من المعروف ان كلا من النظرية الكلاسيكية والنيوكلاسيكية قد عجزتا عن تقديم تفسير متكامل ومنسجم داخلياً لواقع التبادل التجاري الدولي. ونقطة ضعف تلك النظريات تتمثل في أنها تصف شروط التبادل التجاري الدولي في لحظة معينة، لكنها لا تسمح، بحكم منهجها، بالمفاضلة بين التخصص بناءً على الميزة النسبية في لحظة معينة وبين التنمية، أي خلق ميزات نسبية جديدة. إن هذه النظريات لا يمكنها أن تفسر الحقيقتين الأساسيتين اللتين تميزان الطريقة التي بها تطورت التجارة الدولية في إطار النظام الرأسمالي العالمي، وهما تطور التجارة الدولية بين الدول المتطورة بمعدل أسرع من تطورها بين الدول المتقدمة والدول المتخلفة، والأشكال التي اتخذها التخصص في الدول "المتخلفة"(1).
وقد أدى تصاعد وتعمق التفاوتات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الى تعميق المشاكل التي طغت على صعيد الواقع الاجتماعي لبلدان "العالم الثالث" ما تطلب معالجة تحليلية ونظرية، تتجاوز التحليلات السابقة. وإزاء الحاجة الى تنظير تجريدي لهذا الواقع الملموس، وفي ظل قصور التنظيرات الكلاسيكية والنيوكلاسيكية حاول الفكر الماركسي أن يجتهد لسد هذه الثغرة، على الصعيد النظري والمنهجي، على حدٍ سواء.
ورغم أهمية التنظيرات والتحليلات الصادرة من ماركس حول الاستعمار، وتجريداته العميقة لعمليات التبادل اللامتكافئ، ورغم إسهامات المنظرين الآخرين (أمثال لينين، نيكولاي بوخارين، روزا لوكسمبرغ والرواد المحدثين بول باران، بول سويزي وموريس دوب)، نقول برغم كل تلك الإسهامات يبدو أن الفراغ الذي خلفه ماركس بعدم إتمام عمله (في السوق الدولي والتجارة الخارجية) قد أغرى العديد من الباحثين ونقاد ماركس بالتصريح بعدم وجود نظرية ماركسية مكتملة للعلاقات الاقتصادية الدولية. وللإجابة على سؤال حول وجود، أو عدم وجود نظرية ماركسية مكتملة للعلاقات الاقتصادية الدولية تستطيع تفسير التبادل التجاري الدولي وتكشف مضمونه الحقيقي، لا بد من متابعة التطور التاريخي للتنظيرات الماركسية في هذا المجال. ولإنجاز هذه المهمة لابد من القيام بمحاولة التعرف على التنظيرات المختلفة، ولكن المجال هنا لا يتسع لذلك لذا سنركز على مساهمة المفكر الاقتصادي المصري الراحل سمير أمين في هذا المجال، دون أن يعني ذلك التقليل من أهمية مساهمات الرواد والمحدثين الآخرين.
وبداية، إذا قمنا بتأويل مبكر للتنظيرات الماركسية المختلفة بصدد التبادل التجاري الدولي يمكننا أن نبلور المضامين العامة لهذه التنظيرات على هيئة أسئلة طرحتها على نفسها وسعت للإجابة عليها، ومن بين تلك الأسئلة (2):
- هل توجد لا مساواة منتظمة في التبادل الدولي؟
- وإذا وجدت فكيف يفسر ويحدد التبادل اللامتكافئ؟
- ما هي الأسس التي ترتكز إليها اللامساواة في التبادل الدولي وما هي أسبابها الجوهرية؟
- ما هو الموقع الذي يحتله التبادل اللامتكافئ الدولي في نظام الاستغلال الإمبريالي وفي الآلية اللامتنافرة، اللا تعديلية للاقتصاد الرأسمالي العالمي؟
- ما هي الآثار التي تركها ويتركها التبادل اللامتكافئ؟
- كيف يمكن إزالة التبادل اللامتكافئ (أو الحد منه، على أقل تقدير)؟
- ما هي الاستنتاجات التي يمكن استخلاصها من لا مساواة التبادل بالنسبة للصراع وتضارب المصالح على الصعيد العالمي؟
ولا بد من الإشارة الى ان الهم النظري لسمير أمين واسع جدا يجمع بين المادية التاريخية والاقتصاد السياسي والعلاقات الاقتصادية الدولية، ولهذا يبدو من الصعب التمكن من عرض تنظيرات سمير أمين هنا لأن ذلك عمل يتخطى حدود هذا المقال. ما أريد الإشارة إليه هنا هو انه بغض النظر عن هذا التنوع فإنه يمكن حصر الإشكاليات النظرية لسمير أمين في ما يتعلق بالقضايا التي يعالجها هذا المقال على هيئة أسئلة عديدة من بينها:
