التوازن البصري هو الركيزة الأساسية التي تمنح العمل الفني قوة تؤدي إلى خلق الشعور بالجمال وعبر عدة مستويات بصرية، ينتج عنها الكثير من المفردات، كالتناغم والتماثل والتنظيم والترتيب، والكثير من الخصائص المؤثرة على الوزن البصري وشبكيته العصبية المتصلة بالإحساس والشعور بتضاد الأشياء من حولنا .فالفنان لا شعورياً يسعى إلى التوازن البصري عندما تختزن معرفته الكثير من القواعد الهندسية والفلسفية، وحتى التاريخية عن الحضارات السابقة مثل أهرامات مصر أو عمارة بلاد ما بين النهرين والحضارات الأخرى الغنية بصرياً بالنسب الذهبية التي تتشكل في النفس وتنطبع حسياً، فتتغذى منها الأعمال الفنية التي نقوم بتحليلها ودراستها ووضعها في ميزان الجمال. فهل التوازن في الأعمال الفنية هو أمر شخصي عند كل فنان؟ أم هو علم قائم على مدركات ملموسة حولنا؟ أم أن التوازن البصري يرتبط بتناغمات الإحساس؟ وهل يمكن فهم قيمة التوازن البصري عبر الفن التشكيلي والنحت العربي؟ أم أن أعمال الفنان "جبران طرزي" تضع الموازين الجمالية بفن مشرقي مزدان بفلسفة الجمال وعلمه؟ يجذب الخط المعاكس أو الخط الذي يتناقض مع الأسس الحاسمة في التشكيل المؤسس لعوامل بصرية مختلفة ينتج عنها تجريدياً الخروج من الواقع للدخول في الماورائيات والتماهي مع حركة رياضية بصرية مكحلة بالغموض التشكيلي المبني على التحفيز الجمالي، وكفاءة التذوق الفريد الجمالية بسلوكيات الخط. لقياس مقارنات التكاثر وليس التكرار، فما يخرج من فكر الفنان يصبح مادة متلونة لها أسسها البنائي عند "جبران طرزي" من حيث قيمة البقاء بأشكاله المتطورة كافة وبكفاءة بصرية نموذجية في التكوين المنظوري المصاحب لمعايير الضوء والانعكاس، وبجوهرية فلسفية من الناحية الإفتراضية بمعنى لكل خط مادي ملموس خط آخر حسي غير ملموس وكل شكل هنا له شكل آخر هناك كمعادلة يتقارب من خلالها المنطق الثلاثي والرباعي والخماسي والسداسي بتحليل يهدف على تأمل الحركة والسكون وتأمل العمق في كل شيء نراه ويقوم البصر بتحليله. لتعزيز قوة الخط الهندسي القادر على التكوين لخلق تنويعات هندسية تحرّك الحواس وتمنح النفس قوة في التأمل. إذ تتزاحم الرؤى مع مسارات بصرية. يفتحها طرزي لتتلاقى الخطوط على وفق قدريات بالمعنى الغيبي، لكن هو محدد في تفاصيله مع الألوان المرتبطة ببعضها البعض لتتبيّن فلسفته الفنية وكأنها متصلة بكونيات تجريدية في مكنونها. فهل حاول جبران طرزي منح رسوماته بعض الغموض للخروج من المادي إلى الروحي وفق مفهوم حرية الخط في العبور نحو الألوان أو العكس؟ إنّ دراسة الحركة البصرية في أعمال طرزي ومنها اليدوية التي يستكمل بها جمالياته يعدها فصلاً ذي مقاصد حدسيّة تعدّدت فيها العناوين من حيث قيمة اللاشعور الذي يبثه في شرقيات تشابكت معها الأطر المتوارثة في هذا الفن المحاكي للدمشقيات إن صح لي قول ذلك أو الثقافات الإنسانية في العودة إلى الأصول المتخفيّة.
