كانون1/ديسمبر 05
   

 
تمهيد
    بين الحين والآخر تظهر مطالبات بإلغاء او تعديل قانون الأحوال الشخصية النافذ، واغلبها كانت تستند الى سببٍ يكون عذراً لها، والعذر الغالب بان القانون مخالف لأحكام ثوابت الإسلام، وانه يخالف نص المادة (2/أولا/1) من الدستور النافذ التي جاء فيها "لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت احكام الإسلام"، وآخر هذه المحاولات مسودة قانون تعديل قانون الأحوال الشخصية التي تمت قراءتها الأولى في مطلع شهر اب من عام 2024. وسبب مقترح التشريع مثلما تضمنته الأسباب الموجبة انه جاء لتوفير حق الاختيار للمواطن العراقي باختيار مذهبة في تنظيم أحواله الشخصية الوارد في المادة (41) من الدستور التي جاء فيها "العراقيون احرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية حسب دياناتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم أو اختياراتهم وينظم ذلك بقانون".
ويذكر انها ليست المحاولات الأولى بل سبقتها عدة محاولات ومن أهمها فتوى تحريم العمل به في عام 1960 الصادرة من بعض رجال الدين ومنهم من مراجع الجعفرية العظام، واشهرهم اية الله العظمى السيد محسن الحكيم (قدس سره)، وكذلك كبار علماء الدين من المذهب الحنفي، واجتمع الطرفان على رأي واحد وهو وجود مخالفة في القانون لمبادئ الشريعة الإسلامية، فأفتوا بعدم جواز العمل به.
لكن سبب هذا التحريم ليس كل النصوص الواردة فيه، وانما انحصر فقط في موضوعين الاول توزيع الإرث، والثاني في ابطال الزواج بثانية دون اذن القاضي، وسأعرض لهما على وفق الاتي:
  1. توزيع الميراث: اتى القانون بتوزيع للإرث يخالف ما أقره القران الكريم، عندما ساوى بين البنت والذكر في الميراث، حيث أحال موضوع الإرث الى نظام توزيع التركة في المواد (1187-1192) من القانون المدني رقم 40 لسنة 1951 المعدل، والمتعلق بحق التصرف واعتبره هو المعول عليه عند توزيع الميراث للمتوفى. ويشير احد شراح القانون بأن سبب اختيار نظام الانتقال في حق التصرف على الإرث في قانون الأحوال الشخصية، لان العمل بالقواعد الفقهية للميراث قد أدى الى التفاوت في انتقال حقوق الوارثين التي كان من الضروري توحيد قواعدها، وحيث ان هذا التفاوت دعا البعض للتحايل على القوانين والشريعة بانتحال الأديان والمذاهب، لذلك كان المقتضى ولغرض المعالجة ان يعمل بقواعد الانتقال التي وردت لتنظيم انتقال حق التصرف عند وفاة المورث والتي وردت في المواد (1187-1192) من القانون المدني رقم 40 لسنة 1951، وان هذه القواعد مشابهة في مجموع احكامها لقواعد الميراث في المذاهب المختلفة، فضلاً عن ذلك ان هذه القواعد قد عمل بها القانون العراقي ولم يعترض عليها احد وسارية منذ زمن الدولة العثمانية(1).
  2. إبطال الزواج بثانية دون ادن القاضي: كان هذا الموضوع محل احتجاج، عندما اعتبر بطلان الزواج بأكثر من زوجة إذا لم يكن بأذن من القاضي، وعلى وفق احكام المادة (13) قبل تعديلها بموجب القانون رقم 11 لسنة 1963 وعلى وفق النص الاتي "اسباب التحريم قسمان مؤبدة ومؤقتة، فالمؤبدة هي القرابة والمصاهرة والرضاع، والمؤقتة الزواج بأكثر من واحدة دون اذن القاضي والجمع بين زوجات يزدن على أربع وعدم الدين السماوي والتطليق ثلاثا وتعلق حق الغير بنكاح او عدة وزواج احدى المحرمين مع قيام الزوجية بالأخرى". ويذكر ان بعض شراح القانون برروا هذ التعديل وصفقوا له ويقول المرحوم محسن ناجي "ان الشريعة الإسلامية لم تبح تعدد الزواج، وان اباحته فإنها قيدت بشروط وقيود كثيرة ولو كان الناس اتبعوا تلك القيود لما دعا المشرع الى تقنينه، وان المشرع لم يخرج في تنظيمه عن حدود ما قررته الشريعة الإسلامية". وهذا التبرير مردود على قائله، لان ابطال عقد مصدره السماء ومتوفر على شروطه الشرعية بوجود الرخصة في القران الكريم، وجعله حرمة مؤقته فيه مخالف لثوابت احكام الإسلام، لأنه قد حرم حلالاً اجازه الشرع في القران الكريم وسنة نبيه الاكرم (ص).