- ما هي مكونات التشكيلات الاجتماعية ما قبل الرأسمالية (غير الأوربية) قبل حدوث التصادم مع نمط الإنتاج الرأسمالي؟
- كيف تحولت هذه التشكيلات، بتأثير هذا التصادم، الى تشكيلات اجتماعية – اقتصادية رأسمالية محيطية، وما هي الآليات التي تتكفل بعملية التحول؟
- كيفية وقوع التبادل المتكافئ على هذه التشكيلات ما قبل الرأسمالية التي أضحت محيطية، ثم ما هي الآلية (أو الآليات) التي تقع عليها مسؤولية نقل القيم من محيط النظام الى مركزه؟
- كيف يفضي التبادل اللامتكافئ، الى تخصص دولي غير متكافئ، وتطور غير متكافئ؟
- ما هي آفاق "التطور"، وهل هناك من حلول واقعية في إطار هذا النمط من التطور؟
ومن المفيد الإشارة الى أن من المساهمات المهمة في السجال بشأن نظرية التبادل اللامتكافئ لأرغيري إيمانويل هو ما قام به سمير أمين من جهد في هذا المجال (3). وتكمن أهمية مساهمته النقدية هذه في انه لا يحصر نقده في عناصر معينة من نظرية إيمانويل وبعض استنتاجاتها النهائية، بل انه يغوص في عمق إشكالياتها الكبرى وجذورها النظرية، وما تضمنته من نواقص – بحسب سمير أمين - على المستوى المفاهيمي وخصوصا في إساءة فهم جوهر نمط الإنتاج وقانون القيمة من طرف ايمانويل. والى جانب نقده لإيمانويل فإن سمير أمين، من الناحية الأخرى، لا يحافظ على مفهوم التبادل اللامتكافئ بمعاملته كصيغة لأنواع متعددة من الاستغلال فحسب، بل وينيط بهذا المفهوم، في تفسير مغاير وفي سياق مختلف بمضمون مختلف، دوراً مركزياً في نظريته حول الإمبريالية.
إشكالية سمير أمين
في كتابه " التبادل غير المتكافئ وقانون القيمة " يحدد سمير أمين مهمته النظرية في " محاولة فهم مغزى سيطرة نمط الإنتاج الرأسمالي على الأنماط الإنتاجية الأخرى، وعلى استخلاص الاستنتاجات المتعلقة بخصوصية التراكم من المركز الى المحيط " (4). ينطلق سمير أمين، كإيمانويل، من توجيه الانتقادات الى نظرية التكاليف النسبية، مؤكداً في تحليلاته النظرية على أن موضوع سيطرة نمط الإنتاج الرأسمالي على الأنماط الأخرى إنما يقع على عاتق القيم الدولية، وبعبارة أخرى على عاتق التبادل اللامتكافئ. هنا يعترف سمير أمين بوجود عملية السيطرة إلاّ أن المنظار الوحيد الذي يجبر على التمسك به لفهم هذه السيطرة واستخلاص نتائجها من تخصص غير متكافئ وتطور متفاوت هو بالضبط التبادل اللامتكافئ.
يؤكد سمير أمين أن الإنجاز الحاسم لإيمانويل هو تشخيصه التجريدي للنظام الدولي واعتباره منظومة رأسمالية عالمية. إن المسألة الحقيقية، بحسب سمير أمين، هي مسألة القيم الدولية التي ما هي " إلاّ سيطرة نمط الإنتاج الرأسمالي على الآخرين وهي أيضاً خصوصية نمط الإنتاج المحيطي بالنسبة للمركزي" (5). وعليه يمكن القول إن عمل سمير أمين يبدأ من حيث انتهى إيمانويل، مشيرا الى ما يأتي: " نحن مدينون لأرغيري إيمانويل .....، بالصياغة الأولى الإجمالية لهذه المشكلة، وهذه الصياغة نأخذها من جديد لنضيف عليها ونكملها في بعض الجوانب " (6). يقول سمير أمين أن النظام الرأسمالي العالمي ليس متجانساً ولا يمكن أن نسميه بنمط الإنتاج الرأسمالي. ولهذا فإنه يعارض كل تفسيرات التبادل اللامتكافئ التي لا تعتبر النظام العالمي والساحة الدولية للصراع الطبقي هما الوحدة الأولية للتحليل والعمل. ولهذا فسمير أمين لا يرفض فقط الآراء التي تفصل ظواهر التبادل السطحية، أي علاقات التبادل والتوزيع، عن عملية وعلاقات الإنتاج، بل ويرفض ما يسميه "السياسوية" نظير "الاقتصادوية" في علم السياسة، أي تفسير العلاقات الاقتصادية – الاجتماعية على أنها علاقات سياسية أو مؤسسية بحتة دونما أي أساس موضوعي، على أنها تعبير عن توزع القوة التساومية (7).
