أيلول/سبتمبر 12
   
                         قراءة في كتاب الدكتور فارس حرّام "أرض جاهزة للفاشيين... تقرير عن إعدام من لا يُعدم"                                                                        
يفتتح الدكتور فارس حرّام كتابه (أرض جاهزة للفاشيين.. تقرير عن إعدام من لا يُعدم) بطرح سلسلة من التساؤلات العميقة التي تنبثق منها أسئلة أكثر عمقا وتشعبا على امتداد صفحات الكتاب، من أبرزها:
  • هل كنا على صواب حينما حاكمنا صدام حسين محاكمة جنائية مادية فقط، وتجاهلنا محاكمة القيم التي تبناها نظامه؟
  • هل كان تركيزنا على إجراءات الاجتثاث التي استهدفت الرموز والأسماء كافيا، في حين أغفلنا معالجة البيئة والجمهور الحاضن لتلك القيم؟
  • والأهم من ذلك، هل كان صدام حسين وحزب البعث وحدهما الممثلون لقيم الاستبداد في مجتمعنا؟
هذه التساؤلات تشكل أرضية لانطلاق مزيد من الأسئلة الأكثر حدة وعمقا، مسلطة الضوء على دور القيم في تشكيل الأحداث السياسية، ليس في العراق فحسب، بل على مستوى التجارب الإنسانية عموما:
  • كيف استمر إرث الأنظمة الفاشية التي تم اجتثاثها؟
  • كيف يمكن منع تكرار ما حدث بأقصى قدر من الحزم والوعي؟
  • كيف نحمي مجتمعا عانى من تجربة فاشية مريرة من ظهور فاشيين جدد قادرين على تدمير الأمة بضربة واحدة؟
غير أن السؤال الأخطر الذي يتكرر بصيغ مختلفة عبر صفحات الكتاب هو: ماذا نفعل إزاء الجمهور الفاشي؟ 
هذا السؤال يضعنا أمام تحدٍ فكري ومجتمعي مفصلي: كيف نواجه خطر عودة الفكر الفاشي؟ أو بالأحرى، ماذا كان علينا أن نفعله لضمان عدم تكرار تلك المآسي؟ 
يدفعنا فارس حرّام من خلال هذه الأسئلة، للتفكير العميق في مسؤوليتنا الجماعية في مواجهة الخطر الداهم. يحذرنا من احتمال عودة الفاشية بشكلها الجديد، التي قد تتشكل من سياسيين، مثقفين، أكاديميين، وجمهور يحملون إرثا ثقافيا ونفسيا فاشيا، معبأين بشعور النقص وتعويضه بالاندفاع نحو السلطة بأي وسيلة، مع تعلق مَرَضي بالكهف، كما وصفه أفلاطون، وجهتهم القتل، والعنف، والخراب.
يتناول الكتاب البنى الثقافية والاجتماعية التي تُعيد إنتاج الفاشية، مثل استغلال الشعور الجمعي بالخوف، والتلاعب بالهوية الوطنية، واستثمار الأزمات الاقتصادية والاجتماعية لتعزيز النزعات السلطوية. كما يوضح كيف تستخدم الفاشية أدوات القمع المباشر وغير المباشر لفرض هيمنتها، من خلال تشويه الوعي العام، واحتواء الطبقات الوسطى، وتحويل الفضاء السياسي إلى مساحة تفتقر إلى التنوع الفكري.
يناقش الكتاب، بخلفية تاريخية وثقافية دقيقة، صعود النزعات الفاشية في العراق، محذرا من استمرار قيمها التدميرية رغم سقوط نظام صدام حسين. ويربط هذا الاستمرار بغياب التصدي الفكري والثقافي لإرث الفاشية، مشيرا إلى أن الفراغ السياسي والانهيار المؤسسي بعد الاحتلال الأميركي عام 2003 وفّرا بيئة مواتية لتصاعد قوى جديدة أعادت إنتاج الهيمنة باستخدام العنف والشعبوية.
باختياره عنوانا صادما لكتابه، أراد حرّام أن يدق ناقوس الخطر ويقول لنا انتبهوا فان: (الأرض جاهزة لإنتاج الفاشيين) هذا العنوان بحد ذاته تحذير صريح من خطر يهدد الجميع، وهو نداء لتنبيه القارئ إلى أهمية التصدي لهذا الواقع قبل فوات الأوان. أما الإشارة إلى (إعدام من لا يُعدم)، فهي دعوة للتأمل في طبيعة العدالة التي نطبقها وأبعادها الأخلاقية والقيمية، حيث لا تقتصر القضية على الأشخاص، بل تمتد إلى القيم التي تنتجهم وتعيد إنتاجهم، إذ إنَّ عدم تعريض القيم التي يتبناها المستبد للمناقشة والتفنيد (يعني بقاءها فعّالة بعد إعدامه، وتعني في الحقيقة أنّه لم يُعدم)(1). وبهذا الشكل، يصبح الكتاب وثيقة تحمل القارئ عبء إدراك التحديات وضرورة التحرك الحاسم لمواجهتها.
