملاحقات التي تعرضوا لها، كل ذلك وغيره تستحضره ذاكرتهم وتمنعهم من خوض احتجاجات غير واثقين من مآلها. مع كل ذلك هناك شخصيات قد اشتركت فعلا بالاحتجاجات الصدرية، لكنها لا تشكل نسبة كبيرة، ولم يكن حضورها لافتا ومؤثرا.

وبالعودة لمناقشة الاطروحات سالفة الذكر، يمكننا القول: لا تستطيع أي منظومة سياسية النأي بنفسها عن الصراع، فصراع بهذا الحجم والكيفية التي يجرى بها، حيث امتد من الانتخابات الى قبة مجلس النواب وصولا الى الشارع، ولفترة تجاوزت العام، لا يمكن لاحد ان يتجنبه، سيؤثر على القوى المدنية، بشكل مباشر او غير مباشر. اما حول طلب الضمانات، فيبدو كأنه هو طلب الطرف الضعيف، الضمانة هي الاعتماد على الذات، وتنسيق مواقف وجهود القوى المدنية، والتواجد في ساحات الكفاح ومواصلته، ورفع المطالب بشكل واضح والتمسك بالمشروع. اما حول موضوع المصالح، الصراع السياسي فهو صراع على المصالح، وهذا ليس اكتشافا جديدا؛ القوى المدنية تنطلق في نشاطها لتمثيل مصالح عامة، وواجبها خوض الصراع وتعميقه، وتحويله الى صراع لمصلحة الشعب وتطلعه بالعيش الامن والكريم. اما في ما يخص تصنيف التيار الصدري، كإحدى جماعات الإسلام السياسي، ويهدف الى إقامة نظام إسلامي على غرار النموذج الإيراني، فيبدو هذا الموضوع مستبعدا على المدى المنظور، وغير ممكن تحقيقه، لعدة أسباب، لا مجال للإحاطة بها هنا بشكل واسع، إذ يتطلب فحص النظام الإيراني إثبات مدى مواكبته لروح العصر، غير انه يتعرض لاهتزازات واضحة، منها الاحتجاجات الشعبية التي تنطلق بين فترة وأخرى، الى جانب الأزمة الاقتصادية والمعيشية التي أرهقت الشعب الإيراني وأنهكت النظام، غير صراعه الإقليمي والدولي وكلفة ذلك على الميزانية. كما تجدر الإشارة إلى اختلاف بنى وطبيعة الشعبين وتاريخهما، والقوى السياسية الفاعلة، واختلاف شكل النظامين السياسيين وفلسفتهما.

من جهة أخرى، أن الوقوف على التل والوسطية في ظل احتدام الصراع هو موقف انتهازي، لا يليق بالقوى التي تدعي امتلاك رؤية واضحة ومشروع متكامل، ولا يعني هذا الانضمام للتيار الصدري، وإنما الكفاح بالطريقة تبرز أهدافها، وتؤكد على مطالبها، مع وضوح لونها. ان ساحة الاحتجاج غير محصورة في قاعة مجلس النواب وحولها في مقتربات المنطقة الخضراء، ولا يقتصر أسلوب الاحتجاج على الاعتصام، يمكن للتيار المدني ومعه تنسيقيات الاحتجاجات، ان تجد ساحتها وتختار اسلوبها، وتتمسك بمشروعها، وترفع مطالبها (16).