إن رأس المال المحلي غير مجبر على الهجرة نتيجة تقلص أو نقص المنافسة على مستوى المركز، بل انه يهاجر نحو بلدان المحيط وذلك متى توفرت له الإمكانية للحصول على أعلى معدل للربح. ولهذا نحن امام نموذجين: نموذج محيطي ونموذج مركزي. إن الأجر، حسب سمير أمين، يكون في "بلدان المركز" تكلفة ودخل في الوقت نفسه أما في "بلدان المحيط" فتكون تكلفة وذلك لأن الطلب ينبثق فقط من الخارج.
إن التناقض الأساسي في البلدان الرأسمالية ومن ثم في إطار النظام الرأسمالي العالمي هو نفسه الذي يواجه البرجوازية، غير أن المشكل هذا هو فقط انتقاله من " المركز " الى "المحيط". وهكذا فإن أحجام فائض القيمة المتمركز لصالح احتكارات البلدان الإمبريالية تتزايد من مرحلة لأخرى بصورة مطلقة أو نسبية. ومعنى هذا أن تلك الأحجام تأتي بصورة مباشرة من استغلال شعوب المحيط بصفة مباشرة من طرف شعوب بلدان المركز. وهكذا يرى سمير أمين إن عدم التكافؤ في التبادل موجود حتى في حالة تساوي الإنتاجيات. حيث يلاحظ أن العمل يدفع له اجر منخفض في بلدان المحيط ومرتفع في بلدان المركز رغم أن هناك نفس المستوى من الإنتاجية. وهنا يتساءل سمير أمين عن " الأسباب " التي تجعل الأجور غير متكافئة رغم تماثل الإنتاجيات؟ يجيب سمير أمين على هذا السؤال بالتأكيد على أن الأمر متعلق بـ " طبيعة التشكيلات الاجتماعية – الاقتصادية للرأسمالية المركزية وللرأسمالية الطرفية الراهنة " (8). وخلاصة القول – حسب سمير أمين – انه مهما كانت درجة التقدم في البلدان النامية فإننا نستطيع القول بأن نقل القيمة لصالح " بلدان المركز " كبيراً جداً في الحجم ويفسر فرملة (كبح) النمو الاقتصادي في " بلدان المحيط " ويفسر أيضاً الفجوة المتزايدة بين " بلدان المحيط " و " بلدان المركز "، وإن ظاهرة السيطرة هي التي يمكن أن تفسر لنا هذا الوضع. ورغم أهمية هذه الملاحظة إلا انه يمكن أن يفهم منها أنها تفسر النظام العالمي من خلال علاقات التبادل الدولي، وهذا لن يكون كافيا ما لم يمتد التحليل الى جوهر القضية، أي الى علاقات الإنتاج الدولية والعنصر المقرر فيها علاقات الملكية الرأسمالية الدولية، التي تحدد العلاقات الأخرى. وطبيعي أن الاستغلال اللامتساوي والتبادل اللامتكافئ الذي ينتج عنه يفرض اللامساواة في التقسيم الدولي للعمل، ذلك أنه يشوه بنية الطلب، مسرّعا التراكم المتمحور حول الذات "Autocentre" في المركز، كابحا التراكم التابع في المحيط. وبحسب سمير أمين فان "الاستغلال اللامتساوي يعيد إذا إنتاج شروط التطور اللامتكافئ. وهو يوضح أن الدول المتخلفة هي كذلك لأنها مستغَلة بشكل زائد surexploite وليس لأنها متأخرة (وإذا هي قد كانت فعلياً متأخرة، فان ذلك أتاح استغلالها بشكل زائد)" (9).
أعمدة البناء النظري لنظرية سمير أمين بصدد التبادل اللامتكافئ
تقوم المساهمة النظرية لسمير أمين على الإجابة على سؤال محوري يتعلق بكيفية حدوث التبادل اللامتكافئ وأثره على التشكيلات المحيطية، وما هي الآلية التي تتكفل بنقل القيم من المحيط الى المركز؟ وقبل مباشرة الإجابة على هذا السؤال يقوم سمير أمين بمباشرة التفكير النظري في آليات تشكل وانخراط "التشكيلات الاجتماعية المحيطية" ضمن المنظومة الرأسمالية العالمية بعد أن تم "عدوان" نمط الإنتاج الرأسمالي عليها من الخارج، هذه الآليات ثلاث وهي (10):
- آليات تكوّن الرأسمالية المحيطية نتيجة ولادة العلاقات السلعية.
- آليات تكوّن الرأسمالية المحيطية من خلال عمليات التجارة الخارجية (الاستعمارية).
- آليات تكوّن الرأسمالية المحيطية انطلاقا من عمليات الاستثمار الأجنبي.