وبهدف وضع القارئ بما يبحثه الكتاب، حرصت على تقديم إيجاز مكثف عن أبرز أفكار الكتاب، مع التأكيد على أن هذه النقاط لا تُغني عن ضرورة قراءته كاملا، لما يحمله من تفاصيل وتحليلات عميقة تستحق الاطلاع. وقد قمت بترتيب الأفكار على النحو الآتي:
  1. استمرار الفاشية بعد 2003: يوضح الكتاب كيف استمرت النزعات الفاشية في العراق من خلال جماعات تستخدم العنف والشعبوية لتعزيز نفوذها، حيث وفرت الاوضاع فرصة لتصاعد قوى جديدة أعادت إنتاج الهيمنة باستخدام أدوات العنف والشعبوية. الشعبوية في هذا السياق هي وسيلة لتزييف الوعي الجماهيري، حيث يُصور الآخر عدوا بعد أن يصنفه على أساس عرقي أو طائفي، سيما وان (الفاشية تعتمد على أساليب الشعبوية لإعادة إنتاج الهيمنة الأيديولوجية في لحظات الأزمات. إنها تُعيد صياغة المفاهيم الثقافية والاجتماعية لتبرير الاستبداد والعنف كوسيلة للحفاظ على السيطرة الطبقية)(2) وعلى الرغم من سقوط النظام الدكتاتوري، فقد برز عجز النظام الجديد، الذي يبدو ديمقراطيا ظاهريا، عن تجاوز قيم الاستبداد، بسبب هيمنة الأحزاب الطائفية والفكر الشمولي، ما زاد من اغتراب العراقيين وإحباطهم.
  2. قصور المحاكمات بعد سقوط النظام: اقتصرت محاكمة صدام حسين على رمزية سطحية ولم تعالج جذور الفاشية الثقافية والأيديولوجية التي دعمت نظامه. كما يشير الكتاب إلى قصور إجراءات المحكمة الجنائية العراقية العليا، التي تشكّلت بعد 2003، لأنها ركزت على قضايا محددة، مثل الدجيل والأنفال، بينما أهملت القضايا الكبرى المتعلقة بتأثير البعث على الثقافة والمجتمع.
  3. الفاشية كظاهرة متجددة: يشير الكتاب إلى قدرة الفاشية على التجدد وظهور قيادات جديدة خلال الأزمات السياسية والاجتماعية، لترسيخ قيم الشمولية والولاء الأعمى. (تتطور الفاشية وتتخذ في كل بلد اشكالاً مختلفة، تبعا للظروف التاريخية والاجتماعية والاقتصادية)(3).
  4. الحاجة إلى محاكم ثقافية للاستبداد: يدعو المؤلف إلى إنشاء "محاكم ثقافية للاستبداد" لتفكيك (إرث القيم التي أنتجت الفاشيّة والشمولية فضلاً عن التي نتجت عنها، وتقويض أكبر قدر ممكن من أسسها الثقافية)(4).
  5. تصاعد الفاشية عالميا: يربط الكتاب بين الإحباط من الأنظمة الديمقراطية التي أخفقت في مواجهة الأزمات، وصعود الفاشية عالميا، مما يتطلب دورا حاسما للمثقفين والسياسيّين الوطنيّين في التصدي لهذه التهديدات.
  6. رمزية الغضب الشعبي: يشير الكتاب إلى شخصيات رمزية مثل "أبو تحسين"، التي جسدت غضب العراقيين ضد إرث الديكتاتورية، كجزء من عملية إسقاط النظام.
  7. الهرم الفاشيّ للقيم: تناول الكتاب كيف تكرّس الفاشيّة الولاء عبر هرم قيمي يكون في أعلاه القائد الفاشيّ، ويضرب لذلك مثلاً بمنظومة الولاء الهرمية في حزب البعث، ويراها شبيهة بتلك الموجودة في النظام النازي في ألمانيا.
  8. الفصل بين القضاء والتاريخ: يميز المؤلف بين دور القاضي، الذي يصدر الأحكام بناءً على الأدلة، ودور المؤرخ، الذي يركز على فهم السياقات والخلفيات المؤثرة في الأحداث.
  9. أهمية وعي المواطن: يؤكد الكتاب على دور المواطن كشريك أساسي في تحقيق العدالة الانتقالية، من خلال وعيه وتعزيز ثقافة حقوق الإنسان لمواجهة الاستبداد ومنع عودة الفاشية.
  10. النقاش الثقافي كحل: يدعو الكتاب إلى معالجة القيم الداعمة للاستبداد عبر نقاش ثقافي عميق يتجاوز الإجراءات الجنائية التقليدية.
