لم يعد علم السياسة، علماً متاحاً للخاصة من الناس، وانما بات علماً فاعلاً وعلى تماس مباشر بحياة الناس، بوصفه حاجة ملحة في تيسير الامور وتنظيمها ورسم خطط من اجل تطوير وتفعيل ارادة الحاضر والمستقبل.
من هنا كانت السياسة، لا تقتصر على السياسيين والحزبيين وخريجي الجامعة - وان كانوا الاكثر خبرة ودراية بها - وانما أصبح الحديث عن ابسط مستلزمات الحياة يعني سياسة، فالحديث عن التربية والتعليم، لا بد ان يخضع لبرنامج سياسي، والاستجابة لمطالب الشغيلة في تظاهراتهم.. سياسة، والانتباه الى الازمات المحيطة بنا من أمن وسلامة الناس، وعيشهم الرغيد بعيداً عن الجهل والمرض والفاقة والبطالة.. كلها ممارسات سياسية.
الا ان هذه السياسة، لا يمكن ان تشكل حضورها ومنطقها وفاعليتها، ما لم تكن قائمة على خبرة ودراية وفهم.
وفي محيطنا الثقافي، لا نجد مثل هذه الخبرات التي يمكن ان تسهم في اغناء الحياة الثقافية، وبالتالي تكون عاجزة عن التخطيط للمستقبل.
هناك بطالة ممتدة في وزارة الثقافة والسياحة والآثار، بطالة طاغية في جميع دوائرها، حتى ان قسماً من هذه الدوائر لا تشكل اهمية لا في حضورها ولا في غيابها.. وباتت عاجزة عن توفير ماء وكهرباء لمنتسبيها العاطلين عن العمل.
وربما تكون دار الشؤون الثقافية هي الدائرة الوحيدة النشطة في وزارة الثقافة بإصدارها عدداً من الكتب والمجلات، إلا انها لا تعمل على وفق سياسة تقوم على تقديم كتاب نوعي استثنائي ومجلات شهرية منتظمة في صدورها وطبيعة وأهمية محتوياتها.
وباستثناء اتحاد الادباء والكتاب في العراق، الذي تحول الى ورشة عمل نشطة في اصدار الكتب والمجلات واقامة الانشطة والمهرجانات المختلفة.. لا نجد نشاطات فاعلة واساسية للمنظمات الاخرى.
وعلى المستوى الفردي نجد ان مجلة (الاديب الثقافية) التي تصدر في بابل، هي الاكثر تفرداً في خطابها وانتظام صدورها والجهد المبذول من اجل اصدارها بانتظام وبجهد يتطلب الرعاية والانتباه، وكذلك مجلة (سومر السينمائي) التي تصدر شهرياً بجهدٍ فردي كذلك.
ان هذه السياسة الثقافية الغائبة في مؤسساتنا ومؤسسات المجتمع المدني، لا بد ان تخطط وتنظم طبيعة عملها على المستوى الراهن والمستقبل.. بحيث تغطي مساحة جادة ورصينة من الخطاب الثقافي الوطني والتقدمي المطلوب لتنوير الناس.. وبعكس ذلك ستبقى (حياتنا) الثقافية بلا حياة اصلاً وبلا سياسة تناط بها ارادة العطاء المعرفي والابداعي المنشود.