ومن الملفت للنظر ان القضاء لم يطبق هذا النص خلال فترة نفاذه، ويشير الى ذلك المرحوم الأستاذ محسن ناجي حيث يقول (من الملاحظ ان المحاكم لم تطبق تلك النصوص ولم تقم المحاكم الشرعية بمهامها القانونية، واعتبار مثل هذه الزواجات باطلة)(2).
لكن هذا الاسباب انتهت وانتفى سببها بعد حصول تعديل في قانون الأحوال الشخصية بموجب القانون رقم 11 لسنة 1963 في 18/3/1963 عندما أعاد العمل بالميراث على وفق القواعد الشرعية في الشريعة الإسلامية، وألغى شرط اذن القاضي لإضفاء المشروعية على الزواج بأكثر من زوجة، وبذلك انتهت أسباب المناداة بتحريمه، والدليل على ذلك صمت الجميع عن التطرق اليها سواء من فقهاء المذهب الجعفري او المذهب الحنفي.
الفرع الأول
هل القانون يخالف ثوابت أحكام الإسلام؟
جاء في الأسباب الموجبة لمقترح قانون تعديل قانون الأحوال الشخصية النافذ، بأن هذا التعديل هو تطبيقاً للمبدأ الدستوري الوارد في المادة (2/اولاً) من الدستور النافذ التي جاء فيها "لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت احكام الإسلام"، ومن خلال اللقاءات في الورش او الحوارات الشخصية مع من يعضد تشريع التعديل او من خلال ما نطلع عليه في وسائل الاعلام من أفكار تعزى إليهم اجد ان جميع المسوغات التي ساقوها لإثبات مخالفة التشريع النافذ لثوابت احكام الإسلام لا تتفق ومنطق القول وانما تتمحور في نقطة الحفاظ على الهوية الاسلامية للعراق وان لا يصدر أي تشريع يخالف ثوابت الاحكام الإسلامية.
لكن عند السؤال عن ماهية ثوابت احكام الإسلام، اغلبهم يجيب بعمومية غير واضحة. ويقولون بأنها الاحكام التي وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة والإجماع. ولغرض الوقوف على هذه الثوابت الثلاث من اجل مطابقة القانون النافذ لها او مخالف ويبتعد عن جوهرها، كما لابد وان نعرف هل وجد الفقه لهذه الثوابت صور محددة؟ ام انها مازالت محل جدل الى يومنا هذا ومازالت غير محددة وتخضع للرأي والاجتهاد؟، لذلك سأعرض الامر على وفق الاتي:
  1. كتاب الله (القرآن الكريم): لا يوجد أدني شك بثوابت احكام القران الكريم لأنه دستور المسلمين وكلام الله المنزل ووردت فيه كل الاحكام بمصداق الآية الكريمة "وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا"(3).
 فضلاً عن كونه عهد الله إلينا والذي ألزمنا الإقرار به والعمل بما فيه بمصداق الآية الكريمة (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ)(4).
وفي هذا التأكيد الرباني على شمول القران لكل شيء، فإننا نجد اختلاف في بيان هذه الاحكام التي وردت بأحكام عامة غير تفصيلية، بل ان بعضهم اعطى للقران سعة في تحمل التأويل والتفسير وفي ذلك قول الامام علي "ان القران حمال أوجه". وبعض من الفقهاء المسلمين فرق بين التفسير والبيان والتأويل، والقى بتبعات الخطأ على البعض الآخر. ومنهم ما ذكره الشيخ المفيد حيث قال "وتأويل القرآن ليس هو تفسيره ولا بيانه، بل بيانه وتفسيره في القرآن تفصيلاً، ولكن تأويل القرآن هو الحق الذي سيؤول إليه حتماً مقضياً"(5).
ومن الثابت في الروايات بأن الصحابة رضي الله عنهم فسروا القرآن واختلفوا في تفسيره على وجوه. واطلق على بعض هذه الاختلافات في فقه الشريعة الاسلامية فن (المسائل المشكلة) وهي المسائل التي تكون في ظاهرها معقدة لما هي عليه من اختلاف الاحكام المرتبطة بموضوع معين اختلافا الى حد التناقض والتنافي مع وحدة الموضوع ظاهرياً وهذه المسائل كانت ترصد لاختبار الفقهاء وقياس ذكائهم(6). كما نقل عن الامام الشافعي "بان بعض التابعين قالوا لقينا اناسا من اصحاب رسول الله فاجتمعوا في المعنى واختلفوا في اللفظ"(7).
وما اود الوصول إليه ان الفقهاء في قراءتهم لنصوص الآيات الكريمة وسعيهم في الاجتهاد لاستنباط الاحكام كان متبايناً حسب فهم كل فقيه بل ان بعض ائمة المسلمين اختلفت احكامه في واقعة واحدة بين بلد وآخر ومنهم ابن حنبل وغير ذلك، بل ظهر مسمى لنوع من الاحكام الشرعية التي اطلق عليها (فقه المسكوت عنه) لان البعض يرى ان من نفائس دلالات التشريع الإسلامي، أن هناك دوائر لم تتعرض لها النصوص الشرعية تصريحاً ولا تضميناً لاختلاف الظروف المحيطة بها، ومن ذلك فإن استدلالنا بالنصوص القرآنية مختلف فيه وطرقنا متباينة بين مذهب وآخر(8). مما يعني ان لا اجماع حتى في طرق الوصول الى مفاتيح الاحكام في القران الذي اعطى لنا كما ثرياً من العطاء الفكري في جانب الاجتهاد.