  11. تفنيد الفكر بدل الإعدام: يشدد المؤلف على أهمية "المحاكمة الثقافية" لتفنيد الفكر الاستبدادي ومنع تكرار إنتاجه، بدلاً من الاكتفاء بإعدام القادة.
  12. استهداف الجمهور الفاشي: يحذّر الكتاب من تأثير القادة المستبدين على "الجمهور الفاشي"، مشيرا إلى تجربة ألمانيا التي يراها "فاشلة" في مواجهة النازية الجديدة.
  13. الفصل بين القضاء والثقافة: يبرز أهمية معالجة الفكر الفاشي والثقافي بشكل مستقل عن المحاكمات الجنائية لضمان عدم عودة الاستبداد.
يقدم الكتاب أفكاره بالاستناد إلى مقارنة بمستويات مختلفة بين النظام البعثي في العراق والنظام النازي في ألمانيا، بوصفهما أنموذجين متماثلين للفاشيّة، كما يقارن المرحلة التي تلت سقوط كلّ منهما، ويرى أنّ النظامين الجديدين في البلدين لم ينجحا في مواجهتها، كما ظهرت في كلّ منهما فاشية جديدة.
بهذا التركيز، يعرض الكاتب رؤية متكاملة لمواجهة الفاشية، ليس فقط كمنظومة حكم، ولكن كإرث ثقافي واجتماعي يتطلب حلولا أعمق من مجرد التغيير السياسي.
 
الفاشية الجديدة: خشية واقعية أم هواجس سياسية؟
بالنظر إلى النقاط الواردة أعلاه، يمكننا الاستنتاج أن الخشية من عودة الفاشية ليست مجرد هواجس عابرة، بل هي انعكاس لواقع سياسي واجتماعي ملتبس يهيئ بيئة مواتية لإعادة إنتاج الاستبداد. هذه الخشية تستند إلى مجموعة من المؤشرات الصارخة التي تُظهر استمرارية الأنماط السلطوية في عراق ما بعد 2003، على الرغم من سقوط النظام البعثي.
  1. تجدد عسكرة النظام: التغيير الذي أعقب سقوط النظام لم يمس الجوهر الطبقي للنظام السياسي، التغيير السياسي الذي يكتفي بتغيير شكل النظام، (دون تفكيك الأيديولوجيا السائدة وعلاقات الإنتاج القائمة محكومة بأن تنتج استبدادا جديدا، يتكيف مع الظروف القائمة، ولكنه يظل أداة للهيمنة الطبقية) (5).
  2. . فالبُنى السياسية، الاقتصادية، والاجتماعية باتت مهيأة لاستمرار أنماط الاستبداد. قوى جديدة، مسلحة ومدعومة سياسيا وعسكريا، أصبحت جزءا من السلطة وشريكا في الهيمنة الاقتصادية، ما أدى إلى عسكرة النظام وتحويله إلى سلطة طبقية معقدة.
  3. طغمة الحكم الجديدة: تتشكل هذه الطغمة بين سياسيين صعدوا عبر المحاصصة الطائفية والإثنية ونخب من تجار الصفقات وكبار الفاسدين. يشكل هؤلاء طبقة أوليغارشية مترفة تهتم بمصالحها الضيقة وتستخدم أدوات مزدوجة للهيمنة. الهيمنة المسلحة، واستخدام القوة لقمع الاحتجاجات المطالبة بالعدالة الاجتماعية، مثال على ذلك دورها كـ"طرف ثالث" ابان انتفاضة تشرين 2019، وكذلك الديمقراطية الشكلية لإعادة إنتاج نفسها عبر انتخابات مفرغة من مضمونها.
  4. الفشل المؤسساتي وغياب المشروع الوطني: تركت الأوضاع الأمنية والاقتصادية المضطربة فراغا كبيرا استغلته قوى استبدادية لتعزيز نفوذها، مما يعيد إلى الأذهان تجارب أنظمة فاشية أخرى نمت في ظل فوضى اجتماعية وغياب بدائل ديمقراطية.
  5. التجاوزات على حرية التعبير والتضييق على حركات الاحتجاج تمثل أبرز ملامح النزعة السلطوية المتجددة في العراق. تُستخدم أدوات قمع متعددة، تشمل الملاحقات القانونية والترهيب الإعلامي والعنف المفرط ضد المتظاهرين، لقمع أي صوت يطالب بالتغيير. هذه السياسات لا تستهدف فقط إخماد الاحتجاجات الآنية، بل تهدف أيضا إلى خلق حالة من الخوف المستمر تمنع المواطنين من المطالبة بحقوقهم.