وبعد تحديد هذه الآليات، يرتقي سمير أمين، في تجريداته النظرية لهذه الإشكالية، الى تحليل العلاقات بين التشكيلات الاجتماعية الرأسمالية المتقدمة (المركز) والتشكيلات الاجتماعية المحيطية (الاطراف). وبحسب رؤيته فإن هذه العلاقات تسفر عن تدفق في تحويلات القيم في اتجاه المجموعة الأولى (بلدان المركز)، وذلك بسبب سيطرة نمط الإنتاج الرأسمالي.
وكمدخل لمسعاه للإجابة على السؤال المذكور أعلاه يصوغ سمير أمين تعريفه العام للتبادل اللامتكافئ قائلاً بأنه تلك " الظاهرة المحدِدة للنظام الرأسمالي العالمي" بحيث يصبح على جميع الحالات التي تكون فيها "الفوارق في الأجور في إنتاج البضائع المتبادلة أكبر من الفوارق في الإنتاجية بصرف النظر عن نمط إنتاج الأطراف المشاركة في التبادل والقيمة الاستعمالية لمنتجاتها" (11). يميل سمير أمين، إذن، الى تأكيد لا مساواة التبادل على أساس فوارق مطلقة في الأجور بين محيط النظام الرأسمالي ومركزه وليس فوارق نسبية، أي إغفال الفوارق الفعلية في الإنتاجية. إن هذا التفاوت هو المدخل لدى سمير أمين لتفسير هيمنة النمط الرأسمالي المركزي على الأنماط المحيطية – بحسب تعابير سمير أمين -، وهو الذي يتم بموجبه تحليل عملية التبادل اللامتكافئ والتطور اللامتكافئ. إن القضية المفتاحية عند سمير أمين بشأن هذه القضايا نجدها في العبارة التالية التي يؤكد فيها " أن اللاتساوي في الأجور القائم لأسباب تاريخية (اختلاف التشكيلات الاجتماعية) يقيم تخصصاً كما يقيم نظام أسعار عالمية يساعد هذا التخصص على الاستمرار"(12).
وفي مسعاه لبناء نظريته ينطلق سمير أمين من مجموعة من الفرضيات صاغها في مجموعة من أعماله (13) وهي:
- سهولة حركة السلع "وسمو القيمة الدولية"، أي الافتراض القائل أن جميع منتجات نمط الإنتاج الرأسمالي هي سلع دولية.
- سهولة حركة رأس المال دولياً وبالتالي تساوي معدل الأرباح دولياً.
- الطبيعة الجامدة دولياً للقوى العاملة، تدفقها المحدود "المقيد".
- المدلول الدولي لتحديد قيمة قوة العمل ومستوى الأجور وضرورة تحليلها على المستوى العالمي وتحقيق التوازن على مستوى النظام العالمي بين قيمة قوة العمل ومستوى تطور القوى المنتجة وواقع قانون تراكم رأس المال الذي يتجلى على مستوى النظام الرأسمالي العالمي.
- الطابع المحدد للسلع المتبادلة بين المركز والأطراف واللافرق في طبيعة القيم الاستعمالية من زاوية التبادل اللامتكافئ.
ومن اجل بلورة إجابة دقيقة، من الناحية النظرية، على أسئلته السابقة، قام سمير أمين بتصعيد تجريداته النظرية لبلورة تصوراته حول إشكالية القيمة ومسألة التحويل. في البدء لا يشير أمين الى الاختلاف بين القيمة وسعر الإنتاج فحسب بل والى العلاقة المتبادلة بينهما. ويلفت الانتباه ليس فقط لتفسير مسألة "تحويل" القيمة بلغة النظرية الاقتصادية " لا بد أن يؤدي الى طرح المسألة بصورة زائفة" (14)، بل وتشير الى إمكانية حل المسألة وطرق ووسائل حلها، ويحدد معالم المعايير التي تشكل، كما يفترض، نوعاً من الحل لعمل نظام التوازن الدينامي.
يقول سمير أمين، تمشياً مع منطق التحليل الماركسي، أن القيمة ليست "مقولة سديمية" ميتافيزيقية لا يمكن حسابها، بل هي مقولة حقيقية ويمكن حسابها وأن لم تكن " تظهر بصورة مباشرة". والقيمة – بخلاف الأسعار – "مستقلة عن توزيع الدخل بين الأجور والأرباح"، ولكن الأسعار يمكن أن تختزل الى قيم بقدر ما يمكن تحديد قيمة قوة العمل. وبالتالي يمكن "تحويل" نظام القيم هذا، ولهذا التحويل "حل رياضي" وإن الشرط الوحيد الذي يستلزمه ذلك هو اختزال الأعمال الملموسة الى عمل مجرد. وهذا ما يؤديه في الواقع التبادل نفسه. فإن كمية العمل الاجتماعي معبراً عنها بالقيمة هي "القاسم المشترك" الوحيد الذي يجعل من الممكن " الربط بين جميع الكميات الاقتصادية (الأسعار والمداخيل)" وبالقدر نفسه "يحدد سمات طور معطى، والتحول من طراز الى آخر في تقدم القوى المنتجة، أو بتعبير آخر أنها "المعيار الحقيقي" الذي يجعل من الممكن تحديد "تطور القوى المنتجة" تحديداً دقيقاً وموضوعياً (15)، وأي معيار آخر سيكون بالضرورة غائياً.