  1. السنة النبوية: أما فيما يتعلق بالسنة النبوية الشريفة فإن من المسلم به أنها محل إجماع ولا خلاف على أنها بعد القران وإنها من روحه، لأن الرسول الكريم (ص) لم يأت بحكم إلا ومصدره الوحي بدليل مصداق الآية الكريمة "وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِم بِآيَةٍ قَالُواْ لَوْلاَ اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يِوحَى إِلَيَّ مِن رَّبِّي هَذَا بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ"(9)، وغيرها من الآيات الكريمات.
إلا إن هذا لم يمنع من الاختلاف في السنة النبوية (القولية والفعلية والتقريرية) وفي بعض الدراسات ومنها دراسة نشرتها مجلة الاجتهاد والتجديد التي تصدر في بيروت الموسومة (اجتهاد الرسول - قــراءة نقدّيــة في الأســس والمكوّنـــات)، ويذكر فيها بأن ابن تيمية أجاز للرسول الكريم أن يجتهد من عنده لا من عند ربه مسترشداً بقوله "يجوز لنبيّنا أن يحكم باجتهاده فيما لم يوحَ إليه فيه، ذكره القاضي أبو يعلى وابن عقيل وأبو الخطاب، وأومأ إليه أحمد" فضلا عن اغلب من كتب عن السنة النبوية المطهرة، فيقول احدهم ان الأصوليين قد اختلفوا فيما يصدر عن الرسول الكريم (ص) فذهب بعضهم الى انه ليس سنة في المصطلح الاصولي وليس مصدرا من مصادر التشريع التي تستنبط منها الاحكام، وان ما صدر عنه كان بحسب خبرته وطبيعته البشرية(10).
 بينما نجد إن ابن حزم الأندلسي له رأي يختلف فيذكر في كتابه الإحكام في أصول الأحكام "إن من ظنّ أنّ الاجتهاد يجوز للأنبياء في شرع شريعة لم يوحَ إليهم فيها فهو كفرٌ عظيم، ويكفي في إبطال ذلك أمره تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام أن يقول: إن أتّبع إلاّ ما يوحى إليّ"(11).
وبذلك نجد إن الاختلاف قائم حتى في سنة النبي الأكرم محمد (ص) مما يعدم الإجماع في كيفية الوصول إلى الحكم الذي يستنبط من الأحكام التي قررها النبي الأكرم.
  1. الاجماع: إما عن إجماع فقهاء المسلمين فإننا نجد إنهم اختلفوا في كل شيء على وفق اجتهادهم ومشاربهم العقائدية، وهذا الاختلاف كان رحمة. لان فيه إثراء للفكر الإنساني يواكب حاجات المجتمع بإطارها القرآني. وسأذكر مثالا معاصراً يتعلق بقانون الخلع المصري رقم (1) لسنة 2000، حيث اعتبره بعض رجال الدين من أسباب هدم الشريعة الإسلامية ومنهم الشيخ حسن أبو الأشبال الأزهري في كلمته أثناء عقد ندوة حول قانون الخلع والكلمة منشورة في موقع اسلام ويب على شبكة الانترنيت، إذ قال")يسعى العلمانيون إلى هدم أحكام الشريعة الإسلامية عبر قوانينهم وتشريعاتهم، والتي ما أنزل الله بها من سلطان، ومن ذلك فيما يتعلق بقانون الأحوال الشخصية في مصر وقانون الخلع وغيره"(12)، مستشهدا بآراء عدد من الفقهاء بعدم مطابقة قانون الخلع لأحكام الشريعة الإسلامية، ثم رد على هذا الرأي وعارضوه بل أنكره عدد من رجال الدين وعلماء الأزهر بحجج تنسب إلى فقهاء وأئمة المسلمين ذاتهم الذين كانوا سندا لرأي الشيخ حسن وفريقه المؤيد له.
لذلك فان كلمة إجماع بذاتها اختلف فيها علماء الشريعة فبعضهم له رأي وقول في المفهوم الاصطلاحي للإجماع يختلف عن الآخر وسأعرض بعض منها وعلى وفق الآتي:
  • الإجماع عند عامة الفقهاء: هو اتفاق علماء العصر من أمة محمد صلى الله عليه وسلم على أمر من أمور الدين وعند الحنفية: هو اتفاق رأي المجتهدين من أمه محمد صلى الله عليه وسلم في عصر ما على حكم شرعي. أما عند الظاهرية: هو إجماع جمع المؤمنين وهو ما تيقن أن جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عرفوه وقالوا به، ولم يختلف منهم أحد. أما الإجماع المركب عند الحنفية هو عبارة عن الاتفاق في الحكم مع الاختلاف في المأخذ، لكن يصير الحكم مختلفا فيه بفساد أحد المأخذين ومثاله: انعقاد الإجماع على انتقاض الطهارة عند وجود القيء والمس معاً. لكن مأخذ الانتقاض عند الحنفية القيء، وعند الشافعية المس فلو قدر عدم كون القيء ناقضا، فالحنفية لا يقولون بالانتقاض إذن لم يبقى ثمة أجماع، ولو قدر عدم كون المس ناقضا، فالشافعية لا يقولون بالانتقاض، فلم يبق الإجماع أيضا(13).