عند تحليل هذه المؤشرات، يتضح أن الفشل في معالجة الجذور الطبقية والثقافية للاستبداد، إلى جانب العجز عن بناء مشروع وطني حقيقي، قد أسهم في ظهور قوى جديدة تعيد تدوير الفاشية بأشكال مختلفة، من عسكرة السلطة، إلى ترسيخ المحاصصة الطائفية، وصولاً إلى الانتخابات الشكلية.
تثير المسارات التي سلكها النظام السياسي الجديد قلقا مشروعا حول إمكانية عودة الفاشية بشكل أو بآخر. نرى ان الخشية من تجدد الفاشية كتهديد مستمر في المشهد العراقي، والخوف من عودتها ليس وليد مبالغة، بل انعكاس لواقع سياسي معقد يفتقر إلى معالجات جذرية، فإذا كانت الفاشية القديمة قد انتهت بسقوط النظام البعثي، فإن المؤشرات أعلاه تلمح إلى ظهور نسخ جديدة بنفس القيم، ولكن بأدوات مغايرة، (إذ بلغ فقدان الثقة بالنظام السياسيّ حديث الناس في كلّ مكان، وأصبح القمع الدمويّ للاحتجاجات علامة انحلال في أخلاقيّة النظام. وتحوّلت الانتخابات إلى تثبيت روتيني لقوى السلطة في الحكم، وسط ضعف عام في المشاركة. حتى أخذ الناس - بدلاً من الدفاع عن نظامهم الديمقراطي الوليد - يطلبون ظهور مستبدّ قويّ يشفي بلادهم من الأحزاب المتصارعة)(6). وبالنتيجة: تبرز هذه المعطيات السياسية والاجتماعية الراهنة خشية مشروعة من عودة الاستبداد تحت مسميات وأشكال مختلفة.
المحاكمات خطوة سطحية لا تمس جوهر الفاشية
يناقش الكاتب الفرق الإجرائيّ بين القضاء والثقافة في محاكمات الأنظمة الفاشية. القضاء يعالج الأفعال الجنائية، لكنه لا يتناول الجذور الثقافية التي تدعم الاستبداد. المحاكم الثقافية، جزء من ثورة ثقافية تهدف إلى زعزعة الهيمنة الأيديولوجية للنخب الحاكمة، كما تحدث عنها أنطونيو غرامشي.
إذ لا يتحقق إنهاء الفاشية بمحاكمة رموز النظام فقط، بل يتطلب معالجة جذرية تشمل تفكيك البُنى الاقتصادية والثقافية التي دعمت السيطرة الطبقية والاستبداد. الهدف الأسمى يجب أن يكون بناء مجتمع جديد على أسس ديمقراطية حقيقية تعزز قيم الحرية والعدالة وتضمن تفكيك القيم الاستبدادية.
المحاكمات التي جرت ركزت على حادثة الدجيل وحملة الأنفال، وتجنبت قضايا أخرى ذات بعد إقليمي كغزو الكويت والحرب العراقية - الإيرانية، التي تحمل أبعادا سياسية واقتصادية عميقة. هذا التجنب يعكس خوفا من الخوض في جذور المشكلات وتأثيراتها الإقليمية والدولية.
يرى الكاتب أن إعدام صدام حسين عام 2006 كان خطوة انتقامية رمزية تهدف إلى تهدئة الرأي العام، لكنها لم تعالج الأزمات العميقة التي خلّفها النظام الشمولي. العدالة الانتقالية يجب أن تكون أداة لإصلاح البُنى الثقافية والاقتصادية التي كرّست الاستبداد. لقد افتقرت المحاكمات إلى مواجهة القيم الاستبدادية والأيديولوجيا التي زرعها حزب البعث منذ انقلاب 1968، حيث حول العراق إلى دولة شمولية سيطرت على كل مجالات الحياة، بما في ذلك التعليم والإعلام والثقافة.
المحاكمات الجنائية اقتصرت على الأفراد ولم تمس التأثيرات البنيوية للنظام الشموليّ، مثل السيطرة على الإعلام والتعليم والمجال العام. هذه العدالة الشكلية عملت ضمن إطار الهيمنة الطبقية السائدة، مما جعلها عاجزة عن تحقيق إصلاح جذري. القضاء على إرث نظام استبدادي يتطلب تفكيك العلاقات الطبقية والبُنى الاقتصادية والاجتماعية التي دعمت النظام.
تعد "المحاكمات الثقافية" التي يدعو إليها الكاتب، جزءاً من ثورة أعمق تهدف إلى زعزعة الهيمنة الأيديولوجية للنخب الحاكمة. فهذا النوع من المحاكمات يسعى لتحطيم أدوات الهيمنة مثل التعليم والقانون، وتحويلها إلى أدوات تحررية تسهم في بناء مجتمع جديد خالٍ من إرث الاستبداد.