وبما أن القيم يمكن أن تحدّد من الأسعار فإن وجود نظام تجريدي معطى يتسم بأسعاره المطلقة وبالتالي أسعاره النسبية، بأجوره الاسمية وبالتالي أجوره الحقيقية، بمعدل ربحه وعملته، يجعل من الممكن بالمقابل العودة الى نظام القيم الذي ينشأ من هذا النظام. ولكن التوافق بين القيم والأسعار يعني أن القيم التي تخلق في عملية الإنتاج يمكن أن يعاد توزيعها على نحو مغاير. وإن إعادة التوزيع الفعالة هذه (الأسعار) هي تركيب لمحددات متعددة، المحدد الأساسي فيها هو "بنية النظام الإنتاجي (بما في ذلك معدل استغلال العمل)". ومن المحددات الأخرى "تنافس رأس المال" الذي يؤدي الى تسوية معدلات الربح. والمحدد الآخر هو الظروف التاريخية التي "لا تحدد إلاّ عامل التناسب" مؤثرة في اختيار العملية الفعلية. وبناء على ذلك "تنشأ أسعار الإنتاج من تحقيق قانون القيمة من جهة وقانون تزاحم الرساميل من جهة ثانية"(16).
انطلاقاً من أن نمط الإنتاج الرأسمالي، ضمن الإطار الذي يقع فيه، يقوم بالتحكم بالنشاطات المحددة للمشاركين في هذه النشاطات، ولهذا تظهر انتقالية رأس المال (سهولة حركة رأس المال) من خلال الميل لتساوي معدل الربح على الصعيد العالمي، في حين يختلف أجر العمل، من بلد لآخر بحسب الظروف التاريخية الملموسة لكل بلد. يؤدي ذلك كله الى أن يكون تحول القيم الدولية (الوحيدة التي لها معنى) الى أسعار دولية (وهي أيضاً الوحيدة التي لها معنى)، هو ما يتضمن نقل القيمة من دولة معينة الى أخرى. وارتباطاً بحقيقة أن كافة المنتجات هي سلع دولية، فإن نفس الكمية من العمل المبذولة في أماكن مختلفة من العالم، والمتجسدة في هذه المنتجات، تنتج (كمية العمل المبذولة) أيضاً قيمة عالمية موحدة، بالرغم من أن قوة العمل ليست سلعا دولية. ولهذا نرى سمير أمين يتمسك، في تفسيره لتدهور شروط التبادل وتدفق القيم، بفرضية التفاوت في ظل تعويضات قوة العمل (الأجر) بين محيط النظام ومركزه. ولهذا يكتب قائلاً ".... بأنه إذا خلّفت ساعة العمل هنا وهناك نفس القيمة، وإذا كان لقوة العمل هنا قيمة أقل، أي إذا كان الأجر الحقيقي أقل هنا في المحيط من هناك في المركز، فإن معدل فائض القيمة لا بد أن يكون هنا أعلى مما هو هناك، فالسلع التي يشتريها الأجر والتي تشكل المقابل الحقيقي لقيمة قوة العمل، هي في الواقع أيضاً بضائع دولية لها قيم دولية" (17). يمثل هذا التفاوت المدخل لتفسير هيمنة النمط الرأسمالي المركزي على الأنماط الطرفية، وهو الذي يتم بموجبه تحليل عملية التبادل اللامتكافئ والتطور المتفاوت.