  • الإجماع عند فقهاء الجعفرية: هو الكشف عن رأي المعصوم فإذا كان احد المجمعين هو المعصوم يكون الحكم محل إجماع بينما يرى فقهاء المذاهب الأخرى خلاف ذلك بأنه إجماع المؤمنين أو أهل العلم(14).
ومن خلال العرض أعلاه نجد ان الاجماع لم يجمع عليه اهل الفقه بل ان بعضهم اعتبر الاجماع وفي ثوابت هي أركان الإسلام، وأركان الإيمان، والأحكام المتعلقة بالعبادات الأساسية مثل الصلاة والصوم والزكاة والحج، ولا اجماع في غيرها، واما قضايا المعاملات ومنها قضايا الأحوال الشخصية من زواج وطلاق ومهر فهي ليست بمحل اجماع. ومن ثم أي نص ورد في قانون الأحوال الشخصية لا يشكل أي مخالفة لثوابت الإسلام.
 
الفرع الثاني
حرية المواطن في اختيار المذهب ومدى مطابقة مشروع التعديل للدستور
أولاً: حرية المواطن في اختيار المذهب: من بين الأسباب التي روج لها عبر وسائل الاعلام ان قانون الأحوال الشخصية النافذ، انه يمنع المواطن من حق اختيار احكام مذهبة لتطبيقها على احواله الشخصية، فضلاً عن مخالفته للشريعة الإسلامية، وتكررت هذه الذريعة في الأسباب الموجبة، حيث جاء فيها من اجل تمكين المواطن من اختيار مذهبه عملا بأحكام المادة (41) من الدستور، وللوقوف على تلك الذريعة وهل لها وجود فعلي اعرض لها على وفق الاتي:
  1. ان مشروع قانون التعديل جعل من ابرام عقد الزواج المناسبة التي يعلن فيها المواطن اختيار مذهبه ليطبق على احواله الشخصية وعلى وفق ما ورد في المادة (الأولى) من المشروع، حيث جاء فيها للعراقي وللعراقية ان يختار مذهبه الشيعي او السني لتطبق احكامه على أحواله الشخصية.
وعند الرجوع الى نصوص قانون الأحوال الشخصية النافذ، لم نجد أي إشارة الى منع المواطن من اختيار المذهب الذي يبرم بموجبه عقد الزواج. الا ان الواقع العملي في محاكم الأحوال الشخصية يمنح المواطن حق الاختيار، لان نموذج طلب ابرام عقد الزواج فيه حقل حول استحقاق المهر المؤجل، لان المرأة تستحق مهرها المؤجل، في صورتين الأولى في حال المطالبة والميسرة، وهو ما ينطبق وفقه المذهب الجعفري (الشيعي)، وعند أقرب الاجلين (الموت او الطلاق) وهو ما ينطبق واحكام المذهب الحنفي (السني). ومن خلال اختياره احدى الصورتين فإنه يعلن عن المذهب الذي يختاره لتطبق عليه احكامه الفقهية، ويذكر ان تلك الصيغة تم تعديلها حيث ان اغلب عقود الزواج كان يكتب فيها العقد تم على المذهب السني او الشيعي. ولغرض نبذ الطائفية تم اختيار العبارتين أعلاه واللتان تحققان ذات الغرض، ومن تطبيقات القضاء العراق قرار محكمة الأحوال الشخصية في الرصافة حيث، طبقت احكام المذهب الحنفي على واقعة الطلاق بعد ان استدلت عليه من خلال حقل استحقاق المهر المؤجل، والذي دون فيه (أقرب الأجلين)، وأسندت حكمها وأسبابه الى كتب الفقه الحنفي الذي أدرجت مضامينها في صلب القرار.
  1. كذلك عند إيقاع الطلاق فإن احكام فقه المذهب الذي تم بموجبه الطلاق هي التي تطبق، وفي المواريث فإن احكام الشريعة الإسلامية وعلى وفق مذهب المتوفى، ويستدل على ذلك بما ورد في عقد الزواج، فاذا كان على وفق احكام المذهب الجعفري (الشيعي) فإن احكامه هي التي تطبق. وكذلك إذا كان على وفق احكام المذهب الحنفي (السني) فان احكامه هي التي تطبق. وهذا ما قررته المادة (89) من قانون الأحوال الشخصية التي جاء فيها الاتي "مع مراعاة ما تقدم يجري توزيع الاستحقاق والأنصبة على الوارثين بالقرابة وفق الاحكام الشرعية التي كانت مرعية قبل تشريع قانون الأحوال الشخصية رقم (188) لسنة 1959 كما تتبع فيما بقي من احكام المواريث".