المحاكمة الثقافية، هي فضاء مفتوح يهدف إلى تفنيد الفكر الاستبدادي وكشف خوائه، بدلا من الاقتصار على إعدام القادة. أن تفكيك الأيديولوجيا أهم من معاقبة رموزها، حيث تستهدف هذه المحاكم "الجمهور الفاشي" الذي يظل متأثرا بقيم الاستبداد ويعيد إنتاجها. (القضاء على نظام استبدادي دون تفكيك أجهزته الأيديولوجية يترك القيم والمفاهيم التي تدعمه قائمة، مما يؤدي إلى إعادة إنتاج نفس العلاقات القمعية في أشكال أخرى)(7). المحاكمات الجنائية للقيادات الاستبدادية، عندما تقتصر على الرمزية والانتقام، تفشل في تحقيق إصلاح جذري. العدالة الحقيقية تتطلب معالجة شاملة للبُنى الاقتصادية والثقافية والاجتماعية التي كرّست النظام الشمولي، وإعادة تشكيل المجتمع على أسس تضمن التحرر الفعلي من إرث الاستبداد. لتحقيق ذلك، لا بد من ثورة ثقافية تُعيد تعريف القيم والأدوات التي كانت أدوات للهيمنة، لتصبح أدوات للتحرر والبناء.
إن الاقتصار على المحاكمات الجنائية دون تحليل ثقافي يؤدي إلى نتائج شكلية، كما حدث بعد سقوط النازية في ألمانيا. يعكس فشل النظام الجديد في تفكيك البُنى الاقتصادية والاجتماعية التي أنتجت الفاشية، مما سمح بإعادة إنتاجها في شكل نازية جديدة.
إن المحاكمات الجنائية وحدها لا تُعالج جذور الفاشية. القضاء على الاستبداد يتطلب معالجة شاملة تشمل الأيديولوجيا والثقافة التي تُعيد إنتاج الهيمنة الطبقية. المحاكم الثقافية يمكن أن تكون وسيلة فعالة لتفكيك القيم الاستبدادية، لكنها تحتاج إلى تكامل مع تغييرات بنيوية في النظام الطبقي.
تكامل الثورة الثقافية مع التحول السياسي والاقتصادي
رسّخ النظام السابق قيما أيديولوجية شمولية تعتمد على الولاء المطلق لرأس النظام والخضوع له. تكرس الفاشية الولاء المطلق للقائد، الذي يُصور كمنقذ أو قائد تاريخي خارق، (بحيث يتم تصوير القائد كمنقذ، الفاشية تأله "القائد التاريخي" الذي تفوق قدراته حتى أعظم عباقرة البشرية)(8). هذا الولاء يُستخدم لتزييف الوعي الطبقي، حيث يُخفي الصراع الطبقي الحقيقي ويعيد تشكيل تحالفات هدفها ترسخ النظام الطبقي القائم.
يشير الكاتب إلى أن النظام البعثي في العراق صاغ "هرما قيميا" يضع صدام حسين على قمته كقائد أوحد، مما رسّخ قيم الولاء المطلق للقائد وحوّلها إلى جزء لا يتجزأ من حياة العراقيين. هذا النموذج، كما يوضح، يشابه الأنظمة الفاشية الأوروبية، مثل النازية، التي اعتمدت على القمع والدعاية لتعزيز الولاء الأعمى للقيادة وإخفاء التناقضات الطبقية. أن القضاء على نظام استبدادي دون تفكيك أجهزته الأيديولوجية يترك القيم والمفاهيم الداعمة للاستبداد قائمة، مما يؤدي إلى إعادة إنتاج نفس العلاقات القمعية بأشكال مختلفة. الأنظمة الفاشية ليست مجرد أنظمة استبدادية، بل أدوات للحفاظ على السيطرة الطبقية، خصوصا في أوقات الأزمات. (إن الهيمنة لا تُمارس فقط بالقوة، بل عبر الهيمنة الثقافية التي تُعيد إنتاج النظام الطبقي في العقول قبل المؤسسات)(9). تعمل هذه الأنظمة على خلق "وعي زائف" يصرف الجماهير عن التناقضات الطبقية الحقيقية، ويوجه ولاءهم نحو القائد باعتباره المنقذ.
 اما (الأجهزة الأيديولوجية للدولة)، كما يسميها لوي ألتوسير، مثل التعليم والإعلام والثقافة، عملت على ترسيخ هذا الولاء المطلق، ما جعل القمع يبدو شرعيا لضمان "وحدة" المجتمع. هذه الآليات استخدمت لتحويل الأفراد إلى أدوات طيّعة تخدم أهداف النظام.