وإذا كان سمير أمين يقيم قضاياه في نقل القيمة من المحيط الى المركز على ضوء تفاوت الأجور، فإنه يرفض طرح ايمانويل الذي يعتبر الأجر متغير مستقل للنظام، ويرى أمين أن مثل هذا الطرح ما هو إلاّ تعبير عن منهجية "ميكانيكية" خطية، حيث الكل هو مجموع الأجزاء. كما أنه يرفض في الوقت نفسه اعتبار الأجر متغيراً تابعاً لمستوى الإنتاجية، معتبراً أن هذا التنظير يقع ضمن أدوات التحليل الحدي. يعتقد سمير أمين أن مستوى الأجور يتحدد عبر الديالكتيك الذي ينشأ بين القوى الموضوعية (قوانين التراكم) والقوى الذاتية (صراع الطبقات)، باعتبار أن الأجر يجسد، في نهاية المطاف، عملية بيع قوة العمل. إنه يرى أن عملية البيع هذه تتم بكيفيات مختلفة في التشكيلات المركزية والتشكيلات المحيطية بسبب سيطرة نمط الإنتاج الرأسمالي على الأنماط الأخرى. يرفض سمير أمين الرأي المنبثق من نظرية إيمانويل في أن التناقضات في المصالح قائمة بين "الشمال" و"الجنوب" وتحديداً بين طبقاتها العاملة. يؤكد هنا أن المسؤولية عن ارتفاع الأسعار لا تقع على عاتق العمال لمجرد انهم يرفضون السماح بتعديل أجورهم الى المستوى الأنسب للمنظمين. ويصف ظهور الاحتكارات الدولية العملاقة بأنه السبب النهائي للتبادل اللامتكافئ بأن نجعل من الممكن نشوء فارق في الأجور بين المركز والأطراف ذات الإنتاجية المساوية لإنتاجيته، ولهذا يصبح نقل المداخيل هام بالنسبة لهذه الاحتكارات لأنها المستفيد المباشر منه (18).
ولكن سمير أمين يطرح هنا فكرة مهمة قوامها أن مستوى الأجور وثيق الارتباط بالديالكتيك القائم بين القوى الموضوعية (قوانين التراكم)، والقوى الذاتية (صراع الطبقات)، باعتبار أن الأجر في نهاية المطاف يجسد عملية بيع قوة العمل. انه ينطلق هنا من هذه العملية ويرى أن عملية البيع هذه تتم بكيفيات في التشكيلات المركزية تختلف عما هي عليها في التشكيلات المحيطية.
وانطلاقا من الملاحظات السابقة يبلور سمير أمين التعريف التالي للتبادل اللامتكافئ الذي هو "تبادل لمنتجات في إنتاج يكون فيه الفرق بين الأجور أعلى من الفارق في الإنتاجيات " (19). وبحسب هذا التعريف يصبح الشرط الضروري الوحيد لظهور التبادل اللامتكافئ هو: "إمكانية مقارنة الأجور الحقيقية، أي أن تكون السلع التي يشتريها الأجير بضائع دولية". يسفر هذا التبادل عن تدفق خفي في نقل القيم من المحيط الى المركز، بمعنى أن نفس المنتجات المصدرة من المحيط سوف تحتكم حال خروجها الى الصعيد الدولي على أسعار إنتاج اقل نظرا لفرضية انخفاض الأجور، مما لو أنتجت في بلدان المركز ذات الأجور المرتفعة، وعليه تستفيد بلدان المركز من تجارتها مع دول المحيط من خلال الفرق بين القيم. واستنادا الى هذه المقاربة يرى سمير أمين أن هذا الحجم المحول من القيم "يكفي وحده لتفسير استعصاء نمو المحيط والهوة المتزايدة الاتساع بينه وبين المركز، والمكاسب التي تنجم عن هذا التحويل ليست قليلة الأهمية أيضا، من وجهة نظر المركز الذي يستفيد منها" (20). ولهذا لا يجوز، حسب سمير أمين، التوصل الى الإقرار بوجود معدل قيمة فائضة أعلى في الأطراف، الى الاستنتاج القائل بأن المستفيد من التبادل اللامتكافئ هو الطبقة العاملة في البلدان الرأسمالية المتقدمة. ويصف سمير أمين الرأي القائل بأن الطبقة العاملة تجني تلقائيا منافع من نقل القيمة الفائضة بأنها خرافة. وقاده هذا التحليل الى رفض الرأي الذي تضمنته نظرية ايمانويل وفحواه أن التناقضات في المصالح قائمة بين "الشمال" و"الجنوب" وتحديدا بين طبقاتها العاملة. وهنا يؤكد سمير أمين أن هذا يحرف القضية عن وجهتها الصحيحة وتمنع من تحديد القوى الفعلية التي تتحمل المسؤولية في هذه القضية. إن المسؤولية لا تقع على عاتق العمال لمجرد أنهم "يرفضون السماح بتعديل أجورهم الى المستوى الأنسب للمنظمين" بل إن نقل المداخيل دوليا يعد أمرا هاماً "بصفة خاصة للشركات العملاقة، المستفيد المباشر منه". وقادت هذه الملاحظة سمير أمين الإشارة الى أن ظهور الاحتكارات المتعددة الجنسية في بلدان المركز يعتبر السبب النهائي للتبادل اللامتكافئ ذلك لأنها تجعل من الممكن نشوء فارق بين الأجور في المركز والأطراف ذات الإنتاجية المساوية لإنتاجيته (21). ويمكن الاتفاق مع الأطروحة التي تقول بان "عملية التبادل غير المتكافئ وامتصاص الفائض الاقتصادي للدول المتخلفة ما هو إلاّ مجرد تعبير عن كافة عمليات الاستغلال والسيطرة على البنى الفوقية والتدخلات البنيوية من قبل نمط الإنتاج الرأسمالي الأجنبي في الهياكل التي أضحت متخلفة. إنها مجرد تعبير عن استغلال سياسي واقتصادي لشعب بأكمله"(22).
