كانون1/ديسمبر 05
   
    تمر هذه الأيام الذكرى الخامسة لانطلاق انتفاضة تشرين المجيدة في عام 2019، التي جاءت لتتوج سلسلة من الاحتجاجات والتظاهرات والاعتصامات والوقفات والإضرابات خصوصا منذ عام 2011، ولتشكل علامة مضيئة فارقة في تاريخ العراق المعاصر. وقد تراكمت أسبابُها ونمت منذ أن جرى بناء العملية السياسية بعد سقوط النظام عام 2003 على نهج المحاصصة الطائفية –الإثنية، وعلى مفهوم المكونات بدل المواطنة. لذلك كان شعار الانتفاضة الرئيس "نريد وطن".  وفي ظل غياب مشروع وطني لبناء دولة مدنية ديمقراطية عصرية. ونتيجة لهذا النهج أصبحت الدولة غنيمة تتقاسمها الأحزاب والكتل المتنفذة التي أوغلت دون رادع في ممارسة الفساد المالي والإداري لتعزيز مواقعها الاقتصادية والسياسية وخلق ركائز زبائنية لها، ليصبح الفساد وشبكاته متفشيا في مفاصل الدولة، وليحتل العراق مرتبة متقدمة في الفساد بحسب تصنيف منظمة الشفافية الدولية، ولتصبح الانتخابات مجرد وسيلة للوصول إلى السلطة، وبعيدة كل البُعد عن صلتها بفلسفة الديمقراطية الحقيقية ومبادئها واشتراطاتها القائمة على المؤسسات الدستورية والقانونية واستقلال القضاء وحصر السلاح بيد الدولة وإعلاء قيم الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية.
    وبدلاً من ان تعي هذه الأحزاب والكتل دروس الانتفاضة البليغة وعبرها، وتستخلص منها ما يعمل على تقليص أسبابها على الأقل، نراها تسير على النهج ذاته الذي أسهم على نحو رئيس في خلق عوامل تفجر الانتفاضة وتوسعها. لذلك لا غرابة أن تستمر التظاهرات والاحتجاجات والوقفات وآخرها ما حدث في ذي قار ومحافظات أخرى، حيث مورس القمع المفرط ضد المتظاهرين السلميين الذين يطالبون بحقوقهم التي كفلها الدستور. دون شك، ستستمر التظاهرات والاحتجاجات، لأن جذوة انتفاضة تشرين لن تنطفئ والتي يمكن أن تتحول إلى انتفاضة عارمة؛ لأن أسبابها ما زالت قائمة وكامنة في نهج النظام السياسي المحاصصاتي الذي لم يتبن أي خطط تنموية اقتصادية - اجتماعية ملموسة لتطوير البلد وبناء اقتصاد انتاجي حديث ومتنوع، على الرغم من ارتفاع واردات العراق من النفط، بل بقي الاقتصاد هشاً ومعرضاً للاهتزاز والأزمات لأنه يعتمد على مورد واحد متمثّلا بالنفط. لذلك نرى ارتفاع معدلات البطالة والحرمان والفقر وتردي الخدمات التعليمية والصحية وهشاشة البنى التحتية.
      وعلى الرغم من مرور خمس سنوات على الانتفاضة التي تعمدت بدماء مئات الشهداء وآلاف الجرحى، فإن القانون لم يأخذ مجراه، ولم يتم الكشف عن القتلة الحقيقيين وتقديمهم إلى القضاء لينالوا جزاءهم العادل على ما اقترفوه بحق المتظاهرين العزل. على الرغم من الوعود وتشكيل لجنة لهذا الغرض، وهذه ببساطه عملية تمويه للحقائق، فالقتلة ومن أمرهم بالقتل معروفون جيدا، ولكن يجري التستر عليهم لأنهم جزء من المنظومة الحاكمة، بل الأدهى من ذلك يجري اطلاق سلاح من تم القاء القبض عليهم لتورطهم بالقتل تحت ذريعة عدم كفاية الأدلة!
 
استمرار محاولات تعديل قانون الأحول الشخصية رقم 188 لعام 1959
      ما زالت الأحزاب والكتل ذاتها تحاول المرة تلو الأخرى تمرير مشروع قانون يتضمن تعديلات على قانون الأحول الشخصية رقم 188 لعام 1959، إذ جرت القراءة الثانية له في مجلس النواب، علما أن هذه التعديلات ذات صبغة طائفية، وإذا ما تمت ستسهم بالتأكيد في إضعاف نسيج المجتمع العراقي وهويته وسلب الحقوق التي حصلت عليها المرأة العراقية طوال العقود الماضية، وستضر بحقوق الطفولة. الغريب، تجري هذه المحاولات على الرغم من الرفض الواسع لهذه التعديلات من قبل المنظمات النسائية والحقوقية والمدنية والدولية، وتحاول الكتل المتنفذة بهذه الطريقة فرض الإرادات من خلال الاتفاق على صفقات تخادمية مع أحزاب وكتل اخرى لتمرير قوانين معينة. كل هذا يجري بعيدا عن مصلحة المواطنين في سن قوانين ملحة تصب في مصلحتهم اجتماعيا واقتصاديا وأمنيا. ونظرا لخطورة هذه التعديلات وإسهاما في تحليل توجهاتها ونتائجها الاجتماعية الضارة ننشر في هذا العدد ملفا خاصا يعالج ذلك.
 
محاولات للتضيق على حرية الصحافة
    طالما طالب الصحفيون بإصدار قانون ينظم حرية الوصول للمعلومة من المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، لغرض الاستفادة منها في إعداد التقارير الصحفية التي تسهم في كشف ملفات الفساد والإهمال والتلكؤ في تنفيذ المشاريع المختلفة، وحتى لا يتعرضون للمتابعات القضائية والاعتقالات الاعتباطية والخطف والقتل، وقد دفعوا أثمانا غالية وما زالوا نتيجة قيامهم بعملهم الصحفي. لكن الأحزاب والكتل المتنفذة تريد تمرير قانون في مجلس النواب يخنق حرية التعبير، ويكون وسيلة لإضعاف العمل الصحفي وملاحقة القائمين عليه، لمجرد نشرهم ما لا يروق لهذه الأحزاب والكتل، ويتعارض مع مصالحها الفئوية الضيقة.
مجدا وخلودا لمن يصنعون التاريخ، مجدا وخلودا لشهداء انتفاضة تشرين المجيدة