ومن خلال ما تقدم نجد ان القانون النافذ لم يمنع المواطن من اختيار مذهبه الذي يرغب في تطبيق أحكامه على أحواله الشخصية.
ثانياً: مدى مطابقة مشروع التعديل للدستور: ان مشروع قانون التعديل له عدة قراءات منها ما يتعلق بمدى النص النافذ، وماهية الغاية من المقترح، وقراءات اجتماعية وغيرها من المواضيع ذات الصلة بالتشريع، لكن من اهم هذه القراءات تتعلق بمدى مطابقة مشروع القانون المقترح الى نصوص الدستور النافذة وهل فيه خرق للمبادئ الدستورية وللوقوف على ذلك سأعرض لها على وفق الاتي:
ان من أسباب التخوف من تشريع هذا المقترح يتمثل بسلب ولاية القضاء وسلب والتجاوز على اختصاص السلطة التشريعية، حيث ان الأول فيه اعتداء على اهم مبدأ في بناء نظام الحكم في العراق وهو الفصل بين السلطات وان القضاء مستقل، والثاني في منح السلطة التنفيذية صلاحية التشريع بدلاً من مجلس النواب، وهو اختصاص حصري للسلطة التشريعية، لذلك سأعرض لها على وفق الاتي:
  1. الولاية القضائية: ان السبب الأول هو الخوف من سلب ولاية القضاء من النظر في منازعات الأحوال الشخصية ومنحها الى رجال الدين. وهذا ما ظهر من الإشارات التي فهمها المواطن من خلال مشروع التعديل التي سربت الى الاعلام. وكذلك ما افاض به المدافعون عن المشروع. مع ان هذا السبب، إذا ما توفرت له الاجواء ليتحقق، فانه يتعارض مع اهم مبدأ قامت عليه الدولة العراقية بموجب دستور عام 2005 والمتمثل بمبدأ الفصل بين السلطات الذي ورد في المادة (47) من الدستور وجاء فيها "تتكون السلطات الاتحادية من السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، تمارس اختصاصاتها ومهماتها على اساس مبدأ الفصل بين السلطات". فاذا منح رجل الدين او سواه سلطة فض النزاع والفصل فيه خارج نطاق القضاء فانه يتعارض مع ذلك المبدأ الدستوري، لان الدولة العراقية هي دولة مدنية دين شعبها الرئيسي هو الإسلام وليست دولة دينية وعلى وفق المبدأ الدستوري الوارد بشكل رئيسي في المادة (1) من الدستور التي جاء فيها "جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي (برلماني) ديمقراطي. وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق". فضلاً عن سائر النصوص الأخرى في الدستور التي تؤكد على مدنية الدولة العراقية، ومن مخرجات هذا المبدأ ان نظام الحكم فيها يتضمن ثلاث سلطات فقط (التشريعية، التنفيذية، القضائية). فاذا اجتهد المؤيدون للمشروع مثلما وردت الإشارة في دفاعهم عن منح سلطة فض النزاع والفصل في الخصومة الى رجال الدين، فإن هذا يثير قلق الشارع العراقي بمجمله ومن جميع الديانات والمذاهب، لأنه يخرق الدستور والمبادئ التي تشكل نظام الحكم في العراق.
كما سمعت من بعض المؤيدين لمشروع التعديل ان نظام الاسرة مرتبط بالشريعة الاسلامية وان القضاة غير فاعلين في فهم مقاصدها، حتى ان بعضهم اعتبر الاحكام القضائية في بعض دعاوى الاسرة باطلة ومخالفة للشرع ولا يجوز العمل بها او تطبيقها، ودعا من حصل على تلك الاحكام ان يتجه الى رجل الدين للفصل في موضوع نزاعه وخصومته، هذا تجني كبير على القضاء وعلى القضاة العاملين فيه منذ ان تأسس القضاء العراقي في بدايات القرن العشرين وحتى يومنا هذا في القرن الحادي والعشرين أي على مدار أكثر من مئة عام.
وبإمكان هؤلاء المشككين ان يعودوا الى الاحكام التي سطرها الاجتهاد القضائي فإنهم سيجدون فيها فقها متنوراً لا يخرج عن مقاصد الشريعة اطلاقاً، بل ان اغلب أحكامهم تستند الى الشريعة وعلى وفق مذهب المتقاضين، وفي حال اختلاف مذاهبهم نجد ان القضاء اتجه للعمل بما اتفق عليه اغلب الفقه الشرعي بأن مذهب الزوج هو الحاكم، ثم تطور الامر الى ان يعتمد فقه المذهب الذي تم اختياره عند أبرام عقد زواجهم في المحكمة، وهذا ثابت في جميع الاحكام القضائية في المحاكم العراقية وعلى مختلف مستوياتها ودرجاتها من محكمة الموضوع ولغاية اعلى هيئة قضائية في القضاء الاعتيادي (محكمة التمييز الاتحادية)، من ثم المحكمة الاتحادية العليا في اختصاصها الدستوري.