بعض الملاحظات على مقاربة سمير أمين
على الرغم من أن تنظيرات سمير أمين في التبادل اللامتكافئ والتراكم على الصعيد العالمي والتطور المتفاوت قد دفعت التحليل الاقتصادي الى مستوى أرفع في التجريد يسمح بفهم مغزى سيطرة نمط الإنتاج الرأسمالي المتطور على الأنماط الأخرى وكذلك فهم خصوصيته في كل من المركز والأطراف، بالرغم من كل ذلك يظل التنظير الذي صاغه سمير أمين يثير العديد من الأسئلة التي تظل مفتوحة برسم الإجابة. إن أبرز الملاحظات التي يمكن إثارتها على تنظير سمير أمين تكمن في ما يأتي:
- يهمل تعريف سمير أمين للتبادل اللامتكافئ أساس إنتاج فائض القيمة والاستيلاء عليه ذاته، وهو ملكية رأس المال، ونراه يخلط بين التوزيع الأولي لفائض القيمة المنتجة فعلاً والاستيلاء عليها وبين نتائج إعادة توزيع فائض القيمة المستهدف بالاستيلاء بين الرأسماليين على الساحة الدولية. وقد اعتبر توماس سنتش، وهو على حق، مقاربة سمير أمين هذه بمثابة (خطأ لا يقل فداحة عن البحث عن المساواة الاجتماعية أو الدولية في " مساواة " التبادل) (23).
- إن افتراض سمير أمين بأن للعمل البشري العام والمجرد (أي مجرد من أنواعه الملموسة) قدرة متطابقة نوعياً على توليد القيم هو افتراض صحيح، كما يؤكد سنتش وهو على صواب. غير أن سمير أمين يخلط، شأنه شأن إيمانويل بين القدرة المتطابقة نوعياً على توليد القيم والقدرة على إنتاج قيمة متساوية كذلك. إنه يتجاهل الاختلاف الذي أكد ماركس على وجوده بين العمل المعقد والعمل البسيط، بين العمل الماهر والعمل غير الماهر فيما يتعلق بالقياس الكمي لتوليد القيم. وبعبارة أكثر تبسيطاً، ينسب سمير أمين الى العمل الماهر، العمل المعقد نفس القيمة التي ينسبها الى وحدة واحدة من العمل البشري العام بمؤشرات الكمية أيضاً.
- عدم تركيز سمير أمين على الدور الذي تلعبه الأسعار والقوى الاحتكارية على امتصاص فوائض الدول " المتخلفة ". ومن جهة أخرى دعوته الى قيام البلدان المذكورة بقطع التعامل مع السلع الدولية الآتية من المركز دون القيام بمعالجة كافية لكيفية حدوث هذه القطيعة في ظل تواجد الممارسات السياسية والإيديولوجية التي تحيط بالممارسات الاقتصادية المزاولة على الفوائض الاقتصادية للدول "المتخلفة".
- اعتماد سمير أمين تفسيرا خاصا لوحدة النظام العالمي، تفسيراً يتجاهل شكل علاقات الملكية الرأسمالية الدولية وتوزيع الأدوار في التنظيم الدولي للعمل الاجتماعي، يحدد هذه الوحدة بمجرد وجود علاقات تجارية على الصعيد العالمي ويستنبط عن هذه العلاقات بصورة مباشرة – رغم ما تنطوي عليه علاقات الإنتاج الاجتماعية من تعقد معروف – الطابع العالمي في المقام الأول لكل إنتاج سلعي بوصفه تجلياً لهذه الوحدة (ودليلاً عليها).
- تثير فرضيته بصدد جمود العمل دولياً وسهولة حركته على صعيد الاقتصاد الوطني اعتراضاً حاسماً. فمن المعلوم أن سهولة حركة العمل ليست كاملة في إطار الاقتصاد الوطني، ولا هي من الجهة الثانية غائبة تماماً على الصعيد الدولي. إن أهميتها، كما يشير شارل بتلهايم، أهمية ثانوية فحسب. إنها تظهر في البناء النظري لسمير أمين وكأنها بمثابة "عنصر إزعاج" يفترض أن إدخاله يعود الى أن أمين أيضاً – شأن إيمانويل – يريد البرهنة على أن للاستغلال معدلاً أعلى في الاقتصادات الوطنية.
الهوامش
(1) قارن: سمير أمين، التطور اللامتكافئ - دراسة في التشكيلات الاجتماعية للرأسمالية المحيطية. ترجمة برهان غليون (بيروت: دار الطليعة، 1973)، ص 106 ولاحقا.