إن دراسة الحركة في أعماله هي رؤية ذات منحى ينبع بشكل سري من فكره التأملي. إذ يتحدى بذلك مقاصده التشكيلية ليخلق نوعاً من الفن يجمع بين ما هو متداول في الفن الزخرفي والمنمنمات كالدمشقية منها والأخرى المغربية والتي تنتمي لشعوب أخرى. فهل يكشف جبران طرزي عن قيمة التراثيات القديمة في الفن وقوة معانيها؟ تتوازن الأشكال مع الألوان بشيء من الدقة لتتوافق بصرياً مع الخوارزميات التي يرصدها، لترتكز من الناحية الموضوعية للوصول إلى المثالية البصرية عبر أساسيات هذا الفن وحكمه الجمالي المبني على عقلانية ذات انطباعات غايتها الوصول إلى طبيعة الأشياء في الكون واللانهائيات التي تعيد نفسها وترتبط ببعضها البعض بعيداً عن الوصول إلى معادلة محددة ،فمعادلات الأشكال تختلف بين كبير وصغير بأحجام ترتبط باللون الذي يختاره في كل عمل فني له مستسلماً للإلهام في خلق التفاصيل ما بين الداخلي والخارجي والضيق والمتسع والهدف الأساسي هو الشعور بالراحة البصرية كي يستثير العقل ويزيد من التفكر في كل شيء من حولنا .تتطلب هذه الصناديق والمرايا الكثير من السمات التي ينبلج عنها انطباعات تحتكم على أسس جيومترية، بالقدر نفسه في الترتيب اللوني المتماثل مع الذوق وبمهارات خطط لها حسابياً مع الاحتفاظ بقيمة الذوق والبراعة في خلق الأشكال المختلفة في كل عمل فني انبثقت عنه توازنات تؤكد على قوة الخلق والجرأة في الاستكشاف وتزويد الشكل الأكثر تأثيراً على الحس بشيفرة فطرية، كأنها جينوم موروث متنوع العلاقات ومرتبط بالأسس التي يتولد منها كل شكل يشتق عن سواه يتنافر معه أو يتوافق معه. فهل يمثل كل ذلك وظيفة ثانوية لهذا النوع من الفن؟ أم أن الإدراك لقضايا هذا الفن هو الشيء الأساسي لمعرفة الأشياء من حولنا؟ يرتكز الحكم الذاتي على جماليات حاسمة في البدايات والنهايات، كاستجابات للحس أو بمعنى آخر كل ما يسمح للاشتقاق والتمايز الديناميكي الميال إلى التجريد والإيحاء بالطبيعة البشرية في الكون على عكس المادة وصفاتها الجمالية ليقود البصر إلى فهم عملية التطور الذهنية ومتطلباتها على نطاق واسع وجذب الحواس إلى المعنى المدرك لنمو الأشكال اللانهائية على نطاق واسع، فكل شكل من الأشكال في أعماله يقود إلى التجدد والتطور في السلوك الجمالي الذي تتميز به مخيلته ودورها الحاسم في جذب الانتباه نحو الأسس التي ينطلق منها في كل عمل تميز بالكفاءة الجمالية، وبالتوازن البصري وبطابع جاد وعميق في الفن المتأصل والمتنوع من حيث الخطوط والألوان والتجريد الهندسي في الأعمال المرصعة الأخرى. طراز شرقي متعدد الرؤى. إن في الميزة العقلانية أو في الهيكلية التطبيقية التي أنتهجها في أعماله التي تسمح للخيال الاستشراقي الدخول في عوالم شرقية قديمة تمت تحديثها في هذه الأعمال التي تقود الحس للمعرفة بهذا النمط الفني الذي يتطلب مقدرة في التوليف والتبسيط وإيلاء المزيد من الانبثاقات الفنية المتداخلة والمتشابكة عبر تفاعلات تحتاج للتأمل من أكثر من زاوية. فالفنان المبدع هو الذي يدرك المبنى الفعلي للعمل الفني الخاص به واتجاهاته البصرية ومؤثراتها على قيمة الانسجام المادي مع مدركاته الحسية وهذه هي بوصلة جبران طرزي. فالبناء البصري في أعماله يلعب دوراً مهما في إعادة إنتاج الأشكال الأخرى بمعنى كل عمل فني يتولد عنه عمل فني آخر. مما يزيد من استثارة الحس الجمالي عن طريق البحث عن فكرة التوازن في أعماله والغنى بالمفردات المختلفة من تماثل وتناظر وتضاد وما إلى ذلك. فهل البيئة الثقافية أو الفنية أو الجمالية في البلاد التي عاش فيها كالمغرب ولبنان هي التي طبعت كل هذا التوازن في أعماله.
تتلاءم المساحات مع تكوين الألوان وتتأثر الأطر بمدى جاذبية كل شكل ولون يبدأ منه وينتهي بتمثيل فضاءات متخيلة على شكل زركشات أو الفن المشرقي أو حتى التجريد النسبي في مفهوم المناظر الطبيعية وإسقاطاتها على هذا الفن (التعرشات، الزركشات، التطعيم، الحفر، النافر، الغائر) ومفرداته المرئية ما بين خطوط القوة ونوعية الخشب في الأعمال المشرقية أو اللون في اللوحات التشكيلية. فهو يخاطب الشكل على أساس البصر وذلك بتفعيل الأشكال في الصناديق تحديداً وفي المرايا بنوع خاص. فالتحليل البصري يختلف من حيث التصميم والإدراك لقيمة كل عمل من أعمال الفنان جبران طرزي سواء علاقته بالمكان أو بمفهوم آخر بالشرقيات التي يخاطب بها نفسه كمنتمي للمشرق العربي ولمفهوم التجريد عبر معادلة اللانهاية وعلاقتها بالشكل وتطوراته ضمن جينات هذا الفن الذي ينتمي له طرزي دون أن ينفصل عن محورية التوازن مع المناظر الطبيعية التي يحولها إلى أشكال تحرر نفسها من الطبيعة البشرية وتتحول إلى كيان بصري متوازن في أعماله