مع كل ذلك لم تقف القوى المدنية مكتوفة الايدي، بل قامت بعدد من الأنشطة النوعية منها الدعوى القضائية التي اقامها المنسق العام للتيار الديمقراطي العراقي زهير ضياء الدين، يوم الثلاثاء 19 نيسان 2022، أمام المحكمة الاتحادية ضد رئيس مجلس النواب اضافة لوظيفته، لعدم تطبيق المجلس المادة الدستورية، التي تلزمه انتخاب رئيس الجمهورية خلال ثلاثين يوما من تاريخ اول جلسة يعقدها، كي يقوم هذا الرئيس بتسمية رئيس الوزراء الجديد وتكليفه تشكيل الحكومة، جاءت كمبادرة في سياق جهود القوى المدنية للخروج بالبلاد من الانسداد السياسي والقانوني، الذي ادخلت طغمة الحكم المنظومة السياسية فيه. وسبق للقاضي هادي عزيز علي ان دعا المحكمة الاتحادية العليا الى المبادرة لاعتماد الفقرة (اولا) من المادة (59) من الدستور لتحقيق نصاب مجلس النواب. حيث ان المادة تنص على انه (يتحقق نصاب انعقاد جلسات مجلس النواب بحضور الاغلبية المطلقة لعدد أعضائه)، كذلك تفعيل الفقرة (2) من المادة (70) التي تقول: (اذا لم يحصل اي من المرشحين على الاغلبية المطلوبة يتم التنافس بين المرشحين الحاصلين على اعلى الاصوات ويعلن رئيساً من يحصل على اكثرية الاصوات في الاقتراع الثاني). كما نظمت اللجنة المركزية للاحتجاجات، وقفة احتجاجية يوم الجمعة 5 آب 2022، في ساحة النسور، طالبت بتغيير شكل النظام السياسي لرئاسي أو شبه رئاسي، واسترجاع أموال العراق المنهوبة ومحاسبة الفاسدين ومحاكمة المتورطين بسفك الدم العراقي (17).

وسبق للجنة ان أصدرت بيانا في 3 آب 2022، طالبت زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بتقديم ضمانات مقابل الانضمام الى الاعتصام. فيما نظمت قوى التغيير تظاهرة يوم 12 آب، وقد جاء في بيان التظاهرة (ضرورة حل مجلس النواب العاجز، واجراء انتخابات حرة ونزيهة في ظرف عام واحد، بشرطها وشروطها “قانون انتخابي عادل، مفوضية مستقلة، تطبيق قانون الأحزاب”.. انتخابات تعكس التمثيل الحقيقي لإرادة العراقيين. وان اي عودة الى النهج الفاشل في الحكم.. فأن العراقيين المكتوين بنار الازمات.. لهم القول الفصل وإليهم يعود القرار) (18).

وقد سبق لقوى التغيير المكونة من 12 حزبا وحركة مدنية، ان اصدرت بيانا في 2 آب 2022، تضمن الدعوة الى حل مجلس النواب، وتشكيل حكومة تحظى بقبول سياسي وشعبي، ومحاسبة قتلة المتظاهرين والكشف عن مصير الناشطين المغيبين، وتحريك ملفات الفساد الكبرى وتقديم الفاسدين للعدالة واتخاذ اجراءات ملموسة لحصر السلاح بيد الدولة، والاستفادة من الفائض المالي في تحسين معيشة العراقيين (19).

 

الاستنتاجات

ما تقدم يتيح لنا تقديم عدد من الاستنتاجات وهي:

  1. 1. يكشف الصراع الجاري ان الديمقراطية وتبني آلياتها هما آخر ما يخطر على بال طغمة الحكم، السلطة وامتيازاتها هي ما يشغل بالها.
  2. 2. وصل مسار العملية السياسية، إلى طريق مسدود، يستحيل إصلاح النظام المتهالك، بمنهج المحاصصة ذات الذي تنتهجه طغمة الحكم، لذا لا بد من عملية جديدة تعتمد المواطنة أساسا، وان تطلب ذلك إجراءات استثنائية، حتى وان لم تجد غطاءً دستوريا كافيا، فبعض مواد الدستور اصبحت معرقلة واسهمت في الانسداد السياسي.
  3. 3. للصراع بعد طبقي واضح، إذ تمكنت طغمة الحكم من بناء طبقة اجتماعية مترفة اغتنت من مال الفساد، وتعيش في مجتمع مخملي، حيث سيطرت على قطاع المال والخدمات، اغتنت على حساب طبقات وشرائح اجتماعية مسحوقة من سكنة العشوائيات وعاطلين عن العمل ومحرومين، وفقراء آخرين من بينهم منتسبو الدرجة السابعة في المؤسسات الحكومية، الذين صاروا ضمن الفئات الاجتماعية التي تعيش على حافة خط الفقر.
  4. 4. الكف عن الرهان على اصلاح الأوضاع من قبل طغمة الحكم، ووهم التغيير في هرم السلطة وتوازنات ركائزها، انما الرهان على تغيير موازين القوى لصالح الإصلاح والتغيير.
  5. 5. حلّ مجلس النواب ليس هو الهدف، بل انه ضرورة كمدخل لحل ازمة الحكم التي تشكل مفتتح تغيير بنية النظام السياسي وإصلاح وظائفه.
  6. 6. تشكيل حكومة مؤقتة بمهمات وصلاحيات استثنائية، بعيداً عن نهج الطائفية السياسية ونظام المحاصصة المقيت وان لا تتسرب لها منظومة الفساد، تستند على القرار الوطني العراقي المستقل، تؤسس للعدالة الاجتماعية وتبني مسارها وترسخ نهجها الوطني.
  7. 7. امام الحكومة، مهمتان اساسيتان، واجبتا التنفيذ دون ابطاء، وعلى وجه السرعة؛ الأولى هي اجراء التعديلات الدستورية، والأخرى هي الانتخابات المبكرة. وسنة واحدة كافية لتنفيذ هاتين المهمتين الأساسيتين.
  8. 8. المحاكمة العلنية للفاسدين ومن بددوا ثروات العراق، ومحاكمة القتلة، وحصر السلاح بيد الدولة، وانهاء هيمنة المليشيات والعصابات المسلحة، هي أولويات غير قابلة للتأجيل.
  9. 9. لم يعد مفهوما بقاء قوى التغيير مشتتة، وهي المتصدية لمطالب الشعب العامة البعيدة عن المصالح الشخصية وعن الانانية والحزبوية الضيّقة.
  10. 10. الوضع المعيشي وتحسينه مطلب ملح والعدالة الاجتماعية هي العنوان الاساسي لكفاح الحركة الاجتماعية، في ظل اتساع الفجوة الطبقية بين تحالف طغمة الحكم وحيتان الفساد من جهة، والطبقات الاجتماعية التي يحاصرها الفقر والعوز.
  11. 11. المتوقع هو اندلاع الفعل الاجتماعي، بانطلاق احتجاجات جديدة، حيث ان العوامل التي أدت الى اندلاع الانتفاضة قبل سنتين ما زالت قائمة بل وأضيفت اليها عوامل أخرى، مثل تصاعد مؤشرات الفقر والبطالة وغلاء الأسعار وتفاقم الأوضاع المعيشية الذي اشتد بعد رفع سعر صرف الدولار على حساب الدينار.

(بغداد في 20 - 8 - 2022)

       هوامش

بيان وزارة التخطيط، في 6 تموز 2022.

ينظر الى تقرير البنك الدولي، https://www.albankaldawli.org/ar/country/iraq/overview

جاسم الحلفي، الحركة المطلبية.. قول بليغ وفعل غاضب، جريدة طريق الشعب، العدد 48، 12 أيار 2022، ص 2.

مقتدى الصدر، تغريدة في 27 تموز 2022

صالح محمد العراقي في 28 تموز 2022

ازمر احمد مراسل العراق الحر، لقاء مع الباحث في 5 اب 2022

بيان وزارة الصحة العراقية في 30 تموز 2022

بيان الإطار التنسيقي في 30 تموز 2022

علي عبد الأمير علاوي وزير المالية، خطاب استقالة وزير المالية في 16 أب 2022.

الدستور العراقي، المادة 64.

وكالة انباء المدى يوم 16 اب 2022

جريدة طريق الشعب، راصد الطريق، العدد 855 في 17 شباط/فبراير 2022

علي عبد الأمير علاوي، مصدر سبق ذكره.

علي عبد الأمير علاوي، مصدر سبق ذكره.

ابراهيم المشهداني، الاقتصاد العراقي بين فكي كماشة، جريدة طريق الشعب، العدد 47، الاثنين 24 كانون2/ يناير 2022، ص 6

رائد فهمي في 10 اب 2022، تصريح عبر قناة الشرقية

بيان اللجنة المركزية للاحتجاجات.

بيان تظاهرة ساحة الفردوس في 12 اب 2022

بيان قوى التغيير في يوم 2 اب 2022