(2) لمزيد من التفاصيل حول هذه الإشكاليات قارن: انتوني برور، النظريات الماركسية عن التبعية. " جدل " – كتاب العلوم الاجتماعية، عدد 3/1992، ص 316 ولاحقا ؛ كريستيان بالوا، الاقتصاد الرأسمالي العالمي- المرحلة الاحتكارية والامبريالية الجديدة، ترجمة عادل عبد المهدي (بيروت: دار ابن خلدون، 1978)؛ كذلك: سمير أمين، ما بعد الرأسمالية. مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 1988 ؛ كذلك نيكولاي بوخارين، الإمبريالية والاقتصاد العالمي. ترجمة رجاء أحمد (دمشق: مركز الأبحاث والدراسات الاشتراكية في العالم العربي، 1990).
؛ Frank A. G., Dependent Accumulation and Underdevelopment. Macmillan, London 1978.
(3) للاطلاع بالتفصيل على مواقفه بشأن هذه الإشكالية أنظر: سمير أمين، التطور اللامتكافئ.... مصدر سابق ؛ كذلك: سمير أمين، التراكم على الصعيد العالمي – نقد نظرية التخلف - . ترجمة حسن قبيس (بيروت: دار ابن خلدون، 1978) ؛ كذلك: سمير أمين، قانون القيمة والمادية التاريخية. ترجمة صلاح داغر (بيروت: دار الحداثة، 1981).
(4) انظر: سمير أمين، التبادل غير المتكافئ وقانون القيمة. ترجمة عادل عبد المهدي (بيروت: دار الحقيقة، 1974)، ص 17
(5) انظر: سمير أمين، التبادل غير المتكافئ وقانون القيمة....، مصدر سابق، ص 16.
(6) انظر سمير أمين، التطور اللامتكافئ ...، مصدر سابق، ص 110.
(7) توماس سنتش، نقد نظريات الإقتصاد العالمي. الطبعة الأولى، ترجمة عبد الإله النعيمي (دمشق: مركز الأبحاث والدراسات الاشتراكية في العالم العربي، 1990)، ص 38.
(8) انظر: سمير أمين، التراكم على الصعيد العالمي...، مصدر سابق، ص 95.
(9) انظر: سمير أمين: قانون القيمة والمادية التاريخية. ترجمة صلاح داغر، الطبعة الاولى (بيروت: دار الحداثة، 1981)، ص 56.
(10) لمزيد من التفاصيل قارن: سمير أمين، التراكم على الصعيد العالمي ...، مصدر سابق، ص 205 ولاحقا.
(11) وقد ورد ذلك في عدة أعمال من بينها: سمير أمين، التبادل غير المتكافئ وقانون القيمة...، مصدر سابق.
(12) انظر: سمير أمين، التطور اللامتكافئ ...، مصدر سابق، ص 119.
(13) انظر على سبيل المثال: سمير أمين، التبادل غير المتكافئ وقانون القيمة...، مصدر سابق ؛ سمير أمين، التطور اللامتكافئ...، مصدر سابق ؛ سمير أمين، التراكم على الصعيد العالمي ...، مصدر سابق ؛ سمير أمين، قانون القيمة والمادية التاريخية ...، مصدر سابق.
(14) انظر سمير أمين: التبادل غير المتكافئ وقانون القيمة...، مصدر سابق، ص 136.
(15) انظر: سمير أمين، قانون القيمة والمادية التاريخية ...، مصدر سابق، ص 73، 80، 81، 83، 90.
(16) المصدر السابق، ص 12.
(17) انظر: سمير أمين، التبادل غير المتكافئ وقانون القيمة...، مصدر سابق، ص 22-23.
(18) لمزيد من التفاصيل حول هذه الإشكاليات قارن: سمير أمين، التطور اللامتكافئ ...، مصدر سبق ذكره.
(19) انظر: سمير أمين، التبادل غير المتكافئ وقانون القيمة ...، مصدر سابق، ص 80 – 81.
(20) انظر: سمير أمين: التطور اللامتكافئ...، مصدر سابق، ص 114
(21) لمزيد من التفاصيل حول هذه القضايا انظر سمير أمين، التطور اللامتكافئ ...، مصدر سابق.
(22) انظر: محمد عثمان مصطفى، تأثير العلاقات الاقتصادية الدولية من قبل الدول الرأسمالية المتطورة على الجانبين البنيوي والكمي للفائض الاقتصادي للدول المتخلفة في إطار الجهاز الرأسمالي الموحد. أطروحة دكتوراه الدولة غير منشورة، معهد العلوم الاقتصادية، جامعة الجزائر، جوان 1979، ص 204.
(23) انظر: توماس سنتش، نقد نظريات الاقتصاد العالمي ...، مصدر سابق، ص 69.