كما يتميز العمل في قضاء الأحوال الشخصية في صفة لا يتمتع بها أي قضاء تخصصي آخر، لان قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 المعدل صاحب الدور الفاعل في هذه القضايا ومجمل أحكامهُ تحيل القاضي إلى فقه الشريعة الإسلامية الذي استمد منها اغلب الأحكام القانونية وعلى وفق ما ورد في المادة (1) من القانون التي جاء فيها "1 - تسرى النصوص التشريعية في هذا القانون على جميع المسائل التي تتناولها هذه النصوص في لفظها او في فحواها .2- اذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه فيحكم بمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية الاكثر ملائمة لنصوص هذا القانون 3- تسترشد المحاكم في كل ذلك بالأحكام التي اقرها القضاء والفقه الاسلامي في العراق وفي البلاد الإسلامية الاخرى التي تتقارب قوانينها من القوانين العراقية".
اما في مجال المواريث فإن المادة (90) من قانون الأحوال الشخصية قد ألزمت القاضي بالعودة الى الاحكام الشرعية على وفق مذهب المتوفى والتي جاء فيها "مع مراعاة ما تقدم يجري توزيع الاستحقاق والانصبة على الوارثين بالقرابة وفق الاحكام الشرعية التي كانت مرعية قبل تشريع قانون الأحوال الشخصية رقم (188) لسنة 1959 كما تتبع فيما بقي من احكام المواريث".
كذلك في قضايا الاوقاف فإن القضاء يتناول الأحكام التي حددت اختصاصه في النظر بقضايا الوقف عند إنشاء الوقف وفي مجال الإدارة في التولية (الترشيح، التعيين) وحمايته من الاعتداء بالنسبة للأعيان الموقوفة، وفي مرحلة انتهاء الوقف بالتصفية او رجوع الواقف في الأبواب التي يسمح بها القانون وفي الوقف جوانب عقائدية وعبادية لأن الوقف كما يراه بعض الفقهاء في الشريعة انه وسيلة من وسائل التقرب الى الله (عز وجل) وانه عبادة بذاته لان العبادة تشمل كل الأعمال الصالحة.
فضلاً عما تقدم فإن قانون الأحوال الشخصية فيه الكثير من أحوال الأسرة التي تبنى بموجب عقد الزواج ومن خصائص عقد الزواج بأنه ميثاق بين الزوجين مصدره السماء بمعنى أن مصدره الشريعة وهذا الوصف منحه خصوصية القداسة والارتباط بالفقه الشرعي، وعند الذهاب إلى هذا الأفق الشرعي الواسع يكون على القاضي البحث في الأحكام الشرعية وفتاوى فقهاء المسلمين منذ صدر الرسالة الإسلامية قبل ألف وأربعمائة عام وحتى الوقت الراهن.
  1. التجاوز على صلاحية السلطة التشريعية: ان السبب الثاني الذي يثير قلقنا المشروع وهو سلب الولاية التشريعية من مجلس النواب الى جهات تنفيذية او الى اجتهاد اشخاص يحملون فكرا عالياً في الاجتهاد الشرعي (رجال الدين)، وهذا السبب في القلق يستند الى عدة عوامل تناصره وتؤيده ومنها الاتي:
  • ان العراق وكما اشرت سلفا بأنه دولة مدنية تعتمد على نظام المؤسسات والدين الرسمي هو الإسلام، وهذا يعني ان التشريع هو من اختصاص السلطة التشريعية حصراً ولا يجوز تفويض هذه الصلاحية او السلطة الى أي جهة أخرى، وعلى وفق احكام الدستور النافذ ومنها الفقرة (1) من المادة (61) من الدستور التي جاء فيها "يختص مجلس النواب بما يأتي: تشريع القوانين الاتحادية" وهذه صلاحية حصرية لمجلس النواب ولا يجوز تفويضها لأي كان.
والإشارات التي وردت من مشروع التعديل والمؤيدين له بان تشريع الاسرة ونظامها وآلية الفصل فيها سيكون من قبل دواوين الأوقاف، وهذا خرق صارخ لمبدأ الفصل بين السلطات لأن تلك الدواوين هي إدارات تنفيذية ترتبط بالسلطة التنفيذية الممثلة بمجلس الوزراء وعلى وفق احكام المادة (103/ثالثاً) من الدستور التي جاء فيها (ترتبط دواوين الأوقاف بمجلس الوزراء)، فضلاً عن ترك جميع القواعد الموضوعية والشكلية في قضايا الأحوال الشخصية بيد رجال الدين، وهذا يتقاطع كليا مع مبدأ الفصل بين السلطات.