الثورة الثقافية لا يمكن أن تُحقق أهدافها دون تكاملها مع التحولات السياسية والاقتصادية. تفكيك الهيمنة الأيديولوجية يتطلب إعادة بناء وعي الجماهير، وهو شرط أساسي لتحقيق العدالة الاجتماعية والسياسية. في ظل فشل الأنظمة الانتخابية وتراجع الثقة بقدرة النظام على تحقيق العدالة، يزداد الإحباط الجماهيري، ما يخلق فراغا تستغله القوى الفاشية لتقديم وعود زائفة وسرديات مبسطة للأزمات. أما النخب الثقافية والأكاديمية فأنها تلعب دورا حاسما في تفكيك القيم الأيديولوجية التي تعزز الفاشية.
 
الفاشية في السياق الرأسمالي
يقول إريك هوبسباوم، (الفاشية ليست انحرافا عن النظام الرأسمالي، بل هي أداة تُستخدم لإعادة ترتيب النظام الطبقي والحفاظ على السيطرة في لحظات الأزمات الحادة)(10). تتخذ الفاشية أشكالا مختلفة في كل بلد، متأثرة بالظروف التاريخية والاجتماعية والاقتصادية. في أوقات الأزمات، تُستخدم الفاشية لتزييف الوعي الطبقي وتوجيه الغضب الجماهيري بعيدا عن التناقضات الحقيقية بين الطبقات.
الفاشية هي رد فعل عنيف. تعتمد على خلق تحالفات بين النخب والجماهير عبر تزييف الوعي الطبقي، مستبدلة الصراع الحقيقي بشعارات وهمية تدعم الهيمنة الطبقية وتحافظ على استقرار النظام القائم. وهي أداة سياسية تُستخدم في لحظات الأزمات لإعادة ترتيب الهيمنة الطبقية، معتمدة على استغلال التوترات الاجتماعية والاقتصادية وتزييف الوعي الجماهيري لصالح النخب الحاكمة، مما يجعلها آلية مستمرة للنظام الرأسمالي في أوقات الاضطراب.
 الفاشية في القرن العشرين كانت نتاجا للأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي أعقبت الحرب العالمية الأولى، وهي نفس الظروف التي يمكن أن تُعيد إحياءها في مجتمعات أخرى تعاني من نفس التناقضات. بالتالي هي نتيجة مباشرة لأزمات النظام الطبقي، حيث تُستخدم كأداة لإعادة إنتاج الهيمنة الطبقية عبر القمع والشمولية. تجدد الفاشية في المجتمعات التي تعاني من اضطرابات سياسية أو اقتصادية يشير إلى فشل تلك المجتمعات في معالجة التناقضات البنيوية في النظام الرأسمالي. يكمن في تفكيك هذه التناقضات وإعادة صياغة النظام الاجتماعي والاقتصادي بما يخدم الطبقة العاملة.
الفاشية ليست مجرد سياسات أو أفراد، بل هي جزء من البنية الفوقية التي تعكس تناقضات البنية التحتية، أي الاقتصاد وعلاقات الإنتاج. تعمل البنية الفوقية (الثقافة، الدين، القانون) على تبرير العلاقات الطبقية، حيث لا تُمارس الهيمنة بالقوة فقط، بل عبر الهيمنة الثقافية التي تُعيد إنتاج النظام الطبقي في العقول قبل المؤسسات. الفاشية ليست مجرد نظام سياسي استبدادي، بل هي نتاج تاريخي للصراع الطبقي وتناقضات النظام الرأسمالي في سياق محدد. إذا كانت الفاشية التقليدية قد نشأت في أوروبا نتيجة أزمات اقتصادية واجتماعية، فإن عودتها في العراق تشير إلى توافر ظروف مشابهة من انهيار بنيوي في النظام الاجتماعي والسياسي.
 
إسقاط الرموز الديكتاتورية
مشاهد إسقاط التماثيل تمثل لحظات رمزية للتحرر الشعبي، لكنها تظل غير كافية إذا لم تُعالج الجذور الاقتصادية والاجتماعية الداعمة لهذه الهيمنة. شخصية (أبو تحسين)، التي استعان بها الكاتب في العبارات الاولى من الفصل الاول، ترمز إلى الغضب الجماهيري ضد رموز النظام، وتجسد وعيا طبقيا مبدئيا، لكنه قد يظل وعيا زائفا إذا لم يتحول إلى حركة ثورية تُعيد صياغة العلاقات الطبقية. إسقاط الرموز يمكن اعتباره بداية لتفكيك الهيمنة الأيديولوجية، ولكنه يتطلب معالجة أعمق للقيم والمفاهيم التي عززت الديكتاتورية، مثل الولاء الأعمى والتبعية. وهذا ما أشار إليه الكاتب بالفعل في ختام الفصل نفسه، إذ يقول (التاريخ يعلّمنا أنّ زمن ما بعد الكارثة ليس آمناً، فقد تنقلب الغايات بشكل معاكس إذا ارتكب أحدهم خطأً ما. والعامل المسيطر في هذا كلّه: تغلُّب الانتقام على التفكير بحلول أعمق)(11).
