المادة في أدناه كان من المفروض ان تظهر ضمن الملف الذي صدر في العدد 447 عن الراحل د. بارق شبر، ولكن ذلك لم يحصل لأسباب فنية... لذا ننشرها هنا في هذا العدد استذكارا للراحل الدكتور شبر واعتزازا به. (الثقافة الجديدة)
بارق محمد رضا شبّر
خبير اقتصادي عراقي كان شغوفًا بصنع السياسات والحداثة
د. عامر كوركيس هرمز
كان الدكتور بارق شبر، الذي توفي عن عمر يناهز 78 عاماً، هو المؤسس في عام 2009 لـشبكة الاقتصاديين العراقيين. وكان أيضًا رئيس تحرير الشبكة، حيث كان يشرف بجد على ما ينشر على موقعها الإلكتروني، وعلى "الندوات عبر الإنترنت" التي نظمتها الشبكة والتي تناولت قضايا اقتصادية واجتماعية وسياسية، ومن بين أمور أخرى، القضايا البيئية المتعلقة بالعراق بشكل خاص. كان تركيز بارق منصبًا على وضع سياسات من شأنها أن تخفف من الوضع المزري الذي تعرّض له العراقيون على مدار الستين عامًا الماضية. وكان أحد الأهداف الرئيسية للشبكة، كما هو مذكور على موقعها على الإنترنت، هو "صياغة توصيات مهنية عملية واضحة ومبسطة مفيدة لصانعي السياسات الاقتصادية وصنّاع القرار والمسؤولين عن برامج التنمية".
ولد بارق في كربلاء عام 1946، وانتقلت عائلته إلى الكاظمية، أحد أحياء شمال بغداد، حيث عاشوا في منزل بجوار السوق المحلي، ما أعطى بارق فرصة التعرف الأولي إلى ملامح الاقتصاد المحلي. أنهى بارق تعليمه المتوسط والثانوي، وفي عام 1964، عندما كان عمره 18 عامًا، قرر الذهاب إلى ألمانيا لمتابعة تعليمه العالي على نفقته الخاصة. في جامعة فرانكفورت أم ماين (الآن جامعة غوته فرانكفورت)، حصل بارق على درجة البكالوريوس في إدارة الأعمال عام 1969. وفي عام 1972، حصل على "الدبلوم العالي" في الاقتصاد الكلي من جامعة فيليبس في ماربورغ، وبقي هناك لمتابعة درجة الدكتوراه في قسم الاقتصاد التي حصل عليها عام 1980. وكان عنوان أطروحته "طريق العراق نحو التنمية - القيود والمحفزات لتراكم رأس المال في بلد مصدّر للنفط الخام".
وظَّف بارق تعليمه الأكاديمي المتين للعمل كمستشار اقتصادي للعديد من المنظمات المعنية بالتنمية الاقتصادية في العديد من البلدان، بما في ذلك العراق ومصر والإمارات العربية المتحدة والأردن وتايلاند والأرجنتين. من عام 1984 إلى عام 2007، عمل بارق كمستشار لـ Deutsche Gesellschaft für Technische Zusammenarbeit (GTZ - الجمعية الألمانية للتعاون الفني) وDeutsche Gesellschaft für Internationale Zusammenarbeit (GIZ - الجمعية الألمانية للتعاون الدولي).
برعاية GIZ، قام بارق، كمستشار موثوق، بتنظيم ورش عمل عراقية - ألمانية مشتركة في برلين ومدينة كيل خلال الفترة من 19 إلى 21 تشرين الأول/أكتوبر 2019، والتي ناقشت القضايا الرئيسية المتعلقة بالتحول الاقتصادي وإصلاح الاقتصاد العراقي، والتعلم من التجارب الدولية. بالإضافة إلى مداخلاته الهادفة، أشاد المشاركون أيضًا ببارق لرئاسته الدؤوبة والمنظمة لمحادثات ومناقشات اليوم الأول، بما في ذلك صنع السياسات الاقتصادية في بريطانيا (التي قدمها هذا الكاتب) وفي ألمانيا. وسلطت المحادثات التي أجراها أساتذة الاقتصاد العراقيون المشاركون الضوء على خمس قضايا رئيسية تواجه الاقتصاد العراقي. وهي: الفساد المؤسسي واسع النطاق، وارتفاع مستوى الفقر، وارتفاع معدل البطالة، وارتفاع معدل النمو السكاني، وسوء إدارة الاقتصاد العراقي، وعدم كفاية سياسات الاقتصاد الكلي.
لم تكن ورش العمل هذه سوى مثال واحد على نوع المساهمة ذات المغزى التي قدمها بارق لتدريب الاقتصاديين العراقيين وتعريفهم بعملية صنع السياسات الاقتصادية خارج العراق.
تبع ذلك المزيد من العمل إذ ذهب بارق إلى العراق لإجراء مقابلات مع حوالي خمسين من كبار الاقتصاديين ومستشاري السياسات الحكومية والسياسيين لمحاولة التعرف على القيود الرئيسية التي تواجه صنع السياسات الاقتصادية وكيفية التغلب على المشكلات التي تواجه الاقتصاد العراقي والتي تم تحديدها في ورش العمل التي عقدت في تشرين الأول/أكتوبر 2019 في ألمانيا بالإضافة إلى تلك التي حددها كبار الموظفين الحكوميين العراقيين.
وتبع ذلك الكثير، والذي لا مجال لحصره هنا: كحضور المؤتمرات، وتيسير ورش العمل، والتعليق على سياسات مقترحة، واقتراح السياسات وما إلى ذلك والعديد من الأنشطة والمساهمات في صنع السياسات الاقتصادية في العراق والتي يمكن العثور عليها على موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين (https://iraqieconomists.net). لم تتورط الشبكة في السياسة – فقد كان بارق يؤكد أنه بغض النظر عن النظام السياسي في العراق، يجب على الاقتصاديين المساهمة في تحسين عملية صنع السياسات الاقتصادية. ولن يتفق الجميع مع مثل هذا الموقف.
حتى النهاية، وهو ينظر إلى المستقبل مع هاجس الوداع، كتب في مقالته الأخيرة المنشورة على موقع الشبكة قبل أسبوعين من وفاته: "ما هي الحلول"، التي قد يتساءل عنها القراء، "التي قدمتها لهذه القضايا المعقدة؟ (التي يواجهها العراق)؟" وكان جوابه: "لقد تقدمت بالعديد من المقترحات بصفتي المهنية..." لقد كان على حق.
وبالإضافة إلى ذلك، بالنسبة لبارق، كانت هناك حياة تتجاوز صنع السياسات الاقتصادية والمشورة. كان بارق أنيسًا، مثقفًا، فخورًا بعراقيته وتراثه الشخصي، يحب اللوحات الفنية والمنحوتات، يسافر إلى أماكن جديدة، يحضر الحفلات الموسيقية، يستشهد بالشعر، ويرعى حديقته الخاصة في منزله في برلين، ويزرع شجرة نخل في منزله! وأبدى امتنانه العميق لألمانيا، شعبا وأمة. لقد تألقت إنسانيته في آرائه حول عدم المساواة، وفي أحاديث المتحمسة والعاطفية، وحبه لعائلته وأصدقائه.