  • ان منح دواوين الأوقاف صلاحية إعداد المدونات الفقهية للأحوال الشخصية، بمثابة تفويض من مجلس النواب الى تلك الدواوين بالتشريع، لان التفويض هو العمل الذي بموجبه ينقل صاحب صلاحية أصيل "مفوِّض" ممارستها إلى سلطة أخرى "مفوَّض" وعلى وفق ما عرفه الفقه الدستوري، وهذا يعني تنازل مجلس النواب عن بعض صلاحياته، وهذا ما لا يملكه مجلس النواب لان الدستور العراقي لم يأخذ بمبدأ التفويض التشريعي، ولم يرد في صلاحيات مجلس النواب الواردة في دستور عام 2005 النافذ ما يشير إلى هذا المعنى، ومن ثم تصبح علمية التفويض غير ذات اثر دستوري أو قانوني، باستثناء حالة واحدة أشار لها الدستور تتعلق بتخويل رئيس مجلس الوزراء الصلاحيات اللازمة التي تمكنه من الإدارة أثناء فترة إعلان الحرب أو حالة الطوارئ، هو تخويل بالإدارة وليس تفويض بالتشريع.
  • لابد من التوضيح تجاه آليات تشريع النصوص القانونية، فإنها في المطلق تعتمد على مبادئ الشريعة الإسلامية ولا يجوز سن أي قانون يتعارض مع ثوابت احكام الإسلام، لأنه دين الدولة الرسمي ومصدرها الأساسي عند التشريع، بمعنى ليس المصدر الوحيد، وانما المصدر الرئيسي وعلى وفق ما ورد في المادة (2/اولاً/1) من الدستور التي جاء فيها (الإسلام دين الدولــة الرسمي، وهـو مصدر أســاس للتشريع 1-لايجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت احكام الإسلام).
  • كذلك فإن السلطة التشريعية مقيدة بالعمل بموجب هذه المبادئ الدستورية، وتوجد عليها رقابة دستورية من المحكمة الاتحادية العليا باعتبارها اعلى هيئة قضائية مختصة بالقضاء الدستوري في العراق، مما لا يتيح فرصة تشريع قانون يتعارض مع ثوابت احكام الإسلام، وهذا ما يؤهل مجلس النواب لتنظيم شؤون الاسرة بموجب قانون.
  • قد يرد بعض المؤيدين لمشروع التعديل على ما عرضته سلفاً بإن المدونة سوف يكتبها رجال دين من ذوي الاختصاص ويقننون الفتاوى والمبادئ الفقهية على وفق المشهور منها والمعمول به، أقول لهم نعم هذا امر سليم ونحن نؤيده بالمطلق، لكن يجب ان يكون تحت مظلة مجلس النواب.
بمعنى ان يسهم رجال الدين المختصون بالفتوى والفقه الشرعي مع المختصين من الأكاديميين والقضاة في صياغة هذه الفتاوى والمبادئ الفقهية بأصول قانونية تشرع وتسن من مجلس النواب وبموجب قانون على وفق اليات تشريع القوانين الواردة في المادة (60) من الدستور والمادة (73/ثالثاً) من الدستور.
ويخضع القانون منذ لحظة ظهوره كفكرة ومن ثم مقترح وبعدها مشروع الى النقاش المستفيض من الأعضاء وبعدة جلسات الأولى لعرض المشروع والثانية للمناقشة والجلسة الثالثة للتصويت ومن ثم الإصدار والنشر بعدها في الجريدة الرسمية. عند ذاك تكون قانون ملزم وواجب التطبيق ولا يجوز مخالفته اطلاقاً. ويتميز بخصائص القاعدة القانونية ومنها التجريد والعموم والالزام للجميع، اما ان نترك الامر خاضع للاجتهاد فإنه سوف يعدم الامن القانوني، لان المواطن لا يعلم ما يدور في ذهن من يشرع ولا يوفر الاستقرار في الاجتهاد القضائي.
  • ان تشريع المدونة من غير مجلس النواب سوف يمنع الطعن فيها بعدم الدستورية لأنها ليست قانون ومن ثم تمنح القداسة التي لا تطالها الرقابة الدستورية، وهذا على خلاف المبادئ الدستورية التي تأسست على أساس وجود الرقابة الدستورية القضائية من المحكمة الاتحادية العليا وعلى وفق احكام المادة (93) من الدستور.
الخاتمة
   أثار مشروع قانون تعديل قانون الأحوال الشخصية جلبة في الأوساط القانونية والمجتمعية بكل مسمياتها، وظهر فريقان الأول مؤيد للتعديل والآخر معارض، واتسمت ردود أفعال الفريقين في بعض الأحيان بالشراسة والقسوة، وكل فريق نعت الآخر بأوصاف ونعوت مختلفة، حتى ظن البعض انه صراع وجود لكسر الارادات، ولوحظ على الفريقين ان بعض المؤيدين والمعارضين، على حدٍ سواء، لم يكن أسلوب الدفاع عن رأيهم من خلال ابراز محاسن ومنافع ما يعتقدون به سواء كانوا من المدافعين عن التعديل او المعارضين له، بل اتبع بعضهم أسلوب التسقيط او حصر نقاط الاعتراض تجاه فئة معينة ولم تكن على وجه العموم. 