. فهل خصص للزخارف نوعا من المرايا أو الصناديق، لتكون بمثابة جدليات قائمة على أساس التناقضات بين الخطوط أم التوازن بين الفارغ والممتلئ؟ تخضع عملية الإبداع الطرزية إلى قوة الارتباط المشرقي والمفهوم في تجريد الأشكال وجعلها ضمن حلقة تواصلية تجريدية لا تنتهي رغم دورانها في فلك التمثلات البصرية الجاذبة للتفكر في كل شيء حولنا. فكل الأشكال في أعمال طرزي تتصل بالمركز أو بنقطة البداية التي تعزز النهج الفني في أعماله واتزانه على الرغم من التضاد والتناقض إلا أنه يبحث عن التكامل بين العناصر في الحياة وبالتالي ترك هذا المفهوم في أعماله التي أخذت منه الكثير من الوقت والجهد. لتكون بمثابة معادلات بصرية معززاً بالأثر ما بين لوحات وصناديق وأشياء أخرى. فهل تقسيم المساحات تعتمد على نهج متعدد المستويات وبنسبية مدروسة حسابياً وضمن تفاعلات الأشكال مع بعضها البعض ليضع كل خط في مكانه في المناسب، وبصرامة لها قوتها الفنية لتثبت أن لكل شكل استقلاليته وفي الوقت نفسه مرتبط بالمحور المفعم بالحيوية. فهل لكل شكل يبتكره مساحته الإبداعية بوصفه شكلا إبداعياً متميزاً من حيث إسقاطات المعنى الفني على ما هو رياضي أو جيومتري؟
نمط هندسي بروح مشرقية كنسج عرقي يؤدي إلى الفهم لتقاطعات الفنون البصرية وحكمتها القديمة في عالم الهندسة التجريدية التي تتمتع أشكالها بقوة جمالية في تركيباتها الغامضة التي تسمح لك تخيلياً فككتها وإعادة تركيب أو ترتيب أشكالها المرتبطة باللون بتأثيرات متنوعة تفتح أمامنا استكشاف قيمة الهندسة وعمق فهمها لمبادئ الحياة على الرغم من أنها من الفنون التي يمكن القول عنها ليست بالجديدة، إلا أنها تكشف عن قيمة العلاقات مع الآخرين، وكأن جبران طرزي يفكّر بالرسم بسر العلاقات بين الأشكال الهندسية ومعنى الوجود وارتباطها بالثقافات المختلفة .إذ يحتفظ بكنه كل عمل بالمعنى المخفي للشكل الهندسي الذي يبتكره بسبب ارتباطه بروحية اللون والضوء أو بشكل أوسع بما هو متسع وضيق وبتحليل أوسع بمفهوم الروحانيات والكونيات ، وغالبا ما يؤدي ذلك إلى فتح المخيلة على الأبعاد والأنماط مما يؤدي إلى التأمل العميق في كل شكل يتولد عنه شكلا آخر .يوزع الفنان جبران طرزي لتمثيل الخطوط والحركة المرتبطة بعلوم الحياة والهندسة، والتي يسعى من خلالها إلى خلق رمزية تؤدي إلى الاستقرار والتوازن والتي تمثل في أبعادها البصرية الاتجاهات الأساسية الأربعة مع الاهتمام بالأضلاع المتساوية بعيداً عن الدائرة واهتمامه فيها الذي يُشكل نوعاً من بث المعاني المتعددة التحليلات كإنشاء هياكل متوازنة بصرياً، لتستقر الدوائر وهي تمثل نوعا من استمرارية الحياة بأشكال مختلفة. إلا أن كل ذلك يرمز إلى الانتقال من حال إلى حال وعبر الدورات الكونية بجمالياتها كافة. لهذا نجد الدوائر في هذا العمل هي كواكب مرتبطة بدورات الحياة وعلم الحساب عبر الأنماط الهندسية المنسجمة والمتوازنة. فهل أراد طرزي الوحدة والانسجام في أعماله لتكتمل معاني اللانهاية والخلود في الكمال الكوني.؟ أم هي محاكاة هندسية أكثر تعقيداً في أعمال فنية تتوازن بصرياً لترابطها مع فكرة الكون والخلق والوجود وفلسفة الحياة؟ تتمحور أعمال جبران طرزي على التوازن البصري عبر الإحساس القوي لما تنجذب له العين، ويثير ما يترتب عليه معنى الحركة عبر الخط واللون واختلافاتهما تبعا للمقارنات بينهما في الفروق الدقيقة والإيقاعات المقترنة بتدرجات الخامة ولونها التي يختارها في الصناديق أو المرايا أو حتى اللوحات وبتوصيف ضوئي مفتوح على الأبعاد وقدرته على إتقان لعبة التوازن بين (المربعات والمثلثات والدوائر أو الخطوط غير الهندسية) ولكل منها رؤيتها أو الأحرى خصائصها لإثارة الحس الفني والجمالي. فهل سلسلة الرسوم والنقوش أو حتى الزخرفات الهندسية والتجريدية بمثابة هندسيات مشرقية قابلة للتحديث بشكل تلقائي؟ أم أن زخارفه تنضح بالتناقضات المتزامنة مع التوازن البصري.
ضحى عبد الرؤوف المل - كاتبة وصحفية لبنانية، لها إصدارات في الرواية والنقد. تعمل حالياً محررة ثقافية في جريدة اللواء.