تفكيك الفاشية والاستبداد لا يتحقق بإسقاط الرموز فقط، بل يتطلب ثورة شاملة تعيد صياغة العلاقات الاقتصادية والاجتماعية وتفكك أجهزة الدولة التي تُكرس السيطرة الطبقية، ما يضمن تحررا حقيقيا مستداما. إسقاط رموز الديكتاتورية، كتماثيل وصور صدام حسين، يمثل بداية للتحرر لكنه يظل خطوة رمزية ما لم يتبعها إصلاح جذري للبُنى الاقتصادية والاجتماعية. التحرر الحقيقي يتطلب وعيا طبقيًا يُمكّن الجماهير من مواجهة الأسس التي دعمت النظام الاستبدادي وإعادة بناء المجتمع على أسس العدالة الاجتماعية والمساواة.
 يبرز الكاتب خطأ النظام العراقي الجديد بعد 2003 في الاكتفاء بإعدام رموز النظام السابق دون مواجهة الأفكار التي دعمتهم. يقارن ذلك بتجربة ألمانيا بعد سقوط النازية، حيث أدى غياب محاكمة الفكر النازي إلى ظهور النازية الجديدة.
وقد كان الفصل الأخير من الكتاب، الموسوم "أين هم الفاشيّون الجدد؟" بمثابة قرع جرس الإنذار للجميع، إذ بسط فيه الكاتب التناقضات البنيوية النظام السياسي الجديد في العراق، من جهة التعارض القائم حتى الآن، بين نص الدستور من جهة، والتشريعات المعمول بها في المحاكم حالياً، العائدة الى حقبة النظام الفاشيّ، كما يبرز الكاتب في هذا الفصل بعض عناصر التركيبة الاجتماعية والثقافية الحالية للواقع العراقي، تلك التي تجعله "أرضاً جاهزة للفاشيّين"، ويجملها في ثلاثة عناصر: فرض التقديس الذي تمارسه السلطات السياسية والدينية، والروح القبلية، والسلوك الاستبدادي اليوميّ للمجتمع نفسه. 
 
استنتاجات
تتيح لنا الدراسة التي قدمها الدكتور فارس حرّام في كتابه “أرض جاهزة للفاشيين” استخلاص عدد من الاستنتاجات التي تفيد القوى الديمقراطية في نضالها قبل استحكام الفاشية الجديدة وتعزيز تمترسها داخل النظام السياسي.
  1. القضاء على الفاشية يتطلب معالجة الجذور الاقتصادية، الاجتماعية، والثقافية التي تُنتجها، وليس الاكتفاء بالمحاكمات الجنائية. الفاشية ليست ظاهرة معزولة، بل هي نتاج للبُنى الطبقية والأزمات البنيوية التي تستغلها الطبقة الحاكمة لضمان السيطرة في أوقات الاضطراب. هذه الحقيقة تتطلب تكامل المحاكمات الجنائية مع محاكمات ثقافية تستهدف تفكيك الفكر الاستبدادي وإعادة بناء الوعي الجماهيري على أسس عادلة ومستدامة.
  2. بعد سقوط النظام البعثي في 2003، بقيت البُنى الاقتصادية والاجتماعية التي عززت الاستبداد قائمة. الفشل في تفكيك هذه البُنى يتيح المجال لظهور فاشية جديدة بأشكال مختلفة. علاقات الإنتاج التي تُكرّس الاستغلال ما زالت حاضرة، مما يُبقي الفاشية كامنة وقادرة على الظهور مجددا عند توافر الظروف المواتية.
  3. الفاشية الجديدة ليست مجرد عودة لشكل النظام البعثي، بل هي تعبير عن أزمات بنيوية متجددة. هذه الأزمات، بما فيها التفاوت الطبقي والاضطرابات السياسية والاقتصادية، تُشكّل الأرضية المناسبة لنمو الفكر الاستبدادي.
  4. من أهم مظاهر الفاشية هو وجود ما يُطلق عليه "الجمهور الفاشي"، وهو شريحة واسعة من المجتمع تتبنى الفكر الاستبدادي نتيجة "وعي زائف" خلقته الطبقة الحاكمة عبر أدواتها الأيديولوجية، مثل التعليم والإعلام. هذا الجمهور يُعيد إنتاج الفاشية من خلال تأييده لخطاب القوة والخضوع للإرادة الاستبدادية.
  5. تفكيك "الوعي الزائف" يتطلب حوارا ثقافيا واسع النطاق يُعيد صياغة القيم الجماعية على أسس الحرية والعدالة الاجتماعية. هذا الحوار يجب أن يكون جريئا وشاملا، يعيد النظر في الروايات التاريخية والمفاهيم الثقافية التي تدعم الاستبداد.