لكن يبقى للمعترضين اسبابهم في القلق والتخوف تجاه مشروع التعديل، وارى انه قلق مشروع لخطورة الموضوع الذي يقع في نطاقه التعديل، وهو موضوع الاسرة واحوالها الشخصية التي هي نواة المجتمع، ولا يوجد مواطن عراقي لن يتأثر به، لان قانون الأحوال الشخصية والقواعد الفقهية الملحقة به هي التي تنظم حياة الانسان قبل ان يكون، عندما ينظم زواج ابويه، ومن ثم صيرورته جنيناً في بطن امه ولحين وفاته وحتى بعد الوفاة، فهذه الأهمية جعلت الجميع في دوامة القلق المشروع.
ومن خلال العرض المتقدم وجدنا ان القانون النافذ يتفق وأحكام ثوابت الإسلام ولا توجد فيه مخالفة لأي من الاحكام الشرعية، كما وجدنا ان مشروع التعديل قد تضمن حالات خرق للمبادئ الدستورية التي تمثلت بسلب الولاية القضائية، والتجاوز على صلاحيات السلطة التشريعية.
لكن ما يظهر من خلال النقاش الدائر ان أصل الإشكالية لدى من يتبنى المشروع، بانه يختزل ثوابت الإسلام بأحكام مذهبه الذي يعتنقه، ولا يرى في بقية المذاهب الإسلامية اتفاق مع الشريعة، وهذا يؤدي الى نتيجة مهمة، تتعلق بعقيدة من تبنى المشروع تجاه شكل الدولة العراقية حيث يظهر بانه لا يعترف للسلطة التشريعية سلطة الولاية العامة لإدارة شؤون المجتمع واختيار التشريع المناسب لعموم العراقيين.
حيث ان اختلاف الأحكام الشرعية بين المذاهب وحتى في المذهب الواحد لا يعني انها غير متفقة مع الشريعة الإسلامية وإنما تعبر عن اجتهاد فكري في قراءة النصوص القرآنية، واستنباط الحكم التفصيلي، واجمع فقهاء المسلمين على ان ولي الامر هو من يختار من بين هذه الاحكام المختلفة حسب الاجتهاد لمن افتى بها، باعتبار ان ولي الامر له ان يختار ما فيه خير البلاد والاصلح للعباد، وهذه المهمة أوكلت الى مجلس النواب باعتباره السلطة التشريعية ويملك الولاية العامة لاختيار ما يشاء من الاحكام التي تتفق وثوابت احكام الإسلام ومن أي مشرب او مذهب، لان التشريع لعامة العراقيين وليس لفئة دون اخرى، وهو ما يسمى في فقه القانون الدستوري (الخيار التشريعي).
الا ان من اقترح التشريع لا يعترف بهذه الولاية العامة ويرى بأن تلك الولاية تكون لمرجعيته المذهبية، وهذا يتقاطع بشكل صريح مع كون الدولة العراقية دولة مدنية وليس دولة دينية وعلى وفق المبدأ الدستوري الوارد بشكل رئيسي في المادة (1) من الدستور التي جاء فيها "جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي (برلماني) ديمقراطي. وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق"، فضلاً عن سائر النصوص الأخرى في الدستور التي تؤكد على مدنية الدولة العراقية، ومن مخرجات هذا المبدأ ان نظام الحكم فيها يتضمن ثلاث سلطات فقط (التشريعية، التنفيذية، القضائية).
الهوامش
  1. للمزيد انظر: ناجي محسن، شرح قانون الأحوال الشخصية، منشورات مطبعة الرابطة في بغداد،1962، ص 450
  2. المرجع سابق، ص164
  3. سورة يوسف، الآية 49
  4. سورة الأنعام، الآية 38
  5. الشيخ المفيد، كتاب العويص، منشورات دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت،1993، ص5
  6. الشيخ المفيد، مرجع سابق، ص 7
  7. الإمام الشافعي، الرسالة، منشورات المكتبة العلمية، بيروت، ص274
  8. للمزيد انظر: احمد كاظم البهادلي، مفاتيح الوصول الى علم الأصول، ج2، ـمنشورات شركة حسام للطباعة، بغداد، 1995، ص59
  9. سورة الأعراف، الآية 203
  10. للمزيد انظر: البهادلي، مرجع سابق، ص 38
  11. ابن حزم الاندلسي، الإحكام في أصول الأحكام، منشورات دار الآفاق الجديدة، بيروت، ج5، ص132
  12. الكلمة منشورة على الرابط الإلكتروني الاتي:   https://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=FullContent&full=1&audioid=153198 
  13. سعدي أبو حبيب، القاموس الفقهي، دار الفكر دمشق، الطبعة الثانية
  14. احمد فتح الله، معجم ألفاظ الفقه الجعفري، السعودية - الدمام، 1995