  6. عودة الفاشية بشكل جديد تنبع من الفشل في معالجة جذورها الاقتصادية والاجتماعية. إذا استمرت نفس العلاقات التي تُكرّس الفقر والتفاوت الطبقي، فإن الفاشية ستبقى خطرا قائما، تتحين الظروف للظهور من جديد.
  7. الفاشية كظاهرة سياسية يمكن ان تتجدد: حيث انها انعكاس لصراعات وتناقضات طبقية متجذرة، تتجدد عند توافر ظروف اجتماعية واقتصادية ملائمة، لا سيما في أوقات الأزمات الحادة التي تهدد الاستقرار الاجتماعي والسياسي.
  8. تُستخدم الفاشية كأداة تلجأ إليها النخب الحاكمة أو الطامحة للحفاظ على النظام الطبقي القائم، معتمدة على إعادة ترتيب الهيمنة الطبقية باستخدام أدوات جديدة.
  9. النزعات الفاشية في العراق ما بعد 2003 ليست ظاهرة منفصلة عن السياق التاريخي الذي سبقها. يمكن النظر لها كأداة تُستخدم في أوقات الأزمات العميقة لإعادة إنتاج الهيمنة الطبقية.
  10. في العراق، أدى سقوط النظام البعثي إلى انهيار بنية الدولة المركزية، لكن غياب البديل الديمقراطي الحقيقي أدى إلى ظهور قوى جديدة استغلت الفراغ السياسي والاجتماعي.
  11. أن صعود الفاشية في العراق لا يمكن فهمه فقط من خلال التحليل السياسي للنظام القائم، بل عبر تفكيك تحالفاته وآليات عمله التي تجمع بين الهيمنة المسلحة والانتخابات الشكلية.
  12. أي مشروع لبناء نظام ديمقراطي في العراق يجب أن يتجاوز الأطر السطحية للإصلاح، ويتوجب عليه تبنى تغيير البُنى العميقة التي تُعيد إنتاج الاستبداد. إن الفشل في تحقيق عدالة اجتماعية شاملة سيبقي النظام العراقي في خطر الوقوع في قبضة استبداد جديد، لا يقل خطورة عن الفاشية السابقة.
  13. مواجهة الفاشية الجديدة ليست مجرد قضية سياسية، بل هي تحدٍ ثقافي واجتماعي شامل. القضاء عليها يتطلب مشروعا متكاملا يربط بين الإصلاحات الاقتصادية، العدالة الاجتماعية، والتفكيك الثقافي للوعي الزائف. هذا المشروع هو الضامن الحقيقي لبناء عراق خالٍ من الفاشية والاستبداد.
من خلال ما تقدم، يمكن للقوى الديمقراطية استيعاب هذه الاستنتاجات كأدوات فعّالة لمواجهة الفاشية عبر:
  • التوعية المجتمعية: نشر الوعي بمخاطر الفاشية وتعزيز قيم المواطنة والديمقراطية التي تقف على النقيض من الفكر الاستبدادي.
  • إحياء الحراك الطبقي: التركيز على توعية الطبقات المسحوقة بأسباب معاناتها الحقيقية، وربط هذه المعاناة بالنظام السياسي القائم الذي يعزز الانقسام الطبقي.
  • مواجهة البنية الثقافية للفاشية: دعم الأدب والفن والثقافة النقدية التي تسعى إلى فضح التلاعب الفاشي بالقيم الوطنية والاجتماعية.
  • تعزيز التحالفات الديمقراطية: بناء شبكات وتحالفات بين القوى المعارضة للفاشية، على أن تكون هذه التحالفات مستندة إلى برامج واضحة تدافع عن حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية.
  • أن مواجهة الفاشية لا تتطلب فقط كشف أدواتها وأساليبها، بل أيضا بناء مشروع ديمقراطي جذري قادر على مواجهة استبدادها وتحطيم بنيتها الاقتصادية والسياسية.
 
الهوامش :
 1- فارس حرّام، أرض جاهزة للفاشيّين، دار نابو، بغداد، 2023، ص42.
2- أنطونيو غرامشي، دفاتر السجن، ترجمة، محمد زكريا، دار التنوير، القاهرة، 2015، ص 231.
3- جورجي ديمتروف، الجبهة الوطنية الموحدة، دار الطليعة، بيروت، ص44
4-  حرام، ص134.
5- كارل ماركس، الثامن عشر من برومير لويس بونابرت، ص 63.
6 - حرام، ص176.
7-  لوي ألتوسير، الأيديولوجيا وأجهزة الدولة الأيديولوجية، دار الفارابي، بيروت، 2006، ص 112.
 8 - كاظم حبيب، الفاشية التابعة في العراق، مؤسسة حمدي للطباعة والنشر، السليمانية، ص284.
9 -  غرامشي، ص 182.
10 - هوبسباوم إريك، عصر التطرفات، ترجمة فايز الصياغ، بيروت، دار المدى، 2001، ص 152.
11 -  حرام، ص20.